في قلب أفريقيا تتشكل ملامح سيناريو سياسي لافت، حيث جماعة نصرة الإسلام والمسلمين -أكبر فصيل مرتبط مباشرة بتنظيم القاعدة في المنطقة- تقترب بخطى حثيثة من العاصمة باماكو، وفقا لتقرير نشره موقع شيناري إيكونوميشي الإيطالي.

ويوضح الكاتب فابيو لوغانو أن ذلك لن يتم عبر هجوم خاطف، بل عبر حصار اقتصادي خانق يهمّش الحكومة ويصيب مؤسسات الدولة بالشلل.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إستراتيجية دول الساحل الأفريقي.. سيادة مغلقة بين التحرر والتبعيةlist 2 of 2منجم "باريك" للذهب في مالي يستأنف نشاطه تحت إدارة الدولةend of list

ووصف الكاتب ما يحدث في مالي بأنه نسخة أفريقية مختلفة مما يجري في القارة السمراء عادة، إذ لا يعتمد على السيطرة العسكرية السريعة، بل على استنزاف بطيء يترك العاصمة تتهاوى من الداخل.

وبينما تنشغل القوى الدولية بصراعات أخرى، تتقدّم القاعدة نحو أن تصبح السلطة الحاكمة في بلد كامل، في سابقة ستكون الأولى من نوعها إذا ما اكتملت حلقاتها، بحسب الكاتب.

حصار

ووفقا للتقرير، لم يعد التهديد الأبرز في مالي هو الهجمات أو التفجيرات، بل نقص الوقود، ذلك المورد الذي تحوّل إلى سلاح إستراتيجي بيد المقاتلين المسلحين.

فمن خلال قطع خطوط الإمداد إلى العاصمة، نجحت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في إرغام الحكومة وخصومها على الوقوف مكتوفي الأيدي، عاجزين عن تحريك الآليات أو حماية الطرق أو حتى تأمين الخدمات الأساسية.

وتعتمد الجماعة على تكتيك "التطويق الزاحف"، أي محاصرة باماكو اقتصاديا دون الدخول في معركة مباشرة، ثم ترك الأزمات تتعاظم حتى يصبح سقوط المدينة نتيجة طبيعية للشلل الكامل.

ويوضح فابيو لوغانو أن تسجيلات نشرها مقاتلو الجماعة مؤخرا تظهر سيارات محترقة وقوافل وقود صودرت أو أُحرقت، في حين تقف القوات الحكومية على بعد ساعات عاجزة عن التدخل بسبب نفاد محروقاتها. وفي بلدة كاتي، المعقل العسكري الأكبر قرب العاصمة، تنتظر الوحدات منذ أسابيع ما يكفيها لتشغيل المركبات.

يبرز الكاتب أنه رغم اقتراب مقاتلي الجماعة من باماكو، فإن محللين يرجحون أنها لا تخطط لهجوم عسكري مباشر؛ فالعاصمة المكتظة بالسكان ستكلفهم خسائر فادحة، في حين يحقق الحصار نتائج أسرع وبكلفة أقل، والهدف هو انهيار النظام تلقائيا.

اقتصاد مختنق

ونقل عن الباحث في معهد السياسة الخارجية الأميركي رافائيل بارينس قوله "كل يوم يمرّ مع استمرار الحصار، يقترب النظام في باماكو خطوة إضافية من الانهيار".

إعلان

وبحسب الكاتب، فقد انعكس نقص الوقود مباشرة على حياة الماليين، حيث تضاعفت أسعار البنزين ثلاث مرات، واصطف الناس أمام المحطات أياما بحثا عن لتر واحد. ومع تفاقم الأزمة، أوقفت الحكومة الدراسة وأغلقت بعض محطات الكهرباء لتقنين ما تبقى من مخزون.

ويروي سكان في العاصمة -يوضح فابيو لوغانو- كيف تحوّلت حركتهم اليومية إلى رحلة بحث عن وسيلة نقل أو وقود، في وقت ترتفع فيه أسعار السلع الأساسية مع تراجع حركة الشاحنات. ويقول أحدهم "اليوم لا يوجد شيء في المحطات.. وكأن المدينة تُخنق ببطء".

ورغم وصول قافلة وقود محمية من قوات روسية عبر كوت ديفوار، فإن ذلك بدا أقرب إلى مسكن مؤقت لا يغيّر مسار الأزمة، مع استمرار تقطيع الجماعة خطوط الإمداد.

مقاتلون من أنصار القاعدة في مدينة تمبكتو المالية (الجزيرة-أرشيف)

وحول وصول مالي إلى هذه اللحظة الحرجة، يعود التقرير إلى عام 2012 حين بدأ التمرّد بقيادة إياد أغ غالي، الذي تحوّل من موسيقي من روّاد الروك إلى أحد أبرز قادة القاعدة في أفريقيا. ومنذ ذلك الحين، عجزت كل التدخلات الدولية عن وقف تمدّده.

ثم جاءت الانقلابات المتتالية منذ 2020 لتزيد حالة الفراغ السياسي، كما اتخذت السلطة العسكرية الجديدة قرارين مفصليين: طرد القوات الفرنسية، ثم الاستعانة بقوات فاغنر الروسية، وفقا للكاتب فابيو لوغانو.

ويضيف أنه بعد انهيار فاغنر وظهور "الفيلق الأفريقي" الروسي لم يتحسّن الوضع، فقد وقعت دوريات روسية ومالية مشتركة في كمائن متكررة، مما مكن المقاتلين المسلحين من جمع مزيد من السلاح واستكمال الطوق حول العاصمة.

ويبرز الكاتب أنه رغم اقتراب مقاتلي الجماعة من باماكو، فإن محللين يرجّحون أنها لا تخطط لهجوم عسكري مباشر؛ فالعاصمة المكتظة بالسكان ستكلفهم خسائر فادحة، في حين يحقق الحصار نتائج أسرع وبكلفة أقل، والهدف هو انهيار النظام تلقائيا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: شفافية غوث حريات دراسات

إقرأ أيضاً:

كاتب غزي: خرجنا من الحرب لكن الحرب لم تخرج منا

بعد عودته إلى منزله في مدينة غزة عقب وقف إطلاق النار، يروي الصحفي الغزي رامي أبو جاموس في يومياته، شهادة إنسانية مؤلمة تكشف أن نهاية الحرب لا تعني نهاية معاناة مواطنيه المنكوبين.

وإذا كان أبو جاموس -كما يروي في يومياته على موقع أوريان 21- من بين المحظوظين لأنه عاد إلى بيته، فإن كثيرين غيره لم يعودوا إلا إلى الدمار، بعد أن سويت أحياؤهم بالأرض، ودمرت البنية التحتية فيها بالكامل.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2غارديان: مجزرة الفاشر السودانية نموذج مألوف من العنف المتوقعlist 2 of 2غارديان: جماعات إسلامية تقترب من باماكو فهل تنجح في تحويل مالي للحكم الإسلامي؟end of list

يقول أبو جاموس "كنا محظوظين، بعد وقف إطلاق النار المعلن في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2025، عدنا إلى بيتنا، في شقتنا بشارع شارل ديغول. كانت لا تزال سليمة، ولكن في الشمال جرف مخيم الشاطئ وحي الشيخ رضوان بالكامل. حي تل الهوا في الجنوب لم يعد موجودا. يبدو كأن زلزالا هائلا سوى كل شيء بالأرض".

المباني سويت بالأرض جراء القصف الإسرائيلي في خان يونس وكل قطاع غزة (الفرنسية)

ويضيف الصحفي أن كثيرين يسألونه كيف تبدو الحياة بعد وقف إطلاق النار، وهل بدأ الناس يستنشقون الهواء؟ فيجيب دائما بالمقارنة نفسها كما يقول: "نحن مثل جريح استيقظ لتوه بعد عملية جراحية، يخرج ببطء من ضباب التخدير، لا يشعر بعد بالألم، لا يعرف ما الذي حدث، لا يعرف مدى خطورة جرحه، ولا هل سيتمكن من الوقوف؟ ولا هل سيتمكن من المشي مجددا؟".

الأزمات تستمر

نحن في هذا الوضع -كما يقول الكاتب- "كأننا كنا في خلاط، في إعصار يدور، توقف الخلاط فجأة، توقف الإعصار، لكننا ما زلنا في الدوار، لقد خرجنا من الحرب، لكن الحرب لم تخرج منا. يكفي أن تمر سيارة لأظن أني أسمع صفير صاروخ يهوي. ما زال أزيز المسيّرات عالقا بأذني، وصفارات سيارات الإسعاف، وأزيز طائرات إف-16 وأصوات القنابل".

بدأ وقف إطلاق النار ولكن الأزمات الإنسانية تستمر، حيث المياه شحيحة -كما يقول الكاتب- والكهرباء مقطوعة، والناس يطبخون على الحطب وسط ركام منازلهم، والأسعار مرتفعة بشكل جنوني، والمساعدات التي تدخل القطاع محدودة وتخضع لرقابة الجيش الإسرائيلي، وغالبا ما تحول إلى تجارة خاصة لا تصل للفقراء.

تحولت دير البلح إلى ما يشبه "العاصمة الجديدة" لقطاع غزة، تتركز فيها المنظمات الدولية والمخازن التجارية لأنها كانت أقل المدن تضررا، أما في مدينة غزة، فلا تزال الحياة شبه متوقفة، ولا يزال التعليم متعطلا، والمدارس والجامعات مدمرة.

إعلان

عادت المولدات الكهربائية للمستشفيات والمنظمات، وقد "ركب أحد جيراننا في البناية مولدا نستخدمه بين الحين والآخر لضخ الماء، ولأول مرة منذ عودتي، نفتح الحنفية وينساب منها الماء، ليس باستمرار بالطبع، لكن هذا شيء جديد"، كما يقول أبو جاموس.

شبه حياة طبيعية

وينبه الكاتب إلى أن هذا الوضع الشبيه بالحياة الطبيعية يمنح الناس وقتا لفهم مدى ما عانوه خلال عامين من المجازر، مشيرا إلى أنهم يحاولون قياس حجم الكارثة، وعمق جراحهم وحزنهم، وبدؤوا يتحدثون عن المستقبل، ولكنهم يكتشفون كل مرة أنه غير موجود.

سياسة إسرائيل تهدف إلى إبقاء غزة في حالة اللاسلم واللاحرب لدفع سكانها إلى الهجرة القسرية

تعود بعض الأشياء إلى العمل شيئا فشيئا -كما يقول الكاتب- وقد بدأت الحكومة التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ممارسة عملها، أعادت وزارة الداخلية فتح مكاتب الأحوال المدنية وسجلات الولادات والوفيات، وباتت المحاكم الشرعية قادرة على تسجيل الزيجات، وهم يعيدون النظام للأسواق التي كانت فوضوية، وكأن الحياة تستأنف من جديد.

ويصف الكاتب حالة الخوف الدائم وعدم الاستقرار التي يعيشها السكان تحت تهديدات متكررة من القادة الإسرائيليين باستئناف الحرب أو إعادة تقسيم القطاع، معتبرا أن سياسة إسرائيل تهدف إلى إبقاء غزة في "حالة اللاسلم واللاحرب" لدفع سكانها إلى الهجرة القسرية.

وأورد أبو جاموس تأملات مؤلمة حول مستقبل غزة، متسائلا عن جدوى الحديث عن إعادة الإعمار أو الحياة الطبيعية في ظل واقع بلا ماء ولا كهرباء ولا مدارس، وبلا أمل حقيقي، لأن الحرب -كما يقول- ما زالت تسكن في النفوس حتى بعد أن صمتت المدافع.

مقالات مشابهة

  • انفراد.. توت عنخ آمون محصن بزجاج إيطالي غير قابل للاختراق (صور)
  • جماعة جهادية تابعة للقاعدة تهدد باماكو وسط عجز عسكري روسي ومالي عن صدها
  • كاتب غزي: خرجنا من الحرب لكن الحرب لم تخرج منا
  • السامعي يطمئن على صحة الكاتب والصحفي خليل العُمري
  • بيتكوفيتش يستفسر عن جاهزية قندوسي !
  • غارديان: جماعات إسلامية تقترب من باماكو فهل تنجح في تحويل مالي للحكم الإسلامي؟
  • بالصور.. مركز الملك سلمان للإغاثة ينفذ مبادرة "نور السعودية" في باماكو عاصمة مالي
  • مالي تحت الحصار.. مقتل وأسر جنود وحرق «شاحنات الوقود» في باماكو
  • وفاة الكاتب والشاعر إسكندر حبش