نميرة نجم: “ترامب” أوقف جهود مشاريع الهجرة بأفريقيا
تاريخ النشر: 8th, November 2025 GMT
أكدت السفيرة د. نميرة نجم، خبيرة القانون الدولي ومديرة المرصد الإفريقي للهجرة (AMO)، أن الولايات المتحدة كانت السبب المباشر في تعطيل وتأخير جهود مشاريع الهجرة في إفريقيا، بعد أن قررت تجميد وتمديد وقف التمويل في عدد كبير من المنظمات الدولية التي كانت تعتمد عليها دول القارة السمراء لسنوات طويلة، ما أحدث شللًا كاملًا في المشاريع الإقليمية.
وأوضحت السفيرة أن هذا التجميد لم يكن حالة فردية، بل أدى إلى توقف مشاريع قائمة وخلق فراغ خطير في العمل الإقليمي وأبطأ تقدم المشاريع رغم جاهزيتها الفنية، مما أثر على القدرة الإفريقية في تحويل الأرقام إلى معرفة وقطع الطريق أمام بناء سياسات واقعية للهجرة بالقارة.
وكشفت نجم أن المشروع الإقليمي لإنشاء أول مركز بيانات في اتحاد المغرب العربي (UMA)، الذي يتبناه المرصد بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة، لم ينجُ من القرار الأمريكي العشوائي.
وأوضحت السفيرة:
“المشروع كان قد وصل إلى المراحل النهائية للتنفيذ، لكنه تعطّل بالكامل بسبب أن التمويل الأمريكي انسحب فجأة وجُمّد التمويل، وبالتالي توقف التنفيذ، رغم أن كل شيء كان جاهزًا”، مضيفة أن المرصد اضطر للبحث عن مصادر تمويل بديلة لإنقاذ المشروع بالتعاون مع تجمعات مثل الإكواس (ECOWAS) والإيغاد (IGAD) لضمان استكمال واستمرار المبادرة.
وأكدت السفيرة نجم أن 25 دولة إفريقية من بين 47 كانت تعتمد على مكتب الإحصاء الأمريكي لتحليل بيانات التعدادات والهجرة، بتمويل أمريكي مباشر من الوكالة الأمريكية للتنمية. ومع قرار الحكومة الأمريكية في واشنطن “الانسحاب وتجميد هذا التمويل”، أصبحت هذه الدول تمتلك بيانات ضخمة بلا أي قدرة على تحليلها، في الوقت الذي بدأت فيه دول القارة تعدادات وطنية جديدة، مما ضاعف حدة آثار الأزمة. وأوضحت السفيرة:
“كان من الضروري للمرصد الأفريقي للهجرة أن نسعى لتحقيق استقلالية إفريقيا في البيانات والعمل على بناء قدرات تحليلية داخل الدول لإلغاء هذا الاعتماد القسري على مراكز تحليل خارجية، لضمان أن يكون لدينا تحليل داخلي ودقيق ومستقل للبيانات الإفريقية”.
وشددت نجم على أن ما حدث يثبت أن الاعتماد على التمويل الخارجي لم يعد خيارًا آمنًا بل “رهان خاسر”،، وأن تجميد التمويل الأمريكي مثّل ضربة قاسية عطّلت مشروعات استراتيجية وعمّقت الفجوة في قدرات إفريقيا التحليلية، معتبرة أنّ القارة يجب أن تتجه إلى استقلالية وسيادة كاملة في إدارة وتحليل بياناتها حتى لا تقع تحت رحمة أجندة خارجية أو أهواء قرارات سياسية أجنبية أحادية.
جاء ذلك خلال ورشة حوارية مغلقة تحت عنوان “ضمان حماية الحياة في البحر في غرب إفريقيا”، نظمتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) بالشراكة مع مؤسسة العمل الإنساني في البحر (FHAS) وHASSMAR، والهيئة العليا لتنسيق الأمن البحري والسلامة البحرية وحماية البيئة البحرية بالسنغال، في العاصمة السنغالية داكار.
وأوضحت السفيرة في كلمتها بالورشة أن الدول الإفريقية تنتج بيانات الهجرة بشكل منتظم، حيث جمعت 47 دولة عضو في الاتحاد الإفريقي البيانات عبر التعدادات، لكن المشكلة الأساسية تكمن في غياب التحليل وتحويل الأرقام إلى معرفة قابلة للاستخدام، ما يجعل السياسات المبنية على هذه البيانات محدودة الفاعلية.
وأشارت السفيرة إلى التحديات الكبيرة التي تواجه جمع البيانات وتحليلها في إفريقيا، مشيرة إلى أن جمهورية الكونغو الديمقراطية لا تمتلك أي إحصاءات رسمية رغم كونها من أكبر المصدرين للهجرة النظامية وغير النظامية واللاجئين.
وشددت نجم أن التحدي الأكبر الذي يواجه الدول الإفريقية في مراقبة حدودها البحرية هو ضعف القدرات، أن المسارات البحرية تشكل تهديدًا كبيرًا للمهاجرين، حيث يقطع البعض آلاف الكيلومترات في 8 إلى 11 يومًا تحت ظروف بحرية خطرة، و حيث توجد دول ذات سواحل طويلة ولا تمتلك سوى سفينتين فقط للإنقاذ و لمراقبة سواحل شاسعة، ما يجعل البحث والإنقاذ شبه مستحيل ، مقارنة بدول أوروبية تمتلك أساطيل وطائرات لمتابعة سواحلها، في حين أن 23% من المهاجرين الأفارقة يتجهون نحو أوروبا، و73% منهم من المهاجرين غير النظاميين يصلون لإسبانيا عبر شمال إفريقيا، ما يعكس هشاشة التنسيق وتفاوت القدرات على مستوى القارة ، واقترحت استخدام الطائرات المسيّرة والذكاء الاصطناعي لمراقبة البحار بشكل أرخص وأكثر فعالية.
وشددت نجم أن مصر تلعب دورًا محوريًا في ضبط المسار البحري الشمالي، وتُعدّ اليوم الدولة الإفريقية الوحيدة التي توقفت منها تمامًا الهجرة غير النظامية نحو الشمال، حيث استثمرت القاهرة بشكل كبير في حماية سواحلها على البحرين الأحمر والمتوسط لضمان عدم خروج قوارب غير آمنة تحمل الهجرة غير النظامية، مشددة على أن الإجراءات الصارمة جعلت من المستحيل عمليًا أن تغادر أي قوارب تهريب من الشواطئ المصرية.
ونبهت السفيرة أن الدول الإفريقية تنتج بيانات حول الهجرة، لكن معظمها مجزّأ وغير محلل بشكل داخلي، وغالبًا يفتقد التحليل المنهجي وتحويله إلى سياسات قائمة على الأدلة، ولهذا يعمل المرصد على توحيد المنهجيات وإنشاء مراكز بيانات إقليمية، وهو ما دفع الاتحاد الإفريقي لإنشاء المرصد الأفريقي للهجرة في 2018، وبدأ عمله رسميًا في ديسمبر 2020 من مقره في الدار البيضاء، بإقتراح و دعم من ملك المغرب بصفته بطل الهجرة في الاتحاد الإفريقي.
وشرحت السفيرة أن المرصد يركز على توحيد البيانات، التحليل، بناء القدرات، وتقديم المساعدة التقنية للدول الأعضاء، مع التركيز على السيادة الإفريقية على البيانات وحماية المهاجرين، والشراكات الإقليمية والدولية لضمان استقلالية البيانات الإفريقية وإدارتها داخليًا.
وأضافت نجم أنه خلال عام 2025، حقق المرصد أكثر من 30 نشاطًا شملت تدريب المدربين، وورش عمل إقليمية مع الدول الأعضاء والمجموعات الإقليمية مثل ECOWAS وUMA وIGAD وECA وECCAS وCEN-SAD وSADC، إضافة إلى المساعدة التقنية في جمع البيانات وتحليلها وصياغة السياسات، وإعداد دليل تدريبي شامل لحوكمة الهجرة ومراقبة المسارات البحرية. كما عزز المرصد شراكاته مع الدول الأعضاء والمنظمات الدولية مثل IOM وUNHCR وFAO وUNODC وILO وUN DESA، بالإضافة إلى شركاء تنمويين وأكاديميين وتقنيين مثل ICESCO وOECD وجامعة الدول العربية وSTATAFRIC ومراكز البحث والجامعات.
وبينت السفيرة أن المرصد بدأ مشاريع مستقبلية لعام 2026 تشمل استكمال إنشاء مراكز البيانات الإقليمية في جميع التجمعات الاقتصادية الإقليمية، وبناء نماذج تدريبية للمدربين قابلة للنشر باللغات الرسمية للاتحاد الإفريقي، وتنفيذ ورش عمل مع CEN-SAD وECOWAS وIGAD وUMA لتعزيز القدرات الوطنية والإقليمية.
وأكدت السفيرة أن المرصد أطلق برنامج “تدريب المدربين” لضمان وصول التدريب إلى كوادر الأقاليم والمحافظات، وليس فقط إلى موظفي العواصم، إلى جانب إعداد دليل تدريبي ديناميكي يتم تحديثه وترجمته إلى لغات الاتحاد الإفريقي.
ونوهت السفيرة أن المرصد تلقى طلبات من ثلاث دول إفريقية لمساعدتها في إعداد تقارير التعدادات الوطنية أو إنشاء مراصد وطنية للهجرة، وقد أعد نموذجًا يرشد الدول إلى الخطوات التشريعية والإدارية مع تقديم الأدلة الإجرائية والمناهج العلمية التي تحدد الخطوات المطلوبة من السلطات الوطنية لضمان جمع وتحليل البيانات بشكل متكامل ومطبق.
الجدير بالذكر ان الورشة ركزت على ثلاثة مجالات رئيسية: المعرفة بالمجال البحري والبيانات، التحضير العملياتي وتدريب فرق البحث والإنقاذ، وتعزيز التنسيق للنزول وما بعد النزول، وشملت المناقشات تطوير مراكز بيانات إقليمية لتوحيد منهجيات جمع البيانات، وتمكين تبادل المعلومات في الوقت الفعلي بين الدول الساحلية ومراكز التنسيق البحري، وتحليل تدفقات الهجرة وربط حركة السفن التجارية بمواقع الحوادث لتحسين الاستجابة، مع تعزيز التعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية لضمان حماية فعالة للناجين وإنقاذ الأرواح على طول هذا المسار البحري الحيوي.
وشارك في الورشة ممثلون عن الدول الساحلية، جهات البحث والإنقاذ البحرية، اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC)، IOM، وSOS Mediterranee، بالإضافة إلى خبراء من مراكز بحثية ومنصات مراقبة الهجرة المختلطة، وخبراء وممثلون عن الدول الساحلية وجهات البحث والإنقاذ.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: السفيرة د نميرة نجم خبيرة القانون الدولي مديرة المرصد الأفريقي للهجرة الولايات المتحدة الوكالة الأمريكية للتنمية الاتحاد الإفریقی البحث والإنقاذ نجم أن
إقرأ أيضاً:
ترامب يؤكد تحقيق تقدم كبير في جهود تسوية الصراع الأوكراني
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن جهود تسوية الصراع في أوكرانيا حققت تقدماً كبيراً، رغم عدم التوصل بعد إلى اتفاق نهائي للسلام.
وجاء ذلك خلال اجتماع له مع زعماء دول آسيا الوسطى في البيت الأبيض، حيث أكد أن المساعي الدبلوماسية تسير في اتجاه إيجابي.
وأضاف ترامب: “روسيا وأوكرانيا… لم نحقق السلام بعد، لكنني أعتقد أننا أحرزنا تقدماً كبيراً”.
وتأتي تصريحاته بعد إعلان المبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص، ستيف ويتكوف، عن ما وصفه بـ”إنجاز ملموس” في مسار التسوية الأوكرانية، مشيراً إلى أن المرحلة المقبلة ستتطلب جهداً تقنياً مكثفاً للتوصل إلى اتفاق على بروتوكولات أمنية تخص أوكرانيا، مع التعبير عن ثقته بقدرة واشنطن على تسهيل اتفاق سلام بين موسكو وكييف.
وفي سياق متصل، أكد البيت الأبيض استمرار التحضيرات لعقد قمة روسية–أمريكية في بودابست، بعد إلغاء الموعد السابق الذي تم الاتفاق عليه عبر اتصال هاتفي بين الرئيسين. وأوضح المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يستبعد عقد اللقاء في المستقبل القريب.
كما أشار المدير التنفيذي للصندوق الروسي للاستثمار المباشر، كيريل ديميترييف، خلال زيارته إلى الولايات المتحدة، إلى أن الاستعدادات للقمة في المجر جارية، متوقعاً عقدها لاحقاً هذا العام، مؤكداً جاهزية بودابست لاستضافة اللقاء.
وكان ترامب وبوتين قد ناقشا الملف الأوكراني وجهًا لوجه في قمة ألاسكا في 15 أغسطس الماضي، ووصف الجانبان المحادثات بأنها “إيجابية وبناءة”، مع تأكيد بوتين أن حل الأزمة في أوكرانيا ممكن إذا استمرت الجهود المشتركة بنفس الوتيرة.