من الجهاد إلى السيادة.. سردية الإخوان لتبرير الحرب وتمزيق السودان
تاريخ النشر: 8th, November 2025 GMT
منذ اندلاع الحرب في السودان منتصف أبريل 2023، صعّدت شبكات إعلامية تابعة لتنظيم الإخوان المسلمين حملاتها الدعائية المضللة، مستخدمةً أدوات رقمية حديثة لإعادة صياغة رواية الحرب وتبرئة التنظيم من دوره في إشعالها، وسط تحذيرات من خطورة تأثيرها على النسيج المجتمعي وتعميق معاناة السودانيين.
ويرى مختصون أن الحملة الإخوانية أعادت تدوير خطابها القديم الذي استخدمه التنظيم قبل أكثر من ثلاثة عقود، حين سعى إلى تعبئة الشارع بخطاب ديني وهويّاتي لتبرير حرب الجنوب آنذاك، مستخدمًا شعارات "الجهاد" و"حماية الشريعة" في مواجهة ما كان يسميه "التمرد" و"الأجندات الأجنبية".
إلا أن تلك السردية التقليدية، وفق الخبراء، اصطدمت اليوم بواقع مختلف كلياً، مع تطور وسائل الاتصال وسهولة التحقق من المعلومات، ما جعل كثيراً من محاولات التضليل مكشوفة أمام المتابعين والناشطين.
وبحسب تقارير إعلامية، اعتمدت الحملة الإخوانية على "غرف إلكترونية" وصفحات على منصات التواصل مثل تلغرام وفيسبوك وواتساب، لتنسيق بث مقاطع مفبركة أو مجتزأة، ونشر شائعات عبر وسوم وتسريبات مصطنعة.
ويقول المدير الأسبق لوكالة السودان للأنباء، محمد عبد الحميد، إن أدوات الحملة شملت "فبركة مواد مرئية وصوتية وإعادة تدوير لقطات من ألعاب فيديو أو نزاعات أخرى"، مشيراً إلى أن الغاية كانت "صرف الأنظار عن جرائم الحرب في دارفور والخرطوم، وشيطنة القوى المدنية".
ويضيف الصحفي ياسر قاسم أن الحملة أعادت خطاب "الهوس الديني" الذي ساد تسعينات القرن الماضي، مرفقاً بتسليح كتائب جهادية مثل "كتيبة البراء"، في محاولة للعب على المشاعر الدينية.
وأشارت تقارير إلى أن الخطاب الإخواني المضلل وجد صداه في بعض مؤسسات الدولة، إذ تبنى عدد من الدبلوماسيين السودانيين في الخارج خطاب الحملة، في تجاوز للأعراف الدبلوماسية.
ويقول المحلل السياسي عادل خليفة إن التنظيم "عمل منذ الساعات الأولى للحرب على نشر رسائل سلبية ضد الحكم المدني الذي كان يرفع شعار تفكيك نظام الإخوان"، مستخدماً أدوات تضليل دون اكتراث بتداعياتها على البلاد.
وأوضح الصحفي الاستقصائي عبد الرحمن الأمين أن انتشار الأمية بين أكثر من 60% من سكان السودان منح الحملة أرضاً خصبة للانتشار، لافتاً إلى أن "الكثيرين يكتفون بإعادة إرسال الرسائل دون تدقيق أو بحث"، ما سهّل تداول الأخبار المضللة.
وترى الإعلامية نادين علاء الدين أن الحملة الإخوانية لم تكن مجرد وسيلة دعائية، بل "أداة ممنهجة لتمزيق المجتمع وضرب التماسك الوطني"، محذّرة من أن تأثيرها "يفوق العمليات القتالية نفسها" من حيث خطورتها على وحدة البلاد.
وتضيف أن "الحملة استهدفت كل من دعا إلى السلام أو نبذ الحرب، في محاولة لتخويف الشارع من العودة للمطالبة بالمدنية، وإطالة أمد الحرب عبر تضليل الرأي العام".
وتخلص التحليلات إلى أن الهدف الأبرز لحملة التضليل الإخوانية يتمثل في إعادة بناء صورة التنظيم وتبرير الحرب بوصفها "ثمن استعادة الدولة"، مع محاولات لتليين الموقف الدولي من خلال الترويج لفكرة أن الجيش هو "حائط الصد ضد التطرف والتفكك".
غير أن توسع الوعي الرقمي وتزايد منصات التحقق الإخباري جعل من الصعب استمرار تلك الحملات دون كشفها، وهو ما يشير إليه مراقبون باعتباره أحد أبرز التحديات التي تواجه تنظيم الإخوان في سعيه للعودة إلى السلطة عبر أدوات التضليل والإرباك الإعلامي.
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: إلى أن
إقرأ أيضاً:
التشخيص الخاطئ في خدمة غزاة السودان
مع أول طلقة في هذه الحرب اللعينة اتخذتُ موقفًا داعمًا للدولة ومؤسساتها ضد ميليشيا الجنجويد البربرية. هذا الموقف، الذي فصّلته مرارًا وتكرارًا، يرتكز على فرضية أساسية تتلخص في أن المليشيا الهمجية ليست دواء مناسبا لعيوب الدولة السودانية وان هذا ليس مجرد نزاع داخلي، بل غزو أجنبي.
إنّ التركيز علي أهمية العامل الخارجي لا يعني تجاهل جذور الصراع الداخلية. بل يعني الاعتراف بأن الحرب تُدبّر بالكامل تقريبًا من الخارج. فالخارج يتخذ القرارات الرئيسية، ويوفر جميع الأسلحة الفتاكة والمعلومات الحساسة، ويموّل الذراع السياسي للميليشا، ويدير حملات دعائية مُعقدة ممولة بملايين الدولارات. والأهم من ذلك، أن الخارج يوفّر أيضًا الغطاء الدبلوماسي الذي يُحيّد مراكز القوة الدولية ويُشلّ وسائل الإعلام العالمية والرأي العام في الداخل والخارج. ويتصدى للدعاية الممولة بسخاء وطنيون سودانيون بلا مقابل وبشجاعة نادرة ندرة محمد كمبال وسوزى خليل ووليد أب ركب.
كان موقفي، ولا يزال، غير محبوب على الإطلاق بين رفاقي السابقين من اليسار وفي الأوساط العلمانية والليبرالية. أصرّوا على أن الحرب مجرد صدام بين جنرالين بنفس درجة السوء – أحمد وحاج أحمد – ، أو صراعًا فصائليًا بين أجنحة مختلفة لرأسمال طفيلي، أو مؤامرة من الإخوان لقمع الثورة مع أن الأخوان لم يطلقوا كتائب ظل أو يشعلوا حربا أهلية في ١١ أبريل ٢٠١٩ بل سلموا السلطة دون أن يشعلوا حربا وان البشير قال للضباط الذين أتوا لإعتقاله “علي بركة الله، أبقوا عشرة علي البلد”.
الأصدقاء السابقين، فسروا دعم الدولة بانه يعني الانحياز إلى الإخوان والدكتاتورية العسكرية. ونتيجةً لذلك، فقدتُ العديد منهم ء. لكن، بصفتي شخصًا انطوائيًا، متوحدًا ويردو،، وجدتُ في العزلة راحةً لا عبئًا، مُتحررًا من وطأة التفاعل الإنساني المرهق.
والآن، أصدر التاريخ حكمه. يؤكد إجماع المنظمات الدولية ووكالات الاستخبارات الغربية ووسائل الإعلام العالمية أن السودان يواجه بالفعل غزوًا أجنبيًا. وهذا يُثبت بشكل قاطع أن التشخيص من قبل اليسار والليبراليين بان هذا صراع داخلي، سوداني-سوداني على السلطة في جوهره – كان خاطئًا تمامًا.
بسبب تراكم هذه الأدلة العالمية، عدّل البعض في اليسار وفي الأوساط الليبرالية خطابهم بمهارة، واعترفوا بدور أجنبي “معقد” ولكنهم حاولوا تبريره أو جعله يبدوا طبيعيا بمختلف الحجج المتهافتة مثل القول بان الجيش له من يدعمه من الخارج أو أن تدخل الأجانب في الحروب الأهلية متوقع. وقد فندنا هكذا تهافت في كتابات سابقة ولا داعي للإعادة.
ومع ذلك، بالنسبة لمعظم الذين أجبرهم الإعلام العالمي علي الاعتراف بالدور المدمر للأجانب في إبادة الشعب السوداني، لم يكن لهذا الاعتراف أي تأثير يُذكر على موقفهم الأساسي من الحرب أو خطابهم أو مطالبهم. وهذه مفارقة مركزية: كيف يُمكن للمرء أن يكتشف أن الصراع هو مشروع إمبريالي يهدف إلى تفتيت الوطن، دون أن يُراجع موقفًا قائمًا على فهم مُعاكس؟ كيف يكون الموقف ثابتًا وكذلك التموقع والخطاب والمطالب والتحالفات، بغض النظر عن كونه غزوا أجنبية أم صراعا بين جنرالين أو بين أجنحة راسمالية طفيلية؟
أما الليبراليون علي سنة خطاب الهويات الأمريكي، القايلين روحهم يسار، الذين اتهمونا بالعنصرية بنزع الجنسية السودانية عن الجنجا بالقول أن هذا غزو، ديل بنقول ليهم، بنقول ليهم، بنقول ليهم …. ما بنقول ليهم حاجة. وكذلك الذين دعوا للحياد والإستثمار في توازن ضعف بين طرفي النزاع برضو ما بنقول ليهم حاجة.
ليس هدف هذا المقال هنا إلقاء اللوم على أحد. فجميعنا نُخطئ، والتشخيص الخاطئ جزء من طبيعة البشر. القضية الأهم هي أن هذا الخطأ تحديدًا خذّل المعارضة والتصدي ومنح الغزاة ميزة هائلة مجانا، لأنه ساهم في تضليل العالم بشأن الطابع الحقيقي للحرب بإخفاء البعد الأجنبي الحاسم. وهذا فصل حزين في كتاب تاريخ القوي السودانية التي تدّعي الدفاع عن الديمقراطية والعلمانية والمدنية.
الطريق إلى الأمام واضح. على القوى السياسية الفاعلة الآن أن تتحمل مسؤوليتها بأن تُسمّي هذه الحرب بمسماها الصحيح: غزو أجنبي. ثم عليها أن تُجيب على الأسئلة العملية المُلِحّة المترتبة التي تلي:
ما هي أولوياتنا بالضبط والوطن يستبيحه الغزاة بالإبادة والإغتصاب اليومي؟
هل يجوز الحياد بين “طرفي النزاع”؟
ما هي أفضل طريقة لمقاومة هذا الغزو بالوسائل السياسية والدبلوماسية والإعلامية وغيرها؟
والأهم من ذلك، هل لدينا القدرة على مُقاتلة الجيش الوطني والغزاة الأجانب في آنٍ واحد؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فيجب توضيح تفاصيل هذه الاستراتيجية التي تحارب الغزاة والجيش والاخوان في آن واحد.
كيف يكون الوطني في حياد تجاه غزو أجنبي؟
ما الفرق بين “إعتزال الفتنة” واعتزال الدفاع عن الوطن ولو بالكلمة في وجه غازٍ جائرٍ؟
معتصم أقرع
إنضم لقناة النيلين على واتساب