الهدوء والسلام والثقة من سمات التصالح مع النفس، والوصول إلى درجة الرضا عن الذات لا يمتلكها كثيرون.. محبة الآخرين لا تصدأ ويظل بريقها دائما فى النفوس، لأنها الراحة الكبرى، فى كلامه وتصرفاته مع الآخرين هو خادم لهم، كانت ملامحه تعكس رقيًّا داخليًا، وكأن الحياة اختارته ليكون طبيبًا للنفوس قبل أن يصبح رقيب.
. أراد الطب، لكن الأقدار رسمت له دربًا آخر، ومع ذلك ظل يحمل قلب الطبيب أينما ذهب، فما أجمل أن تكون شخصًا كلما يذكرك الآخرون يبتسمون وللمحبة دائما أساس.. هكذا كان الدكتور سيد عبدالفضيل الذى ظل سنوات طويلة رئيسا للإدارة المركزية بالرقابة المالية، قبل أن يكون نائبا لرئيس قطاع الإشراف والرقابة على التمويل غير المصرفى.
عرفته منذ أكثر من اثنين وعشرين عامًا، مع عملى فى سوق المال، كان متفانيًا فى عمله، محبًا للنظام، حريصًا على تطوير منظومة الرقابة، مخلصًا فى كل تفصيل. كان مكتبه يعجّ بالوجوه الباحثة عن مشورته، كأنه منبر علم أو محراب إخلاص، ولا عجب أن أطلق عليه زملاؤه لقب «شيخ البلد»، فالجميع قصده كما يُقصد الحكماء فى الشدائد.
لم يكن طريقه مفروشًا بالورود. كان يحلم بدراسة الطب، وكاد أن يحقق حلمه، لكن والده والقدر اختارا له طريق التجارة. فاحتضن هذا المسار بكل شغف حتى نال درجة الدكتوراه. وعندما تخرّج فى كلية التجارة الخارجية بتفوق، تقدّم للعمل فى هيئة سوق المال مطلع التسعينيات، غير أن الأبواب أوصدت فى وجهه، بفعل الواسطة، رغم تفوقه وكفاءته. لكنه لم يستسلم. كتب تلغرافًا إلى رئيس سوق المال آنذاك، محمد فج النور، بكلمات لا تُنسى: «أنا الأحق».. وعلى استعداد لمناظرة أى من المتقدمين. كانت كلماته صادقة لدرجة جعلت الردّ يأتى سريعًا، فتصدر قائمة المقبولين.
بدأ رحلته فى عالم سوق المال الذى لطالما اعتبره بيته الأول، فكان الانطلاقة من شغفٍ حقيقى بالعمل، ترجمَهُ إلى مسيرة مهنية حافلة بالخبرات والإنجازات. ومع مرور السنوات، تراكم لديه خبرة واسعة أهلته لأن يتولى رئاسة الإدارة المركزية للتمويل، ليواصل من موقعه هذا مسيرة النجاح، ويقود مع زملائه رؤية استراتيجية متكاملة ارتكزت على التطوير والتحديث والابتكار، من بينها تطوير قاعدة بيانات متكاملة، وحفظ المعلومات إلكترونيًا لضمان أعلى درجات الكفاءة والشفافية، إلى جانب المساهمة فى صياغة تشريعات السندات المتنوعة، سواء المصنفة أو سندات الإيرادات وغيرها من الأدوات المالية الحديثة.
ولم يتوقف شغفه عند هذا الحد، إذ كان من أكثر الداعمين لفكرة إنشاء إدارة متخصصة بالصكوك، ذلك الملف الذى شكّل بالنسبة له قضية عمره ومجال إبداعه الحقيقى. وبفضل جهوده المتواصلة وإيمانه الراسخ بأهمية هذا القطاع، نجح فى أن يرى أحلامه تتحقق واقعًا، ليكون شاهدًا على إنجاز طالما حلم به وسعى لتحقيقه، جامعًا بين الرؤية والخبرة والإصرار على التطوير.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: خارج المقصورة شيخ البلد والسلام ذهب الطبيب الأشراف والرقابة التمويل التمويل غير المصرفي
إقرأ أيضاً:
محمد سعيد : الفرص الواعدة تعيد للسوق حظه فى «تورتة» الاستثمار
3 مستهدفات تعزز نمو الشركة
ارفع بصرك إلى أبعد من حدود الحلم، فداخلك طاقة لا تعرف المستحيل، وجرأة قادرة على اقتحام المجهول.. أنت وحدك من يملك أن يخطّ ملامح ملحمة لم يكتب لها نظير، وأن يصيغ فصلاً جديدًا فى سجل العظماء لم تجرؤ الأقلام من قبل على كتابته.. أنت من يصنع أسطورة لم تُروَ من قبل، وتكتب سطرًا جديدًا فى كتاب المجد، بحبر الإرادة وعزيمة لا تنكسر.. وكذلك محدثى داخله شعلة لا تنطفئ، وروح خلقت لتغامر لا لتتراجع. لا تهاب المجهول، فخطاك حين تتقدم تعيد رسم الطريق.
جرأتك على المحاولة كانت الشرارة الأولى التى أضاءت عتمة الطريق، فحين تجرؤ على أن تخطو، تبددت أمامك ظلال الخوف، وبدأت ملامح النجاح تنسج خيوطها فى صمت، لا تنتظر معجزة، بل تصنعها بيدك.. وعلى هذا الأساس كانت مسيرة الرجل منذ الصبا.
محمد سعيد، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة «آى دى تى» للاستشارات والنظم.. إصرار لا يعرف التوقف، رحلة شغف لا تنتهى، مسيرة لا تعرف محطات النهاية وهو سر تميزه.
على مقربة من قلب مدينة نصر النابض بالحياة، وعلى بعد خطوات من شارع «مكرم عبيد» الذى يحمل اسم أحد رموز الوطنية ورجال الدولة فى زمن ما قبل ثورة يوليو 1952، تنتصب بناية شامخة كأنها تحكى قصة العصر الحديث فى ثوب معمارى بديع. واجهتها اللامعة تعكس مزيجاً من الأصالة والحداثة، كأنها تجسّد روح القاهرة التى لا تنام. بجوار أحد المولات الفخمة، يقف المبنى بهيبته، بينما يتسلل الضوء عبر واجهته الزجاجية ليضىء تفاصيل الحياة فى داخله.
فى الطابق الرابع، حيث يبدأ المشهد الحقيقى، يقودك المدخل الرئيسى إلى عالم من النظام والاحتراف. المكان يفيض بالهدوء، لكن خلف هذا السكون حركة لا تهدأ، وانضباط لا تخطئه العين.. الموظفون غارقون فى تركيزهم، تتناغم حركاتهم كما لو كانوا يعزفون سيمفونية من الإتقان والالتزام، تشهد على ثقافة مؤسسية تعرف جيداً معنى العمل بصمت وإنتاج بفاعلية.
تتجه الأنظار إلى غرفة مختلفة، تحمل ملامح المكان وروحه. غرفة فخمة التصميم، تجمع بين هيبة قاعة الاجتماعات ودفء المكتب الخاص لرئيس مجلس الإدارة. جدرانها تزينها لوحات متفردة، كل لوحة منها تفتح نافذة على بلد زاره، أو تجربة عاشها، رحلته بين القارات.. الألوان منسجمة، والضوء مدروس، والمكتب فى المنتصف يبدو كقاعدة انطلاق للأفكار والقرارات.
على سطح المكتب تنتظم أجهزة الحاسب بتناسق دقيق، تتجاور مع أوراق مرتبة بعناية أشبه بملفات عسكرية، لا مكان فيها للارتباك، خلف كل ورقة فكرة، وخلف كل فكرة خطة عمل واضحة، ذلك الانضباط لم يأتِ صدفة، بل هو امتداد لخلفيته العسكرية التى غرست فيه حب النظام والدقة. بين تلك القصاصات تقف أجندة قديمة، تحمل بين صفحاتها ملامح رحلة طويلة من الجهد والمثابرة، تروى كيف نسج هذا الرجل طريقه بخيوط العزم والإصرار، وكيف تحوّل مع الزمن من مجرد طموح شاب إلى رؤية راسخة تؤمن بالعلم كمنهج، وبالعمل كقيمة.
حماسىّ فى تعبيراته، متجدد فى صياغة الأهداف، متزن فى طرحه، يحلل بعقلانية، ومنفتح على الأفكار التى تضيف قيمة.. فى تحليله للمشهد الاقتصادى يقول إن «الاقتصاد الوطنى مر بمرحلة عصيبة تتابعت فيها العواصف من كل اتجاه، خارجية كانت أم داخلية، فاهتزت بعض ركائزه وتباطأ مساره، لكنّه لم ينكسر، فعلى الرغم من المشروعات الاستثمارية الكبرى التى شهدتها الدولة، إلا أنه لم تكن سوى مسكنات وجرعات إنعاش مؤقتة تحفظ توازن الاقتصاد، لحين اتخاذ القرارات الجذرية القادرة على إحداث التحوّل الحقيقى، الذى لا يقوم إلا على الإنتاج الفعلى وتعزيز الصادرات، فهما الدعامة الصلبة التى تعيد بناء المسار وتحمى الأصول من التآكل».
ويضيف قائلًا: «إنه رغم كل ما اعترض الاقتصاد من أزمات وتقلبات، فإنّ مرونة سعر الصرف كانت صمام الأمان الذى خفّف حدة الصدمات، إلى جانب التقارير الإيجابية الصادرة عن مؤسسات التصنيف العالمية التى أكدت على استقرار السوق المحلى وثباته النسبى، كما أنّ استمرار التدفقات النقدية الأجنبية، حتى فى ظل خفض أسعار الفائدة، يُعدّ مؤشرًا على ثقة المستثمرين وقدرة الاقتصاد على الصمود واستعادة زخمه تدريجيًا».
- بابتسامة هادئة ونبرة تعكس عمق الخبرة، يجبنى قائلا: «لم يكن التأثير بالقدر الذى يخشى منه، بل يمكن القول إنه جاء فى مصلحة الاقتصاد الوطنى، فمع تحوّل بوصلة السياحة نحو السوق المحلى، وازدياد أعداد الزائرين، إلى جانب رفع التعريفة الجمركية على عدد من الدول، انفتحت فرص جديدة للاستثمار، هذا التحول منح الاقتصاد مساحة أوسع لالتقاط أنفاسه واستقطاب رؤوس أموال جديدة، بما يعزز من قدرته على تحويل التحديات إلى مكاسب، والاستفادة القصوى من التغيرات التى فرضتها الظروف».
الطموح ليس رفاهية، بل هو الوقود الذى يقود نحو تحقيق الأهداف، وبنفس الإيمان يتناول التحديات الداخلية، التى لا تزال تقف أمام مسيرة الاقتصاد الوطنى، ومن أبرزها موجات التضخم المتصاعدة، التى تتكشف آثارها بوضوح مع خفض قيمة العملة المحلية. فالتضخم – كما يوضح – لم يكن وليد زيادة الطلب كما يعتقد البعض، بل جاء نتيجة مباشرة لارتفاع تكاليف الإنتاج والاستيراد، وهو ما ألقى بظلاله على الأسعار فى مختلف القطاعات.
كما أن سوق العمل وفقا لتحليله يظل من القضايا الجوهرية التى تتطلب معالجة شاملة، فالتحدى الحقيقى لا يكمن فقط فى خلق فرص عمل، بل فى إعادة صياغة بنية السوق نفسها، بما يسمح بالاستفادة القصوى من قطاع التكنولوجيا الذى بات أحد المحركات الرئيسية للنمو العالمى. وهنا تبرز الحاجة إلى خطط استراتيجية واضحة تستثمر فى طاقات الشباب المبدع فى هذا المجال، إلى جانب تمكين القطاع الخاص ليحقق دوره الطبيعى فى تحريك عجلة التنمية وفتح آفاق جديدة أمام الاقتصاد الوطنى.
الاستمرار إيمانٌ بأن الوصول يستحق كل تعب، وبنفس الإيمان يحمل التفاؤل حول مستقبل الاقتصاد الوطنى، نتيجة تغيير فى فكر صانع القرار الذى بات أكثر مرونة، مع التيسير النقدى، ومساهمته فى تدفق الاستثمارات، مع تحذيراته من القيام بتوجيه التدفقات الدولارية لمساندة سعر الصرف.
لا يزال الاقتراض الخارجى يمثل صداعا برأس المحللين والمراقبين، خاصة مع تنامى معدلاته وتصاعد أعبائه على الموازنة العامة، غير أن محدّثى يرى المشهد من زاوية مختلفة تمامًا، تحمل رؤية متّزنة ومغايرة للسائد، حيث أن الدين الخارجى يثير القلق، لكن المسألة لا تُقاس بالأرقام فقط، بل بكيفية إدارة هذا الدين واستخدامه. فهناك من يراه عبئًا، وهناك من يعتبره أداة مؤقتة لعبور المرحلة. فى المقابل، فإن بيع الأصول والشراكات هما وجهان لعملة واحدة فى سعى الدولة لجذب السيولة وتخفيف الضغوط، منظومة الدولة، ومعالجة ذلك يتطلب الإنتاج.
- علامة ارتياح ترتسم على ملامحه قبل أن يجيبنى قائلا: «إن الملف اتسم بالمرونة سواء نحو السيطرة على الانفاق الحكومة، أو تعزيز الإيرادات، من المنظومة الضريبية، أو العمل على التحفيز، وتقديم التيسيرات النقدية لتعزيز الإنتاج، مع العمل على دعم الاقتصاد غير الرسمى، وإدخاله فى المنظومة الرسمية، وهو ما تسعى الدولة إلى زيادة نسبته خلال الفترة القادمة».
حصيلة طويلة من التجارب المتراكمة صقلت رؤيته، وهو ما ينعكس بوضوح فى حديثه عن الاستثمار الأجنبى المباشر. فبرؤية الخبير المتمرس يؤكد أنه، رغم احتدام المنافسة الإقليمية بين الدول لجذب الاستثمارات، فإن السوق المصرى لا يزال يحتفظ بنصيبه الأوفر من «التورتة الاستثمارية»، لما يتمتع به من فرص واعدة، وعمق اقتصادى، ومقومات قادرة على النمو المستدام.
ويتابع قائلاً: «لكن التفوق وحده لا يكفى، فالمطلوب خطة شاملة واضحة المعالم، تستند إلى خريطة استثمارية دقيقة تُبرز المزايا التنافسية لكل قطاع، وتُحدد بوضوح مسارات النمو، كما لا بد من تحرير بيئة الأعمال من قيود البيروقراطية المرهقة، ومواجهة الفساد بكل أشكاله، إلى جانب التوسع فى التحول الرقمى لتسهيل الإجراءات وتبسيط التعاملات».
يؤكدً أن من بين ركائز النهوض أيضا إعادة هيكلة تكاليف الأعمال بما يتلاءم مع الواقع الحالى، وتمهيد الطريق أمام المستثمر المحلى ليكون شريكًا فاعلًا فى التنمية، من خلال خفض التكلفة وتذليل العقبات، بما يسمح بمزيد من التوسع فى المشروعات الاستثمارية التى تشكل العمود الفقرى للاقتصاد الوطنى.
- ترتسم على ملامحه علامات ارتياح ممزوجة بالتأمل قبل أن يجيبنى قائلا إنه «فى الآونة الأخيرة، شهد السوق المحلى قفزة كبيرة فى تكلفة الاستثمار، مدفوعة بارتفاع أسعار الفائدة البنكية، فى وقتٍ تتراجع فيه فرص خفض التكلفة وتحسين العائد، هذا التناقض جعل بيئة الاستثمار المحلية أكثر صعوبة، ودفع عددًا من المستثمرين إلى التوجّه نحو الخارج، بحثًا عن أسواقٍ توفر تكاليف تمويل أقل وعوائد أكثر استقرارًا. إنها مفارقة تُظهر أن رأس المال بطبيعته لا يعرف الحدود، فهو يبحث دائمًا عن المناخ الأنسب للنمو والربحية».. مع توقعاته أن يشهد القطاع الخاص خلال العام القادم 2026 انطلاقة كبيرة.
مواصلة الرحلة نحو القمة وبنفس الحماس يتحدث على ملف الطروحات الحكومية، يرى أن فلسفة الحكومة فى برنامج الطروحات هو استهداف المستثمر الرئيسى، وليس البورصة، كونه قادرا على توفير العملة الصعبة، وبالتالى لم يشهد ملف الطروحات أى حراك، رغم أن البورصة تحقق قمما تاريخية يوم بعد الآخر، لذا على الحكومة تسريع وتيرة البرنامج، بطرح شركات كبرى تحقق عمقا فى السوق، وتحد من التلاعبات، وتسهم فى استقطاب فئات مستمرين جدد، علما أن السوق مهيأ لاستقبال الطروحات بفضل توافر السيولة، وتعطش المستثمرين لمثل هذه الطروحات، مؤكدا أن السوق فى حاجة إلى شفافية ومحفزات للطروحات.
رحلته لا تعرف التراجع، تقود بخطى الإصرار نحو الهدف ومن هذا المنطلق نجح مع مجلس الإدارة فى تحقيق استراتيجية الشركة، والعمل دراسة الشركات وإعادة هيكلة، والتحول الرقمى، مع تحقيق قفزات فى أرباح الشركة.
مسيرته لا تتوقف، يسعى إلى تحقيق 3 مستهدفات لتعزيز ريادة الشركة يتصدرها استمرار التوسع فى السوق الخليجى، وكذلك مواكبة المتغيرات فى مجال التكنولوجيا، بالإضافة إلى استهداف 6 شركات جديدة للهيكلة.
عزيمته تدفعه للاستمرار مهما كانت المعوقات، وهو سر تميزه، لكن يظل شغله الشاغل الحفاظ على الوصول بالشركة لا بعد نقطة.. فهل يستطيع تحقيق ذلك؟