أيتام الحرب في غزة.. حين يُمحى الأمان من ذاكرة الأطفال
تاريخ النشر: 7th, November 2025 GMT
في قطاعٍ صغيرٍ يختنق بالقصف والدمار، يتردّد صدى بكاء الأطفال كخلفية دائمة للحياة. هنا، في غزة، لم يعد للطفولة معنى الفرح أو اللعب. فمنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي الأخير، تجاوز عدد الأطفال الأيتام 58 ألف طفل، وفق بيانات رسمية فلسطينية، بينهم نحو 17 ألفاً فقدوا والديهم معاً، ليُتركوا يواجهون العالم بخيام مهترئة وقلوب مثقلة بالخوف.
خيام الزوايدة: طينٌ وبردٌ ودموع
في مخيم الزوايدة الخاص بالايتام وسط قطاع غزة، تمتد صفوف من الخيام المتلاصقة كأنها تحاول حماية بعضها من الرياح.
تنتشر برك الماء والطين بعد ليلة ممطرة، بينما الأطفال بأقدامٍ حافية يتنقّلون بين الخيام حاملين أوعية صدئة لجمع الماء.
تقول أم أحمد مسعود (35 عامًا)، التي فقدت زوجها في قصفٍ استهدف مسجد سعد الأنصار في بيت لاهيا: "زوجي استُشهد، أطفالي الأربعة بلا أب. نعيش الآن في مخيم خاص بالأيتام داخل خيمة ضيّقة لا تقي حرّ النهار ولا برد الليل. ابني الأكبر اضطر للرحيل والعيش مع جدته في مخيم عشوائي مجاور لأنه تجاوز الرابعة عشرة. أراه أحيانًا فقط.
أحاول أن أكون قوية لهم، لكني أضعف كلما بكى أحدهم من الخوف".
تسندها ابنتها سلمى (9 سنوات) قائلة بخجل: "أشتاق لبيتنا الذي تهدم، أريد أن أعود لغرفتي الصغيرة. كل ليلة أخاف أن تعود الحرب وتسقط القذائف من جديد".
جباليا: ذاكرة الطفل محمد تحت الركام
في شمال القطاع، بمخيم جباليا، يجلس محمد أحمد (6 أعوام) على إسفنجة ممزقة بجانب خيمته، محتضنًا دميته القديمة التي غطاها الغبار: "كنت ألعب عندما سقطت القذائف على بيتنا. رأيت أبي يقع وأمي لا تتحرك، الآن نعيش مع جدي المسن، كل انفجار يجعلني أركض لأختبئ، أشتاق لأمي وبيتي ومدرستي".
قربه، يجلس الجد حسن حلمي (58 عامًا) محاولًا إصلاح موقد صغير: "أصبحت أباً وأماً في وقت واحد. لا أملك عملاً ولا مأوى. نحصل على وجبة واحدة أحيانًا، وأحفادي ينامون خائفين كل ليلة. لا أعرف كيف أطمئنهم وأنا نفسي لا أشعر بالأمان".
"صف الأمل”: مدارس من قماش وحبر باهت
على أطراف المخيم، خيمة صغيرة كُتب على بابها "صفّ الأمل” داخلها يجلس عشرات الأطفال على صناديق خشبية، بأيديهم دفاتر ممزقة وأقلام قصيرة.
تقول لمى (10 سنوات)، التي فقدت والديها: "أحب المدرسة، حتى لو كانت خيمة.
أحيانًا أرسم بيتنا القديم وأتخيّل أننا عدنا إليه برفقة أبي وامي، أريد أن أصبح طبيبة لأساعد الأطفال الذين فقدوا أهلهم مثلي". توضح دعاء دحلان، الأخصائية النفسية في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، أن الوضع النفسي للأطفال في غزة "كارثي”: "نرى حالات قلق حاد، تبول لا إرادي، اكتئاب، وحتى فقدان للنطق نتيجة الصدمات. الأطفال يحتاجون إلى علاج نفسي طويل الأمد، لا مجرد جلسة دعم مؤقتة".
أيتام في مواجهة المجهول
قبل الحرب، لم يكن في غزة سوى عدد محدود من دور الأيتام، أما الآن فالمرافق الموجودة تغصّ بمئات الأطفال الجدد كل أسبوع، أغلبهم يعيشون في خيام أو منازل مهدّمة، دون رعاية متخصصة أو دعم كافٍ.
يكافح الأجداد والأمهات الأرامل لتأمين الغذاء والماء، بينما تتراجع فرص التعليم والعلاج يوماً بعد يوم.
سلمي محسن (25 عامًا) مدرسة في احدى الخيام التعليمية في مواصي خانيونس نقول: "الأطفال هنا لا يحتاجون فقط إلى التعليم والغذاء، بل يحتاجون إلى الشعور بالأمان وان هناك غدًا يستحق أن ينتظروه".
النداء الأخير: الطفولة تحتاج إلى مأوى
امجد الشوا مدير شبكة المنظمات الأهلية أشار إلى أن المؤسسات المحلية والدولية تطالب بـ توفير حماية شاملة للأيتام، وتعزيز برامج الدعم النفسي والاجتماعي، وإعادة بناء المدارس والمراكز الصحية، إضافة إلى دعم مالي وتمكيني للأسر التي ترعى الأطفال.
لكن على أرض الواقع، ما زالت الخيام تتكاثر، والأمل يتضاءل، فيما تبقى وجوه الأطفال شاهدة على جرحٍ مفتوحٍ لا تلتئم أطرافه.
وجوه صغيرة تحت سماء الرماد في كل خيمةٍ قصة، وفي كل طفلٍ حكاية مفقودة.
أكثر من 58 ألف يتيم في غزة يحلمون بليلٍ واحدٍ بلا خوف، وبغدٍ تعود فيه الطفولة إلى قلوبهم الصغيرة.
لكن في قطاعٍ أنهكه الحصار والدمار، يبدو أن الأمل نفسه صار يبحث عن مأوى.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی غزة
إقرأ أيضاً:
المنظمات الأهلية: لا تحسن بالمساعدات لغزة ونحتاج 300 ألف خيمة وملابس شتاء
غزة - صفا
قال رئيس شبكة المنظمات الأهلية بغزة أمجد الشوا "إننا بحاجة إلى 300 ألف خيمة وبملابس تصلح للشتاء في قطاع غزة".
وأضاف الشوا في تصريح صحفي لـ"الجزيرة" يوم الجمعة، أن الفلسطينيون ما زالوا يعانون الأمرين جراء تداعيات الحرب وشح المساعدات.
وشدد بالقول "لم نشهد أي تحسن في نوع المساعدات الإنسانية التي تدخل".
وتابع "نحن بحاجة ماسة إلى 300 ألف خيمة وإلى ملابس تصلح للشتاء".