“السودان ما حيقدر”: كيف تفضح “البصمة اللهجية” حرب المخابرات في السوشيال ميديا؟
النوبيون يمتنعون ????
في خضم المتابعة شبه المستحيلة لكمية التعليقات الموجهة والمنشورات المسمومة التي تبثها أجهزة مخابرات إقليمية ودولية حول الشأن السوداني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تبرز ملاحظة طريفة لكنها عميقة. تستخدم هذه الأجهزة حسابات وهمية لا حصر لها (تُعرف بـ “الذباب الإلكتروني”- بالسوداني: الجداد الالكتروني)، يديرها في الغالب أشخاص غير سودانيين، في محاولة يائسة لتوجيه الرأي العام.

ورغم تسليحهم بقواميس من المصطلحات السياسية المتداولة، إلا أنهم يسقطون في فخ لا يمكن للتدريب أن يغطيه: “البصمة اللهجية”.
إنها ملاحظة تنصرف بالمرء عن صخب معركة الذباب والبروباغاندا، ليركز على قضية لغوية كاشفة.
من “مش حتقدر” إلى “ما حيقدر”
لنتأمل مثالاً بسيطاً يكشف المستور. قد يكتب حساب وهمي بلهجة (مصرية مثلا) يُدار على الأرجح من خارج السودان، ولنقل الإمارات كمثال: “السودان مش حتقدر تستمر في الحرب”. في المقابل، يكتب المستخدم السوداني (بشكل فطري وتلقائي): “السودان ما حيقدر يستمر في الحرب”.
لغوياً، كلا الجملتين صحيحتين نحوياً في إطار اللغة الفصحى. فالجملة الأولى تؤنّث الكلمة، بتقدير (الدولة) أو (الحكومة)، وهو ميل لغوي شائع في اللهجة المصرية التي تميل لـ “أنسنة” الدول والإشارة إليها بضمير المؤنث (هي مصر). أما الجملة الثانية، فهي تذكّر الكلمة، بتقدير (البلد) أو (الوطن) أو (الشعب)، وهو الاستخدام المألوف (Default) والأكثر رسوخاً في الوعي اللغوي السوداني.
هذا الفارق الدقيق بين “مش حتقدر” المؤنثة و”ما حيقدر” المذكرة، هو أكثر من مجرد خيار نحوي؛ إنه “كلمة سر” (Shibboleth) تكشف هوية المتحدث الحقيقية. فالمشكلة ليست في “الخطأ” النحوي، بل في “النشاز” اللهجي. الذباب الإلكتروني يطبق قاعدة لهجته الأم، أو قاعدة فصحى مدرسية، فيفشل في محاكاة “الاستخدام” السوداني الفعلي.
فخاخ البنية اللغوية: “قاعد” و “الـ شين” الخائنة
الذباب الإلكتروني قد يتقن تكرار المفردات السياسية (البرهان، الدعم السريع، قحت)، لكنه يفشل حتماً في محاكاة “القواعد النحوية اللهجية” اللاواعية. فاللهجة ليست مجرد مفردات سطحية كـ “شنو” أو “هسي”، بل هي بنية تركيبية متكاملة تُبنى منذ الطفولة.
ومن العلامات الفاضحة الأخرى التي لا تقل أهمية عن تذكير “السودان”، هي صياغة الفعل المضارع المستمر (الذي يحدث الآن).
يكتب السوداني: “الجيش قاعد يضرب”، أو “الحكومة قاعدة تكذب”. استخدام “قاعد/قاعدة” هنا ليس حشواً، بل هو بنية نحوية أساسية للدلالة على الاستمرارية الآنية.
أما الدخيل الذي يكتب بلهجة تبدو أقرب للمصرية، فيستخدم “الباء” في أول الفعل، فيكتب: “الجيش بيضرب”، “الحكومة بتكذب”.
هذه “الباء” هي بصمة لا تخطئها الأذن، وتكشف المشغّل الأجنبي فوراً، حتى لو ملأ منشوره بكلمات “عاين” و “داير”.
ويمتد هذا الفخ النحوي إلى طريقة النفي، وهي من أعمق بصمات اللهجة.
السوداني ينفي المستقبل بـ “ما” (مثال: “ما حيمشي”) وينفي الماضي بـ “ما” أيضاً (“ما شفت”).
لكن الدخيل، وبفعل العادة اللاواعية، يستخدم “مش” لنفي المستقبل (“مش حيمشي”)، والأسوأ من ذلك، يستخدم اللاحقة “ش” الشهيرة لنفي الماضي (“ماشفتش” أو “ماقلتلوش”). هذه “الش” المتطرفة في نهاية الفعل هي خيانة لغوية كاملة، وإعلان صريح بأن كاتب التعليق ليس له أي صلة وجدانية أو لغوية ببيئة الصراع التي يدّعي تمثيلها.
حين تكشف “الجماعة” و”الإخوان” النوايا
تأخذنا هذه الملاحظات إلى مثال أكثر تعقيداً يمزج بين النحو والسياسة، وهو حالة “الإخوان المسلمين”. “الإخوان” ككلمة هي جمع مذكر.
في مصر وككل شيء فإن الإخوان مؤنثة دائما.. كانت، وفعلت وتركت.
أما في الخطاب السوداني السائد (وغيره) فنجد استخداماً مذكراً: “كان الإخوان المسلمون جزءاً من النظام”. هنا الفعل “كان” يعود على “الإخوان” (الاسم) مباشرة.
ولكن، حين يريد المتحدث إضفاء صفة (سلبية غالباً) على التنظيم، فإنه يضطر لاستدعاء الاسم المؤنث المضاف (جماعة أو حركة). فمن الصعب نحوياً وصف “الإخوان” (المذكر) بأنهم “إرهابية” (المؤنث).
لذا، يلجأ المتحدث إلى القول: “كانت جماعة الإخوان الارهابية…”، أو “هذه الحركة…”. هنا الفعل “كانت” يعود على “جماعة” أو “حركة”.
الملاحظة هي: الخطاب السوداني العام يميل إلى التذكير (الإخوان) هرباً من التأنيث، أو ربما كاختزال مألوف.. ولعل علماء اللغة والألسن يسعفونا بتفسير، أو لعلهم فعلوا ولم أطلع عليه فلهم العتبى.
هذه النقطة تكشف أن الاختيار بين التذكير والتأنيث (سواء في “السودان” أو “الإخوان”) ليس عشوائياً، بل هو محكوم بالاستخدام المألوف، وقد يكون محملاً بنوايا سياسية دلالية. الذباب الإلكتروني، الذي يعمل بقوالب جاهزة، يفشل في استيعاب هذا “التبديل” الدلالي (Code-switching) المعقد.
ما هو أبعد من النحو: اللهجة جدار حماية
إن رصد هذه “الأخطاء” اللغوية ليس مجرد تمرين أكاديمي طريف. في سياق الحرب الإعلامية والنفسية التي يتعرض لها السودان، يصبح هذا الرصد أداة حيوية لـ “الوعي الإعلامي” (Media Literacy). إنه يمكّن المواطن العادي من فلترة الغث والسمين، والتمييز الفوري بين صوت ابن البلد (حتى لو اختلف معه في الرأي) وبين صوت المخابرات الأجنبية الذي يرتدي قناعاً سودانياً مزيفاً.
في حرب اليوم، تصبح اللهجة، ببنيتها العميقة وتراكيبها اللاواعية، هي خط الدفاع الأول وجدار الحماية الأخير ضد التضليل وغسيل الأدمغة.
ولكن هذا لا يجعلنا ننسى أن السودان مليء باللغات والعادات واللهجات والأجناس، وفي السودان من هو مصري اللغة أو أقرب اليها ولكنك تعرف هجمات الجداد بكثرة التعليقات وكثرة الأخطاء.. النمط هو ما يجب أن يدفعك للشك ثم البحث للتأكد.”
قصي مجدي سليم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الذباب الإلکترونی

إقرأ أيضاً:

جوزي إسماعيل الليثي بيموت .. استغاثة شيماء سعيد تقلب السوشيال ميديا

أثارت شيماء سعيد حالة من القلق بعد نشرها مقطع فيديو عبر حسابها على “تيك توك”، استغاثت فيه لإنقاذ زوجها الفنان إسماعيل الليثي، وقالت فيه الحقوني جوزي بيموت، عقب تعرضه لحادث سير مروع على طريق أسيوط، أسفر عن إصابته بكسر في الجمجمة ونزيف داخلي.

 وأكدت الصفحة الرسمية لليثي عبر “فيس بوك” أن حالته حرجة للغاية، وأنه نُقل إلى العناية المركزة بأحد مستشفيات المنيا.

 كما أوضح أحد مرافقيه أن الحادث نتج عن تصادم مباشر بين سيارتين، مما أدى إلى تهشمهما بالكامل، مشيرًا إلى أن الوفيات من السيارة الأخرى، داعيًا الجمهور إلى الدعاء للفنان بالشفاء العاجل.

 ونستعرض المزيد من التفاصيل من خلال الفيديو جراف التالي.

https://youtube.com/shorts/l1-KiVN30-I

طباعة شارك اسماعيل الليثي حادث اسماعيل الليثي شيماء سعيد حادث سير

مقالات مشابهة

  • «فخور بك» و«يا قلبي».. رسائل الحب بين أمال ماهر وعلي محجوب تشعل السوشيال ميديا
  • جوزي إسماعيل الليثي بيموت .. استغاثة شيماء سعيد تقلب السوشيال ميديا
  • رانيا يوسف وفرح الزاهد تشعلان السوشيال ميديا بمشهد إنساني مؤثر في “لينك”
  • إدمان الأطفالِ لـ «السوشيال ميديا».. موضوع خطبة الجمعة اليوم
  • عالم بالأوقاف: السوشيال ميديا مباحة .. وتتحول إلى حرام في هذه الحالة
  • بالمئات.. “يوتيوب” تحذف فيديوهات تفضح انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان بفلسطين
  • هاني أبو ريدة: السوشيال ميديا أكبر بوابة للتعصب الرياضي
  • "إدمان الأطفال السوشيال ميديا" موضوع خطبة الجمعة القادمة
  • الأوقاف تنظّم صالون محبة الوطن حول مخاطر إدمان السوشيال ميديا