الجزيرة:
2025-11-10@15:51:28 GMT

خطط تفكيك الأونروا تهدد ملايين الفلسطينيين

تاريخ النشر: 10th, November 2025 GMT

خطط تفكيك الأونروا تهدد ملايين الفلسطينيين

في أخطر مفترق تمر به منذ أكثر من 70 عاما، تواجه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تهديدا وجوديا غير مسبوق، يمس جوهر تفويضها وسبب قيامها، ليجد أكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني أنفسهم أمام احتمالات صادمة تتداولها تقارير أممية سرّية؛ من إصلاح إداري محدود إلى تفكيك تدريجي للوكالة، وربما نقل صلاحياتها إلى أطراف جديدة، من بينها الدول المضيفة أو مؤسسات دولية بديلة.

لكن خلف لغة "الإصلاح" تكمن معركة أعمق، يحذر منها سياسيون وقانونيون، عنوانها إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني، فالمشروع -كما يصفه خبراء- يسعى إلى تحويل حق العودة التاريخي من قضية سياسية إلى خدمة إنسانية محدودة، وتجريد اللاجئ من صفته الجماعية، وتحويل ملفه من شأن دولي إلى قضية إدارية محلية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2وقف الديانة التركي ينظم الثلاثاء قمة دولية للمساعدات من أجل غزةlist 2 of 2مؤسسة بريطانية تطلق مبادرة لاستعادة دور الزكاة كـ"أداة عدالة عالمية"end of list

وأُسّست أونروا في ديسمبر/كانون الأول 1949 بقرار من الأمم المتحدة رقم 302 لتوفير الإغاثة والعمل للاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا جراء حرب 1948.

ومنذ تأسيسها، أصبحت أونروا مظلة دولية مخصصة للاجئين الفلسطينيين ولذريّتهم، تقدم خدمات التعليم والصحة والإغاثة في حقول عملياتها (الأردن، لبنان، سوريا، الضفة الغربية، قطاع غزة).

وهو تفويض فريد؛ فهي ليست مجرد وكالة إغاثة، بل حامل لرمزية حقوق اللاجئين الفلسطينيين الجماعية الذين يُنظر إليهم ليس كمجموعة أفراد بحاجة إلى مأوى، بل كفئة جماعية لديها حقوق تاريخية وسياسية، من بينها حق العودة الذي نصّ عليه قرار ‎الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948م.

جنود إسرائيليون يتخذون مواقعهم أثناء دخولهم مقر الأونروا في قطاع غزة (أسوشيتد برس)إصلاح أم استبدال؟

يقول مدير مركز "بديل" للدراسات الفلسطينية نضال العزة إن الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في ضعف التمويل، بل في أن الولايات المتحدة وإسرائيل تدفعان نحو استبدال "أونروا" بمؤسسات دولية أو محلية أخرى.

إعلان

ويضيف العزة -في حديث للجزيرة نت- أن ما يُطرح اليوم "ليس إصلاحا إداريا بل محاولة لتمزيق الوكالة وتحويلها إلى مظلة شكلية بلا مضمون سياسي أو قانوني، تمهيدا لتجريد اللاجئين الفلسطينيين من الصفة الدولية لقضيتهم".

ويشير العزة إلى أن السيناريو الثالث في التقييم الأممي الإستراتيجي ينص على نقل صلاحيات أونروا إلى الدول المضيفة، مثل الأردن ولبنان وسوريا، وذلك يعني فعليا "إنهاء الطابع الدولي لقضية اللاجئين وتحويلها إلى ملف إداري محلي خاضع للتمويل والسياسات الإقليمية.

وتستند إسرائيل في تحركاتها إلى اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، معتبرة أنها تتيح نقل مسؤولية اللاجئين الفلسطينيين من مظلة أونروا إلى ولاية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

لكن المادة (1/د) من الاتفاقية تستثني اللاجئين الفلسطينيين تحديدا ما داموا يتلقون المساعدة من وكالة أخرى تابعة للأمم المتحدة (أي أونروا).

يؤكد العزة أن محاولة تطبيق اتفاقية 1951 على اللاجئين الفلسطينيين تنطوي على إعادة تعريف جوهرية لهويتهم القانونية، فبدلا من اعتبارهم لاجئين سياسيين لجوؤهم ناتج عن نزاع استعماري مستمر، سيكون التعامل معهم كلاجئين أفراد يبحثون عن مأوى مؤقت أو توطين بديل.

ويقول إن "هذا التحول يخدم المشروع الإسرائيلي الأميركي الرامي إلى تقويض حق العودة وطمس الطابع السياسي الجماعي لقضية اللاجئين".

مشروع سياسي أوسع

ويرى مركز "بديل" أن عملية "الاستبدال الممنهج" لا يمكن فصلها عن مشروع سياسي أوسع يهدف إلى إزالة ملف اللاجئين من جدول التسوية النهائية. فإسرائيل، بحسب "العزة"، ترى في "أونروا" رمزا لاستمرار قضية اللاجئين، وتعتبرها عقبة أمام أي تسوية لا تتضمن شطب حق العودة.

أما واشنطن وبعض الدول الأوروبية المانحة، فيسوّقون خطاب "الإصلاح الإداري والشفافية"، لكن جوهره -كما يقول العزة- هو تقليص الدور السياسي للوكالة وتحويلها إلى مزوّد خدمات إنسانية فقط.

بدوره، يقول أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة العربية الأميركية الدكتور رائد أبو بدوية إن "الهدف من استبدال أونروا بنظام الحماية المنصوص عليه في اتفاقية عام 1951 يتمثل في تفكيك الصفة الجماعية للاجئ الفلسطيني، وتحويله من حالة سياسية ذات طابع جماعي إلى حالة لجوء فردية ذات طابع إنساني وتقني".

ويضيف أن أونروا تمثل منذ إنشائها عام 1949 الإطار الدولي الذي حافظ على الهوية الجماعية للاجئين الفلسطينيين وكرّس اعتراف المجتمع الدولي بحقهم التاريخي والسياسي في العودة، استنادا إلى القرار الأممي رقم 194، أما نقلهم إلى مظلة اتفاقية 1951 فيعني -بحسب أبو بدوية- فقدان الاعتراف الدولي الجماعي بحق العودة، وتقليص الضغوط السياسية على إسرائيل لحل القضية من جذورها.

ويوضح أبو بدوية أن إسرائيل تسعى من خلال هذا التحول إلى خلق شرعية دولية لسياسات التوطين في دول ثالثة، وذلك من شأنه التخفيف من مسؤولياتها القانونية والتاريخية تجاه اللاجئين، من دون الاعتراف بحقهم الكامل في العودة. كما يهدف هذا التوجه إلى إضعاف أونروا كأداة ضغط دبلوماسية دولية قادرة على إبقاء القضية الفلسطينية على أجندة الأمم المتحدة، وليس فقط كوكالة إغاثة تقدم خدمات إنسانية، حسب ما يقول.

إعلان

ويؤكد الخبير القانوني أن أونروا ليست مجرد مؤسسة إنسانية، بل هي آلية دولية لحماية الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، وإنهاء عملها أو نقل صلاحياتها إلى المفوضية السامية يعني عمليا تقليص قدرة المجتمع الدولي على التدخل المباشر، ومنح إسرائيل مساحة أوسع لإدارة الأراضي المحتلة بمعزل عن الالتزامات الدولية والرقابة الأممية.

مؤسسات محلية

والمخاوف تنال على الخصوص من سيناريوهات تتحدث عن إنشاء مؤسسات محلية أو دولية بديلة تُركز على الإغاثة اليومية من دون البعد السياسي أو التمثيلي.

وهنا، برزت مؤسسة غزة الإنسانية كمؤسسة محلية عملت خلال الأشهر السابقة في القطاع وقتل عندها آلاف الباحثين عن غذاء. ويحذر الخبراء من أن الاعتماد على مؤسسات محلية وحدها لا يعوّض الدور السياسي والقانوني لأونروا.

المستشار الإعلامي لأونروا، عدنان أبو حسنة، يشدد في حديثه مع الجزيرة نت على أن استبدال أونروا بأي مؤسسة أخرى أمر مستحيل، موضحا أن الوكالة تضم نحو 12 ألف موظف دائم إلى جانب آلاف آخرين متعاقدين، وهي مزوّد أساسي للخدمات الحيوية اليومية للاجئين الفلسطينيين في غزة.

ويشير إلى أن أونروا تواصل أداء مهامها رغم التحديات، وأن أي محاولة لتحويل مسؤولياتها إلى مؤسسات محلية لم تنجح على الأرض.

ويضيف أبو حسنة أن الخبرة المتراكمة لدى أونروا في إدارة أوضاع اللاجئين، إلى جانب البنية المؤسسية الشاملة التي تشمل الصحة والتعليم والإغاثة، تجعل من المستحيل لأي مؤسسة محلية أو دولية صغيرة أن تحل محلها بشكل متكامل.

مفترق طرق

وتواجه أونروا واحدة من أكثر المراحل حساسية في تاريخها الممتد منذ عام 1949، مع اقتراب موعد التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على تجديد ولايتها لـ3 سنوات جديدة تبدأ في ديسمبر/كانون الأول المقبل. وفي هذا التوقيت الحرج، تتكثف الضغوط السياسية والإعلامية على الوكالة، ولا سيما من الولايات المتحدة وإسرائيل، في محاولة واضحة للتأثير على مسار التصويت وتقويض شرعيتها الدولية.

المدير العام للهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين، علي هويدي، يرى أن الحملة الأميركية الإسرائيلية ضد أونروا ليست سوى محاولة منظمة لحرمان الوكالة من الدعم المالي والسياسي اللازم لاستمرار عملها، عبر إلصاق تهم الانحياز السياسي بها.

ويشير هويدي في حديثه إلى أن اتهام وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو للوكالة بأنها "تابعة لحركة حماس" يندرج ضمن هذه السياسة، موضحا أن الهدف الحقيقي هو الضغط على الدول المانحة لوقف تمويلها أو التصويت ضد تجديد ولايتها.

ويضيف هويدي أن هذه الاتهامات تفتقر إلى الأدلة القانونية والموضوعية، وقد سبق أن فندتها تقارير مستقلة صادرة عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ففي نيسان/أبريل الماضي، صدر تقرير لجنة التحقيق المستقلة برئاسة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاثرين كولونا، والذي أكد أن أونروا تلتزم بمعايير الحياد والشفافية، ولم تُقدَّم أي أدلة موثوقة تثبت تورط موظفيها في أنشطة سياسية أو عسكرية. كما أشار إلى أن الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية بشأن حرب غزة شدّد على أن الوكالة تؤدي "دورا حيويا لا غنى عنه" في تقديم الخدمات الإنسانية، محذرا من أن أي تعطيل لعملها سيؤدي إلى كارثة إنسانية.

ويرى هويدي أن الحملة ضد أونروا ليست وليدة هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بل هي امتداد لنهج إسرائيلي طويل يهدف إلى تجفيف موارد الوكالة ونزع شرعيتها تدريجيا. ويضيف أن إسرائيل تدرك أن أونروا ليست مجرد هيئة إغاثية، بل رمز قانوني وسياسي لاستمرار قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة، وهو ما يجعلها هدفا دائما للانتقادات والتشكيك.

ويشير هويدي إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن صراحة في الأيام الأولى من حرب غزة أن "أونروا لن تكون جزءا من مشهد اليوم التالي في القطاع"، في إشارة واضحة إلى نية إسرائيل استبدال الوكالة بمؤسسات دولية أو محلية جديدة تتبنى الرؤية الإسرائيلية والأميركية، وتفصل بين المساعدات الإنسانية وملف اللجوء والعودة.

نزع الشرعية

منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة 2023 تصاعدت الهجمات الإسرائيلية السياسية والإعلامية ضد الأونروا، كما أقرّ الكنيست الإسرائيلي في عام 2024 قانونا يحظر نشاط الوكالة داخل إسرائيل، بينما جمّدت واشنطن ودول مانحة رئيسية تمويلها بحجة "التحقيق في مزاعم أمنية" تتعلق بمشاركة بعض موظفيها في هجوم السابع من أكتوبر.

إعلان

ويقول الخبير في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة إن إسرائيل تستغل هذه المزاعم لشيطنة أونروا ونزع الشرعية عنها، بوصفها آخر ما تبقى من الرمزية السياسية لقضية اللاجئين".

ويضيف هلسة في حواره مع الجزيرة نت أن اعتقال موظفين بزعم انتمائهم لحماس قدّم لإسرائيل مبررا إضافيا للهجوم على الوكالة، في إطار حملة ممنهجة لإقناع المانحين بأن استمرارها خطر أمني.

وبحسب هلسة في حال طُبّقت السيناريوهات التي تطرحها بعض الدوائر الغربية والإسرائيلية، فإن ملايين اللاجئين في غزة والضفة ولبنان وسوريا والأردن سيُتركون من دون مظلة أممية، وذلك يعني نهاية مرحلة كاملة من الاعتراف الدولي بقضيتهم.

ما يجري اليوم ليس أزمة تمويل ولا نقاشا إداريا، بل تحوّل سياسي خطير يستهدف جوهر تعريف اللاجئ الفلسطيني ومكانته في القانون الدولي. فخلف شعارات الإصلاح والكفاءة تختبئ محاولة لإعادة صياغة الذاكرة الفلسطينية وتحويل حق العودة إلى بند إنساني بلا مضمون سياسي.

وإذا تم تمرير هذا التحوّل، فلن تخسر أونروا وحدها تفويضها، بل سيخسر الفلسطينيون آخر تجسيد قانوني لاعتراف العالم بنكبتهم وحقهم في العودة لتتحول المأساة من قضية أمم إلى قضية نسيان متعمّد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات غوث اللاجئین الفلسطینیین للاجئین الفلسطینیین الأمم المتحدة للأمم المتحدة قضیة اللاجئین مؤسسات محلیة أونروا لیست أن أونروا فی العودة حق العودة سیاسی أو إلى أن

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة: هجمات الإسرائيليين على الفلسطينيين تسجل مستوى قياسياً

انضم إلى قناتنا على واتساب

شمسان بوست / متابعات:

قالت الأمم المتحدة “إن المستوطنين الإسرائيليين نفذوا ما لا يقل عن 264 هجوماً على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة في أكتوبر المنصرم، وهو ما يمثل أكبر عدد شهري منذ أن بدأ مسؤولو المنظمة الدولية في تتبع هذه الهجمات في عام 2006”.

وحذّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في بيان، من الارتفاع الحاد في وتيرة العنف..موضحاً إن هذه الهجمات، التي أسفرت عن قتلى وإصابات وأضرار في الممتلكات، بلغت في المتوسط ثمانية وقائع يوميا.

وقال المكتب “منذ عام 2006، وثّقنا أكثر من 9600 هجوم من هذا النوع. ووقع 1500 منها تقريبا هذا العام وحده، أي ما يقارب 15 في المئة من الإجمالي”.

واضاف “تشير إلى مقتل 42 طفلاً فلسطينياً على أيدي القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية منذ بداية هذا العام وحتى يوم الأربعاء، وهذا يعني أن واحدا من كل خمسة فلسطينيين قتلتهم القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية في عام 2025 كان طفلا”. 

مقالات مشابهة

  • وحوش التلال.. جماعة إرهابية ترعب الفلسطينيين وتقلق إسرائيل
  • هل تعارض إسرائيل نشر قوات دولية في غزة؟.. دبلوماسي أمريكي سابق يجيب
  • «من التشرد والإدمان إلى العودة».. قصة شاب أسواني خسر 3 ملايين جنيه في المراهنات
  • مركز “العودة” الفلسطيني يوجّه مذكرات إحاطة دولية حول خروقات وقف إطلاق النار في غزة
  • المفوض الأممي لشئون اللاجئين: تقليص الميزانية الإنسانية "خطأ استراتيجي كبير"
  • تخترق جوجل بلاي.. 239 تطبيقا خبيثا تهدد ملايين هواتف أندرويد
  • الأمم المتحدة: هجمات الإسرائيليين على الفلسطينيين تسجل مستوى قياسياً
  • «الأونروا»: واحد من كل 5 أطفال بغزة فاتته اللقاحات الأساسية خلال الحرب
  • قرار أمريكي بإنهاء حماية «الوضع المؤقت» لآلاف اللاجئين من دولة جنوب السودان