اليمن ينهض بمعركة الوعي لاستعادة الكرامة والسيادة والقرار الحر
تاريخ النشر: 9th, November 2025 GMT
اليمن بموقعه الاستراتيجي وثرواته الغنية والمتنوعة كان ولا يزال مطمع لدول الاستعمار وأدواتها في المنطقة التي حاولت في السنوات الأخيرة، أن تضع نفسها في خدمة مشروع استباحة شامل للمنطقة والإقليم بهدف البقاء، ومنذ أعلن من البيت الأبيض العدوان الغاشم على اليمن، في العام 2015م، برزت سياسات منسقة في إطار خطة مشتركة مع العدو الصهيوأمريكي من قِبل المملكة السعودية، تسعى إلى إعادة تشكيل خارطة النفوذ، بعد وطأة الهزائم العسكرية المتكررة التي منيت بها، وفي عمق هذا الصراع، لا يقتصر الرهان على المدافع والحدود، بل يمتد إلى العقول، ولذلك فإن العدو بمنظومة نفوذه الدولية أدرك أن أخطر ما يمكن أن يهدد مشاريعه ليس البأس اليمني في المواجهة العسكرية وقدراته المتنامية في التطور وحسب، بل عودة الوعي الجمعي للأمة إلى مبادئها الأصيلة، قيم الاستقلال، والعدل، والكرامة، والتكافل، فالأمة عندما تستعيد ثقتها بذاتها، وتفهم موقعها في التاريخ، وتعود إلى هويتها ،تتفكك أمامها كل محاولات الوصاية والسيطرة.
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
ولهذا، يحرص العدو على تنفيذ استراتيجيات ممنهجة لتغييب الوعي، تتكامل فيها أدوات الإعلام والثقافة والتعليم والخطاب الديني والسياسي، وتبدأ هذه الاستراتيجيات بإعادة تقديم العدو المحتلّ بأنه شريك في التنمية، أو الدعوات للتحرر من التبعية والوصاية على أنها تعنت أو تطرف، ثم يُعاد إنتاج منظومة رموز جديدة تُشيد بالتبعية وتُهاجم أي خطاب وطني حرّ.
تفكيك المفاهيم والمبادئ
العدو لا يخشى القوة المادية وحدها، بل يخشى الفكرة التي تحرّك القوة، لذلك فإنه يوجه جهوده وإمكانياته لتفكيك المفاهيم الكبرى في وعي الشعب، من معنى الحرية، إلى مفهوم الولاء، وحتى الهوية، حيث يُراد للمواطن اليمني أن يرى في الارتهان للخارج انفتاحًا، وفي مقاومته ومواجهته للعدو على أنها مغامرة، هذه الحرب الناعمة أخطر من القصف، لأنها تزرع الشك في جدوى القيم التي بُنيت عليها الأمة.
كما تُستهدف الرموز والقيادات والشخصيات الوطنية التي تدعو إلى الاستقلال والمقاومة بحملات تشويه واغتيال معنوي، حتى يخلو الفضاء العام من القدوات الملهمة، وفي المقابل، يُرفع من شأن الوجوه التي تتحدث بلغة الخضوع أو تبرّر الارتباط بالمحتلين والغزاة، لتصبح القدوة المزوّرة بديلاً عن النموذج الحقيقي.
كذلك الإعلام، عبر قنوات ترفيهية أو منصات رقمية، يتحول إلى أداة لإشغال العقول، تُغمر الجماهير بسيلٍ من المحتوى الذي يفصلها عن واقعها السياسي والاجتماعي، ويزرع ثقافة الفردية والأناء والاستهلاك بدل الانتماء والعمل الجمعي، وهكذا، تتحقق معادلة شعب منشغل، ونخبة مستسلمة.
ومن بين أحد أهم أساليب التفكيك هو هندسة الانقسامات وتغذية الصراعات الداخلية، من خلال تأليب القبائل ضد بعضها ومذهب ضد مذهب، شمال ضد جنوب، وتُضخّ الشائعات، وتُستثمر الأحداث الصغيرة لصناعة أحقاد طويلة الأمد، حتى يبقى المجتمع في دوّامة نزاع داخلي تصرفه عن مواجهة العدو الحقيقي.
وتُعاد صياغة المناهج أو الخطاب الإعلامي ليغيب عنه البُعد الحضاري والرسالي للأمة، فينشأ جيل لا يعرف موقعه ولا يتذكر قيمه. جيلٌ يسهل توجيهه لأن ذاكرته الجماعية قُطعت، وصار التاريخ عنده مجرد مادة جامدة لا معنى لها.
العدو، بكل أدواته، يدرك أن وعي الأمة هو خط الدفاع الأول والأخير، لذلك يسعى إلى إسكات العقول قبل أن يخوض معركة عسكرية، فحين تغيب الفكرة، تسهل السيطرة، وحين تستيقظ، تنهض الشعوب مهما كانت الجراح.
وما يحاول العدو أن يفعله في اليمن اليوم ليس سوى فصل من هذه الحرب الشاملة على الوعي، حرب تستهدف بها الأمة لتكون مجرد أمة غافلة، مقسّمة، متعبة، تلهث وراء الأمن المزيّف والمصالح اللحظية، بينما تُسرق سيادتها وثرواتها أمام عينيها.
لكن التاريخ يثبت دائمًا أن لحظة الصحو قادمة، وأن الشعوب التي تتعلم من آلامها وتستعيد مبادئها هي القادرة على إعادة رسم الخريطة، فوعي الأمة ليس رفاهية فكرية، بل شرط النجاة الوحيد.
حركة النفاق في اليمن
في هذا التقرير رصدنا أنماطاً كرر العدو استخدامها لتشكيل مخطط إضعاف الدولة اليمنية القوية المستقلة المناهضة للاحتلال المناصرة لقضايا الأمة ، منها ، تشكيل ميليشيات محلية، التموضع في موانئ ومواقع يمنية استراتيجية بغطاءات مختلفة أبرزها الغطاء الاستثماري، وكذلك دعم سياسي لقوى تقسيمية، واستغلال خطاب ديني وإعلامي يبرر الوجود الاحتلالي، كل ذلك يتكامل ليشكّل مخططًا يُضعف الدولة اليمنية، ويقوّض الخيارات الوطنية، ويطوّع المجتمع لصالح أجندات العدو.
استخدم العدو في منهجيته العدوانية أسلوب من أساليب الحرب الناعمة، من خلال شبكة من ممارسات سياسية وإعلامية ودينية تهدف إلى تقديم التدخّل أو الشراكات الخارجية كحل أو ضرورة، مع إخفاء أو تهميش التكاليف الحقيقية على السيادة والموارد، وأمثلتها ماثلة في شبوة النفطية وحضرموت وغيرها من المحافظات اليمنية التي تمثل أهم مراكز الثروة اليمنية، هذه الحركة تستخدم لغة الاستقرار ودرء الخطر لتبرير اتفاقيات أمنية، تمويلات سياسية، وإنفاق اقتصادي يُعاد توجيهه نحو إنشاء كيانات محلية عميلة تدين بالتبعية لها.
المحافظات المحتلة ساحة مفتوحة يُطبَّق العدو مخططاته فيها على أرض الواقع
يعمد العدو إلى دعم فصائل وجماعات مسلّحة عميلة عبر التمويل والتدريب والتسليح، لتُقدّم بعد ذلك كحماية أو كشريك محلي، لكنها عمليًا تعمل تحت نفوذ العدو، وتُستخدم لفرض واقع سياسي جديد في مناطق محددة (خاصة في المحافظات المحتلة)
كذلك التحكم بالموارد الاقتصادية والموانئ من خلال استثمارات ومشروعات داخلية تُحرّكها مصالح إستراتيجية، موانئ، عقود بنية تحتية، وتدفقات تجارية يتحكم بها العدو ويسعى لضمان قنوات لوجستية تتماشى مع مصالحه.
ومن الوسائل التي يستخدمها العدو لتبرير التدخل وسائل إعلامية وخطاب ديني يُصاغان في مطابخ الاستخبارات الصهيوأمريكية، لتبرير سياسات تدخل بمبررات مثل محاربة الإرهاب أو حماية الأمن الإقليمي، أو استقرار المنطقة، لتضليل الوعي العام وإخضاعه.
وقد يبدأ من خلال دعم أوهام مشاريع الاستقلال أو الحكم الذاتي كما هو في المحافظات المحتلة، أو تشجيع الانقسامات الإدارية والسياسية مثلما يحدث في تعز ومأرب لضمان بقاء نفوذه.
واجب المواجهة
لكل لحظة تأخر فيها اتخاذ الموقف ومواجهة خطر العدو ثمنٌ مضاعف، ينتج عنه تفكك البنية الوطنية، وفقدان الشباب لفرصة الارتباط بمشروع الوطن المستقل وقيم الحرية وتسليم جيل كامل لمشروع الوصاية والتبعية والخضوع للمحتل، إن السماح لهذا المخطط بالتمدد يعني منح العدو القدرة على رسم مستقبل اليمن بمقاييسها، ووفق أهدافها، ولذا فإن المواجهة ليست خيارًا دينياً وأخلاقيًا فحسب، بل إنها ضرورة وجودية للحفاظ على الهوية والحرية والسيادة والاستقلال .
معركة الوعي .. استعادة للكرامة وللقرار الحر المستقل
بعد استعراض أبعاد تدخلات العدو ، وآلياته وحرب التفكيك وتغييب الوعي التي يعتمدها في عدوانه الناعم على اليمن، تتضح الحقيقة الجوهرية، أن العدو يخوض من جانبه معركة استهداف الوعي والكرامة والهوية.
لقد أراد العدو أن يبقى اليمن ممزقًا، تابعًا، غارقًا في الفوضى، لأن الأمة التي تستيقظ وتستعيد مبادئها تشكّل الخطر الأكبر على مشاريع الهيمنة، لكنّ ما غاب عن حسابات هذا العدو الغبي ، أن الشعب اليمني، رغم الجراح، يملك من الصبر والإرث الحضاري والإيمان بعدالة قضيته ما يجعله قادرًا على تحويل المعاناة إلى وعي، والخذلان إلى عزيمة.
إن معركة الوعي هي جوهر التحرر، واليمنيين بفطرتهم وهويتهم المتجذرة يفهمون أن كرامتهم لا تمنح من محتل وأن السيادة تنتزع بالوعي، ووحدة الصف والموقف ، والشعب اليمني كله يربط كل ذلك بالإيمان بالله والثقة بنصره وتأييده، وبهذا المستوى من الوعي سيتبدد نفوذ الوصاية، وتنقلب المعادلة من التبعية إلى القيادة، ومن الخضوع إلى الفعل
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
معركة الوعي.. أساليب الحرب الخفية للأعداء لتفكيك الأمة الإسلامية… فما هو طوق النجاة وكيف ننتصر؟
يمانيون|تحليل: محسن علي
“ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا”، بهذه الآية الكريمة كشف القرآن الكريم عن الغاية النهائية لأعداء الأمة، وهي معركة وجودية تستهدف العقيدة والوحدة والإرادة في ساحة صراع لا تُرى بالعين المجردة، ولا تُسمع فيها أصوات المدافع، تخوض الأمة الإسلامية اليوم أخطر حروبها على الإطلاق إنها “معركة الوعي”، حرب خبيثة تُشن في العقول والقلوب، هدفها ليس احتلال الأرض، بل تفكيك الروح والذات وتجريد الأمة من هويتها ومبادئها التي تمثل مصدر قوتها الأبدي .
منذ قرون، والأدوات تتغير بينما الهدف ثابت, من الانحرافات التاريخية الأولى التي حدثت للأسف مبكرا في صدر الإسلام، مروراً بمؤامرة “سايكس-بيكو” التي مزقت الجسد الواحد، وصولاً إلى حروب اليوم الناعمة التي تُخاض عبر شاشات الهواتف والقنوات الفضائية ومنصات شبكات التواصل الاجتماعي والسوشال ميديا، تتكامل استراتيجيات الأعداء لتنفيذ مشروع التفكيك الشامل,و أن النجاة تبدأ من فهم أبعاد هذه الحرب وأهمية العودة إلى منابع القوة الأصيلة لتحصل الامة من خلالها على المنعة والقوة والريادة
جذور التفكيك.. من السقيفة إلى سايكس-بيكو
كثيرا ما يتحير ذوي الألباب وغيرهم من عامة الناس عن فهم ما يجري حاليا في الساحة, ولكن لفهم مآسي وصراعات الحاضر، لا بد من العودة إلى مفترقات الطرق التاريخية, حيث يرى العديد من المحللين والباحثين في التاريخ الإسلامي أن الشرخ الأول لم يكن وليد الحاضر بل بدأ تاريخياً بعد وفاة النبي محمد (صلوات الله عليه وآله)، وتحديداً في “يوم السقيفة”، الذي يُنظر إليه كنقطة انحراف عن المسار الذي حُدد للأمة في “غدير خم” بإعلان ولاية الإمام علي عليه السلام’ هذا الحدث المفصلي، وما تلاه من إقصاء لأهل البيت كمرجعية قيادية وروحية، فتح الباب أمام سلسلة من الانحرافات التي تفاقمت في عهد بني أمية، حيث تم إضلال الأمة وتغييب الحقائق وتحريف الدين ومبادئه, واستمر هذا التدهور والضياع جيل بعد جيل وصولا إلى ما وصلت إليه أمة الإسلام اليوم في عصرنا الراهن وما هي عليه من حالة تشرذم وشتات وتمزق وفرقة وتناحر وحروب كلها تصب في صالح أعدائها, وهو ما أشار إليه الرسول الكريم حينما قال ” إذا بلغ بنو أمية 40 رجلا اتخذوا دين الله دغلا وعباده خولا وماله دولا”
مؤامرة الاستعمار لتقسيم الأمة بالحديد والنار
هذا التصدع الداخلي جعل الأمة كياناً هشاً، مهيأً للضربات الخارجية, وجاءت الضربة القاصمة في العصر الحديث عبر اتفاقية “سايكس-بيكو” عام 1916, هذه المؤامرة الاستعمارية لم تكن مجرد تقسيم جغرافي لتركة الدولة العثمانية، بل كانت عملية بتر جراحية لتمزيق الأمة إلى دويلات متناحرة، ورسم حدود مصطنعة بالدم والنار, و كرست “سايكس-بيكو” الفرقة كواقع سياسي، وأنشأت كيانات وظيفية تابعة للغرب، مما سهل نهب الثروات وفرض الهيمنة الكاملة على الأمة وخيراتها وشعوبها, وما موجة الفتن والحروب الطاحنة التي تنشأ في أوساط الدول العربية إلا خير شاهد على ذلك.
أسلحة الدمار الشامل.. الغزو الفكري والفتن الطائفية
بناءً على هذا الواقع الممزق، طور الأعداء أسلحة أكثر دقة وفتكاً لاستهداف ما تبقى من حصون الأمة, وكما يوضح السيد القائد عبدالملك الحوثي” حفظه الله، فإن الاستراتيجية الحديثة ترتكز على “تفريغ الأمة من مبادئها وقيمها الدينية لتفقد مشروعها الذاتي”والتي ينفذها الأعداء في مسارات عملية ضمن مساعي تفكيك الأمة بهدف تدمير وسهولة القضاء والسيطرة عليها وعلى رأسها “الغزو الفكري والإلهاء”, هي حرب العقول التي تهدف إلى صناعة جيل بلا قضية حيث تقوم عبر عدة نقاط وهي”التشكيك في الثوابت “وفق حملات ممنهجة للطعن في القرآن ، وتشويه رموز الإسلام لقطع صلة الأجيال بماضيهم, إضافة إلى “التغريب والعلمانية” والترويج للنموذج الغربي كطريق وحيد للتقدم، وفصل الدين عن الحياة لفتح الباب أمام التبعية الكاملة, إضافة إلى “إغراق الشباب بالشهوات” وفق الحرب الناعمة التي جعلت من نشر الإباحية والمخدرات والألعاب التافهة لتدمير طاقات الشباب وجعلهم أسرى لغرائزهم، غير قادرين على حمل هموم أمتهم وقضاياهم .
استراتيجيات رئيسية للعدو
يعتبر الإعلام الموجة هو سلاح العدو الأبرز في معركة الوعي، من خلال قدرته على قلب الحقائق وتزييف الوعي, وضخ الشائعات والأخبار الكاذبة لتدمير الثقة بين الشعوب وقيادتها, وكذلك لتلميع صورة الأعداء والمحتلين، بينما يتم شيطنة حركات المقاومة ووصفها بـ”الإرهاب”, إضافة إلى تكريس الإنقسام وتضخيم الخلافات الطائفية والمذهبية وتحويلها إلى صراعات دموية، ودعم النعرات القومية والحزبية لإبقاء الأمة في حالة استنزاف داخلي دائم كما هو قائم اليوم في قلب الساحة الإسلامية والعربية, ولا تختلف كليا عن المسار الذي سعى له الأعداء وعملوا لإعداده لسنوات وربما قرون من الزمن.
التطويع والتركيع.. من الحرب الاقتصادية إلى التطبيع
تهدف هذه الإستراتيجية إلى تحويل الأمة من عدو مجاهد ومقاوم في نظر الأعداء من اليهود والنصارى إلى أداة طيعة’, فيما تستخدم سلاح التجويع كحرب اقتصادية عبر الديون من صندوق النقد الدولي والعقوبات والحصار، لإجبار الدول على التنازل عن سيادتها وقرارها المستقل’ وتنفذ كل هذه الاستراتيجية عبر سياسة الترويض والتطبيع التي تعد من أخطر المراحل، حيث يسعى الأعداء لإنهاء حالة العداء مع الكيان الصهيوني, وهو في مشروع لتزييف وعي الأجيال، وجعلهم يتقبلون المحتل كجار طبيعي، وصولاً إلى تحويل بعض الأنظمة إلى حلفاء للعدو ضد إخوانهم في الدين والإسلام والعروبة والجغرافيا والأرض ولعل العدوان على اليمن والتكالب عليه, وقبله على العراق, ولبنان, وفلسطين وغزة وصمتهم عن مظلومية القرن والمأساة وما يجري في السودان لهو خير دليل واضح يجب أن يتوقف الجميع لوضع الآلاف من الأسئلة وعلامات الإستفهام كيف..! ومتى.. وأين ولماذا.. وما هو الحل والمخرج, من هذه عواصف هذه الفتن الهوجاء, ولعل السبيل الأقرب لفهم الأحداث هو ما حكاه النبي المصطفى في حديثه الشريف محذرا أمته بقوله ” ستتوالي عليكم الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها’ الآخرة شر من الأولى .. قال الصحابة يومها والمخرج يارسول الله منها .. فأجاب.. تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض”.
خارطة طريق النجاة.. العودة إلى منابع القوة
إن فهم أساليب العدو هو نصف المعركة، أما النصف الآخر فيكمن في العودة الواعية إلى مصادر القوة الحقيقية التي لا تُقهر والحل الجذري لإخراج الأمة مما هي عليه الآن ليس ردود أفعال متفرقة ومجتمعة في القمم وإصدار البيانات الهابطة والهزيلة، بل بالعمل وفق استراتيجية مضادة شاملة تبدأ بالعودة الصادقة والحقيقية للقرآن كمرجعية حاكمة، ونبذ كل الدعوات الحزبية والطائفية التي مزقت الأمة و الاعتصام بحبل الله ونبذ كل أشكال الفرقة امتثالا للأمر الإلهي: “واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا” ومن خلال الآية يتبين أن “الوحدة الإسلامية ليست مجرد خيار استراتيجي، بل هي أصل من أصول الدين”.
طوق النجاة للأمة في زمن الفتن
وفي مواجهة موجة التطبيع القائم على الساحة العربية والإسلامية، يصبح ترسيخ مبدأ ” الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين وأعلام الهدى من آل بيت رسول الله صلوات الله عليه وآله كونهم الامتداد الأصيل للنبي الأكرم ، والبراء التام من أعداء الله والمستكبرين ” يعتبران ركنان أساسيان في الدين وضرورة حتمية , كما يمثلان البوصلة التي تحمي الأمة من السقوط في فخ التبعية والضلال والإنحراف, في الوقت الذي نلحظ قيام أمريكا وتحكمها كليا في عصرنا بهذه المهمة وتوجيه الأمة كيفماء تشاء وتريد لتفرض عليها ولاية من نوع آخر وفق سياساتها وخططها الماكرة, ومعركة بهذا الحجم دون التولي للقيادة الربانية ووجود قائد رباني حكيم لا يمكن خوضها” لأن الأمة حينما “تركت كتاب ربها وتجردت من سلاحها وبعيدة عن اقتفاء أعلام هداتها انطلقت في الميدان لتصارع فصرعت وهزمت وأذلت على أيدي من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة, وقد أثبتت الأحداث على مر التاريخ وفي عصرنا الراهن أن العودة للارتباط بأعلام الهدى والقادة الربانيين، والالتفاف حولهم، هو طوق النجاة في زمن الفتن، فهم من يملكون البصيرة لكشف مخططات الأعداء وقيادة الأمة نحو بر الأمان, وهو ما يخشاه الأعداء ويبدون قلقهم منه في كل عصر ومرحلة وزمن.
النصر يبدأ من الوعي
إن معركة الوعي هي في جوهرها معركة إرادات في زمن وصف بزمن “كشف الحقائق”, ورغم القوة الظاهرية لمشروع العدو، إلا أنه قائم على الزيف والباطل,النصر في هذه المعركة المصيرية يبدأ من اللحظة التي يقرر فيها كل فرد في هذه الأمة أن يكون جندياً واعياً في هذه الحرب، وأن يحصن نفسه وعائلته ومجتمعه بالوعي والبصيرة المستمدة من كتاب الله , ثم وفق قاعدة الشهيد القائد رضوان الله عليه ” من نحن ومن هم”، وقاعدة ” عين على القرآن وعين على الأحداث” وأن يعتصم بحبل الله، ويتولى أولياءه، ويعادي أعداءه, حينها فقط، تبدأ الأمة مسيرتها الحقيقية لاستعادة مكانتها التي أرادها الله لها أن تكون “خير أمة أخرجت للناس”.