اليوم السابع مجلة العرب في فرنسا والبوصلة فلسطين
تاريخ النشر: 17th, November 2025 GMT
في يناير/كانون الثاني 2026 تحل الذكرى الـ35 لانطفاء واحدة من أهم التجارب الإعلامية العربية في المهجر، وهي مجلة اليوم السابع التي ظلت تصدر أسبوعيا من باريس على مدى 7 سنوات، وشكلت منصة التقت فيها أقلام وخبرات الكتّاب من المشرق والمغرب على بوصلة واحدة هي فلسطين.
وتبلورت فكرة المجلة من لحظة حرجة في مسار النضال الفلسطيني، وتحديدا عندما خرجت المقاومة الفلسطينية من بيروت في خريف 1982، ولجأت قيادتها إلى تونس، وكانت هناك حاجة لمنبر إعلامي يبث السردية الفلسطينية على أبعد مدى ممكن، دون فصل القضية عن باقي هموم الوطن العربي من المحيط إلى الخليج.
وفي تلك الظروف وقع اختيار الزعيم ياسر عرفات على الإعلامي الفلسطيني البارز بلال الحسن (1939-2024) الذي تربطه به علاقة إنسانية ونضالية طويلة، وكان آنذاك ممن غادروا بيروت بعد مسيرة صحفية طويلة في بلاد الأرز توّجها بإسهاماته في إطلاق جريدة السفير اللبنانية، علاوة على مكانته الرمزية باعتباره سليل عائلة عريقة ذات باع طويل في الكفاح الوطني.
وعن ظروف نشأة المجلة واختيار المكان والعنوان، يقول الحسن "بعد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت لجأت إلى دمشق، وذات يوم اتصل بي ياسر عرفات هاتفيا، وقال لي حضّر شنطة السفر وتعال إلى المكتب، ما كنت أعرف غرض هذه الدعوة (..)، قال: بدنا ننشر مجلة خاصة بنا، وأنت مكلف بهذه المهمة، قلت له: لا لزوم لمجلة يا أبا عمار، يمكننا أن ننشر أي شيء تريده في منابر عديدة، لماذا نصرف ميزانية على مجلة ما دمنا قادرين على الاستغناء عنها؟ رد هامسا وكأنه يخفي سرا: سيأتي اليوم الذي لن نجد فيه منبرا ينشر لنا ما نريد قوله، لذا يجب أن نستعد لهذا اليوم ونُحضّر له منذ الآن".
وبشأن المكان، قال الحسن "كان مطروحا أمامنا إما لندن أو باريس، وكنت أرى أن باريس أفضل لأن العرب فيها أكثر عددا وثقافة، أما الحضور العربي في لندن فهو مميز برجال الأعمال والثروات، ووقع الاختيار على باريس وجاءت الموافقة على أن نبدأ التحضير".
إعلانواستغرق التحضير عاما قبل صدور المجلة عام 1984، وعن اسمها قال الحسن "انتشرت شائعات أن الاسم اختاره محمود درويش، وهذا ليس صحيحا، اختار الاسم الصافي سعيد، وكنت أناقش التسمية مع صحفيين كثر في باريس، وكان الصافي بينهم، وهو الذي اقترح الاسم ووجدته مناسبا".
وفي افتتاحية العدد الأول -الذي صدر في 14 مايو/أيار 1984- وضع بلال الحسن معالم الطريق وحدد البوصلة الأيديولوجية والسياسية للمجلة باعتبارها صوتا تقدميا عروبيا هاجسها الأول التصدي لكل المحاولات الرامية لنزع ثقة الأمة بنفسها وفرض أشكال سياسية إقليمية على كل بلد عربي، وما يترتب على ذلك من انقسامات وصراعات تصرف النظر عن قضايا التقدم السياسي.
واستعان الحسن بنخبة إعلامية من مختلف أنحاء الوطن العربي، وعلى رأسها رفيقه في تجربة "السفير" جوزيف سماحة الذي كان بمثابة المؤسس المشارك في منبر يجمع بين شؤون السياسة وأسئلة الفكر والثقافة والمجتمع.
وخلال أقل من سنة أصبحت "اليوم السابع" في صدارة المنشورات العربية، ولقيت صدى واسعا، خاصة في صفوف الأوساط الأكاديمية، وحظيت بإشادات قامات إعلامية عربية، بينها المصري محمد حسنين هيكل واللبناني غسان تويني.
واستقطبت المجلة أسماء عربية لامعة في مجال الأدب والفكر والثقافة، وعلى رأسها محمود درويش وإيميل حبيبي وسميح القاسم والطاهر بن جلون ومحمد عابد الجابري وحسن حنفي وهشام جعيّط وأنور عبد المالك، وهو ما أعطى المجلة مسحة ثقافية وفكرية قوية.
واحتضنت صفحات "اليوم السابع" لنحو عام حوارا فكريا بين الجابري صاحب مشروع "نقد العقل العربي" والمفكر المصري حسن حنفي تناولا فيها الكثير من القضايا السياسية والفكرية والاجتماعية الشائكة في المنطقة، مثل العلمانية، والقومية والليبرالية، والحداثة والدولة، والوحدة العربية، وصدرت مضامين ذلك النقاش لاحقا في كتاب بعنوان "حوار المشرق والمغرب" تحت إشراف الإعلامي اللبناني فيصل جلول.
وطوال 7 سنوات فرضت "اليوم السابع" نفسها منبرا إعلاميا عروبيا، ومثلت لحظة فارقة في الحياة الفكرية والإعلامية في العالم العربي، في وقت كانت المنابر الصحفية العربية بالمهجر أسيرة التجاذبات الأيديولوجية والاستقطابات السياسية الحادة بين الجهات الممولة.
وتناولت المجلة طوال تلك السنوات أحداثا مفصلية في العالم العربي وفي مسار القضية الفلسطينية، من بينها الخلافات داخل حركة فتح وحرب المخيمات وصعود المقاومة في لبنان، وإعلان قيام الدولة الفلسطينية عام 1988 من الجزائر، والحرب العراقية الإيرانية والوحدة اليمنية.
ورغم أن المجلة كانت ممولة من منظمة التحرير الفلسطينية فإن بلال الحسن لم يجعل منها لسانا ناطقا باسم المنظمة، بل لسان حال القضية الفلسطينية برمتها، وإن كانت افتتاحياته آنذاك تعكس بأسلوب خاص وعقلاني موقف المنظمة وزعيمها ياسر عرفات، خاصة عندما دبت التصدعات في جسد حركة فتح تحت تأثير أكثر من طرف عربي.
وإلى جانب القضية الفلسطينية، سلطت المجلة الأضواء على ما يجري في بلدان عربية أخرى، وعلى رأسها لبنان، إلى جانب دول أخرى لم تنل حظها في الاهتمام الإعلامي مثل موريتانيا واليمن والسودان التي كانت خارج حسابات وتجاذبات الصحافة العربية المهاجرة والممولة من هذه الدولة أو تلك.
إعلانورغم النجاح الكبير الذي حققته مجلة اليوم السابع من حيث الانتشار والتأثير فإنها لم تعمّر طويلا، ولم تنجُ مما حاولت تجنبه منذ لحظة انطلاقتها، فتأثرت بالتجاذبات السياسية في المنطقة العربية.
وتتباين الروايات بشأن العامل الحاسم في نهاية "اليوم السابع"، لكن السياق العام الفلسطيني والعربي كان يشهد تحولات سياسية كبرى تتجاوز حسابات المجلة ورهاناتها الإعلامية والفكرية والثقافية، ففي عام 1990 شهد العالم العربي زلزالا سياسيا عندما غزا العراق جارته الكويت وأدخل المنطقة برمتها في دوامة أزمات لا تزال تداعياتها قائمة إلى الآن.
وفي ذلك الزلزال اختار عرفات معسكر العراق، وكانت النتيجة المباشرة نضوب الكثير من مصادر التمويل الخليجية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما امتدت تداعياته إلى أذرعها الإعلامية.
وعلى الصعيد الفلسطيني، زادت حدة الانقسامات الداخلية داخل حركة فتح، وبات هاني وخالد (شقيقا بلال الحسن) طرفا فيها، في وقت بدأت أطراف في القيادة الفلسطينية تتواصل مع الأميركيين في تونس تمهيدا لخيار "التسوية" مع إسرائيل، قبل أن يتبلور رسميا عبر مسار مفاوضات أوسلو، وهو الخيار الذي عارضه بلال الحسن بشدة.
نهاية وحياة جديدةوفي هذا السياق الإقليمي الملبد بالغيوم السياسية، توقفت "اليوم السابع" عن الصدور في يناير/كانون الأول 1991 قبل أيام قليلة من بدء التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة هجوما واسع النطاق على العراق فيما سميت "عاصفة الصحراء" لتحرير الكويت.
وعندما كانت المجلة قيد الإقفال يروي بلال الحسن أنه تلقى عروضا لمساعدة المجلة ماليا من أجل مواصلة رحلتها، لكنه رفضها كما رفض عروضا من ليبيا والعراق ودول عربية أخرى لشراء المجلة.
ورغم مرور ربع قرن على تلك التجربة المهنية الرائدة فإن صداها لم ينقطع بفعل الثورة الرقمية التي وفرت حاملا لإعادة نشر بعض محتوياتها من خلال مبادرات فردية لإعلاميين اشتغلوا فيها وبادروا إلى إنشاء صفحات في المواقع التواصل لضخ حياة جديدة في أجزاء من تراث المجلة.
كما أن ذلك التراث لا يزال ماثلا في كتاب "حوار المشرق والمغرب" الذي طُبع في أكثر من نسخة وفي أكثر من بلد عربي، وفي بعض الأحيان في خرق سافر لحقوق الملكية الفكرية، ولا يزال مرجعا فكريا مهما.
وفي محاولة أخرى لاستدامة إشعاع "اليوم السابع" صدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية كتاب يضم المقالات التي وقّعها محمود درويش آنذاك لتمثل "شهادة على فترة بالغة الحساسية في تاريخ الفلسطينيين، وهموم محمود درويش ومشاغله الشعرية والسياسية، والمعيشية أيضا"، كما جاء في تقديم الكتاب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات الیوم السابع محمود درویش بلال الحسن وعلى رأسها
إقرأ أيضاً:
رئيس البرلمان العربي: استقلال فلسطين حق تاريخي ثابت سنظل ندعمه حتى يتحقق على أرض الواقع
فلسطين – أكد رئيس البرلمان العربي محمد بن أحمد اليماحي في الذكرى الـ37 لإعلان استقلال دولة فلسطين، أن استقلال فلسطين حق تاريخي ثابت سنظل ندعمه حتى يتحقق على أرض الواقع.
وصرح رئيس البرلمان العربي بأن هذا الحدث التاريخي يجدد التأكيد على الحق الثابت والمشروع للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها مدينة القدس، وهو تجديد للعهد بمواصلة النضال السياسي والبرلماني والدبلوماسي دفاعًا عن الحقوق المشروعة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني.
وشدد على أن الاحتلال الإسرائيلي لا يمكن أن يغيّب الحقيقة الثابتة بأن الشعب الفلسطيني يمتلك كامل الحق في إقامة دولته المستقلة والتمتع بالسيادة الكاملة، وفقا لقرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي.
وأفاد اليماحي بأن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتسريع إعادة الإعمار بإدارة فلسطينية هو واجب دولي لا يقبل التأجيل.
ودعا رئيس البرلمان العربي المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية تجاه هذا الحق العادل، ورفض كل الممارسات العدوانية وسياسات الاستيطان والتهجير والاعتداءات المستمرة على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والقدس.
وأشار اليماحي إلى استمرار التحرك برلمانيا ودبلوماسيا لدعم الحقوق الفلسطينية المشروعة في نيل الاستقلال التام.
وجدد دعوة البرلمان العربي لكافة البرلمانات الإقليمية والدولية للاعتراف بدولة فلسطين، وتقديم الدعم الكامل لها في المحافل الدولية، ودفع الحكومات لاتخاذ خطوات عملية تتوافق مع التزاماتها القانونية والأخلاقية تجاه القضية الفلسطينية.
كما أكد على وقوف البرلمان العربي الدائم والثابت إلى جانب الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية غير القابلة للمساومة، وعلى مواصلة جهوده في الدفاع عن هذه الحقوق حتى نيل الدولة الفلسطينية استقلالها الكامل وعضويتها الكاملة في الأمم المتحدة.
المصدر: صحيفة “الرياض”