نقلت وكالة الأنباء السورية "سانا" عن وزارة الدفاع أن العاصمة دمشق تعرضت لهجوم بصارخين اثنين من طراز "كاتيوشا" يوم الجمعة الفائت. وذكر الخبر أن الصاروخين أُطلقا من أطراف المدينة باتجاه الأحياء السكنية في منطقة المزّة ومحيطها، ما أسفر عن إصابة عدد من المدنيين.

وقالت وزارة الدفاع إنها تعمل على "جمع الأدلة اللازمة وتحديد مسار الصواريخ ومصادر الإطلاق"، قبل أن تؤكد وصولها لمكان إطلاق الصاروخين وعملها على كشف باقي ملابسات الهجوم.



وبالنظر إلى طريقة الهجوم، وفي غياب كامل التفاصيل، يمكن القول إن معنى الرسالة أكثر حضورا من معنى الاستهداف والضرر المباشر، أي أن استهداف العاصمة وإطلاق صواريخ داخلها يشمل انتهاك السيادة من جهة، وتأكيد الثغرات الأمنية التي يمكنها إتاحة تكرر الاستهداف من جهة أخرى.

التوقيت والسياق من أكثر ما يُعتمد عليه في مسعى تحديد الأطراف المتورطة في أي اعتداء عادة، ولذلك تبرز زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع للولايات المتحدة كالسياق الأبرز في فك شفرات الهجوم. بمعنى آخر، فالأطراف المتضررة و/أو المستاءة من الزيارة وما تخللها هي "المشتبه بهم المعتادون"، ويضاف لها أعداء و/أو خصوم القيادة السورية بشكل عام بطبيعة الحال.

فماذا حصل في الزيارة؟ ومن استاء أو تضرر منها؟

كانت الزيارة هي الأولى من نوعها منذ عقود، وشملت لقاء مباشرا مع الرئيس ترامب، ووعودا برفع العقوبات (لم تصل بعد للتنفيذ الفعلي الكامل)، وجدول أعمال على رأسه نقاش انضمام سوريا للتحالف الدولي ضد "داعش"، واجتماعا ثلاثيا ضم وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة وسوريا وتركيا "لمتابعة تنفيذ ما اتُفق عليه" بين ترامب والشرع.

أعطى ذلك إشارات على تفاهمات محتملة بين الدولتين -ومعهما تركيا- بخصوص ثلاثة ملفات؛ "إسرائيل" و"داعش" وقوات سوريا الديمقراطية "قسد".

تمثِّل "إسرائيل" التهديد الأكبر والعدو الأخطر لسوريا منذ سقوط نظام الأسد قبل 11 شهرا، بكل ما أقدمت عليه ميدانيا من قصف وتوسيع احتلال وقتل واعتقال وتثبيت نقاط عسكرية، فضلا عن التدخل بشكل سلبي وخطير في الشؤون الداخلية السورية وتحديدا ما يتعلق بالأقليات، مع تصريحات مباشرة تدعو لتقسيم سوريا، كما أن المفاوضات مع سوريا لم تصل لاتفاق أمني بسبب رفع "إسرائيل" لسقف المطالب والاشتراطات ومن ضمنها "ممر إنساني" نحو السويداء.

يضاف لكل ما سبق أن الأوساط السياسية والإعلامية في تل أبيب عبّرت بشكل واضح عن قلقها من زيارة الشرع (الذي ما زالت تسميه "الجولاني" وتصفه بالإرهابي)، ومن أن تشكل منعطفا في العلاقات السورية- الأمريكية في غير صالحها. ولذلك تأتي دولة الاحتلال في مقدمة المشتبه بهم خلف الاعتداء، ورسالة الضغط والتهديد المقصودة منه أوضح ما تكون في هذه الحالة.

بشكل مشابه، تبرز "قسد" كمشتبه به محتمل في الوقوف خلف الهجوم، بالنظر لتلكئها في تنفيذ اتفاق آذار/مارس الفائت مع الرئاسة السورية (والذي سقفه الزمني نهاية العام الجاري)، والتي تتوجس أيضا من الاجتماع الثلاثي في واشنطن الذي يُفترض أنها أحد أهم ملفاته، حيث ترى أن تغيير الإدارة الأمريكية موقفها لصالح رؤية دمشق وأنقرة خطر وجودي على مشروعها.

وأخيرا، فإن فكرة انضمام سوريا للتحالف الدولي ضد "داعش"، سواء تم أم ما زال في طور النقاش والتفكير، يشكّل قرينة كافية لوضع التنظيم في مقدمة الأطراف المشتبه بها، خصوصا وأن السنوات الفائتة شهدت مواجهات بينه وبين هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى.

يضاف للأطراف سالفة الذكر -"إسرائيل" و"قسد" و"داعش"- خصوم التجربة السورية الجديدة وفقا لتعبير وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى، والذي يحيل ضمنا فيما يبدو إلى إيران أو أطراف مرتبطة بها، بالنظر لتحالفها مع النظام السابق.

بيد أن الأقل تداولا، بل غير المتداول، أن هناك مشتبها بهم آخرين، "غير معتادين"، ينبغي وضعهم في إطار الاشتباه وبالتالي البحث والتمحيص والتحقيق. وسبب غيابهم عن قائمة الاتهام المحتمل هو أنهم يصنفون ضمن "أصدقاء" سوريا الجديدة على الساحتين الإقليمية والدولية.

لماذا نقول ذلك؟ لأن الدول والأنظمة التي كانت تسعى لإعادة تأهيل نظام الأسد وطالما وَصَمَتْ الرئيس السوري وهيئة تحرير الشام بالإرهاب، بل ظلت على هذه التسمية والسياسة حتى خلال عملية "ردع العدوان"، فضلا عن الولايات المتحدة التي كانت قد وضعت جائزة 10 ملايين دولار على رأس الشرع (الجولاني سابقا)، لم تصبح بين يوم وليلة في صفوف "أصدقاء سوريا" ولا حلفاء الشرع. سيكون من السذاجة أن نرى ما حصل ويحصل حتى اللحظة اصطفافا بهدف الدعم وليس سياسة تسعى للاحتواء.

فلقاء ترامب مع الشرع في الرياض كان تضمن "طلبات" أو "نداءات" من الأول للثاني، أميلُ لعدِّها شروطا لما أسماه ترامب نفسه "منح فرصة" ورفع العقوبات، ومن بينها التطبيع مع "إسرائيل" ومحاربة الإرهاب، طبعا وفق الرؤية الأمريكية. شيء من هذا القبيل ردده المبعوث الأمريكي لسوريا توم باراك حين قال، بعد لقاء الشرع بترامب، إن سوريا سوف تشارك مع الولايات المتحدة في محاربة أطراف ذكر من بينها "داعش" وحزب الله وكذلك حركة حماس الفلسطينية.

كما أن مسار التفاوض بين سوريا و"إسرائيل" لم يفض حتى اللحظة إلى اتفاق أو تفاهم ما، بسبب ما يبدو أنه رفض سوري لبعض الاشتراطات والمطالب "الإسرائيلية"، فضلا عن أن الشرع كرر رفضا ضمنيا لانخراط بلاده في "الاتفاقات الإبراهيمية"، تاركا موضوع التطبيع مع "إسرائيل" لمرحلة "ما بعد الجولان".

بمعنى أن سوريا الجديدة، ورغم لغة الانفتاح وخطاب الطمأنة وأولوية الاقتصاد والبناء، ورغم المرونة الكبيرة التي أبدتها في كثير من الملفات الداخلية والخارجية، لم تصل بعد للمرحلة التي تريدها -أو تشترطها- واشنطن وبعض العواصم المرتبطة بها في المنطقة. فتكون فرضية الرسالة من خلال الهجوم الأخير لمزيد من الضغط بهدف الحصول على المزيد من التنازلات و"الالتزام" بالخط المطلوب أمريكيا؛ فرضية منطقية ولا ينبغي استبعادها، خصوصا وأن "رفع العقوبات" ليس قرارا أمريكيا في طور التنفيذ، وإنما أداة ابتزاز مستمرة بوجه دمشق المطالَبة بالتزامات واستحقاقات.

لا يعني هذا أن السيناريو الأخير هو الأعلى احتمالا، بل لعله الأقل مقارنة بكل من "إسرائيل" و"قسد" و"داعش"، وحتى "خصوم سوريا"، لكنه احتمال ينبغي وضعه على الطاولة وفي الذهن لدى صانع القرار وكذلك لدى النخبة السورية الجديدة، حتى يبنى على الشيء مقتضاه بغض النظر عن اللغة الدبلوماسية وإكراهات السياسة.

x.com/saidelhaj

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه سوريا داعش إسرائيل قسد الأمريكية سوريا إسرائيل داعش أمريكي قسد مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

سوريا.. وزير العدل ينفي "تصريحا مفبركا" عن التحالف الدولي

نفى وزير العدل السوري، مظهر الويس، السبت، أي تصريحات منسوبة إليه تتعلق بالتنسيق بين الحكومة السورية والتحالف الدولي.

وقال الويس في منشور على منصة "إكس": "أنفي ما تم تداوله عن أي تصريحات منسوبة لي لوسائل إعلامية وأؤكد أنني لم أُجْرِ أي مقابلة ولم أتحدث مع منصة The Media Line أو أي وسيلة إعلامية أخرى بشأن الموضوع المذكور".

وتابع: "نتمنى من جميع الجهات الإعلامية نقل التصريحات من مصادرها الرسمية والمعتمدة والحذر من المنصات التي تهدف إلى مجرد السبق الإعلامي أو الفبركة وإثارة البلبلة".

وكانت منصة "ذا ميديا لاين" قد كشفت عن لقاء مع وزير العدل السوري، ونقلت عنه قوله: "إن التنسيق بين الدولة السورية والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم "داعش" مشروع في ظل الشريعة الإسلامية، إذا التزم بمبادئ الشريعة وخدم المصلحة العامة".

ونفت الرئاسة السورية، الجمعة، وجود تعاون بين الرئيس السوري أحمد الشرع والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيمي "داعش" و"القاعدة" منذ عام 2016.

وقالت مديرية الإعلام في الرئاسة السورية إن المعلومات التي وردت في بعض التقارير الصحفية عن وجود تعاون بين الشرع مع التحالف "غير صحيحة"، وأوضحت أن ما سبق لا يعدو "كونه ادعاءات لا تمت إلى الحقيقة بصلة".

وأشارت المديرية إلى أن الشرع "لم ينسق أو يتعاون مع أي جهة أجنبية في هذا الإطار، ولم تصدر عنه توجيهات تتعلق بذلك".

وأضافت أن "جميع القرارات والإجراءات المتخذة آنذاك جاءت بقرار داخلي مستقل دون أي تنسيق أو طلب من أي طرف خارجي".

وأعلن التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" انضمام سوريا رسميا إلى عضويته، لتصبح الشريك التسعين الملتزم بالقضاء على التنظيم.

ووصف التحالف على حسابه في منصة "إكس" الخطوة بأنها محطة مفصلية في مسار التعاون الإقليمي والدولي ضد الإرهاب، وأن هذا الانضمام يهدف إلى تعزيز الجهود بين الدول الأعضاء لضمان الهزيمة الدائمة للتنظيم.

مقالات مشابهة

  • خلق الفوضى..من يقف خلف هجوم المزة بدمشق؟
  • سوريا.. وزير العدل ينفي "تصريحا مفبركا" عن التحالف الدولي
  • وزارة الدفاع السورية تعثر على أجهزة صاروخية بدائية وتؤكد ملاحقة المسؤولين عن هجوم المزة
  • تحديد موقع إطلاق الصواريخ على المزة بدمشق والتحقيقات مستمرة
  • هجوم بالصواريخ على حي المزة في دمشق
  • سوريا.. تحديد موقع إطلاق الصواريخ على دمشق / شاهد
  • سوريا تنفي تعاون الشرع مع التحالف ضد داعش والقاعدة منذ 2016
  • الرئاسة السورية ترد على مزاعم تعاون الشرع مع التحالف ضد داعش والقاعدة منذ 2016
  • سوريا تنفي تعاون أحمد الشرع مع واشنطن ضد داعش والقاعدة في 2016