٢٦ سبتمبر نت:
2025-11-18@08:21:23 GMT

200 انقلاب في 60 عاما.. جذور الاضطراب بأفريقيا

تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT

200 انقلاب في 60 عاما.. جذور الاضطراب بأفريقيا

وضمن هذه البيئة المضطربة، لعبت الانقلابات العسكرية دورا مهما في تشكيل المشهد السياسي في القارة، فكان الحكم العسكري تجربة شائعة، وتأثير الجيش على السياسة عميقا، وأصبحت عمليات الاستيلاء على السلطة سمة مميزة للتطور السياسي للقارة منذ أوائل الستينيات.

وفي وقت تتركز فيه التغطيات الإعلامية وتتجه الأنظار ميدانيا نحو السودان، يبدو أن الصورة الأوسع هي أن ما يجري هناك ليس حدثا منفصلا، بل إنه جزء من أزمة ممتدة عصفت بالقارة الأفريقية منذ نحو نصف قرن.

وقعت أحدث الانقلابات في مالي عام 2020، وتشاد عام 2021، وغينيا والسودان عام 2021، وبوركينا فاسو عام 2022، والنيجر والغابون عام 2023.

ويعيد هذا النمط إنتاج حقبة ما بعد الاستقلال التي شهدت تكرارا كبيرا للانقلابات العسكرية التي أدت إلى تغييرات غير دستورية في الحكم. وبين عامي 1960 و2023، وقع ما يقرب من 200 انقلاب عسكري في أفريقيا، نجح أكثر من نصفها.

 

وفي هذه الانقلابات الناجحة، تمكن الجيش من الإطاحة بالحكومة القائمة وتأسيس نظام جديد.

 

جذور أزمة ممتدة

وتوضح دراسة حديثة نُشرت في مجلة "ورلد أفاريس" يوم 23 سبتمبر/أيلول الماضي أن المؤسسات المدنية في كثير من بلدان القارة تآكلت قبل أن تنضج، ففشلت في استيعاب التعدد السياسي أو إدارة المنافسة بطرق سلمية.

ومع هذا الفراغ، تحولت الانقسامات الإثنية والاجتماعية إلى شرارات قابلة للاشتعال في أي لحظة، بدل أن تكون جزءا من نسيج سياسي قابل للتفاوض.

وعلى الجانب الآخر، كانت الأزمات الاقتصادية، من التضخم إلى البطالة وتراجع الخدمات، تدفع الشارع نحو الغضب، وتزيد هشاشة الأنظمة، وتفقدها القدرة على امتصاص الصدمات، وفقا للدراسة.

وتلقي الانقلابات الأخيرة في دول الساحل مالي وبوركينا فاسو والنيجر الضوء على جذور الأزمة في القارة.

وحسب تقرير المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية- القرن الأفريقي، فإن هذه الانقلابات لم تكن محلية وحسب، بل نتجت عن تفاعل معقد بين الديناميات الجيوسياسية والفشل في مكافحة الإرهاب والنظرة الاستعمارية الجديدة.

 

ويرى أستاذ العلوم السياسية أيمن البراسنة أن الانقسامات الإثنية لم تكن دائما طبيعية في الدول الأفريقية، بل ضُخمت بفعل سياسات ما بعد الاستقلال التي اعتمدت الولاءات الجهوية والقبلية بدلا من بناء هوية وطنية جامعة.

أما عن الأزمة الاقتصادية، فلا يعدها البراسنة سببا مباشرا للانقلاب في الدول الأفريقية، لكنها سرعت من وتيرة الانهيار حين ترافقت مع ضعف المؤسسات وفقدان الثقة، فكانت عاملا مضاعفا يفاقم هشاشة الدولة ويكشف عجزها، فيدفع الجيش للتدخل بحجة "الإنقاذ".

وتمارس القوى الخارجية تأثيرا مزدوجا، بحسب البراسنة، فهي تارة تدعم وتسلح أطرافا بعينها، وتارة أخرى تدير المشهد من بعيد عبر توازنات إقليمية ودولية، وفي الحالتين النتيجة ذاتها: إضعاف استقلال القرار الوطني وتعقيد مسار بناء الدولة.

 

السودان نموذج مصغر للأزمة

شهد السودان 17 محاولة انقلاب منذ الاستقلال، نجحت 7 منها، الأمر الذي يجعل حضور العسكر في السياسة جزءا من النسيج السياسي وليس حالة طارئة.

وفي السياسة السودانية، يعد الانقلاب العسكري الوسيلة الرئيسية لتغيير النظام، وهو نمط يُلاحظ أيضا في دول أفريقية أخرى مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو وتشاد خلال الـ3 سنوات الماضية.

ويختلف هذا عن بعض الديمقراطيات الأفريقية مثل غانا، وموريشيوس، وجنوب أفريقيا، والسنغال، وبوتسوانا، حيث يتم الحصول على السلطة عادة عبر إجراءات ديمقراطية (رغم أنها غالبا ما تكون سطحية وناقصة).

وما يميز السودان عن غيره من دول القارة، حسب الدراسة، هو تكامل كل جذور الأزمة في مكان واحد، هذا التكامل يجعل أي تحليل للأزمة السودانية نافذة لفهم الدورة الكاملة للأزمات والانقلابات في أفريقيا.

وتسبب هذا التداخل بين المؤسسة العسكرية والقرار السياسي، وفقا للدراسة، في خلق دورة من الهشاشة المستمرة، حيث أي محاولة لإصلاح أو انتقال ديمقراطي تواجه صعوبة بالغة أمام سلطة الجيش.

وإلى جانب العوامل السابقة التي غذت الانقلابات العسكرية في السودان، يبقى الجوهر مرتبطا في هيمنة الجيش، فالقوى الأمنية وشبه العسكرية تسيطر على أكثر من 80% من موارد الدولة، بما في ذلك 250 شركة في قطاعات حيوية مثل الدفاع، والبنوك، والذهب، والمطاط، والبناء والنقل، وفقا لمعهد كارنيغي للسلام الدولي.

وتوضح الدراسة أن تجربة السودان بعد سقوط عمر البشير في 2019 أظهرت أن التحولات المدنية، رغم الدعم الشعبي، غالبا ما تتعثر أمام قوة الجيش واستمرار الانقسامات، مما يضع البلاد أمام معضلة حقيقية: كيف يمكن استعادة الدولة المدنية بينما تظل المؤسسة العسكرية محورا للقرار السياسي؟

كما تشير تقلبات الوضع السوداني ما بعد الانقلاب إلى استمرار تأثير الحكم العسكري، والقوى الخارجية، في عرقلة الإصلاحات السياسية، وتعكس هذه الديناميكية ما يجري في دول أفريقية أخرى، حيث الانقلابات أحيانا بخطاب شعبي جذاب، لكنها تفضي إلى تعطيل مسارات الديمقراطية.

ويعزز هذا التقييم ما يذهب إليه أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك بالأردن محمد سلامة من أن السودان أصبح أحد أوضح نماذج الأزمة الأفريقية المركبة، لتاريخه الطويل بالانقلابات، مما جعله جزءا رئيسيا من "حزام الانقلابات" الممتد من الساحل حتى القرن الأفريقي، حيث تتقاطع هشاشة المؤسسات مع الانقسامات الإثنية والأزمات الاقتصادية العميقة.

ويضيف سلامة أن شكل الحرب تحول من صراع على السلطة إلى صراع على شكل الدولة نفسها، فمنذ اندلاع المواجهات بين الجيش والدعم السريع عام 2023، لم يعد النزاع مجرد تنازع بين مركز ومعارضة، بل أصبح صراعا بين نموذجين: دولة مركزية ذات جيش تقليدي، في مقابل تشكيل شبه دولة موازية تملك موارد ومساحات نفوذ وتبحث عن شرعية سياسية مستقلة.

ويضاف إلى ذلك التداخل الإقليمي والدولي الذي تستخدم فيه أطراف عدة السودان بوصفه مساحة للتنافس على النفوذ والموارد والبحر الأحمر، مما جعله بمنزلة مختبر مكبر لجميع عناصر الأزمة الأفريقية وانعكاسا مكثفا لأزمات الحكم والأمن في القارة، وفق حديثه.

وإلى جانب ذلك، أشار تقرير "المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية– القرن الأفريقي" إلى أن الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وانهيار المرحلة الانتقالية في السودان، لم تحقق الاستقرار الموعود أو النصر على حركات التمرد الجهادية.

وبدلا من ذلك، فإن فقدان الأراضي، والأزمة الإنسانية، وتوطيد الاستبداد، وتآكل الشرعية، وخطر تجزئة الدولة، كلها أمور آخذة في التزايد، ومن المرجح أن يتفاقم عدم الاستقرار في هذه البلدان إلى ما هو أبعد من الحدود الوطنية ويبتلع المنطقة بأكملها، وفقا للتقرير.

 

الجيش محورا للسلطة

واحدة من الدروس المركزية التي تكشفها تجربة السودان ودول أفريقية أخرى هي أن وجود الجيش في قلب السياسة لا يمثل مجرد مخالفة دستورية، بل إشكالية بنيوية، فالجيش، بطبيعته، مؤسسة مهيكلة لتنفيذ الأوامر والحسم، وليس للتفاوض أو إدارة التعدد السياسي.

وتشير الدراسة الحديثة إلى أن الانقلابات، رغم أنها أحيانا تحظى بدعم شعبي أولي، غالبا ما تقود إلى استبداد مؤسسي وتعطيل مسارات التحول الديمقراطي.

في السودان، كما في غيره من الدول الأفريقية، يظهر أن أي حكم عسكري سريع النتائج يقيد قدرة المؤسسات المدنية على الظهور والمساءلة، ويضعف النخب السياسية عن تشكيل بديل ديمقراطي مستدام.

ويجعل الحضور العسكري المتكرر في السلطة الدولة عرضة لتشابك مصالح داخلية وخارجية: الجيش يفرض قراراته، والقوى الخارجية تجد فرصتها لتعزيز نفوذها عبر دعم مباشر أو غير مباشر، مما يزيد من صعوبة استقرار الحكم المدني، حسب الدراسة.

 

ويؤكد الخبراء أن المؤسسات العسكرية، مهما كانت مبرراتها، تصبح محورا مركزيا يعيد إنتاج الأزمات بدل حلها. ويضيف سلامة، وهو أحد معدي الدراسة، أن التجربة الأفريقية تشير إلى أن نهاية الحرب في السودان ستظل مجرد هدنة بين جولات صراع قادمة، إذا لم يتم العمل على إعادة تعريف الدولة عبر عقد اجتماعي جديد يعيد للمدنيين الدور في رسم مستقبل البلاد.

ومن منظور مستقبلي، توصي الدراسة بخطة إصلاح مزدوجة: تقوية المؤسسات المحلية، ووضع آليات رقابة حقيقية على الجيش، بالإضافة إلى إشراك المجتمع المدني في مراقبة السلطة وحماية مكتسبات الديمقراطية، والحوار الشامل بين النخب، واستقلال القضاء.

وفي السياق السوداني تحديدا، تختلف مستويات السؤال: فهل ستبقى الشرعية محصورة في الزي العسكري، أم سيتم الاعتراف بدور القوى المدنية والمجتمعية التي هُمشت في صفقات ما قبل الحرب، في إعادة بناء النظام السياسي؟

 

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: وبورکینا فاسو فی السودان

إقرأ أيضاً:

الجيش السوداني يستعيد السيطرة على إحدى المناطق بولاية شمال كردفان

كشف مصدر بالجيش السوداني، اليوم "السبت" عن استعادة قوات الجيش للسيطرة على محلية أم دم حاج أحمد في ولاية شمال كردفان.

هجوم على منشأة لتكرير النفط

وأضاف المصدر العسكري السوداني في تصريحات تلفزيونية أن طائرة مسيرة تابعة لقوات الدعم السريع استهدفت منشأة لتكرير النفط في الجبلين جنوبي ولاية النيل الأبيض.

يذكر أن مجلس حقوق الإنسان الأممي، أعلن أمس الجمعة تشكيل بعثة تحقيق مستقلة في الفظائع بالفاشر السودانية، حسبما أفادت قناة “القاهرة الإخبارية” في خبر عاجل.

وزير الخارجية يبحث مع نظيره السعودي الأوضاع بالسودان وإعمار غزةتورك: ندعو لاتخاذ إجراءات ضد الأفراد والشركات التي تؤجج وتستفيد من الحرب بالسودانأول تعليق من السودان على تصريحات وزير الخارجية الأمريكيالمفوضية الإفريقية: أزمة السودان تعد من أعنف النزاعات في القارة

وأكد مجلس حقوق الإنسان رسميا، وجود مجاعة في الفاشر وكادوقلي، وارتفاع مخاطر الجوع والمرض في السودان.

وطالب مجلس حقوق الإنسان، بتحقيق عاجل لتحديد المسؤولين عن الانتهاكات في الفاشر، ووقف كل أشكال التدخل الخارجي في السودان.

أزمة غذاء في السودان

من جانبها أعلنت منظمة الصحة العالمية، أنّ السودان يعاني واحدة من أكبر أزمات الغذاء في العالم، منوهة بأنّ 40% فقط من المنظومة الصحية تعمل في السودان.

وقال مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إن الفظائع في الفاشر بـ السودان تعد أشد الجرائم خطورة، مضيفا أنه يجب حماية المدنيين في الفاشر السودانية، محذرا من تصاعد العنف في كردفان بالسودان.

طباعة شارك الجيش السوداني ولاية شمال كردفان أم دم حاج أحمد طائرة مسيرة الدعم السريع ولاية النيل الأبيض

مقالات مشابهة

  • الجيش السوداني ينسحب من أم سيالة وسط معارك محتدمة بكردفان
  • برلمانية تشيد بإدراج مصر ضمن أعلى الدول الأفريقية في الاحتياطي الأجنبي: دليل على قوة اقتصادها
  • صور قديمة ينشرها الجيش.. عرضٌ عسكري عمرهُ 80 عاماً
  • مصرع سيدة مسنة ورضيع غرقا وإنقاذ 7 أشخاص فى انقلاب تروسيكل بترعة بالشرقية
  • الجيش السوداني يطالب العالم بوقف تدفق السلاح للدعم السريع
  • الجيش العراقي يعتزم زيادة قدراته التسليحية عبر زيادة مقاتلاته العسكرية
  • المعركة ليست عن الأشخاص… إنها عن رمزية الجيش وبقاء الدولة
  • المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى: لبذل المزيد من الجهد السياسي والدبلوماسي للضغط على العدوّ
  • الجيش السوداني يستعيد السيطرة على إحدى المناطق بولاية شمال كردفان