موريتانيا وترحيل مهاجريها الأفارقة.. الحملة بألسنة ضحاياها
تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT
نواذيبو، موريتانيا
عندما عبر عمر* الحدود إلى موريتانيا في مارس/آذار الماضي قادما من ريف غامبيا، جاءها بحثاً عن الأجر الأفضل الذي سمع أنه يمكنه الحصول عليه.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لماذا يصرّ المستشار الألماني على إهانة ملايين العرب والمسلمين؟list 2 of 2غزة بعد الحرب.. تفاصيل العيش في خيمend of listاستقر عامل البناء (29 عامًا) في نواذيبو -ثاني أكبر مدن موريتانيا- حيث تشارك مع 4 أصدقاء غرفة واحدة، بعدما وجد عملاً كمياوم في مواقع البناء، حيث كان يكسب ضعف أو ثلاثة أضعاف ما كان يكسبه في وطنه.
تمكن عمر من توفير ما يكفي لدعم عائلته في غامبيا، ودفع رسوم مدرسة إخوته الصغار، باعتباره أكبر أبناء مزارع أرز يعيل عائلة من 9 أفراد.
ما إن هلّ شهر أغسطس/آب حتى وصلت إلى المدينة شاحناتُ الحرس الوطني المسلحة، وبدأ رجال الشرطة يجمّعون المهاجرين بغية احتجازهم وترحيلهم.
كانت مواقع البناء في نواذيبو أهدافًا مبكرة لأجهزة الدولة، ولكي يتجنب القبض عليه، توقف عمر -الذي لم يكن لديه تصريح إقامة- عن العمل، وقلل من تحركاته حيث يقيم في زقاق مغبر في غيران، وهو الحي الذي يسكنه كثير من المهاجرين.
بعد وقت قصير، تطورت حملة الشرطة، حيث بدأت باستهداف المنازل، فكان رجالها يأتون ليل نهار ويقتحمون الأبواب الموصدة إذا لم يرد أيٌّ من المقيمين في الداخل على الفور.
ذات مساء، اجتاحت الشرطة مجمع عمر، ففرّ هو وأصدقاؤه بعدما تسلقوا الجدران واعتلوا الأسطح، لكنهم لم يعثروا على مكان آخر يذهبون إليه، فعادوا في وقت لاحق من تلك الليلة.
وبما أنهم باتوا عاطلين عن العمل، فقد نفدت أموالهم بسرعة، فكانوا يتشاركون طبقًا صغيرًا من الأرز يوميًا، وأحيانًا سمكًا نجح صديق في اصطياده بعدما هرب عبر الأزقة الخلفية إلى مصبٍّ قريب في منتصف الليل.
"كل المشاعر التي أمرُّ بها في يوم واحد يصعب شرحها"، قال عمر للجزيرة في أوائل سبتمبر/أيلول الماضي.
تحدثت الجزيرة مع مهاجرين من ضحايا حملة القمع الحكومي في نواذيبو والعاصمة نواكشوط، وفي كل من روصو الموريتانية وروصو السنغالية، المدينتين التوأمتين على جانبي نهر السنغال الذي يمثل الحدود بين البلدين. العديد من الذين تحدثنا معهم تم طردهم خارج موريتانيا، وغالباً إلى دولة ثالثة.
إعلانقدّرت الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان (AMDH) أنه في مارس/آذار وحده، تم ترحيل 1200 شخص، من بينهم حوالي 700 كان لديهم تصاريح إقامة تسمح لهم بالعمل بشكل قانوني في موريتانيا.
لم تنشر السلطات الموريتانية أرقام حالات الترحيل، ولكن وفقًا لبيان صادر عن المتحدث باسم الحكومة الحسين ولد مدو، فقد دخل 130 ألف مهاجر إلى البلاد التي يبلغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة في عام 2022، بينما جدد 7000 شخص فقط تصاريح إقامتهم في نفس العام.
لم تعلن الحكومة أي تفاصيل حول نطاق وأهداف حملة الترحيل، لكن في مايو/أيار، قال وزير الداخلية محمد أحمد ولد محمد الأمين أمام البرلمان إن لدى موريتانيا كامل الحق في مراقبة حركة الأجانب على أراضيها، مشددًا على أن السلطات تصرفت "باحترام لكرامة الإنسان". وأضاف أن المرحلين سيحصلون على طعام وماء كافيين، وعلى الخدمات الطبية، وسيسمح لهم بالاحتفاظ بممتلكاتهم الشخصية.
في وقت سابق، في مارس/آذار، شدد المتحدث باسم الحكومة على أن "التقارير عن الترحيلات الأخيرة كانت مبالغًا فيها"، في تلميح إلى الروايات التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
بعدما بدأت عمليات الترحيل الجماعية هذا العام، أشار بعض الخبراء إلى أن حملات مشابهة وقعت أيضاً في موريتانيا عامي 2009 و2012، وإن كان ذلك على نطاق أضيق. ومع ذلك، لاحظ مراقبون آخرون أن القمع جاء هذه المرة بعد فترة قصيرة من إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في فبراير/شباط 2024 عن صفقة شراكة للهجرة بقيمة 210 ملايين يورو (248 مليون دولار) بين الاتحاد الأوروبي وموريتانيا.
وخصصت هذه الحزمة المالية لدعم الأمن و"إدارة الهجرة"، بالإضافة إلى استثمارات أخرى في "الطاقة الخضراء والتوظيف والمهارات وريادة الأعمال.. وتعزيز الوصول إلى الخدمات الاجتماعية والاقتصادية للاجئين وطالبي اللجوء والمجتمعات المضيفة"، وفقاً لما قاله متحدث باسم المفوضية الأوروبية لقناة الجزيرة في بيان مكتوب.
ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أن الاتحاد الأوروبي أبرم خلال السنوات الأخيرة، في إطار تطبيق سياسة "توطين الحدود"، اتفاقيات مع دول عدة منها المغرب والجزائر وتونس وليبيا والنيجر، للحد من الهجرة غير النظامية من نقاط انطلاق رئيسية في أفريقيا.
وتعتبر موريتانيا محل اهتمام خاص بسبب قربها من جزر الكناري الإسبانية. وأفاد تقرير صادر عن إدارة الأمن القومي الإسبانية لعام 2025 أن ما يزيد عن 25 ألف شخص غادروا شواطئ موريتانيا في عام 2024 متجهين إلى الأرخبيل، وهو ما يمثل أكثر من نصف إجمالي الوافدين غير النظاميين إلى الجزر في ذلك العام والبالغ عددهم قرابة 49 ألفا. وقال عدد قليل ممن تحدثت إليهم الجزيرة إنهم قد يفكرون في السفر بقارب إلى أوروبا، لكن ذلك أصبح الآن مكلفاً وصعباً للغاية، لذا فإن معظمهم أرادوا البقاء في موريتانيا للعمل وإرسال المال إلى عائلاتهم.
في أكتوبر/تشرين الأول 2024، دخل تعديل على قانون الهجرة الموريتاني لعام 1965 حيز التنفيذ. وينص التعديل على أن أي أجنبي يُدان بعدم الامتثال لبعض أنظمة الهجرة، خاصة من يدخل أو يقيم بشكل غير قانوني في البلاد، سيتم "ترحيله تلقائياً" ومنعه من دخول البلاد لفترة تتراوح بين سنة و10 سنوات.
إعلانوبعد بضعة أشهر، اعتبر رئيس الوزراء مختار ولد اجاي، في خطاب أمام البرلمان، أن "مكافحة الهجرة غير النظامية" إحدى أولويات الحكومة.
يشار إلى أن الحكومة الموريتانية رفضت الرد على طلبات الجزيرة للتعليق. لكن رداً على أسئلة حول الاتحاد الأوروبي، قال متحدث باسم المفوضية الأوروبية إن الاتحاد "كثف دعمه لموريتانيا" بشأن "إدارة الهجرة"، مع التشديد على أن حماية المحتاجين واحترام حقوق الإنسان عند التعامل مع المهاجرين هي "مبادئ أساسية".
وأضاف المتحدث أن الاتحاد الأوروبي "في حوار دائم مع موريتانيا" لضمان أن الشراكة تحترم حقوق الإنسان.
ومع ذلك، تقدم جماعات حقوق الإنسان والسياسيون المعارضون والمهاجرون صورة مختلفة لما يحدث.
"ما يراه الناس كل يوم هو الخوف"، قالت كادياتا مالك ديالو، النائبة الموريتانية المعارضة في معرض انتقادها بصوت عالٍ لحملة الحكومة. وأضافت أن "عمليات الترحيل الجماعي تتم في ظروف قاسية ومهينة".
نواذيبو، مدينة شاطئية تقع عند طرف شبه جزيرة ضيقة بطول 65 كلم، لطالما اجتذبت المهاجرين من غرب أفريقيا ووسطها. ويجد الكثير من هؤلاء عملاً في قطاعات البناء والصيد أو غيرها ضمن الاقتصاد غير الرسمي للمدينة، وهم جزء مرئيٌ من حياة المدينة، حيث يمكن معاينتهم في الأسواق والموانئ والشوارع. ورغم صعوبة الحصول على أرقام دقيقة، قدّرت المنظمة الدولية للهجرة (IOM) عام 2020 أن عدد المهاجرين في المدينة يبلغ 32 ألفا، يمثلون نحو خُمس سكانها.
بالنسبة للمهاجرين في نواذيبو، فإن الاعتقالات خلقت خوفاً وارتباكاً.
قال عامل بناء من ساحل العاج في منتصف العشرينيات من عمره للجزيرة، إنه تم اعتقاله ثلاث مرات في أقل من أسبوع.
العامل، الذي لم يكن يحمل وثائق صالحة وطلب استخدام لقبه فقط، تراوري*، قال إن الشرطة أوقفت 11 شخصاً عندما داهمت منزلهم لأول مرة، لكنه تم إطلاق سراحهم عندما تمكنوا من جمع ما يعادل 200 دولار كرشوة للشرطة.
وأضاف أن الشرطة عادت بعد يومين وكسرت الأبواب واعتقلت 14 شخصاً نُقلوا إلى مركز أمني محلي، قبل أن يُطلق سراحهم عندما دفع صاحب العمل في موقع البناء رشوة مالية.
وفي واقعة تكررت للمرة الثالثة، كان تراوري في موقع بناء كبير قرب مطار نواذيبو، عندما داهمته الشرطة واعتقلت أكثر من 60 رجلاً بدون وثائق، تَمكن بعضهم من دفع رشاوى تتراوح بين 11 إلى 33 دولاراً، لكن تراوري نفسه كان يفتقر إلى المال فأُفرج عنه فقط بعد تدخل رئيسه نيابة عنه.
قال إبراهيم*، الزميل الإيفواري لتراوري، إنه عندما داهمت الشرطة مجمّعه، أظهر لضباط الشرطة ختم دخوله الحديث الذي يسمح له بالبقاء في البلاد لمدة ثلاثة أشهر قادمة. أحد الضباط استنتج أن وثائق إبراهيم سليمة، لكن ضابطًا آخر تجاهل الختم واعتقله.
بعد قضاء 5 أيام في السجن، اقترب ضابط شرطة من إبراهيم، وقال له "الآن سنعقد صفقة.. كم يمكنك أن تدفع؟"، ودفع إبراهيم رشوة قدرها 100 دولار.
التهديد المستمر بالابتزاز والمضايقات أثّر بشكل كبير على سبل عيش العمال المهاجرين في نواذيبو. وقال أوباي*، وهو كهربائي من ساحل العاج، "لا نعرف ماذا نفعل". وبعدما نجح بالكاد في تفادي ثلاثة اعتقالات، أصبح الآن يذهب إلى العمل فقط في الأيام التي يسمع فيها أنه لن تكون هناك مداهمات، وهو يشعر الآن بأنه محاصر في موريتانيا، وغير قادر على كسب لقمة العيش، ولا على تحمّل تكاليف العودة إلى الوطن.
بعد أسبوعين من الغارة الأولى على مجمع عمر، عادت الشرطة مرة أخرى. في هذه المرة، وجدوه نائماً. وقال عمر، الذي كان منهكاً جسدياً ونفسياً بعد أسابيع من القلق، إنه استسلم دون مقاومة. لكن بالنسبة للآخرين، كان الاعتقال تجربة صادمة.
إعلانيونيسا* (28 عاما)، وهو مشغل رافعة شوكية من سيراليون، يعمل في مصنع صيني لمعالجة الأسماك، تعرض للاعتقال وهو في طريقه إلى العمل. وعندما حاول الاتصال برئيسه طلباً للمساعدة، قال إنّ ضربة سُددت لهاتفه وهو في يده فتحطمت الشاشة.
قال محتجا "عليّ الذهاب إلى العمل"، رد الضابط قائلا "بإمكانك الآن الذهاب إلى بلدك لاستغلال ثرواتها". أضاف يونيسا أنه لم يُسمح له باسترداد ممتلكاته من منزله قبل أن يتم ترحيله إلى روسو بالسنغال.
حتى أولئك الذين تم اعتقالهم في منازلهم قالوا إنهم لم يُسمح لهم بأخذ ممتلكاتهم معهم.
يوسف*، شاب غيني (22 عاما) يعمل في مصنع للسردين، قال إنه طلب لحظة لإحضار شهادة ميلاده وشهادة مدرسته عندما اقتحمت الشرطة باب كوخه، لكن قيل له: "ليس لدينا وقت". وعندما أصرّ، قال إنه تَعرض للصفع، وتم اقتياده بدون حذاء إلى مدرسة قريبة، حيث قال إنه تم تفتيشه، وصادرت الشرطة 3 دولارات كانت في جيبه.
بمجرد دخوله مركز احتجاز المهاجرين في نواذيبو، قال يوسف إنه كان يتلقى يوميًا وجبة واحدة فقط، وعادة ما تكون قطعة خبز مع السردين، أو في بعض الأحيان خبز فقط. أما المياه، فقد اضطر للاعتماد على صنبور صغير في الحمام المشترك، والمتاح فقط أثناء فترات استراحة الحمام النادرة.
وقال عمر إنه لم يُقدم له أي طعام خلال احتجازه لمدة 3 أيام، لكن الشرطة عرضت عليه جلب الطعام من المتاجر بأسعار باهظة.. "إذا كان السعر 50 (أوقية)، يجلبونه لك مقابل 100.. إذا كان لديك مال، يمكنك البقاء على قيد الحياة"، كما قال.
انطبق نفس المبدأ عندما أراد إجراء مكالمة هاتفية إلى السفارة الغامبية في نواكشوط. تمكن الغامبيون الأحد عشر الذين كانوا محتجزين معه من جمع 13 دولاراً لاستخدام هاتف الحارس. فشلت المكالمة، لكنهم اضطروا لدفع المبلغ على أي حال ولم يُسمح لهم بالمحاولة مرة أخرى.
يقول المهاجرون الذين تم احتجازهم إن الوصول إلى دورات المياه كان محدودًا أو غير موجود أساسا. في الأيام الثلاثة التي احتجز فيها عمر، اضطر إلى التبول في دلو كبير مع 50 رجلاً آخرين في نفس الغرفة التي كانوا ينامون فيها. وقال يونيسا إنه وزملاءه السجناء طُلب منهم التبول في زجاجات مياه فارغة.
بينما كانت حملة الترحيل تستهدف الرجال بشكل أساسي، جرى اعتقال نساء وأطفال خلال مداهمات الشرطة.
مريم* (31 عاما) من سيراليون، أمّ لديها طفلان، كانت تعيش في نواكشوط لمدة 5 سنوات، وتبيع المثلجات في الشارع، اعتقلتها الشرطة أثناء توجهها إلى صيدلية لشراء دواء لابنتها البالغة من العمر عامًا واحدًا، والتي كانت تعاني من إسهال حاد.
عندما احتجت أن ابنتيها الاثنتين كانتا في المنزل -إحداهما بحاجة ماسة إلى الدواء- قيل لها "ليس هذا وقت طفلتك.. هذا وقت الوثائق". ثم أخذتها الشرطة إلى منشأة احتجاز وصفتها "بحظيرة للمواشي".
بعد التوسل للحراس في منشأة الاحتجاز، سُمِح لها بإجراء مكالمة هاتفية إلى جارٍ، قام من جهته بإحضار ابنتيها إلى المنشأة. وخلال اليومين التاليين، تم احتجازهم جميعا.. قالت إن الحراس كانوا يدخلون الغرفة لتناول الطعام أمامهم. وفي اليوم الثاني، أعطى أحد الحراس بناتها مثلجات.. كان هذا هو الشيء الوحيد الذي تناولوه خلال احتجازهم.
بعد يومين، دفع صاحب عمل زوج مريم رشوة، وتم الإفراج عنها وعن ابنتيها. وفي نفس اليوم، غادرت طواعية إلى السنغال لتلتقي بزوجها الذي تم ترحيله قبل بضعة أشهر.
لا يزال آخرون منفصلين عن أطفالهم. عمر (22 عامًا) مهاجر غيني، وهو الآن في السنغال، تم اعتقاله مع زوجته أثناء ذهابهما لشراء الطعام، بينما بقيت ابنتهما (4 أعوام) في المنزل.
قال عمر للجزيرة من مكان إقامته المؤقت في روسو: "شرحت كل شيء، وبكيت، لكن الشرطة لم تُصغ إلي".
وفي ظل عجزه عن العودة إلى موريتانيا وحاجته للمال، لا يعرف عمر وزوجته كيف سيتمكنان من لمّ شملهما بابنتهما التي يعتني بها جارٌ لهم هناك.
من نواذيبو، يتم عادةً نقل المهاجرين جنوبًا بالحافلات إلى مراكز الاحتجاز في نواكشوط، ومنها يتم إرسالهم لاحقًا إما إلى غوغي، نقطة العبور الحدودية لموريتانيا مع مالي، أو إلى روسو.
إعلانقال محتجزون للجزيرة إنهم غالبًا ما كانوا يُقيّدون معا بالسلاسل أثناء الرحلة.
وصف أمادو (19 عاما)، مهاجر غيني يعيش حاليًا في السنغال، كيف أن شرطياً كان يعتزم تقييده بسجين آخر، فجذبه بعنف من الياقة. قال أمادو: "يا أخي، لا تسحبني هكذا، لا تسحبني وكأنني خروف". وأضاف أن الضابط صفعه بقوة لدرجة أنه بعد أسبوع لم يكن قادرًا على السماع بشكل جيد.
بمجرد وصولهم إلى روسو، يتم أخذ بصمات أصابع المحتجزين في نقطة الحدود الموريتانية، قبل إطلاق سراحهم في منطقة الميناء. هناك ينتظرون عبّارة لتأخذهم إلى نقطة الحدود السنغالية على الجانب الآخر من نهر السنغال، على بعد نصف كيلومتر أو يزيد قليلا. هناك، يتمكن بعض أولئك الذين يحملون وثائق تخوّل لهم الدخول إلى السنغال بدون تأشيرة من عبور الحدود، لكن الكثيرين الآخرين يبقون عالقين.
عمر، رغم احتفاظه ببطاقة هويته الغامبية التي كان ينبغي أن تمنحه دخولًا بدون تأشيرة إلى السنغال، تم رفض دخوله.. "هل تم ترحيلك؟" سأله حراس الحدود على الجانب السنغالي من النهر.. عندما أقرذ عمر وأصدقاؤه بذلك، تم إبلاغهم بوجوب العودة إلى موريتانيا.
عالقين عند نقطة الحدود السنغالية، انتظروا حتى منتصف الليل، حيث دفعوا بدلاً من ذلك مقابل الزورق لتهريبهم إلى نقطة إنزال نائية في الأدغال على الجانب السنغالي من النهر.
أولئك الذين يفتقرون إلى الوثائق الصالحة التي غالبًا ما تُترك في منازلهم بموريتانيا لأن الشرطة لم تسمح لهم بأخذها، رووا تجارب مماثلة.
كان يوسف محاصرًا في نقطة الحدود الموريتانية حتى جمع أصدقاؤه حوالي 9 دولارات لمساعدته على دفع تكلفة الزورق إلى السنغال. تحت جنح الظلام، أوصلهم الزورق إلى منطقة مستنقعات نائية على بعد بضعة كيلومترات جنوب نقطة الحدود عبر النهر. من هناك، خاض في مياه تصل إلى ركبتيه حتى وصل إلى اليابسة خارج روسو.
ولعدم قدرته على تحمل تكاليف العودة إلى غينيا، انضم يوسف إلى مجموعات كبيرة من المرحّلين الذين ينامون في شوارع روسو.
بعد يوم من حديث يوسف وأصدقائه إلى الجزيرة، اعتقلتهم الشرطة السنغالية وأعادتهم إلى المنطقة المحايدة على الجانب الموريتاني من النهر. هناك، اضطروا مجددًا إلى جمع المال لدفع تكاليف زورق العبور إلى الضفة الأخرى.
بعد النزول من الزورق ووصولهم إلى أرض السنغال، تجنّب عمر وأصدقاؤه الذهاب إلى مدينة روسو عبر طرق الأدغال النائية، وعبروا الطريق السريع بعد آخر نقطة تفتيش للشرطة خارج المدينة. من هناك، استقلوا سلسلة من سيارات الأجرة المشتركة باتجاه غامبيا.
تواصلت الجزيرة مع الهيئات الحكومية المسؤولة في موريتانيا للاستفسار عن حملة ترحيل المهاجرين، بما فيها الادعاءات التي أثارها المرحلون بشأن انتهاكات واسعة وسوء تصرف الشرطة معهم. وقد تواصلنا مع المتحدث باسم الحكومة والدرك الوطني ووزارة الداخلية واللامركزية والتنمية المحلية، المسؤولة عن الحملة والمشرفة على قوات الشرطة التي تنفذ العملية. وحتى وقت نشر التقرير، لم يردوا.
إذا توقفوا عن ترحيل الناس، سأعودفي حديثه إلى الجزيرة أواخر سبتمبر/أيلول، بعد أسبوع من عودته إلى غامبيا، أعرب عمر عن مشاعر مختلطة.. قال "لا يوجد شرطي يطاردنا هنا.. لا تحتاج إلى النظر خلفك"، ثم أضاف "لا يوجد مكان مثل الوطن".
لكن مع عدم انتهاء موسم الأمطار في غامبيا، فإن الطلب على العمالة ما زال منخفضا، ولم يتمكن عمر من العثور على عمل.
"المدارس تفتح، وعائلتي تسأل: أين كيس الأرز؟".. أضاف "لا يوجد مال ولا يعجبهم ذلك".
رغم محنته، فإن عمر لا يزال يشعر بالحنين إلى أيامه الأولى في نواذيبو، عندما كان العمل منتظمًا والأجور جيدة.
في الوقت الحالي، يعتزم عمر مراقبة الوضع عن كثب في موريتانيا.. قال "إذا توقفوا عن ترحيل الناس، سأعود إلى نواذيبو".
————————————–
*جميع من أجريت معهم المقابلات طلبوا استخدام اسمهم الأول فقط لأسباب تتعلق بالسلامة
تحقيق: جوزيف سكردليك وأوليفر دن
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات معمقة الاتحاد الأوروبی فی موریتانیا نقطة الحدود إلى السنغال على الجانب الذهاب إلى فی نواذیبو العودة إلى إلى العمل تم ترحیل کانوا ی قال عمر ما کان على أن قال إن
إقرأ أيضاً:
رئيس مجلس الشورى يجتمع مع سفيري موريتانيا وفرنسا
اجتمع سعادة السيد حسن بن عبدالله الغانم، رئيس مجلس الشورى، اليوم، مع سعادة السيد محمد محمد عبدالله ببانه، سفير الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وسعادة السيد أرنو بيشو، سفير الجمهورية الفرنسية لدى الدولة، كل على حدة.
جرى خلال الاجتماعين استعراض العلاقات القائمة بين دولة قطر وكل من موريتانيا وفرنسا، وسبل تطويرها، لا سيما في مجال التعاون البرلماني.