الثورة المهدية ثورة دينية سياسية اندلعت شرارتها الأولى في السودان عام 1881، بقيادة محمد أحمد، الذي أعلن نفسه "المهدي المنتظر"، وأقام دعوته على دعامتين أساسيتين: "التجديد في الدين" ومقاومة الاستعمار، الذي كان يتمثل في الحكم المصري التركي والهيمنة البريطانية في البلاد.

وتمكنت الثورة من تحقيق انتصارات حاسمة، أسفرت عن قيام دولة مستقلة عام 1885 على معظم أراضي السودان، استمرت ما يقارب عقدين من الزمن، لكن الأزمات الاقتصادية والصراعات الداخلية مهّدت الطريق لغزو إنجليزي مصري اجتاح البلاد وأطاح بالدولة عام 1898.

الظروف التاريخية للثورة المهدية

نجح محمد علي باشا في ضم السودان إلى مصر عام 1821، ومن ذلك الحين، خضع السودان للإدارة التركية المصرية، التي اعتمدت نظام حكم مركزيا، يُغلِّب مصالح الحكومة في القاهرة على حساب الشعب السوداني.

واتسم هذا النظام بالقسوة وعدم الاهتمام بالمجتمع المحلي، إذ ركز الولاة الموفدون على استغلال ثروات البلاد، وتصديرها إلى الخارج، دون أن يسهم ذلك في تحسين الظروف المعيشية للسودانيين.

وعلاوة على ذلك فرض الولاة على الفلاحين والرعاة ضرائب مرهقة، مما أثقل كواهلهم، وتسبب في تراجع الزراعة وانتشار الفقر في الأرياف، كما اعتمدوا نظام السخرة في الخدمات العامة كشق الطرق ونقل البضائع.

وفي عام 1877 وقّعت مصر اتفاقية تجارة الرقيق الأنجلو مصرية، التي نصّت على إنهاء بيع وشراء العبيد في السودان، لكن جزءا كبيرا من الاقتصاد السوداني كان لا يزال قائما على هذه التجارة، مما تسبب في أزمة اقتصادية، وأثار سخط بعض طبقات المجتمع السوداني، لا سيما التجار والأثرياء.

ورافق تلك السياسات الاقتصادية التي رفضها السودانيون، تجاهل الإدارة الحاكمة خصوصية البلاد الاجتماعية والثقافية، فلم يراع الولاة التقاليد والثقافة المحلية، مما أوجد مناخا عاما ناقما داخل المجتمع السوداني.

وقد حاول عدد من زعماء القبائل التمرد على النظام الحاكم، لكنهم لم يمتلكوا القوة الكافية لإسقاطه، فواجه بعضهم أحكاما بالإعدام، في حين فرّ آخرون خشية العقاب، وأسهمت هذه الظروف في تهيئة البلاد لاندلاع ثورة شاملة.

ظهور الدعوة المهدية

شهدت تلك الحقبة انتشارا واسعا للطرق الصوفية في السودان، إذ وجد فيها الناس ملاذا يخفف عنهم وطأة القهر السياسي وتدهور الأوضاع الاقتصادية، فازدهرت القادرية والتيجانية والختمية ونحوها.

إعلان

وفي خضم تلك الظروف، برز محمد أحمد بن عبد الله، الذي اشتهر بتديّنه وسعة علمه، إذ كان حافظا للقرآن الكريم، متعمّقا في الفقه والحديث، إلى جانب تأثره بالطرق الصوفية.

وبعد وفاة شيخه القرشي، زعيم الطائفة السمّانية عام 1880، تولّى محمد أحمد كرسي المشيخة، وكان معروفا بالزهد والورع، إلى جانب نقده فساد الحكم التركي المصري، مما أكسبه مكانة مرموقة في المجتمع، فالتفّ حوله عدد كبير من المريدين.

وأخذ محمد أحمد يُسر لصفوته المقربين أنه "المهدي المنتظر" الذي بشر به النبي محمد صلى الله عليه وسلم لإقامة العدل ونشر الحق، بناء على رؤيا قال إن النبي بلغه فيها أنه "المهدي" وأمره أن يقوم بواجب الدعوة، ثم تلت ذلك مرحلة دعوة سرية، وسع من خلالها نطاق دعوته تدريجيا.

وفي العام 1881 أشهر دعوته، التي عُرفت باسم المهدية، في جزيرة "أبا" جنوبي الخرطوم، وأعلن للناس أنه "المهدي المنتظر"، كما أرسل إلى حاكم الإدارة التركية المصرية محمد رؤوف باشا كتابا يدعوه فيه إلى اتباعه.

ومثّل هذا الإعلان تحولا جوهريا في حياة "المهدي"، إذ تحوّل من شيخ صوفي إلى قائد ديني سياسي، وقد ساهمت في ذلك شخصيته التي جمعت بين الروحانية والحماسة الدينية إلى جانب الشجاعة في مواجهة الظلم والاستبداد، فضلا عما امتلكه من صفات تؤهله للقيادة، مما جعله رمزا لحركة تغيير واسعة لاقت قبولا كبيرا في المجتمع السوداني، ومهدت الطريق لإنشاء دولة تقوم على الفكر الديني الإصلاحي.

شرارة الثورة الأولى

لم تكترث الإدارة التركية المصرية في الخرطوم للدعوة المهدية بداية الأمر، واعتبرتها إحدى الشطحات الصوفية، ومع ذلك، ولاحتواء الأمر، أرسل رؤوف وفدا إلى جزيرة "أبا" لإقناع "المهدي" بالكف عن دعوته وإحضاره إلى الخرطوم.

رفض "المهدي" الانصياع للوفد، فأرسل رؤوف في أغسطس/آب 1881 قوة لقتاله قوامها 650 جنديا مزودون بمدفعين، وبمجرد وصول الجنود إلى الجزيرة هاجمهم "المهدي" و250 من أتباعه مسلحين بالسيوف والرماح والعصي، ولم يتمكن الجنود من استخدام قوة المدفعية، مما أدى إلى انهزامهم وفرارهم بعد ساعات من القتال بالسلاح الأبيض.

وكانت تلك المعركة منعطفا حاسما في تاريخ الدعوة المهدية، إذ مثّلت الشرارة الأولى لاندلاع ثورتها، وانتشر خبر الانتصار الذي حققته في عموم البلاد، مبرزا "المهدي" قائدا معترفا به لتلك الثورة.

وأدرك "المهدي" أن حكومة الخرطوم ستجدد هجومها عليه، فخرج مع أتباعه -الذين أطلق عليهم اسم "الأنصار"- متوجهين جنوبا صوب جبل قدير في جبال النوبة بكردفان.

وتبعهم محمد سعيد باشا مدير كردفان بجيش بلغ حوالي 1500 جندي، حتى لحق بهم في منطقة تقلي، ولكن حاكم المنطقة، آدم أم دبالو والسكان حموا "المهدي" ومنعوا الباشا وجيشه من دخول منطقتهم.

وبعد شهرين بلغ "المهدي" وأنصاره جبل قدير، واستقبله حاكم المنطقة ناصر بالترحاب، وسرعان ما انطلق راشد بيك مدير فشودة بحملة إلى قدير للقضاء على "المهدي"، والتقى معه في أواخر العام 1881، فأباد "المهدي" وأتباعه الحملة عن آخرها إلا نحو 100 أسير، وجنديا واحدا فر عائدا إلى فشودة.

إعلان

وساهمت هذه المعركة في توسيع نطاق الثورة في منطقة الجبال، إذ أقبلت وفود سكانها تبايع "المهدي" تباعا.

تخييم جيش الحملة البريطانية المصرية في سواكن عام 1884 (غيتي)انتشار الثورة في عموم البلاد

ازداد تخوف الإدارة في الخرطوم من تعاظم أمر الثورة المهدية، فجهز حاكم السودان بالنيابة، جقلر باشا، حملة تعدادها حوالي 3500 جندي، مزودين بـ3 مدافع، بقيادة حاكم سنار، يوسف الشلالي.

وتوجهت الحملة إلى جبل قدير، فبادر "المهدي" بالخروج لملاقاتها، واشتبك مع الجيش في مايو/أيار 1882، وسجل انتصارا ساحقا، وقُتل الشلالي والغالبية العظمى من جيشه.

وكان لهذا الانتصار أثر بالغ في تثبيت أركان الدعوة المهدية وتعزيز مكانتها، كما أسهم في تزايد أعداد المنضمّين إلى صفوف الثورة وتوسيع انتشارها، إذ امتدت إلى دارفور وكردفان وأنحاء الجزيرة وشرق وغرب النيل، وتحولت إلى حراك شعبي شامل عمّ البلاد.

وفي سبتمبر/أيلول 1882، هُزمت الثورة العرابية في مصر، واحتل الإنجليز البلاد، وأصبحت بريطانيا مؤثرا رئيسيا في أحداث في السودان، وتزامنا مع أحداث مصر تلك، كانت الثورة المهدية قد انتقلت من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم.

ففي الشهر نفسه، كما يروي الدكتور محمد القدال في كتابه "تاريخ السودان الحديث"، شن "المهدي" وأنصاره هجوما شاملا على مدينة الأُبَيِّض، عاصمة ولاية شمال كردفان، في جيش بلغ تعداده 50 ألف رجل، ولكن المدينة صمدت في وجه الهجوم، وقتل من "الأنصار" حوالي 20 ألف مقاتل.

ومع ذلك استمر "المهدي" في حصار الأُبَيِّض، كما حاصر أيضا مدينة بارا، إحدى المدن الرئيسية في ولاية شمال كردفان، وكوّن قوة ضاربة من الجنود السابقين في الجيش التركي الذين انضموا إليه، والقادرين على استخدام الأسلحة النارية التي غنمتها الثورة، وأطلق على هذه القوة اسم "الجهادية".

وفي يناير/كانون الثاني 1883، تمكن من إخضاع مدينة بارا، ثم الأُبَيِّض التي بسقوطها أصبحت كردفان بكاملها تحت سيطرة المهدي، في الوقت الذي تصاعدت فيه الثورة في دارفور.

وحينها قررت سلطات الاحتلال البريطاني في القاهرة إرسال حملة إلى السودان، وعينت علاء الدين صدقي باشا حاكما على السودان، والضابط الشركسي سليمان نيازي باشا قائدا للجيش، والكولونيل البريطاني المتقاعد وليام هكس رئيسا للأركان، يعاونه فريق من الضباط الأوروبيين، لكن سرعان ما تم إقصاء نيازي وتولى هكس قيادة الجيش.

وبلغ عدد قوات حملة هكس ما يزيد على 5000 جندي، مزودين بعتاد حربي شمل نحو 20 مدفعا و6 صواريخ، إلى جانب البنادق، وكانت هناك قيادتان: مصرية وبريطانية، غير أنهما لم تكونا على وفاق.

الكولونيل البريطاني وليام هكس تولى قيادة الحملة البريطانية ضد جيش المهدي في الخرطوم (غيتي)

وبدخول أبريل/نيسان من ذلك العام، بدأ هكس بضرب بعض تجمعات "الأنصار" القريبة من الخرطوم، وكانت خطة "المهدي" سحب حملة هكس داخل كردفان بعيدا عن النيل، وقطع خطوط الإمداد عنها، وردم الآبار وإخلاء القرى التي في طريقها، ووقع اختياره على وادي شيكان ساحة للمعركة، حيث كان واديا فسيحا مكشوفا محاطا بالغابات.

ونجحت الخطة، ففي 5 نوفمبر/تشرين الثاني، وقعت معركة شيكان، ورغم التجهيزات الكبيرة التي حظيت بها حملة هكس، فقد تمكن أتباع الحركة المهدية من استغلال جغرافيا المنطقة وتوظيفها في تكتيكاتهم العسكرية، مما أسفر عن انتصار ساحق انتهى بمقتل هكس ومعظم قواته.

ورسخت المعركة شرعية المهدية في نظر السودانيين، الذين رأوا في الحركة قوة وطنية قادرة على مواجهة الاحتلال، لا سيما وأن "المهدي" حصل على غنائم كبيرة من الذخيرة والسلاح الناري، تمكن بفضلها من إنشاء جيش نظامي، اكتسب جرّاء المواجهات المستمرة خبرات عسكرية متطورة، مما عزز قوة الثورة ووسع نطاق انتشارها في جميع أنحاء البلاد.

إعلان

وبدأت المناطق السودانية تسقط تباعا، فبحلول عام 1884، كانت دارفور بما فيها العاصمة الفاشر تحت سيطرة الثورة المهدية، وأثناء ذلك العام انضمت كل من بحر الغزال والقضارف وطوكر وسنكات وبربر إلى الدولة المهدية.

ولم ينجح التدخل العسكري البريطاني في الحد من انتشار الثورة، فقررت بريطانيا في ذلك العام تعيين حاكم بريطاني على السودان وهو الجنرال تشارلز غوردون، الذي حاول تخفيف حدة الاحتقان داخل المجتمع السوداني، فأعلن عن سحب الحاميات التركية المصرية من البلاد، وإعفاء الناس من الضرائب سنتين قادمتين، وعرض على "المهدي" ولاية كردفان، معتقدا أن هذه الإجراءات قد توقف امتداد الثورة.

قيام الدولة المهدية

في مارس/آذار عام 1884، شنت قوات المهدي هجوما على مدينة الخرطوم، عاصمة الحكم الأنجلو مصري، وقطعت الطرق المؤدية إليها لمنع وصول الإمدادات العسكرية، كما أحكمت السيطرة على منطقة الجزيرة التي تعتمد الخرطوم عليها في الإمدادات الغذائية.

واجتذب "المهدي" جميع القبائل المحيطة للانخراط في الثورة، وحاصر المدينة بإحكام، وعلى مدى بضعة أشهر بقيت الخرطوم صامدة تحت قيادة غوردون، فقد كانت شديدة التحصين، وكانت تحصيناتها مدعومة بالمدافع، وخارج التحصينات تم زرع عبوات ناسفة للحيلولة دون اقتحامها.

وعلاوة على ذلك، حُفر خندق حول المدينة من الشرق إلى الغرب، يصل بين النيل الأبيض والنيل الأزرق، فكان على المحاصرين للدخول إلى المدينة أن يجتازوا الخندق المائي الذي بلغ عمقه حوالي 18 قدما، وفق ما أورد قدال في كتابه السابق.

وساءت أحوال الناس بسبب طول الحصار وشح المؤونة وغلاء الأسعار وتفشي الأوبئة، فبدأ الناس يتسللون خارج المدينة ويلتحقون بالثورة، وفي فجر 26 يناير/كانون الثاني 1885، وهو وقت من العام تنخفض فيه مياه النهر، وتنحسر عن مناطق يسهل اجتيازها، هاجم "المهدي" وقواته المدينة، وتمكنوا من اقتحامها وتسجيل انتصار حاسم، شكل نهاية الحكم القائم.

ورغم إرسال القاهرة قوات دعم إلى الخرطوم، فإنها وصلت متأخرة، فقد كان غوردون قد قتل قبل يومين في المعركة مع الآلاف من جنوده، فقفلت القوات راجعة إلى الشمال.

في العام نفسه أصبح شمال السودان جزءا من الدولة المهدية، بعد انسحاب القوات البريطانية والمصرية من دنقلا، كما سقطت كل من كسلا وسنار، وأُجليت الحاميات المصرية الباقية في السودان أو أُجبرت على الاستسلام، ولم تبق تحت السيطرة البريطانية المصرية سوى سواكن ووادي حلفا على الحدود الشمالية، إضافة إلى جيوب مقاومة صغيرة.

وبسط "المهدي" سيطرته على البلاد، وأرسى دعائم الدولة، وأسس مدينة أم درمان واتخذها عاصمة، وأنشأ فيها مؤسسات الحكم ومراكز دينية، وصك عملة خاصة بالبلاد.

وقد أقام "المهدي" دولته على أسس دينية، وجمع بيده السلطتين السياسية والروحية، وأسس نظاما قضائيا يرتكز على الشريعة الإسلامية، وألغى الضرائب مستبدلا بها فرض الزكاة.

القوات المهدية بقيادة الخليفة عبد الله التعايشي عام 1898(غيتي)ضعف الدولة المهدية: الأسباب الداخلية

واجهت الدولة سريعا تحديات قاسية أضعفتها وأدت في نهاية المطاف إلى تقويضها، فلم تكد تمضي أشهر قلائل على تأسيسها، حتى أُصيب مؤسسها وأهم ركائزها، "المهدي" بمرض أودى بحياته في 22 يونيو/حزيران 1885.

ووقع الاختيار على عبد الله التعايشي لخلافة "المهدي"، الذي كان قد لقب التعايشي بـ"خليفة الصديق"، وجعله مستشاره وساعده الأيمن، ورغم عدم اشتهاره بالعلم، فقد تميز التعايشي بقدرته على إدارة شؤون الدولة، لذلك منحه "المهدي" في حياته صلاحيات واسعة لإدارة الدولة والجيش.

وقد كشفت وفاة "المهدي" عن التنافس المستعر بين قبائل الوسط النهري من جهة، بما فيها الأشراف، قبيلة "المهدي"، وقبائل الغرب السوداني من جهة أخرى، وهي القبائل التي تنتمي إليها عشيرة التعايشة.

لذلك عارضت اختيار التعايشي قبائل الوسط، التي كانت ترى أن محمد شريف، ابن عم "المهدي" وصهره أحق بالخلافة، وقد أدت هذه الخلافات على الحكم إلى صراعات تسببت في حالة من عدم الاستقرار داخل الدولة.

وفضلا عن ذلك، اندلعت حركات تمرد في مناطق عدة في البلاد، ففي الغرب تمردت قبائل الرزيقات والكبابيش وجهينة الغرب والفور، إضافة إلى تمرد حركة دينية بقيادة رجل يُدعى "أبو جميزة"، ورغم إخماد هذه التمردات، فإن النزعة الانفصالية في دارفور استمرت طوال حكم الدولة المهدية.

إعلان

وتحول تنافس القبائل إلى عداء سافر بعد استدعاء الخليفة قبيلته إلى أم درمان عام 1889 لتعزيز حكمه، وقلدهم معظم الوظائف الكبيرة في الدولة والجيش، مما أدى إلى تصاعد غضب القبائل الأخرى بسبب هيمنة عشيرة التعايشة على مقاليد الحكم.

وأعلنت قبيلة الأشراف العصيان عام 1891، لكن الخليفة تفاوض معهم ولبى مطالبهم مقابل ترك السلاح، ولم يكد يمر شهر على الاتفاقية، حتى قبض على قادتهم وعاقبهم بالموت أو السجن طوال فترة حكمه.

وفي عام 1897، تصاعد الصدام بين الخليفة وقبيلة الجعليين، إحدى قبائل الوسط، بعد أن رفضت الانصياع لأوامره بإخلاء مدينة المتمة، لتحويلها إلى حصن لجيشه، فأرسل الخليفة جيشا أوقع مذبحة في صفوف السكان، خلفت آلاف القتلى.

وشكلت الظروف الاقتصادية المتدهورة أحد أبرز عوامل تقويض الدولة، فقد أدت عقود من الحكم الجائر، تبعتها سنوات من الحروب المتواصلة، وانضمام العديد من الأيدي العاملة إلى ميادين القتال، إلى إنهاك الزراعة والتجارة.

وفاقم الأمر تعرض السودان لموجات جفاف متتالية بين العامين 1888 و1890، مما أسفر عن ضعف المحصول الزراعي، واجتاحت المجاعات والأوبئة البلاد، وراح ضحيتها الكثير من السكان.

القوات البريطانية المصرية تأسر أحد قيادات الثورة المهدية عقب معركة عطبرة عام 1898 (غيتي)المطامع الأجنبية وسقوط الدولة المهدية

إلى جانب مشكلاتها الداخلية، واجهت الدولة صراعا مع بعض دول الجوار، فعلى الحدود الشرقية استمرت الاشتباكات سنوات، واضطر الخليفة إلى إرسال جيش بقيادة حمدان أبو عنجة عام 1889 لدعم القوات على الحدود مع إثيوبيا.

وقبل أن يتصدى للجيش الإثيوبي، اضطر أبو عنجة لقمع تمرد داخلي، ثم شن حملة ناجحة على مدينة قوندر، العاصمة الإثيوبية آنذاك، قبل أن يعود مجددا إلى مقر قيادته في القلابات.

وفي العام التالي عبر الجيش الإثيوبي إلى السودان، فتصدى له جيش المهدية بقيادة الزاكي طمل، وأوقع به خسائر فادحة، واستولى على جثة الملك الذي قتل أثناء المعركة.

ورغم أن البلاد شهدت هدوءا داخليا نسبيا بعد العام 1892، إذ أعاد الخليفة قبيلته إلى دارفور، وأحل مكانها جيشا من المرتزقة للدفاع عنه، فإن الخطر جاء هذه المرة من مطامع القوى الأجنبية في البلاد.

فقد استولى الإيطاليون على كسلا شرقي البلاد في عام 1894، كما توسعت القوات البلجيكية التي كانت تحكم الكونغو، شمالا باتجاه السودان، واستولت على الرجاف عام 1997.

وكان الخطر محدقا بالدولة المهدية من الجهة الشمالية، إذ كان الجيش المصرى يتربص بانتظار العودة إلى السودان تحت قيادة البريطانيين، وفي عام 1889 أرسل الخليفة حملة إلى مصر، لكنها مُنيت بهزيمة ساحقة في معركة توشكى.

وفي عام 1896، استولى الجيش المصري، الذي كان الجنود البريطانيون يشكلون نحو ثلثه، على دنقلا شمالي السودان، ثم واصل زحفه جنوبا، فاستولى على أبوحمد وبربر وعطبرة، واضطر جيش الدولة المهدية وقتذاك للانسحاب متراجعا نحو الجنوب.

وفي الثاني من سبتمبر/أيلول 1898، وقعت معركة كرري (أم درمان)، ووفق ما جاء في كتاب "تاريخ السودان الحديث" لروبرت كولينز، فقد هاجم جيش الدولة المهدية -وقوامه 60 ألف مقاتل- الجيش المصري ببسالة نادرة، لكن الجنرال هربرت كتشنر، قائد القوات البريطانية المصرية أمر بحصدهم بالمدافع الرشاشة.

وكانت نتيجة المعركة حاسمة لصالح الجيش البريطاني المصري، إذ تساقط جيش المهدي أمام تلك المدافع، فقتل منهم أكثر من 11 ألف جندي وأصيب نحو 16 ألفا آخرين، وانسحب الخليفة وقلة من جنوده غربا، في حين تقدم كتشنر نحو أم درمان واحتلها دون مقاومة، وفي الرابع من الشهر نفسه، استولى على الخرطوم.

وطاردت القوات الأنجلو مصرية بقايا جيش الثورة المهدية، وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1899، اشتبكت معهم في معركة أم دويكرات، ولقي الخليفة حتفه فيها، وسقطت بذلك الدولة المهدية، وخضع السودان للحكم البريطاني المصري من جديد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات البریطانیة المصریة المجتمع السودانی الترکیة المصریة الدولة المهدیة المهدی المنتظر فی السودان محمد أحمد أم درمان إلى جانب حملة إلى وفی عام فی عام

إقرأ أيضاً:

حمدوك يحذر من عودة السودان إلى "الإرث المظلم"

حذّر رئيس الوزراء السوداني السابق، عبد الله حمدوك، من خطورة عودة السودان إلى ما وصفه بـ"الإرث المظلم" للفصائل الإسلامية التي "اختطفت الدولة لعقود وأغرقت البلاد في صراعات لا تنتهي".

وقال حمدوك، في منشور على حسابه ىبمنصة إكس، إن "الحرب الحالية تُغذّيها القوى الأيديولوجية ذاتها داخل القيادة العسكرية، تلك التي تعرقل مسار السلام وتقاوم إطار عمل الرباعية".

ودعا حمدوك إلى وقف فوري لإطلاق النار دون شروط مسبقة، مؤكداً أن استمرار القتال يفاقم معاناة المدنيين ويدفع البلاد نحو مزيد من التفكك.

 وشدد على أن "الشعب السوداني يستحق دولة مدنية ديمقراطية، خالية من التطرف ومن سياسات الماضي المدمّرة".وكانت قوات الدعم السريع السودانية، قد أعلنت، الإثنين، هدنة إنسانية من طرف واحد تستمر 3 أشهر، وذلك بعد إعلان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان رفضه مقترحا دوليا بالهدنة.

وتأتي هذه الخطوة بعد ساعات من إعلان قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، رفضه قبول وساطة المجموعة الرباعية لحل الأزمة التي تعيشها البلاد منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.

ووصف البرهان خطة الرباعية بأنها "أسوأ ورقة يتم تقديمها لأنها تلغي وجود القوات المسلحة وتطالب بحل جميع الأجهزة الأمنية وتبقي المليشيا المتمردة في مناطقها".

مقالات مشابهة

  • غينيا بيساو التي تبحث عن رئيس لا يسقط بانقلاب عسكري.. هذا ما نعرفه عنها
  • ‏الحقيقة التي لم يذكرها البرهان في وول ستريت جورنال..!‏
  • الخطيب: الانقسامات أوصلت البلاد إلى الخراب وإسرائيل تدفع نحو الأسوأ
  • رئيس جنوب السودان يعيد مرة أخرى ترتيب وزارة النفط
  • سوريا واحدة رغم الرايات التي جرّبوا رفعها فوقها..
  • الكب مع الجوانتي الكلاسيكي يميز إطلالة رشا المهدي
  • مدبولي: منظومة التأمين الصحي الشامل أحد أهم المشروعات القومية التي تبنتها الدولة
  • السودان أمام مفترق مصيري: لا دولة بجيش مختطف ولا سلام بوجود قوات موازية
  • حمدوك يحذر من عودة السودان إلى "الإرث المظلم"
  • حرس الثورة يحبط تهريب أسلحة ثقيلة ومتفجرات لزعزعة البلاد