شبكات احتيال رقمية لسلب أموال المواطنين في غزة.. ما الحل؟
تاريخ النشر: 28th, November 2025 GMT
غزة – تشهد غزة في الآونة الأخيرة تصاعدا لافتا في عمليات النصب المرتبطة بالمحافظ الإلكترونية والتطبيقات البنكية، مع توسع شبكات احتيال احترافية تستغل حاجة المواطنين وضعف خبرتهم المالية في ظل انتشار المعاملات الرقمية.
وتُظهر الشهادات أن هذه العمليات تُدار بشكل منسق، بواسطة أفراد من داخل القطاع وخارجه، مستفيدين من الظروف الاقتصادية الصعبة وفترات توزيع المنح والمساعدات التي تدفع كثيرين لاستخدام هذه الخدمات دون معرفة كافية.
ويبدأ المحتالون غالبا بالتواصل بطريقة توحي بالصفة الرسمية، فيطرحون أسئلة بسيطة ثم يتدرجون لطلب معلومات حساسة، كالأكواد السرية وأرقام التحقق، مستغلين ضعف وعي المستخدمين وانعدام التوعية المصاحبة لانتشار المحافظ الإلكترونية.
إلا أن المخاوف لم تعد تتعلق فقط بقلّة خبرة المستفيدين، فعدد من الضحايا أكدوا تلقي اتصالات من أشخاص يمتلكون معلومات دقيقة عن حساباتهم، بينها بيانات لا يفترض أن تكون خارج دوائر الشركة، مثل تاريخ إنشاء المحفظة أو تفاصيل مشكلة سابقة، ما يفتح باب التساؤلات حول احتمال وجود تسريب بيانات أو ضعف رقابي لم يخضع بعد لفحص جدي، وفق مراقبين.
ضحايا احتيال في غزةوتروي آلاء سامح للجزيرة نت تجربتها، قائلة "أنشأت محفظتي بعد اتباع جميع خطوات التحقق المطلوبة. وبعد ساعات فقط تلقيت اتصالا من رقم محلي في وقت مبكر من الصباح، لشخص لهجته غريبة وليست غزاوية، ادعى أنه من الشركة، وبدأ بذكر بياناتي الكاملة وتفاصيل محفظتي بدقة، قبل أن يطلب مني معلومات حساسة مثل الرقم السري ورمز الكود، وحين رفضت إعطاءه أي بيانات لعدم وجود مبرر، هدّدني بإغلاق المحفظة، لكني أنهيت المكالمة، واكتشفت لاحقا أنني نجوت من محاولة نصب محكمة".
أما المواطن سميح فتحي، فكان أقل حظا، إذ تلقى اتصالا مشابها في الساعة السادسة صباحا بعد تواصله الحقيقي مع خدمة العملاء بوقت قصير، وفوجئ بأن المتصل -بلهجة شبيهة بلهجة أهل الضفة أو الأردن– يعرف اسمه الكامل واسم والدته ورقم هويته وتفاصيل آخر استفسار قدّمه للشركة.
إعلانويقول للجزيرة نت "بناء على هذه الثقة المضلّلة، نفّذت التعليمات التي طلبها مني وأدخلت رمز تحقق إلى التطبيق. وبعد انتهاء المكالمة اكتشفت أن رصيد محفظتي الذي بلغ نحو 7 آلاف شيكل (2135 دولارا) قد سُرق بالكامل".
سرقة عالية التنظيموتشير شهادات المتعددة إلى أن عمليات الاحتيال تُدار بمستوى عالٍ من الاحتراف، فالمحتالون مطّلعون على آليات إنشاء المحافظ وتوثيقها، ويبدون قدرة على الوصول إلى معلومات شخصية دقيقة، كما يعتمدون على اختيار توقيت الاتصال بعناية، مثل ساعات الفجر أو ما قبل النوم، وهي لحظات تقل فيها قدرة الشخص على التركيز، ما يجعل الضحية أكثر قابلية لمنح الثقة والاستجابة.
وترجح إفادات الضحايا أن هذه العمليات لا تُدار من داخل غزة غالبا، إذ توحي لهجة المتصلين وطريقة حديثهم بارتباطهم بجهات خارجية.
وتَرِد معلومات تفيد بأن الأموال المسروقة تُحوَّل لاحقا إلى خارج القطاع بوسائل يصعب تتبعها، ما يعزز فرضية وجود شبكات احتيال عابرة للحدود، منظمة بما يكفي لتجاوز قدرات الملاحقة المحلية.
ويعزو مواطنون هذا الانتشار إلى غياب الرقابة وضعف التوعية، في ظل عدم وجود آليات واضحة لحماية بيانات المستخدمين أو تعويض من يتعرضون لخسائر مالية، مما يترك المواطن وحيدا أمام خطر متزايد.
نصب عابر للحدودويؤكد أحمد أبو قمر، المختص في الشأن الاقتصادي، أن عمليات النصب ليست حكرا على غزة، بل هي ظاهرة عالمية تتطور باستمرار.
ويوضح أن المحتالين يعتمدون أساسا على بناء الثقة عبر امتلاك بيانات دقيقة للضحايا، إلى جانب اختيار توقيت اتصال ذكي يتزامن مع ازدحام الطلب على إنشاء المحافظ الإلكترونية، خاصة عند الإعلان عن بدء التسجيل أو رفع سقف التحويلات.
ويقول للجزيرة نت "مثل هذه العمليات لا تتم بشكل فردي، بل من خلال شبكات احترافية يضطلع فيها كل شخص بدور محدد. وهناك تعاون واضح بين جهات خارجية وأشخاص داخل غزة، إذ تُحوّل الأموال المسروقة عبر نظام يُعرف بـ"التسويق"، وهو شبكة تحويلات موازية تسمح بمرور الأموال بسرعة ومن دون رقابة مصرفية، ما يجعل تتبعها شبه مستحيل".
منظومة حماية عاليةوفي هذا الجانب، تقول إحدى شركات المحافظ الإلكترونية للجزيرة نت "إن الشركة تعتمد منظومة أمان متعددة المستويات لحماية بيانات المستخدمين"، مؤكدة أن جميع المعلومات المخزنة في أنظمتها مشفّرة ولا يمكن الوصول إليها من أي طرف غير مخوّل.
وتشدد الشركة على أن عمليات النصب لا تتم عبر اختراق أنظمتها أو الوصول إلى قواعد بياناتها، بل عبر خدع اجتماعية تعتمد على استدراج المستخدم لإفشاء معلوماته السرية، سواء عبر مكالمات هاتفية أو رسائل تنتحل هوية الشركة.
وتابع "تتم محاولات الاحتيال عادة من خارج المنظومة التقنية للشركة، ولا علاقة لها بالبنية الأمنية الداخلية".
وتقول الشركة إن دورنا الآن هو تعزيز حملات التوعية، وتوجيه المواطنين من أجل:
عدم الرد على أي اتصال مجهول. عدم مشاركة أي بيانات خارج التطبيق الرسمي. الإبلاغ فورا عن أي محاولة احتيال". إعلانوتضيف أن الشركة تعمل على تطوير أدوات رصد مبكر للأنشطة المشبوهة.
احتيال عبر الإعلانات المموّلةأما مؤمن عبد الحميد، خبير الأمن الرقمي، فيرى أن المحتالين يعتمدون بشكل متزايد على الإعلانات المموّلة عبر مواقع التواصل، مستغلين بحث المواطنين عن طرق لرفع سقف السحب أو التحويل.
ويقول للجزيرة نت "هذه الإعلانات تبدو في كثير من الأحيان رسمية جدا، الأمر الذي يدفع المستخدمين للتفاعل معها دون تحقق".
ويحذّر من أن الخطر الأكبر يتمثل في امتلاك المحتالين لبيانات واسعة عن المواطنين، بعضها مستقى من تسريب بيانات أو قوائم يتم تداولها عبر السجل المدني، مما يعزز فرص نجاح الاحتيال.
ويشدد عبد الحميد على ضرورة:
عدم مشاركة أي أكواد أو معلومات حساسة عبر الهاتف. الاعتماد فقط على القنوات الرسمية داخل التطبيق أو مراكز الخدمة المعتمدة.ومع توسع هذه الظاهرة، يظل المواطن الحلقة الأضعف في منظومة مالية تتسع بوتيرة تفوق قدرة المستخدمين على فهمها أو التعامل معها بأمان.
ويطالب مختصون بتدخل الجهات التنظيمية لوضع معايير حماية أشد صرامة، ورفع الوعي الرقمي، والتحقيق في مصادر تسريب البيانات إن وجدت، إضافة إلى إنشاء آليات تعويض واضحة للضحايا ومنظومة فعّالة للشكوى والمتابعة.
كيف تحمي نفسك من الاحتيال الرقمي؟لحماية نفسك من الاحتيال الرقمي يتوجب التالي:
لا تشارك معلوماتك: لا يتعين على المرء أن يشارك كلمات السر الخاصة به أو التفاصيل الخاصة بحسابه المصرفي أو رموز الأمان، مع أي شخص غريب، حتى إذا ادعى أنه يعمل لدى وكالة حكومية أو بنك.
الحذر من طرق الدفع غير الاعتيادية: يجب أن يتوخى المرء الحذر إن طلب منه استخدام أي وسيلة دفع غير اعتيادية، مثل بطاقات الهدايا أو التحويلات البنكية أو عمليات السحب المباشر من حسابه، حيث إن هذه تعد أساليب شائعة يستخدمها المحتالون للحصول على المال.
تجنب الروابط: يجب تجنب الضغط على أي روابط مثيرة للشبهات أو تنزيل ملحقات من مصادر غير معروفة، خاصة التي يتم إرسالها عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل واتساب أو فيسبوك.
التحقق قبل الثقة: التحقق دائما يسبق الثقة، حيث إنه يجب التحقق من الهويات والعروض عبر القنوات الرسمية. ففي حال تلقى الشخص مكالمة من البنك بشأن أمر ما، يجب عليه أن يتوجه بنفسه إلى البنك للتأكد من وجود مشكلة من عدمه.
كلمات مرور قوية: يتعين على المرء وضع كلمة مرور معقدة تشمل مزيجا من الحروف الكبيرة والأعداد، وحفظها في مكان آمن، وتجنب إعادة استخدام كلمة المرور نفسها في عدة حسابات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات المحافظ الإلکترونیة للجزیرة نت
إقرأ أيضاً:
البنك التجاري الدولي - مصر يُطلق برنامجًا تدريبيًا بالتزامن مع الأسبوع العالمي لمكافحة الاحتيال
أعلن البنك التجاري الدولي - مصر (CIB) عن إطلاق برنامج تدريبي شامل ومبتكر يتزامن مع الأسبوع العالمي لمكافحة الاحتيال، وذلك في خطوة تهدف إلى ترسيخ ممارسات النزاهة والشفافية وتبني أفضل المعايير العالمية في مكافحة الجرائم المالية.
ويقوم البرنامج الجديد، الذي أعدّته إدارة مكافحة جرائم الاحتيال بالتعاون مع إدارة الموارد البشرية بالبنك، على تقديم سلسلة من الحلقات القصيرة والمكثفة تحت عنوان «اكتشف الاحتيال»، تسلط الضوء على أبرز الأنماط الاحتيالية التي ظهرت مؤخرًا في السوق المصرفية، مع شرح طرق اكتشافها والحد من أضرارها، بالإضافة إلى التعريف بقنوات الاتصال الرسمية للإبلاغ عنها داخل البنك.
ويستهدف البرنامج جميع قطاعات البنك، وخاصة القطاعات التي تتعامل بشكل مباشر مع العملاء، وذلك لرفع كفاءة الموظفين وتعزيز وعيهم المصرفي، وتمكينهم من حماية أنفسهم وعملائهم في الوقت ذاته. كما يهدف إلى نقل المعرفة بطريقة غير مباشرة إلى العملاء من خلال موظفي الخطوط الأمامية، بأسلوب مبسط يعزز الثقة ويشجع على التعامل الآمن مع القنوات الإلكترونية والخدمات المصرفية الرقمية.
ويأتي هذا البرنامج كجزء من منظومة تدريب متكاملة ينفذها البنك التجاري الدولي على مدار العام، تهدف إلى ترسيخ ثقافة الوعي المؤسسي لدى موظفيه وتعزيز قدرتهم على مواجهة مختلف أنواع الاحتيال المالي. فمن خلال برامج التدريب الداخلي وورش العمل التفاعلية، يحرص البنك على تطوير مهارات موظفيه في تحليل المخاطر، واكتشاف المؤشرات المبكرة لأي محاولة احتيال، والتعامل معها وفقًا لأحدث المعايير العالمية. كما يولي البنك اهتمامًا خاصًا ببناء “ثقافة وقائية” تقوم على الحذر والمسؤولية الفردية، حيث يُعد كل موظف جزءًا أساسيًا من منظومة الدفاع الشاملة التي تحمي البنك وعملاءه ومجتمعه.
ويُتبع البرنامج بعقد ورش عمل وندوات تطبيقية تجمع بين الجانب النظري والمواقف العملية الواقعية، لتمكين المشاركين من مناقشة تجاربهم ومشاركة الأفكار والحلول المبتكرة لمكافحة مختلف أشكال الاحتيال المالي، في بيئة تفاعلية تُشجع على تبادل الخبرات وتعزيز ثقافة التعلم المستمر.
وتحرص الإدارة العليا للبنك التجاري الدولي على الإشراف المباشر والمتابعة الدورية لتنفيذ هذه البرامج التدريبية، لضمان تحقيق أهدافها على أرض الواقع، ومراجعة نتائجها بشكل مستمر لتطويرها وفقًا لأحدث المتغيرات في بيئة العمل المصرفية. ويؤكد هذا التوجه أن مكافحة الاحتيال ليست مسؤولية قطاع واحد داخل البنك، بل هي ثقافة مؤسسية يتبناها جميع المستويات القيادية والتنفيذية لضمان بيئة عمل أكثر وعيًا وانضباطًا.
وفي هذا السياق، أكد وليد فوزي، الرئيس التنفيذي لقطاع المخاطر بالبنك التجاري الدولي - مصر (CIB)، قائلاً:
“نحن في البنك التجاري الدولي ننظر إلى مكافحة الاحتيال باعتبارها أحد الركائز الجوهرية لاستدامة أعمالنا، وليست مجرد إجراءات وقائية أو برامج تدريبية دورية. فمواجهة الجرائم المالية تتطلب وعيًا مؤسسيًا عميقًا يمتد من القمة إلى القاعدة، حيث يمثل كل موظف خط الدفاع الأول في حماية البنك وعملائه من أي مخاطر.”
وأضاف:“أن الاستثمار في تدريب كوادرنا وصقل مهاراتهم لا يُعد مجرد التزام مهني، بل هو استثمار في ثقافة الثقة والمسؤولية التي بُنيت عليها قيم البنك منذ تأسيسه. نحن نحرص على أن يتحول الوعي من مجرد معرفة نظرية إلى سلوك يومي يعكس يقظةً دائمة وحرصًا على حماية أصول المؤسسة وسمعتها. هذا البرنامج يجسد رؤيتنا في أن مكافحة الاحتيال مسؤولية جماعية تتكامل فيها التقنيات الحديثة مع العنصر البشري الواعي والمدرّب، لنضمن تجربة مصرفية آمنة ومستدامة لعملائنا في كل مكان.”
وبالتوازي مع إطلاق البرنامج التدريبي، ينفذ البنك التجاري الدولي - مصر حملة توعوية وإعلانية موسعة عبر صفحاته الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي، تهدف إلى رفع وعي العملاء بمخاطر الاحتيال الإلكتروني، وتزويدهم بنصائح عملية حول كيفية حماية بياناتهم المصرفية واستخدام القنوات الرقمية بأمان. وتأتي هذه الحملة في إطار حرص البنك على توسيع نطاق الوعي ليشمل المجتمع بأكمله، انطلاقًا من مسؤوليته في تعزيز ثقافة الحذر الرقمي وحماية العملاء من أي محاولات احتيالية.
ويأتي إطلاق هذا البرنامج كجزء من الاستراتيجية المؤسسية للبنك التجاري الدولي الهادفة إلى تطوير بيئة عمل مسؤولة ومحصّنة ضد المخاطر، ودعم الجهود الوطنية والعالمية في مكافحة الاحتيال المالي وحماية الأنظمة المصرفية من أي ممارسات تضر بثقة المجتمع في القطاع المالي. كما يعكس البرنامج حرص البنك على ترسيخ قيم النزاهة والشفافية في جميع عملياته، وتعزيز ثقافة الحوكمة المؤسسية التي تضع أمن العملاء وحماية أموالهم في مقدمة أولوياته.