متخصصون في مناقشة "الزمن الأخير": رواية نفسية كاشفة أكثر من كونها اجتماعية
تاريخ النشر: 1st, December 2025 GMT
استضاف بيت السناري التابع لمكتبة الإسكندرية مساء أمس حفل مناقشة رواية "الزمن الأخير" للكاتبة الصحفية والروائية نوال مصطفى، وذلك في حضور العديد من الشخصيات.
شارك في الندوة كل من، الدكتور هيثم الحاج علي رئيس هيئة الكتاب الأسبق والدكتور منير عتيبة مدير مختبر سرديات الإسكندرية، والشاعرة فاطمة ناعوت، والكاتب السيد شحتة وتناولت الندوة البنية السردية للرواية التي تعتمد على حكايات متوازية ومتقاطعة تنتهي بقصة تعيد طرح سؤال الانغماس في الماضي على حساب معايشة الحاضر.
وفي كلمته قال الدكتور هيثم الحاج علي:" تبدو العلاقة المعقدة بين الزمان ومروره والمكان واضحة حين تختار شهد بعد طلاقها من زوجها أن تعيش في بيت العائلة بالسيدة زينب، لتتضح رمزية ارتباط المكان بالماضي وبالذاكرة خاصة حين تتحول حياة شهد من الركود إلى الفعل وليصبح المكان القديم جزءا مهما من فعل المقاومة الذي ينتهي بصالون بيت العائلة البوتقة التي تجمع الشباب مع الكبار والتي تضم قلوب الجميع على المحبة والمعرفة بوصفهما الملاذ الأكثر أمانا في عالم يتغير.
وأضاف:" تقوم الرواية ببناء شخصياتها بدقة وشفافية منذ بداية السرد حين تعمد إلى تقنية رواية الأصوات لعرض الشخصيات الأكثر أهمية داخل مجال النص، حيث يتم سرد الوقائع الممثلة لتاريخ الشخصيات في تصاعد درامي منفصل لكل شخصية لكنه متصل في الآن نفسه عبر خيط أحداث يكون الحكاية الإطار – وهي حكاية شهد وأسرتها – في مقابل بناء حكايتين أخريين إحداهما عن الوطن والتاريخ والأخرى حول الذات في صراعها مع الزمن.
فيما قال الدكتور منير عتيبة:" إن هناك سؤال مفصلي يتردد صداه في المخيلة عندما سماع عبارة الزمن الأخير وهو ما الذي سيتبقى في الوجود بعدها وإلى أين سيصير هذا الوجود البشري؟.
وأضاف "عتيبة":" لا يمكن تصور وجود الإنسان بدون زمن لكننا سريعًا نكتشف أن الزمن الأفضل هو ذلك الذي لا نستسلم له مشيرا إلى أن الرواية تناقش أزمة الذاكرة في مفتتحها من خلال حالة القلق التي تعاني منها بطلة العمل "شهد" بسبب إصابة امها بالزهايمر حيث تخشى من لحظة مريرة تتجرع فيها من الكأس نفسه وتنسى فيها كل شيء.
وأكمل:" إن الرواية تتميز بمتعة البساطة في لغة السرد التي تتسم بالسلاسة والمباشرة مع وجود بعد شعري حاضر بقوة، وأن التحدي لا يقف عند حدود الأزمة التي تعيشها البطلة بسبب التحولات التي تجري من حولها والخوف من فقدان الذاكرة لا يقف عند حدود الأشخاص وإنما يمتد إلى تحديات بالجملة تواجه الأوطان.
وأشار "عتيبة" إلى أن نوال مصطفى تطرقت في رواية الزمن الأخير إلى ضرورة إعادة بناء وعي الأجيال الجديدة عبر بيت العائلة والذي اختارت أن تكون السيدة زينب مقرًا له لذا فإن التشابه بين بيت السناري وبيت العائلة لا تخطئه العين.
وأكد عتيبة أن المؤلفة اختارت أن تطعم روايتها بعدد من الرموز التي نعرفها جميعا مثل الشاعر أحمد الشهاوي والدكتور أحمد عكاشة واللذين كنت أتمنى لو أتيحت لهما الظروف التواجد معنا خلال مناقشة هذا العمل المختلف.
وفي ختام حديثه أشار منير عتيبة إلى أن نوال مصطفى نجحت في رواية الزمن الأخير في الابتعاد عن " الكليشيهات" الشائعة خاصة فيما يتصل بالقضايا التي تتماس مع بعض المشكلات التي تعاني منها المرأة في مجتمعاتنا.
من جانبها قالت الكاتبة فاطمة ناعوت أن رواية الزمن الأخير رواية نفسية كاشفة أكثر من كونها عمل اجتماعي حيث تتناول شخصية البطلة شهد التي تشعر في لحظة ما أن الحياة أخذت منها أكثر مما منحتها.
وأضافت "ناعوت" إن شهد تقوم في مرحلة ما عندما تلتقي بطارق الذي تقع في حبه بإعادة رسم حياتها من جديد وتشكيل علاقتها بالآخرين من حولها هي تتمسك بالأمل وطالما أن الحياة لم تنتهي بعد فإن الكثير من الأماني تظل ممكنة.
من جهته قال الكاتب الصحفي والروائي السيد شحتة:" إن هناك سؤالا يجب طرحه قبل تقديم قراءة نقدية لأي عمل أدبي هو لماذا نكتب ولماذا نقرأ؟، وهل دور الأدب أن يتماهى مع الواقع أو أن يجسد حجم تناقضاته الصارخة وربما إعادة تشكيله وفقًا لما نريد أن نراه عليه؟، وربما يفعل هذا كله، نحن داخل النص الأدبي ربما نبعث عن المتعة أو التسلية أو نتلمس لحظة خلاص أو انعتاق من ضغوط شتى فاقت قدرتنا على الاحتمال.
وأضاف:" إن رواية الزمن الأخير واحدة من الأعمال التي يمكن أن نجد بين سطورها أشياء كثيرة فقدت منا في زحام الحياة اليومية كما أنها تعيد فتح الكثير من القضايا الكبرى مثل أسئلة الهوية والذات في مواجهة العالم والعلاقة بين الشرق والغرب.
وأشار "شحتة" إلى أن الرواية تشتبك بجرأة شديدة مع الكثير من القضايا المجتمعية المسكوت عنها والتي يحظر بقوة الأمر الواقع الاقتراب منها مثل حق المرأة في أن تحب وأن تتزوج عندما يصل أبنائها إلى سن الشباب
وأكد أن الرواية تناقش صراع الإنسان في مواجهة الزمن وضرورة الانتقال من مرحلة الانصياع والرضوخ الكامل له إلى ضرورة ترويضه.
واختتم:" إن الفكرة الفلسفية لرواية الزمن الأخير تدور حول ضرورة تحرير الإنسان من سطوة الزمن حتى يصبح حرًا طليقًا.
فيما علقت الكاتبة والراوئية نوال مصطفى بقولها:" لسنا مجرد أرقام والحياة لا يجب أن تتوقف عندما يصل الإنسان لسن معين
وأضافت:" إننا كبشر لسنا مجرد أرقام فلكل واحد منا حياته الخاصة وأحلامه التي يريد تحقيقها وما دام الإنسان قادرًا فيجب أن يعيش الحياة كما يريد أن تكون ولا يستسلم إلى النظرة التي تجعله يقف مستسلمًا للواقع من حوله لمجرد أنه وصل إلى سن معين.
وتابعت " مصطفى":" إنني عندما اتخلى عن موقعي ككاتبة وأقرأ الرواية الآن من موقع القراء فإنني أجدها مشحونة بهموم وقضايا نفسية ومشكلات مازلنا حتى الآن نعاني منها.
وحول اسم بطلة الرواية قالت:" اسم شهد يعبر عن الشخصية المحورية التي أردتها وملامح الجمال التي تميزها وهنا أشدد على أمر بالغ الأهمية وهو أن الجمال تيار يسري من الداخل إلى الخارج فعندما ترى نفسك جميلاً سوف يراك الآخرون بالشكل نفسه.
وأشارت نوال مصطفى إلى أن الصحافة وفرت لها الفرصة للتعرف على الناس خاصة البسطاء منهم عن قرب ومعايشة الكثير من همومهم ومشكلاتهم وهو ما استفادت منه كثيرًا في أعمالها الروائية وكتاباتها الأدبية.
واختتمت:" إن رواية الزمن الأخير تعرضت للانتقادات من بعض القراء بسبب التحولات التي مرت بها شهد والسبب أن البعض يحاول أن يحاكم الفن بمقاييس قيمية ويتناسى أن الخيانة والطلاق والحب والكراهية كلها أمر واقع.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
من قديم الزمن
مقولة لابن خلدون يقال إنه قالها بعد زيارته لمصر، قال «إن أهلها يعيشون كما ولو كانوا فرغوا من حسابهم أمام الله، يعبثون ولا يشغلهم شىء آخر» فعندما تمشى فى الشارع تشعر بصحة هذه العبارة رغم قسوتها. الناس يخيم عليهم الكسل وضاعت بينهم الهمم وتجد هذا يقتل ذاك ولا يقترب منه أحد. وفتاة تنظر إليك تلتمس منك رد هذا البغيض الذى يلحقها.. وتكون أنت بمثابة القشة التى يبحث عنها الغريق ولا مجيب. وليل يعقبه نهار والناس فى الشارع لا تجيب. حتى أصبح الناس لا تهتم بأى شىء. التعاون بينهم على الإثم أقرب من التعاون على البر. وانتشرت بينهم روح الأنانية وحب الذات والجرى وراء الملذات وحب الخمول. كم عان الناس من فنون وأطعمة فاسدة وغير ذلك من أشياء جلبها من باعوا ضمائرهم بحفنة من الدولارات وتركوا الناس فى فراغ لا يوقظهم شىء ولا يؤثر فيهم جد، حتى انطبق عليهم ما قاله ابن خلدون عنهم.. ليؤكد أنها من قديم الزمن.