لم تعد الأزمة فى الإعلام العربى، والمصرى تحديدًا، أزمة أدوات أو منصات؛ بل أزمة خيال مهنى فقد القدرة على اختراق الغد، وبات يعيش على فتات الأمس. اليوم، حين تفتح صحيفة أو موقع أو شاشة فضائية، ستجد إما صدى قديمًا لحدث انتهى، أو إعادة تدوير لعناوين شاخت حتى قبل أن تُكتب، أما أن تبحث عن المختلف، العميق، القادر على أن يشدّك، فذلك يشبه البحث عن واحة فى صحراء ممتدة.
الصحافة الحقيقية ليست تلك التى تتنفس على رئة «التريند»، ولا تلك التى تجرى خلف «بوست» أو «هاشتاج»؛ الصحافة الحقيقية هى التى تقرأ المستقبل، تفكّ شفراته، وتقدّم للقارئ ما لا يعرفه، لا ما يعرفه الجميع. فحين تصطدم بمادة صحفية محترمة، ستجد نفسك — رغمًا عنك — تروّج لها، حتى لو لم تكن جزءًا من هذا الكيان، فالمحتوى الجيد يفرض نفسه، دون إعلان، ودون دعاية، ودون ضجيج.
إن ما يرهق الناس اليوم ليس كثرة الأخبار، بل رخص التجارة المبنية على عناوين صفراء تُباع منذ أكثر من ربع قرن، تلك التى تُسمّى — مجازًا — «صحافة بير السلم».
عناوين مستهلكة، قضايا هزيلة، طرق عرض مكررة، وتناول لم يعد يصلح لزمن تغيّر فيه كل شيء… إلا بعض الصحف!
القارئ المصرى لم يعد هو قارئ التسعينيات؛ هو الآن قارئ فطن، مسلح بكمّ هائل من المعرفة، يستطيع فى ثوانٍ أن يصل إلى المعلومة، وتفكيكها، ومقارنتها، وربما كشف خطأ الصحفى نفسه. لم يعد ينتظر الصحيفة كى تخبره بـ«ماذا حدث؟»؛ هو يريد الصحفى الذى يخبره: «لماذا حدث؟ وماذا سيحدث بعد ذلك؟».
نحن اليوم فى سباق مع:
الصحافة المحلية والصحافة العربية والإقليمية، والصحافة العالمية، والقارئ نفسه الذى بات شريكًا فى صناعة المعرفة.
الأزمة إذن ليست «سقفًا» نعليه أو نخفضه؛ الأزمة فى المحتوى ذاته: ضعيف، مكرر، مستهلك، ومصدره الأساسى ويا للعجب السوشيال ميديا، التى يفترض أنها جزء من المادة الخام، وليست مصدرًا وحيدًا للكتابة.
إن بقاء الصحافة رهن «خبر عاجل» لم يعد ممكنًا.
وأن تبقى أسيرة «قالت المصادر» دون تحليل، ونبض، ورؤية، فهذا انتحار مهنى بطيء.
ما بعد الخبر أصبح اليوم أهم من الخبر ذاته.
الإعلام الذى يريد البقاء لا بد أن يقدّم أشكالاً صحفية جديدة: تحقيقات معمقة، تقارير استشرافية، ملفات كبرى، وثائق، ومحتوى يسبق الحدث لا يلهث وراءه.
الإعلام الذى يريد أن يكون مؤثرًا لا بد أن يتخلّى عن «النسخ واللصق»، ويعود إلى غرفة التفكير، لا غرفة العناوين.
فالإعلام الذى يقرأ المستقبل… هو وحده الذى يصنعه.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أمجد مصطفى الزاد لم یعد
إقرأ أيضاً:
«سبوبة» منتديات الإعلام
تابعت فى الشهور الاربعة الماضية انعقاد أكثر من حدث وفاعلية تحت مسمى منتدى إعلامى فى كل مكان فى البلدان العربية وفى مصر أيضا.. هذه المنتديات والمؤتمرات من المفروض ان هدفها تطوير الاعلام بكل انواعه وان تضع حلولا للمشاكل التى تواجه الإعلام العربى.
وحاولت البحث عن أدبيات هذه المنتديات فوجدتها مجموعة من الكلمات والانطباعات للضيوف المشاركين فيها وللأسف هم انفسهم ضيوف كل المنتديات من المحيط للخليج والوجوه أنفسها والكلام نفسه والمكرمون أنفسهم والفائزون أنفسهم بالجوائز كلها «كوبى بيست من بعض».
وهذه المنتديات تحولت الى «مكلمخانة» او بالأصح سبوبة قاصرة على مجموعة من الذين يدعون انهم خبراء فى الإعلام والصحافة.. ولم تقدم هذه المنتديات على مدار السنوات الماضية أى إضافة في معايير وقيم الإعلام العربى والمصري بل أدت الى تراجع الأداء الإعلامى.
وأعتقد ان السبب في ظهور هوجة منتديات الاعلام غياب المؤسسات الشرعية الممثلة للإعلام وعلى رأسها اتحاد الصحفيين العرب ونقابات الصحفيين والإعلاميين التى تخلت عن دورها المهم هو العمل على تطوير المهنة والدفاع عن أعضائها ما أفقد الثقة فى أى نشاط تقوم به ويصاب بعزلة.
حتى المؤتمرات التى تنظمها بعيدا عن العلمية ولكنها مجرد أوراق إنشائية لا يوجد بها معلومات توضح الواقع الذى نعيشه وكيفية تطويره من خلال خطط تقوم بها هذه المؤسسات ولا تعتمد فيه على مساندة حكومية لأن الحكومات تريد هذا الوضع للإعلام العربى، صوت خافت لا يزعجها ويعبر عنها هى وحدها ويصور للمواطن أى عمل بأنه انجاز يصل الى حد الاعجاز وعاد الاعلام الى طبيعته الاولى اعلام الحشد والتأييد والتصفيق لكل المسئولين وتبرير أخطائه
فلم ارَ فى أى منتدى توصيات تدعو الى إطلاق حرية تملك وسائل الاعلام وإلى احترام التنوع الإعلامى وفتح الباب للأصوات المختلفة لتبدى رأيها بكل وضوح فى القضايا العامة بدون تخويف او ترهيب او تخوين..
وأعتقد ان الأساس الأول لتطوير الاعلام هو الحرية التى تتطلب تداولا حرا للمعلومات ومنح الإعلاميين الحق فى إبداء آرائهم وعرض المعلومات التى بحوزتهم بدون خوف ووقف الملاحقة القضائية والأمنية لكل من يبدى رأيا مخالفا للسلطة مهما كان حجم الشطط فيه وفتح المجال العام لكل الأصوات ان تعبر عن ارائها فى الاعلام المملوك للشعب.
هذا هو أساس تطوير الاعلام بكل انواعه ويأتى بعده تدريب وتأهيل الإعلاميين على الأدوات الجديدة ومنها أدوات الذكاء الاصطناعى والأجهزة المتقدمة ومهارات رصد وتوثيق المعلومات والتناول الإعلامى والكتابة الخالية من التجريم والحقوق والواجبات التى يجب ان يتمتع بها الإعلامى حتى يقوم برسالته ودوره ووظائفه التى يجب عليه القيام بها بدون هذه الخطوات لو عقدنا فى كل قرية فى الوطن العربى منتدى اعلاميا لن نصل الى شيء وسوف نعيد ونزيد فى الكلام الذى يقال فى الجلسات والتكريمات وغيرها من مظاهر الاحتفال التى نشهدها فى «سبوبة» المنتديات الاعلامية.