هناك خوف يا صديقي لا نعترف به كثيرًا، رغم أنه يسكننا منذ سنوات طويلة. خوف ناعم، هادئ، لكنه عميق إلى حد يجعلنا نتجنب النظر في المرآة الحقيقية لذواتنا. نخاف أن نرى ما خبأناه، ما تهربنا منه، ما تجاهلناه ونحن نظن أننا أقوياء. ولأننا نخاف من الحقيقة، نلبس كل يوم وجهًا مختلفًا، ونقول لأنفسنا إن هذا يكفينا كي نكمل الطريق.
نخاف من الحقيقة لأنها توقظ أشياء حاولنا إطفاءها. تسحبنا إلى الألم الدفين الذي ادعينا أنه انتهى. وحين تقترب الحقيقة من ماضٍ لم نتصالح معه، نشعر أن صدورنا تضيق، وأن خطواتنا تتباطأ، وكأننا نقف على باب غرفة لا نريد فتحها مهما كان ما بداخلها.
وكثيرًا ما نخاف من الحقيقة لأنها تكشف ضعفنا. نحن يا عزيزي القارئ نحب الظهور بثوب القوة، بثوب الشخص الذي «يعرف ما يفعل». ولكن الحقيقة – تلك التي لا مجاملة فيها – تقول لنا إننا أحيانًا تائهون، وأننا اتخذنا قرارات بدافع الخوف، وأننا جاملنا أشخاصًا لم يكونوا يستحقون، وتركنا أنفسنا في أماكن لم تكن لنا. وهذا الاعتراف صعب... لكنه ضروري.
ولعل أكثر ما يرعبنا هو أن الحقيقة تكسر الوهم الذي عشناه طويلًا. الوهم الذي جعلنا نطمئن إلى أن كل شيء تحت السيطرة. لكن الحقيقة تهمس لنا: «لا شيء تحت السيطرة… أنت فقط تعوّدت». وهنا، يا صديقي، يبدأ الارتباك. لأن الإنسان حين يدرك أنه عاش سنوات على أساس هش، يشعر وكأن الأرض تسحب نفسها من تحت قدميه.
لكن لماذا نهرب؟ لأن الحقيقة تطلب منا أن نتغير. وتغيير النفس مهمة شاقة، أصعب من مواجهة الدنيا كلها. الحقيقة تقول لك: «هذه نسختك الحالية… هل ترضى بها؟» والسؤال نفسه كفيل بأن يوقظ كل ما كنت تحاول تجاهله. ولذلك تتجنب الحقيقة، لأنك تعلم أن رؤيتها تعني بداية رحلة جديدة لا تعرف أين تنتهي.
ومع ذلك، لا يمكن للإنسان أن يهرب طويلًا. هناك لحظة – تأتي بلا موعد – تدفعك إلى مواجهة ذاتك رغمًا عنك. ربما كلمة صادقة، ربما موقف يكشفك أمام نفسك، ربما خيبة صغيرة تفتح بابًا كبيرًا. وفجأة... تجد نفسك أمام مرآة لا يمكنك كسرها. مرآة ترى فيها خوفك، وجرحك، ونقصك، وقوتك أيضًا. وحين تراها كاملة... تبدأ الحقيقة في الظهور.
الغريب أن الحقيقة ليست دائمًا قاسية كما نتصور. أحيانًا تكون مثل يد تربّت على كتفك. تقول لك: «كفى جلدًا لذاتك… أنت تستحق أن ترتاح». الحقيقة ليست عدوك... لكنها لا تجاملك. توقظك، نعم. تهزّك، نعم. لكنها في النهاية تدلّك على الطريق الذي يشبهك، الطريق الذي ينتمي لروحك أنت، لا للآخرين.
ويا عزيزي القارئ، دعني أقول لك شيئًا: رؤية الحقيقة ليست نهاية. بل بداية. بداية لنسخة أكثر صدقًا، أكثر قوة، أكثر وعيًا. حين تعترف بما يؤلمك، تتحرر. وحين تعترف بما ينقصك، تنضج. وحين تعترف بما تريده حقًا، تبدأ الحياة التي تستحقها.
نحن لا نخاف الحقيقة لأنها قاسية، بل لأنها واضحة؛ والوُضوح مرهق لمن اعتاد العيش في الضباب. لكن في اللحظة التي تجرؤ فيها على النظر بعمق – ولو مرة واحدة – ستدرك أن الحقيقة لم تكن تهددك، بل كانت تنتظرك… تنتظر اللحظة التي تقول فيها: «أنا مستعد». وعندها فقط يبدأ الإنسان في أن يكون نفسه حقًا.
كاتب في السرديات الثقافية وقضايا الشرق الأوسط
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: محمد جادالله سنوات طويلة أن الحقیقة
إقرأ أيضاً:
فيلم أوسكار .. آخر إيرادات ليلة أمس
بلغت إيرادات فيلم "أوسكار عودة الماموث" في شباك التذاكر أمس الجمعة ،317,687 جنيه، وذلك ضمن الأعمال المنافسة في الموسم الحالي.
أطلقت الجهة المنتجة الإعلان الرسمي للفيلم أخيرًا، والذي يعرض كواليس مشوقة تجمع بين المؤثرات البصرية المتطورة والمشاهد الدرامية المؤثرة، إلى جانب مجموعة متنوعة من اللقطات الأخرى.
يُظهر الإعلان عودة مخلوقات عملاقة منقرضة تجوب شوارع المدينة، إلى جانب مطاردات مثيرة وصراعات ملحمية توحي بفيلم مميز يتجاوز توقعات الجمهور.
شاركت الفنانة جنات بالأغنية الدعائية للفيلم بعنوان "الوعود"، وهي من كلمات وألحان مصطفى شكرى وتوزيع موسيقى أحمد أمين، مؤكدة أنها تحمست لتقديم الأغنية فور سماعها لأنها مختلفة عن الشكل الموسيقي المعتاد لجمهورها، مشيرةً إلى جمال كلماتها ولحنها الرقيق، معربة عن إعجابها بفكرة الفيلم الجديدة والمميزة، مضيفة: "بحب أغاني الأفلام لأنها بتعيش في ذاكرة الناس أكتر".
يُذكر أن فيلم "أوسكار عودة الماموث" من فكرة كريم هشام، وقصة أحمد حليم، وسيناريو وحوار مصطفى عسكر وحامد الشراب، ومن إخراج هشام الرشيدي، ويشارك في بطولته كل من أحمد صلاح حسني، هنادي مهنا، محمود عبد المغني ومحمد ثروت.