فتاوى

كيف يتمثل الشيطان في صورة الله ولا يتمثل في هيئة النبي؟

لماذا اتسم الله بالحق وليس الحقيقة؟

الأزهر للفتوى يوضح منزلة وثواب من يخدم الضعفاء ويرعى المحتاجين

نشر موقع صدى البلد خلال الساعات الماضية عددا من الفتاوى التى يتساءل عنها كثير من الناس نستعرض أبرزها فى التقرير التالي.

كيف يتمثل الشيطان في صورة الله ولا يتمثل في هيئة النبي؟

يتساءل الكثيرون عن كيف يتمثل الشيطان في صورة الله -عز وجل- ولا يتمثل في صورة النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقولون أليس هذا تفضيلا للنبي عن الله؟، وقد أجاب عن هذا السؤال الدكتور محمد إبراهيم العشماوي أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف.

حقيقة تمثل الشيطان في صورة الله

وقال محمد إبراهيم العشماوي عبر صفحته الرسمية على فيس بوك: أَلْتَقِطُ من تعليقات الأصدقاء بعض المفاهيم المغلوطة التي تحتاج إلى تصحيح، وأجيب عنها، كهذا السؤال الذي صدرت به المقال؛ فإنه تعليق لبعض الأصدقاء على مقطع فيديو نشرناه، وقررنا فيه هذا المعنى، فظنه بعضهم مبالغة في تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم، من دون الله عز وجل!.

وأوضح أن تمثل الشيطان بالله عز وجل؛ ممكن عقلا وواقعا؛ ولا يحصل فيه التباس ولا اشتباه؛ لأن المسلم يدرك بالضرورة أنه شيطان؛ لأن الله عز وجل لا يشبه خلقه، ولا يشبهه أحد من خلقه، والشيطان من خلقه.

لماذا لا يتمثل الشيطان فى صورة النبي؟

وتابع: أما تمثله بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فجائز فيه الالتباس والاشتباه؛ لكون كل منهما مخلوقا، والمخلوق قد يلتبس ويشتبه بمخلوق مثله، فكان ذلك من جملة خصائصه صلى الله عليه وسلم، مستثنى من جملة البشر!

ولفت إلى أن أشهر ما وقع في هذا الباب من القصص والحكايات؛ ما وقع لسيدي عبد القادر الجيلاني، وقد حكاها ابن تيمية في [مجموع الفتاوى] عنه، بلسانه، وعدِّها مشهورة، وارتضاها، والجيلاني شيخُ ابن تيمية في الفقه والطريقة، فهو أدرى الناس بحاله.

قال ابن تيمية رحمه الله: "وهذا كما إن كثيرا من العبَّاد يرى الكعبة تطوف به، ويرى عرشا عظيما، وعليه صورة عظيمة، ويرى أشخاصا تصعد وتنزل، فيظنها الملائكة، ويظن أن تلك الصورة هي الله - تعالى وتقدس - ويكون ذلك شيطانا!

وقد جرت هذه القصة لغير واحد من الناس، فمنهم من عصمه الله، وعرف أنه الشيطان، كالشيخ عبد القادر، في حكايته المشهورة، حيث قال: "كنت مرة في العبادة، فرأيت عرشا عظيما، وعليه نور، فقال لي: "يا عبد القادر، أنا ربك، وقد حللت لك ما حرمت على غيرك!".

قال: "فقلت له: "أنت الله الذي لا إله إلا هو؟! اخسأ يا عدو الله!".

قال: "فتمزق ذلك النور، وصار ظلمة، وقال: "يا عبد القادر، نجوتَ مني بفقهك في دينك، وعلمك، وبمنازلاتك في أحوالك! لقد فتنتُ بهذه القصة سبعين رجلا!".

فقيل له: "كيف علمت أنه الشيطان؟!".

قال: "بقوله لي: "حللت لك ما حرمت على غيرك"، وقد علمتُ أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لا تُنسخ ولا تُبدل، ولأنه قال: "أنا ربك"، ولم يقدر أن يقول: "أنا الله الذي لا إله إلا أنا!".انتهى.

قلت: ومما يستفاد من هذه القصة؛ ضرروة العلم الشرعي، والفقه في الدين، لسالكي طريق التصوف؛ فإنه عاصم من الزلل!

وبين انه مما ينبغي التنبيه عليه أيضا؛ أن المجسِّم والمشبِّه قد يظن أن الشيطان المتمثل له؛ هو الله عز وجل؛ لأن هذا من لوازم التجسيم والتشبيه، بينما المنزِّه يعتقد اعتقادا جازما؛ أنه شيطان؛ لأن الله تعالى لا يشبه أحدا من خلقه، ولا يشبهه أحد من خلقه، وحاشاه، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير!

لماذا اتسم الله بالحق وليس الحقيقة؟

قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عبر صفحته الرسمية على فيس بوك، إن الحق مطلق، والحق في اللغة مأخوذ من الثبات؛ فالحق لا يتغير، والحق لا يتبدل، وحقيقة الحق لا تختلف في كل زمان ومكان.

 الفرق بين الحق والحقيقة

وتابع: ولذلك من أسماء الله تعالى «ٱلْحَقُّ»، وهناك فرق بين الحق والحقيقة؛ فلم يتسمَّ الله سبحانه وتعالى بالحقيقة؛ لأن الحقيقة تتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان والأحوال والأشخاص. 

فالحقيقة نسبية، تختلف من شخصٍ إلى شخص، ومن زمانٍ إلى زمان، ومن مكانٍ إلى مكان، وكلها حقيقة، لكنَّ الحق ثابت، والثبات يتجاوز الزمان والمكان والأحوال والأشخاص. 

فالحق كلمةٌ جامعةٌ لكل أنواع الخير، مانعةٌ من كل أنواع الشر، وهي كلمة توضِّح للناس حقيقةَ الدنيا، وأن فيها إقدامًا وإحجامًا، وفيها خيرًا وشرًّا، وفيها حقًّا وباطلًا، فيها طريقان: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: 10]. 

والله سبحانه وتعالى يحبُّ الخير: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج: 77].

 والحق يقتضي العدل، ويقتضي المساواة، ويقتضي الحكم بين الناس، ويقتضي اللطف بهم، وكلُّ هذه من صفات الله سبحانه وتعالى؛ فهو العدل، وهو اللطيف، وهو الخبير، وهو على كل شيء قدير. كل ذلك يتَّسق مع اسمه تعالى «ٱلْحَقُّ».

 و «ٱلْحَقُّ» من الأسماء التي يذكر بها أهلُ الله سبحانه وتعالى، ويكثرون من الذكر جدًّا بهذا الاسم، لما له من أسرارٍ وأنوارٍ في القلوب. 

وبعضهم، وهو يذكر بهذا الاسم، يحب أن يذكر بـ «ٱلْحَقِّ ٱلْمُبِينِ»، وهذا جائز؛ لأن «ٱلْمُبِين» صفةٌ من الصفات المشتقَّة ممّا أُسنِد إلى الله سبحانه وتعالى؛ فهو الذي يبيِّن لعباده أمور دينهم، وهو الذي يحكم بينهم بالحق والعدل يوم القيامة، وهو الذي يبيِّن ويكشف أسرارَ كونِه لمن يشاء، فهو سبحانه وتعالى مبين.

منزلة وثواب من يخدم الضعفاء ويرعى المحتاجين

قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية عبر صفحته الرسمية على فيس بوك، إنه في يوم التطوع العالمي نُذكّر أنفسنا بأن يدًا تمتد لمحتاج قد تفتح له باب حياة جديدة.

منزلة من يخدم الضعفاء ويرعى المحتاجين

وأشار إلى أن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم بين لنا منزلة من يخدم الضعفاء ويرعى المحتاجين ويسعى على الأرملة والمسكين، وأن عطاءه عند الله كأجر المجاهد في سبيله سبحانه.

واستشهد بقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم “الساعي على الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ، كالمُجَاهِدِ في سبيل الله”. [متفق عليه].

فضل قضاء حوائج الناس

وأكد الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، أن ابن عباس، وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، دخل ذات يوم المسجد فوجد رجلًا جالسًا تبدو عليه علامات الحزن والضيق. لم ينتظر ابن عباس أن يطلب الرجل المساعدة، بل بادر بالسؤال عن حاله، فقص عليه الرجل ما يؤرقه، فلم يتردد ابن عباس في عرضه المساعدة والسعي لقضاء حاجته.

وقال احمد هاشم، خلال تصريح، أن الرجل تعجب من حرص ابن عباس على الخروج معه رغم أنه كان في حالة اعتكاف، فسأله: "يا ابن عم رسول الله، أنسيت أنك معتكف؟"، فأجابه ابن عباس بكل يقين وإيمان: "ما نسيت، ولكن سمعت من صاحب هذا القبر – وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "من مشى في حاجة أخيه حتى يبلغها، كان كاعتكافه في مسجدي هذا عشر سنين".

وتابع: قضاء حوائج الناس من أعظم القربات إلى الله، مستشهدًا بموقف نبيل من حياة الصحابي الجليل عبد الله بن عباس، رضي الله عنه، الذي جسّد أسمى معاني التكافل الاجتماعي.

التوسل بالنبي لقضاء الحاجة

والتوسل بالنبي لقضاء الحاجة، هو التقرب إلى الله تبارك وتعالى بوسيلة من الوسائل يقول الجوهري في صحاحه:" الوسيلة: ما يتقرب به إلى الغير، والجمع: الوسيل والوسائل والتوسل واحد وسل فلان إلى ربه وسيلة وتوسل إليه بوسيلة أي تقرب إليه بعمل"، وفي القاموس:" الوسيلة والواسلة: المنزلة عند الملك، والدرجة والقربة ووسل إلى الله توسيلاً: عمل عملاً تقرب به إلى الله كتوسل. والواسل: الواجب والراغب إلى الله تبارك وتعالى".

والتوسل إلى الله تبارك وتعالى بنبيه المصطفى وخاتم رسله هو من الأمور التي وصفتها دار الإفتاء المصرية بأعظم القربات، حيث يقول الشيخ أحمد وسام أمين الفتوى بدار الإفتاء، رداً على سائل يقول: ما حكم التوسل بالنبي وهل التوسل به بدعة؟، من أقرب القربات وأولى الطاعات ونص عليه المولى عز وجل في كتابه الكريم.

طباعة شارك الشيطان النبي الحق الله الحقيقة ثواب من يخدم الضعفاء

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الشيطان النبي الحق الله الحقيقة النبی صلى الله علیه وسلم الله سبحانه وتعالى الله عز وجل عبد القادر ابن عباس إلى الله من خلقه

إقرأ أيضاً:

فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان

في بعض آي القرآن تأتي كلمات في غير سياقها المألوف، فما تفسير الشيخ لهذه الآيات، مثال في سورة الشورى: «ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا»، وفي سورة البقرة: «بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»، فكيف تكون السيئة كسبًا والحسنة اقترافًا؟

الجواب يقوم أولا على تصحيح ما يتوهمه كثير من الناس من أن بعض المفردات القرآنية ينصرف معناها إلى معنى متصوَّر في أذهانهم، إلا أن اللغة ودلالاتها -كما هو الاستخدام القرآني- لا يحصران معنى تلك المفردة فيما تصوره الناس، ومن هذه المفردات: الاقتراف، والكسب، والاكتساب، ويغلب على الاستعمال القرآني وفي اللغة أن يكون الاقتراف في إتيان السوء والشر، وأن يكون الاكتساب أو الكسب في تحصيل الخير والحق، لكن ذلك لا يحصر معنى الكلمتين في هذه الدلالات، فقواعد اللغة ودلالاتها تشهد باستعمال المفردتين في الخير وفي الشر، في إتيان ما هو خير وما هو حق ومحمود، وفي إتيان ما هو دون ذلك.

فإذا تقرر هذا، فإن السياق هو الذي يرجح استعمال شيء من هذه المفردات في ذلك الموضع تحديدًا دون المفردات الأخرى، لا سيما عند القائلين بأنه لا ترادف بمعنى التطابق في المفردات القرآنية، وهو قول ظاهر الرجحان؛ بمعنى أنه لو أُدّيت كلمات اللغة العربية ليحلّ منها شيء محل الكلمة القرآنية في ذلك الموضع من ذلك السياق لَما أمكن، ولاختل المعنى، وهذا أيضًا مما ينبغي أن يُتفق عليه، ولا توجيه لترجيح هذا القول عند من يقول بالترادف، قد توجد في بعض المواضع تأويلات تقوم على التنويع في المفردات المستعملة، أو مراعاة الفاصلة القرآنية، لكن هذا غير مطرد حتى تُبنى عليه قاعدة الترادف، فالصحيح أن الترادف الذي هو بمعنى التطابق لا وجود له في كتاب الله -عز وجل-، فلا يمكن أن تقوم كلمة مقام مفردة قرآنية استُعملت في موضع من آية كريمة في محلها من سورة كريمة.

هذا هو الأمر الثاني، بقي أن نفرّع على ما تقدم استعمال الاقتراف في الآية محل السؤال، وهي قوله -تبارك وتعالى- في سورة الشورى: «وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا»، الاقتراف هو من حيث الجذر اللغوي مأخوذ من القِرْف، بكسر القاف، والفعل منه قَرَفَ من باب ضَرَب، فالمضارع يَقْرِف، والقرف هو القِشرة، ولذلك القرفة التي تُستعمل هي قشرة شجرة، ويقال: قرف الرمان؛ أي قشر الرمان، وكما تقدم: الفعل منه قرف، واقترف مزيد وقارف، كلها مستعملة.

فإذا رجعنا إلى القاعدة الأولى وهي أنها تستعمل في الخير وفي الشر، في السوء وفي الخير، وإن كان يغلب استعمال أعمالها في سياقات السوء والشر، إلا أنها غير منحصرة فيه كما تقدم. واستحضرنا أيضًا القاعدة الثانية: أن السياق بناءً على هذا هو الذي يحدد الحكمة من اختيار هذه المفردة في هذا الموضع، أمكن لنا أن نخلص إلى أن المعنى المقصود هنا لا ينحصر الخطاب فيه على أهل الإيمان، فسورة الشورى سورة مكية، وفي صدارة موضوعاتها مخاطبة أهل الشرك في القضايا المتعلقة بالبعث والحساب، وفي رد شبهاتهم، وفي ضرب الأمثلة لهم بما كان من قصص الأنبياء والمرسلين، فالخطاب في هذا السياق الذي وردت فيه هذه الآية الكريمة موجه إلى أهل الشرك، ووُجدت فيه آيات تتحدث عن أهل الإيمان أيضًا.

إذًا، الأنسب لخطاب أهل الإيمان وأهل الشرك بخطاب واحد هو استعمال مفردة مشتقة من الإتيان ولو في أدنى الدرجات، لأن كلمة أو الجذر كما تقدم (القرف) مأخوذ من القشرة؛ فإذًا أدنى ملابسة مقصودة هنا، وهذا لا يُتوصل إليه إذا كان الخطاب مقصودًا به خطاب أهل الشرك -أهل الجاهلية-، وكان الخطاب مقصودًا منه تعميمه أيضًا ليشمل أهل الإيمان، ولذلك فناسب أن تُستعمل كلمة الاقتراف الدالة على أدنى درجات الفعل نفسه؛ حتى لا يُعترض، لأن الاقتراف فيه تكلّف، وقارف أيضًا فعل مزيد يدل على الإتيان، إتيان الفعل بما هو أعلى من الحد الأدنى، لكن يبقى أن أصل الاشتقاق اللغوي حاضر في هذا المعنى، لأن معنى الكسب في المقابل فيه شيء من التحصيل، والكسب والاكتساب أيضًا الاكتساب فيه افتعال، فيه معالجة وقصد إليه، كذلك الاقتراف فيه شيء من المعالجة والقصد إليه، لكنه في درجاته كما يقال ولو كان ذلك في القشور.

فـ«ومن يقترف حسنة» أي: يأتي هذه الحسنة ولو في أدنى درجاتها؛ «نزد له فيها حسنا»، فناسبت الزيادة هنا، وناسب هذا المعنى الذي يُخاطب به المشركون كما يُخاطب به المسلمون المؤمنون، وأنهم بإتيانهم أدنى درجات الحسنات فإن الله -تبارك وتعالى- يزيد لهم في تلك الحسنات حسنًا، هذا الذي يناسب.

بينما نجد في قول الله -تبارك وتعالى-: «بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته» أن السياق يشهد بأن المقصود منه الوعيد، وأن هذا الإتيان، هذا التحصيل للسيئات متوعَّد عليه من الله -تبارك وتعالى-، بهذا الوعيد المذكور في الآية الكريمة. إذًا، السياق هو الذي يؤدي بنا إلى استنتاج الحكمة من استعمال هذه المفردات كل في سياقها الذي وردت فيه، لنجد أنه لا يمكن أن تحل المفردة الأخرى محلها، وأنه بالإتيان بها في هذا السياق فإن أصل دلالتها اللغوية مقصود، وأصل المخاطبين أيضًا حاضر لمعرفة الخطاب؛ يوجَّه لمن، وما الذي يُطلب منهم إتيانه، فهذا هو الذي يظهر لي، والله تعالى أعلم.

يوجد شخص مَدين عليه مطالبات مالية، ويواجه مطالبات من الدائنين، ويُتحسب عليه بقولهم: حسبي الله ونعم الوكيل، مما له الأثر في نفسيته، حيث إنه لا يملك لسداد هذه الديون، فما حكم ما يقوم به هؤلاء، وما نصيحتكم لهذه الأفعال من الدائنين؟

حسبي الله ونعم الوكيل، لا، هي تعني أن يفوّض المرء أمره إلى الله -تبارك وتعالى- ليكون -جل وعلا- كافيه وحسيبه، هذا مما يُحمد للمسلم، ولا يضر صاحب الحق أن يقول الذي عليه الحق له مثل هذه الكلمة، فلو كان قد ظلمه أو آذاه بتنقّص حق، أو بضرر أصابه، أو باعتداء، أو بغير ذلك من وجوه الظلم، فحينئذ لا شك أنه سيضطرب حينما يسمع من هذا الذي وقع عليه الظلم أنه يفوّض ربه -تبارك وتعالى- في ذلك الأمر ويستنصر به، فعليه أن يبادر في هذه الحالة إلى رفع الظلم وأداء الحقوق.

أما إن كان صاحب حق، فالحقوق يجب أن تؤدّى إلى أصحابها، ولا يظنّن هذا الذي يذكر ربه بهذا الذكر أن ذلك يبرّئ ذمته من الحقوق التي عليه للآخرين، بل عليه أن يسعى مع ذكره لله -تبارك وتعالى- ليفتح عليه أبواب الرزق، ويوفّقه إلى اكتساب ما يعينه على أداء هذه الحقوق وردّها إلى أصحابها، ليكثر من ذكر الله -تعالى- مع هذا الاجتهاد في السعي لأداء الحقوق وإخلاص قصده بردّ هذه الحقوق إلى أهلها.

فهذا ما يتعلق بالطرفين: بأصحاب الحقوق، سواء كانت هذه الحقوق لم يكونوا معتدين فيها أو كانوا معتدين، فإن كانوا معتدين فينبغي لهم أن يذكروا حينما يسمعون من خصمهم تفويض أمره لله -تبارك وتعالى- بهذا الذكر أو بغيره، كما ورد من التحذير من دعوة المظلوم: «اتقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب»، وفي بعض الآثار أن الله -تعالى- يقول للمظلوم: «لأَنصرنَّك ولو بعد حين»، فهذا الذي يستنصر بالله -تبارك وتعالى- وهو مظلوم على من ظلمه، فإن المؤمن الحق يخشى من مثل هذا الاستنصار، وعليه أن يذّكر وأن يرجع إلى الله -تبارك وتعالى- وأن يرفع الظلم عمن ظلمه.

وأما إن كان صاحب حق فلا يضيره ذلك، ولكن ينبغي له أن يوسّع قدر المستطاع، وأن يُمهل، أن يُنظِر الذي عليه الحق إلى حين، فقد ورد في ذلك الكثير من الآثار، ربنا -تبارك وتعالى- يقول: «فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ»، ورسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بيّن عظيم منزلة هذا الذي يُنظر الناس ويتسامح معهم، فقال: «رحم الله امرئ سمحًا إذا باع، سمحًا إذا اشترى، سمحًا إذا اقتضى». فيدعو له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بأن تشمله رحمة الله -تبارك وتعالى-، هذا والله تعالى أعلم.

مقالات مشابهة

  • هل الحلف برحمة النبي حرام؟.. أمين الإفتاء يوضح الحكم الشرعي
  • كيف يتمثل الشيطان في صورة الله ولا يتمثل في هيئة النبي؟.. عالم بالأزهر يجيب
  • الأزهر للفتوى يوضح منزلة وثواب من يخدم الضعفاء ويرعى المحتاجين
  • صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الجمعة
  • لماذا اتسم الله بالحق وليس الحقيقة؟.. علي جمعة يوضح الفرق
  • ملتقى الجامع الأزهر يوضح أثر أبو بكر الصديق في بناء الدولة الإسلامية على العدل والمساواة
  • ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر يوضح أثر أبو بكر الصديق في بناء الدولة الإسلامية على العدل والمساواة
  • فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
  • هل يمكن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة؟