#موقف_عمومي
د. #هاشم_غرايبه
من قصص العرب، يحكى أنه كان هنالك رجل شهم كريم من بني عجل بن لجيم يدعى “أبو دلف”، وكان له جارٌ جارَ الزمان عليه وتراكمت ديونه حتى بلغت عشرة آلاف درهم، فقال لدائنه: ليس لدي غير هذا البيت أتأخذه مقابل دينك؟، فرد عليه: لكن بيتك هذا لا يساوي أكثر من خمسة آلاف، فقال: صحيح لكن جيرة أبي دلف بالخمسة آلاف الأخرى، فرفض المشتري، ولما سمع أبودلف بذلك تأثر كثيرا، وقال وأنا لا أفرط في جيرة من جعل جيرتي عدل ماله، فدفع عنه ديْنه وأبقاه في بيته.
فيما مضى، كانت قصص الشهامة والمروءة والكرم، سيرة معتادة، وأعرافاً جاريةً، لدرجة أن الناس كانت تخشى أن تعرف بغيرها، وتتجنب الأفعال التي تصف الفاعل بنقيضها، مهما بلغت الكلفة وغلت التضحيات.
فهذا المتنبي وقد عرض له في الطريق عصابة قاطعون لها، لما رأى كثرتهم وأيقن أنه لا حيله له بهم، نوى الهرب بجلده، فقال له خادمه: ألست القائل “الخيل والليل والبيداء تعرفني..”، فقال : قتلتني قاتلك الله، وعاد يقاتلهم حتى قتل.
وظل الحرص على بقاء قيم الشهامة وإغاثة الملهوف، مهما كان الثمن، فهذا الذي وجد في الصحراء رجلا متمددا في طريقه حسبه جريحا أو مريضا، فتوقف وأركبه فرسه وسار الى جانبه، لكنه ما أن تمكن من اللجام حتى وكز الفرس وانطلق بها، فإذ به لص مخادع، لكن المخدوع إذ أيقن استحالة اللحاق به، صرخ به لا ليستعطفه فقد أيقن بالهلاك في بطن الصحراء وحيدا، بعد إذ فقد الراحلة والزاد، بل مستحلفا إياه أن لا يذكر هذا الحدث للناس، مخافة أن تنقطع المروءة بينهم.
لم تنقرض هذه القيم في عصرنا هذا كما يعتقد من حرصوا على (تطوير) ثقافتنا الجمعية باتجاه العلمنة، بدعوى التخلص من القيم (التي يدعونها بالية ولا تناسب العصر)، وما ذاك إلا لأنها قيم يفتقدها الغرب الذي يريدون اتباعه شبرا بشبر، والدليل هو ما نراه في القطاع المستهدف يوميا بالتدمير، فدائما ما يهب الشباب فور تعرض بيت للقصف الى محاولة انقاذ من هم تحت الركام، أو لإطفاء الحريق، غير عابئين بخطر استهدافهم هم أيضا، وغير منتظرين حضور الدفاع المدني والمسعفين، الذين قد لا تستطيع آلياتهم الوصول.
في الغرب أقصى ما يفعله الناس في مثل هذه الحالة الإتصال بالدفاع المدني، ثم ينشغلون بتصوير المشاهد المؤلمة لبيعها كسبق صحفي مثير.
قبل فترة أقدم لص تحت تهديد السلاح على سرقة محل للذهب في عمان، وركض صاحب المحل خلف السارق عبثا، وشاهده رقيب للسير فجازف بحياته وأمسك بالسارق رغم أن ذلك ليس من وظيفته، في أمريكا ينصح الناس بعدم اعتراض اللص والإبتعاد عن طريقه حفاظا على حياتهم.
بر الوالدين.. المروءة.. إغاثة المكروب.. إصلاح ذات البين.. مساعدة المحتاج.. مواساة أهل الميت.. عيادة المريض.. اكرام الضيف..الإحسان الى الجار.. مودة ذي القربى، كل هذه المفاهيم لم تعد موجودة في الغرب، لأنها في نظر النظام العالمي الليبرالي قيما بالية، إذ لا قيمة فيه إلا لما يحقق ربحا، لكنها في مجتمعاتنا ما زالت قيما عليا، نعتز بالإنتماء لها، ونتمسك بها، ليس لأنها مجرد عادات اجتماعية متوارثة، بل لأنها جزء من عقيدتنا الإيمانية، فعلها فيه أجر، وتركها فيه وزر، فبيت العزاء للمتوفى يسمى عندنا بيت الأجر، وكل عمل خير نسعد به الآخرين يسعدنا لأننا نعتبره في سبيل مرضاة الله.
هذه البقية الباقية من قيمنا التليدة، ما زالت في النفوس، نتمسك بها لأنها من صلب عقيدتنا، ونلوذ بها احتماء، تحمي نفوسنا التي أتعبها الكد والشقاء في الركض وراء لقمة العيش، فتواسينا في هذا الزمان الصعب، الذي ما جعله صعبا إلا فساد الفاسدين الذين هم أيدي الطغاة الناهبين المستترة، أكلوا السنبلات الخضر واليابسات، فجعلوا السنين كلها علينا عجافا، وفاقمه جورهم واستبدادهم، وماهم في حقيقتهم إلا أيدي المستعمرين المستترة.
نعتز بكل ما ورثناه من حميد السجايا ونبل الطوايا، لأن تسيّد القيم العليا هي السمة التي تعلي من شأن الحضارة، فهذا هو الرقي الحضاري، وليس التطاول بالبنيان ولا التكاثر في الأموال والاختراعات. مقالات ذات صلة
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: موقف عمومي هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
"تجمع العشائر": نرفض الفئة الخارجة عن القيم ونثمّن المواقف الوطنية
غزة - صفا
أكد تجمع القبائل والعشائر الفلسطينية قطاع غزة، أن الشعب الفلسطيني ما زال يعاني من ويلات الحرب وآثارها، مشيراً إلى وجود فئة تستمر في "الخروج عن قيمنا الدينية وأعرافنا المجتمعية" عبر التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي.
وأوضح التجمع في بيان له، الجمعة، أنه وأمام هذه الحالة الشاذة عن قيمنا الدينية وأعرافنا الوطنية فإنه يؤكد على
الإشادة بحجم الرفض المجتمعي لهذه الحالة الشاذة والذي يعبر عن أصالة أبناء شعبنا ووطنيتهم.
وثمن الموقف الوطني لعشيرة الترابين التي سارعت إلى رفع الغطاء العشائري عن المدعو ياسر أبو شباب وأعلنت براءتها التامة منه في حياته وبعد مماته.
وأكد التجمع على أن "مصير هذه العصابات المرتزقة هو الزوال ،فلا يمكن أن يعمر في أرضنا إلا الأطهار ولا يمكن لشعبنا أن يتسامح مع هؤلاء الخونة الفجار،وليكن فيما حصل مع رأس الخيانة ياسر أبو شباب من هذه النهاية المأساوية عبرة لمن أراد أن يعتبر".
وأشاد التجمع بجهود الجهات الأمنية رغم الظروف الصعبة في التصدي لهذه الحالة والقضاء عليها.
وثمن التجمع القرار الذي اتخذته المقاومة بفتح باب التوبة لكل من أراد أن يخلص نفسه من عار الخيانة ويقرر أن يعود إلى أحضان شعبه، داعياً إلى سرعة الاستجابة واستغلال هذه الفرصة قبل فوات الأوان.