سام برس:
2025-05-11@21:15:05 GMT

السلطة والمسؤولية

تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT

السلطة والمسؤولية

بقلم/ د. أحمد قايد الصايدي
السلطة في العصر الحديث تعني المسؤولية تجاه الشعب وتجاه الوطن. وإذا لم تكن كذلك ، فإنها تفقد مبرر وجودها.

فإذا ما قصرت في تقديم الخدمات لشعبها بكفاءة، من تعليم وصحة وكهرباء ومياه وطرقات ووسائل اتصالات وتأمينات اجتماعية وأمن ، وقبل هذا وذاك إذا لم تؤمن لقمة العيش لمواطنيها، فإنها تكون قد فرطت بمسؤولياتها.

وإذا ما فرطت بمسؤولياتها وجب تغييرها.

فالسلطة عقد بين الحاكم والمحكوم ، فإذا أخلت بشروط العقد ، أي بمسؤولياتها وواجباتها تجاه شعبها ، فمن حق الشعب ، بل من واجبه أن يعمل على تغييرها. هذا ما ذهب إليه فلاسفة (العقد الاجتماعي) ، من أمثال توماس هوبز ، وجون لوك ، وجان جاك روسو، وغيرهم. وقبلهم جميعاً الخليفة الراشد ، أبو بكر الصديق ، القائل ، وهو يخاطب المسلمين :

"لقد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن رأيتموني على حق فأطيعوني، وإن رأيتموني على باطل فقوّموني .. أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فإن عصيته ، فلا طاعة لي عليكم".

هكذا ربط الخليفة في قوله هذا طاعة الحاكم ، من قبل المواطنين ، بطاعته لله عز وجل في رعيته ، أي بأداء مسؤولياته وواجباته تجاه المواطنين.

فإذا ما انتقلنا من العام إلى الخاص ، وتأملنا في أحوال السلطة وطبيعتها وممارساتها في اليمن ، فماذا سنجد؟

لدينا في اليمن سلطة حاكمة ، أو بتعبير أدق سلطات حاكمة ، تقدم نموذجاً غنياً عن الشرح والتوضيح ، لتهرب السلطة من مسؤولياتها وواجباتها تجاه شعبها ، ولتعللها بالحرب وظروفها ، لتعفي نفسها من تقديم الخدمات الضرورية لمواطنيها.

لقد تعددت السلطات الحاكمة في اليمن ، مع الأسف الشدي د، واشتد تنافسها ، لا في خدمة مواطنيها ، بل في تعذيبهم وتجويعهم وإطالة معاناتهم. وأبرز هذه السلطات وأكثرها ادعاءً وأقدرها على القيام بمسؤولياتها لو أرادت : سلطة (الشرعية) المتنقلة بين الرياض وعدن ، والسلطتان الحاكمتان في كل من صنعاء وعدن.

هذه السلطات لا تكتفي بتقصيرها تجاه مواطنيها ، ومشاهدتهم وهم يجوعون دون أن تحرك ساكناً ، بل ويسوؤها أن ترتفع أصواتٌ من بين صفوفهم ، تعبر عن معاناتهم وتطالب بحقهم في العيش الكريم وتذكّر السلطة بمسؤولياتها تجاه مجتمعها.. فالأصوات التي تحب السلطة سماعها، هي الأصوات التي تزين لها أخطاءها وتبرر سياساتها وتجرم من تسول له نفسه أن يفصح عن ألمه وأن يرفع صوت أنينه.

لقد أصبحت المطالب البديهية المشروعة للمواطنين في نظر السلطة جرائم تعاقب عليها قوانينها. فالمطالب بالراتب ، مرجف ، يجب وضع حد لأراجيفه ، والمطالب بالكهرباء ، مشاغب، يجب وضع حد لمشاغبته، حتى يكون عبرة لغيره. وبدلاً من أن تبادر إلى الاعتذار لشعبها عن تقصيرها، وتتخذ الإجراءات السريعة، الكفيلة بتدارك التقصير، إذا بها تلوّح بعصاها الغليظة في وجوه من يرفعون المطالب العادلة البديهية الضرورية لحياة المواطنين، وتقذفهم بشتى التهم، التي قد تصل إلى حد التشكيك بوطنيتهم. وهكذا تأخذها العزة بالإثم، متجاهلة أبسط البديهيات، وهي أن السلطة والمسؤولية تجاه المواطنين صنوان متلازمان، لا يمكن الاستئثار بأحدهما والتنكر للآخر. فإما أن تؤخذا معاً ، أو تتركا معاً.

ولنفرض ، كما تريد السلطة أن تقنعنا ، بأن من يطالب بالراتب في صنعاء ومن يتظاهر مطالباً بالكهرباء في عدن ، مرجفون ومشاغبون ، أفلا يقتضي العقل ويرى العقلاء أن السلطة بإمكانها أن تنتزع من أيدي من تراهم مرجفين ومشاغبين ، أن تنتزع من أيديهم حججهم وتسكت أصواتهم ، لا بالتهديد والوعيد والاتهامات والتشكيك ، بل بتلبية ما يطالبون به باسم ملايين اليمنيين ، من مرتبات وخدمات ضرورية ، لا تستقيم حياة الناس الطبيعية إلا بتوفيرها؟.

إن السلطة / السلطات في اليمن ستبقى فاقدة الشرعية ، ما لم تدرك بأن السلطة تعني المسؤولية ، وما لم تسلم بأن الشعب وحده هو مصدر الشرعية ومرجعها ، هو من يمنحها وهو من ينزعها ، ولا سبيل إليها إلا سبيل واحد ، وهو الاحتكام إلى صناديق الانتخابات ، ثم القيام بواجبات السلطة ومسؤولياتها تجاه مواطنيها. وبدون هذا لا شرعية لأية سلطة.

مُستجد:

تلقيت من الأخ العزيز حسن شكري ، وأنا أكتب هذا المقال الآن ، رسالة محالة إليه من صديق له ، تضمنت مثالاً مؤلماً لما تلاقيه معظم أسر مناضلي وشهداء هذا الوطن ، من ضيق العيش وتجاهل الجهات الرسمية ، وتقصير الأصدقاء. وبعد قراءتها ، شعرت بأن أي كلام نقوله أو نكتبه ، لم يعد له طعم ولا مذاق. فتوقفت عن الاسترسال في كتابة مقالي هذا ، وفضلت أن أورد الرسالة فيما يلي ، كما وصلتني دون تعليق. تاركاً للقارئ أن يضع تعليقه الخاص عليها. فقد يكون أقدر مني على التعبير عما يشعر به المرء وهو يقرأها ، من مرارة وألم ، لا سيما وأن موضوع الرسالة هو أسرة المناضل الشهيد عبد السلام الدميني ، الذي لا أحتاج إلى أن أعرف به ، فهو أشهر من أن يُعرف. واستشهاده مع أخويه اغتيالاً ، هز ضمير اليمن ، وبكاه كل من عرفه نموذجاً للمناضل الوطني ، قيماً وطهراً وثقافة وسلوكاً.

نص الرسالة :

" مساء الخير رفيق حسن. ...
تواصل معي موخراً حفيد الرفيق الشهيد عبد السلام الدميني المقيم مع أسرته في تعز ، وعرفت منه أن أحوال أسرته (أبوه وأمه وأخوين وأخت) صعبة جداً.

لأن والده (شهاب عبد السلام) عنده مرض نفسي أعاقه من إكمال دراسته ولم تساعده حالته الصحية في الحصول على عمل وظل معتمداً على راتب الشهيد عبد السلام حتى اليوم (والراتب لا يصرف بانتظام كما فهمت).

ويقول الحفيد إنه قبل استشهاد الرفيق جار الله عمر كان يزورهم ويواسيهم ، لكن منذ وفاته حالتهم ساءت كثيراً.

هو اسمه عز الدين شهاب ، ودرس إلى مستوى ثالث هندسة شبكات واتصالات ثم توقف عن الدراسة بسبب سوء حالة أبيه الصحية .
والأب معه ثلاثة أولاد وبنت (عز الدين عاطل عن العمل، منار: سنة ثالثة صيدلة، عبد السلام: طالب ثانوية، جمال: طالب ثانوية)، يعني كلهم ما يشتغلوش ومعتمدين على راتب الشهيد عبد السلام فقط .

فما رأيك رفيقنا العزيز ؟ هل هناك فرصة ما لمساعدة الأسرة في تجاوز الصعاب المعيشية التي تعانيها ، ولو عن طريق الحصول على وظيفة مناسبة للحفيد عز الدين شهاب؟.
تحياتي

المصدر: سام برس

كلمات دلالية: فی الیمن

إقرأ أيضاً:

ما ينبغي إدراكه في خضم تسريبات الدرسي بليبيا

كان لمشاهد النائب المغيب إبراهيم الدرسي وهو في معتقله وبالصورة المهينة التي ظهر بها صدى كبير، وما كان لها ألا تكون، فقد كانت مشاهد صادمة في إذلال نفس بشرية، دع عنك دلالة أن يعتدى على نائب في مجلس تشريعي، وتنتهك انسانيته بهذا الشكل المهين.

التخبط الذي تراه في تعامل الجهات السياسية والعسكرية والامنية في الشرق يكشف بشكل صارخ اختلال معادلة السلطة والنفوذ هناك، ويظهر مدى عبثية دعوى أن مجلس النواب هو السلطى التشريعية العليا، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، والسلطة الرقابية على الاجهزة التنفيذية، المدنية والعسكرية، فها هو برلماني مغيب منذ قرابة العام، ويكشف عن تعذيبه بشكل مريع، بينما التضليل مستمر، وعلى "المكشوف"، لتتأكد الدعوى بأن مجلس النواب هو أشبه بتجمع سياسي فاعل في الهوامش التي لا تعيرها القيادة العامة اهتماما، ويخضع لها في كل الملفات التي تشكل أولوية وأهمية.

مجلس النواب الذي تعرض أحد أعضائه لهذا المصير المرعب اكتفى ببيان وببضع رسائل موجهة للجهات الامنية يحثها على التحقيق في التسريبات، وباستثناء بضعة أعضاء تكلموا بشئ من الشجاعة ضد الجهات الأمنية وعجزها، فقد التزم البقية الصمت، بل إن بعضهم صرح في دوائر مغلقة وأحاديث خاصة عن الخوف من مجرد الحديث العابر عن خلل العلاقة بين السلطات المدينة والامنية في الشرق، من أن يصيبهم ما أصاب الدرسي. مع التنبيه أن النواب الذي تحلوا بدرجة من الجرأة قصروا انتقادهم على الأجهزة الأمنية، ولم يتطرقوا إلى ما تحدثت عنه تقارير ومصادر مطلعة عن مسؤولية جهات بخصوص قضية الدرسي.

بداية إصلاح الوضع المضطرب يكون من خلال مواجهة صريحة بوصلتها اشتراطات ومقومات الانتقال الصحيح الذي تعضده جملة من المبادئ الحاكمة في مقدمتها علوية السلطة المدنية ومؤسساتها التشريعية والقضائية والتنفيذية، وسيادة القانون، وصون الحريات والحقوق، وجعل انتهاكها خطا أحمرا لا استثناء فيه لأين كان، وتجتمع على هذا كافة المكونات السياسية والاجتماعية والثقافية، وتهب جميعها هبة رجل واحد لدعمها وحمايتها والضرب على يد من يحاول تقويضها. الحادثة، ومع عديد الحوادث والشواهد، كشفت عن هشاشة المنتظم السياسي الرسمي، وعن الاختلال الذي ترجح فيه كفة القبيلة على المؤسسات السيادية، فقبيلة يمكن أن توفر أمنا، في مواجهة تغول قوى الأمر الواقع، خاصة في الأزمات، وربما يعزى الحماس الذي تحدث به النواب حول تسريبات الدرسي إلى المظلة القبلية التي توفر درجة من الحماية لا يوفرها مجلس النواب والمؤسسات الرديفة.

الخلل الأبرز الذي تكشف عنه الحادثة، ومثيلاتها، هو الدور الذي يلعبه المتصدرون للمشهد من سياسيين ونشطاء وإعلاميين وما في حكمهم في الشرق، فهم أشبه بالنخبة الوظيفية، التي تؤدي دورا داعما للمنظومة في شكلها المختل، والمشروع الذي من أفرزاته مثل واقعة الدرسي، إذ لم يتحدث من يصنفون ضمن المثقفين والنشطاء والإعلاميين بإنصاف ومسؤولية عن التسريبات، وبدل التركيز على الخلل الكبير وهو تغول جهات عسكرية وامنية وتطاولها وتورطها في سلوك تسلطي وقهري، جنحت إلى التبرير والمناكفة السياسية. ومع الإقرار بأن بعض أدوار نظرائهم في الغرب الليبي كان وظيفيا، وتعاملوا مع الواقعة بخطاب مسيس، إلا إن الصوت الرشيد كان حاضرا،  ويذكر للنشطاء والمثقفين دورهم الضاغط على السلطة النافذة في الغرب في ملفات عدة، منها ملف مبادلة النفط بالمحروقات وما لحقه من فساد، وشركة أركنوا، وغيرها.

بداية إصلاح الوضع المضطرب يكون من خلال مواجهة صريحة بوصلتها اشتراطات ومقومات الانتقال الصحيح الذي تعضده جملة من المبادئ الحاكمة في مقدمتها علوية السلطة المدنية ومؤسساتها التشريعية والقضائية والتنفيذية، وسيادة القانون، وصون الحريات والحقوق، وجعل انتهاكها خطا أحمرا لا استثناء فيه لأين كان، وتجتمع على هذا كافة المكونات السياسية والاجتماعية والثقافية، وتهب جميعها هبة رجل واحد لدعمها وحمايتها والضرب على يد من يحاول تقويضها.

إذا لم يكن هذا هو الدرس المستفاد من تسريبات "الدرسي"، وإذا لم تراكم الواقعة وعيا يسري عند الجميع فيكون هو أداة توحيدهم ووسيلة سيرهم باتجاه دولة القانون والمؤسسات، فإن "الدكتاتورية" و"التسلط" ستنحني للعاصفة لبرهة، وتلجأ للبراغماتية لفترة، ثم تعود لسلوكها المعتاد ونهجها المألوف، وتتكرر حوادث القمع ووقائع الأخضاع القسري لإرادتها وخياراتها.

مقالات مشابهة

  • هيمنة أحزاب السلطة تقوّض فرصة التغيير في الانتخابات العراقية المقبلة
  • وقفة.. نتنياهو يدمر جيشه في سبيل بقائه في السلطة
  • ميليشيا الحوثي ترفض أي تحرك عملي لإحلال السلام في اليمن
  • المطلقة والأرملة.. بين الصورة النمطية والمسؤولية المجتمعية
  • ترامب اوقف تحركاً دولياً قبيل الغارات الجوية كان يهدف الى بدء عملية سياسية قائمة على تقاسم السلطة في اليمن بين الحوثيين والشرعية.. عاجل
  • أفغانستان: طالبان تعتقل 14 شخصًا لعزف الموسيقى
  • ما ينبغي إدراكه في خضم تسريبات الدرسي بليبيا
  • الجيش الإسرائيلي: اعتراض صاروخ أطلق من اليمن تجاه الأراضي الإسرائيلية
  • خطاب الهروب من الأولوية والمسؤولية الوطنية
  • السودان بلا مركز: تعدد السلطات وتفكك الدولة بين الحرب وغياب السيادة