معركة المرتبات.. قرار جمهوري رقم «١١٩»
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
المرتبات أصبحت واحدة من أهم المعارك المستعرة في إطار الحرب الوجودية التحررية التي تخوضها اليمن بشعبها وقواها الوطنية الحرّة أمام قوى الاستعمار الإمبريالية الغربية العالمية ، التي تقودها أمريكا وبريطانيا وحليفتاهما السعودية والإمارات ضد الشعب اليمني منذ ٢٦ مارس ٢٠١٥م ، فبعد قرابة نحو عام من العدوان والحصار الشامل والغاشم على اليمن ، وتحديداً في 18 سبتمبر 2016م وضمن أجندة أمريكية إجرامية ، دخلت المرتبات في خضم المعركة كورقة ضغط وحرب اقتصادية على اليمنيين بقرار وتوجيه أمريكي حيث أصدر “حمار طروادة” أو ما سمي برئيس “ الشرعية “ الفار هادي قرارا كارثياً أطلقوا عليه “قرار جمهوري” رقم (119) للعام 2016 م بشأن إعادة تشكيل مجلس إدارة البنك المركزي اليمني ونقل مقره الرئيسي من العاصمة صنعاء إلى مدينة عدن .
وفي آخر نفس الشهر سبتمبر ٢٠١٦م وجدت نفسي أنا ومعي أكثر من مليون و ٢٠٠ ألف موظف مدني وعسكري من عموم محافظات ومناطق الجمهورية اليمنية بلا راتب حتى هذه اللحظة ، بقرار جمهوري رقم «١١٩» صادر عن الرئيس المستقيل الهارب ، والذي تنصل عن تعهده الذي تلاه وهو يعلن القرار بالإيفاء بالتزامات البنك تجاه مرتبات الموظفين بعد قرار النقل!! فلم يفِ، ولم يلتزم ، وكلنا لا يستطيع إنكار أن المرتبات كانت تصرف من قبل اللجنة الثورية العليا أثناء الحرب للجميع بمن فيهم من كان يقاتل ضد صنعاء قبل نقل البنك المركزي إلى عدن ، حتى قطعت بقرار «جمهوري» مشرعن رقم «١١٩» !!؟.
فهل هناك ظلم ومكر وجرم وتدليس وتلبيس أخبث من هذا الإجرام والخداع ، حين تُقطع رواتب ومعاشات أكثر من مليون و٢٠٠ ألف موظف ينتمون لكل الأطياف والمكونات الحزبية والشعبية المدنية من أقصى اليمن إلى أقصاه ، لا دخل لهم بالحرب من قريب او بعيد سوى أنهم يمنيون ، وبقرار جمهوري مشرعن ، ومدعوم من قبل أمريكا والأمم المتحدة !! .
نعم هي « الشرعية» الأمريكية الدولية المزعومة التي قطعت مرتباتكم يا معشر الموظفين وبقرار جمهوري رقم (١١٩) ، تحت ذريعة استخدام مرتباتكم حينها من قبل ما يصفونهم «الحوثيين « لتمويل الحرب ضد ما سمي بالشرعية !!
نعم لا يوجد أخبث من هذا التلبيس والتدليس والخداع الذي استهدف البطون والأرزاق تحت يافطة ما سمّوه «الشرعية « المعترف بها دولياً ، وما أطلقوا عليه قرار جمهوري صادر عنها.. !! لتمرير حجتهم الملعونة ، فقُطعت المرتبات واستمر من يسمونهم « الحوثيون» حسب وصفهم ومعهم أحرار الشعب والقيادة الوطنية الصادقة في الدفاع عن الوطن، ولم يؤثر القرار الجمهوري المشرعن رقم (١١٩) الذي بموجبه تم قطع المرتبات على الأحرار المدافعين عن عزة وكرامة البلد في المعارك بل ازدادوا قوة فوق قوتهم حتى صاروا يمتلكون قوة ردع عسكرية جبارة يهددون باستخدامها الآن في ٢٠٢٣م لإجبار قوى ودول تحالف العدوان بإعادة صرف مرتبات الموظفين المقطوعة من ثروات اليمن النفطية والغازية التي يسرقها التحالف الدولي الأمريكي السعودي ومرتزقته ، والذي شرعن احتلال وتقسيم اليمن ونهب ثرواته ، ودَعم قطع مرتبات الموظفين بقرار جمهوري رقم (١١٩) لعام ٢٠١٦م تحت يافطة إعادة الشرعية!! .
، وخلال سنوات الحرب ومنذ انقطاع المرتبات ، وللإشارة فقط هناك عدد من جولات التفاوض التي خاضها الوفد الوطني المفاوض والتي تضمنت الملف الاقتصادي ، وعلى رأسها المرتبات وتوحيد السياسة النقدية، لعل أهمها جولة ستوكهولم في ديسمبر 2018م تحت رعاية الأمم المتحدة بخصوص الرواتب ، حيث تم التوافق فيها على توريد كافة الإيرادات الخاصة بسفن المشتقات النفطية إلى حساب المرتبات في فرع البنك المركزي بمحافظة الحديدة حسب اتفاق السويد الذي أشرفت عليه الأمم المتحدة والذي التزمت به حكومة الإنقاذ بصنعاء من طرف واحد ، وفتحت حساب خاص في فرع البنك المركزي بالحديد لصالح المرتبات.
فيما عجزت وتنصلت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الذي شرعن قطع المرتبات بالقرار الجمهوري رقم (١١٩) عن إلزام الطرف الآخر بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه وتغطية الفارق من إيرادات النفط والغاز التي يتم نهبها وتوريدها للبنوك السعودية والإماراتية ، لتغطية صرف المرتبات في كافة المحافظات باعتبار ذلك حقاً مكفولاً لكل موظفي الدولة.
ومرورا بمفاوضات عمّان بالأردن استمرت جولات التفاوض حول الملف الإنساني في سلطنة عمان ، بشكل دراماتيكي عمل خلالها الأمريكي على عرقلة أي تفاهم أو تقارب بخصوص المرتبات «تحديداً» بل ووصف ليندر كينج ممثل أمريكا في اليمن مطالبة الوفد الوطني بوجوب وضرورة صرف المرتبات من ثروات اليمن النفطية والغازية كحق لكافة اليمنيين «بالمتطرفة» و «المعقَّدة» ، وتحولت قضية المرتبات إلى معركة وطنية وأولوية رئيسية تطرحها صنعاء ، ضمن الملف الإنساني للدخول في مفاوضات الحل الشامل ، لعل آخرها المفاوضات الجارية بين اليمن والسعودية برعاية وإشراف الأشقاء في سلطنة عمان ومجيء السفير آل جابر إلى صنعاء على رأس وفد سعودي في رمضان الفائت ، ثم تنصل النظام السعودي بضغط أمريكي بريطاني عن تفاهمات صنعاء حول الملف الإنساني ، وصولا إلى الجولة الحالية التي وصفها الوفد الوطني « بالحاسمة» بعد زيارة الوفد العماني الأخيرة لصنعاء عقب تحذير قائد الثورة للسعودية باستهداف مصالحها ومشاريعها الاقتصادية في نيوم وغيرها ، إذا استمرت في التنصل عن مسؤوليتها المباشرة بالعدوان على اليمن والتهرب من تنفيذ التفاهمات التي تم التوصل إليها بخصوص بنود الملف الإنساني وفي مقدمتها المرتبات ، وبعد أن مُنح الجانب العماني وقتاً كافياً لإقناع الطرف السعودي للمضي بتنفيذ الإلتزامات الإنسانية الملحة ، وكلنا يعرف الضغط الشعبي الذي تواجهه القيادة الثورية والسياسية في صنعاء والذي يترافق مع الحراك السياسي والمفاوضات الجارية بخصوص المرتبات خاصة بعد تواصل زيارات الوفد العماني المتكررة إلى صنعاء لعقد الهدن دون تحقيق أي تقدم يرفع عن اليمنيين جزءاً من معاناتهم جراء العدوان والحصار وانقطاع المرتبات ، وهو الأمر الذي دفع القيادة اليمنية إلى التهديد بتصعيد عسكري كبير ضد السعودية في حال استمرار قوى العدوان مماطلتها بتنفيذ مطالب الشعب ، وإنهاء الحصار وصرف المرتبات ، لكن العجيب والغريب أن هناك في الأوساط اليمنية ومن الداخل مع الأسف الشديد من يقفز فوق كل هذه الحقائق والمعطيات فيما يتعلق بصرف المرتبات ، ويطالب في نفس الوقت الذي يخوض فيه الجانب الوطني «معركة المرتبات الحاسمة» حكومة صنعاء بدفع الرواتب من سندات وإيرادات الضرائب والجمارك ، مسانداً وداعماً الموقف الأمريكي المعرقل ، ويريدون مرتبات من «دولة السندات» وليس من «دولة الثروات» التي يريد فرضها الجانب الوطني ، وحتى لا يفهم البعض أننا ندافع عن حكومة الإنقاذ والمجلس السياسي الأعلى، وإعفائهم من تحمل مسؤولية صرف المرتبات ، نعم المرتبات والحقوق هي مسؤولية مباشرة تتحملها الدولة التي يعمل الموظفون في مؤسساتها الحكومية بشكل عام كحق قانوني ودستوري لكل الموظفين الرسميين العاملين والمتقاعدين ، والمطالبة بها أمر طبيعي وحق مكفول لا غبار عليه لكل موظف .
وقد حسم الرئيس المشاط في خطابه بمحافظة عمران قبل عدة أيام هذا الجدل ، وأكد أن هذه المسؤولية تقع بالفعل على الدولة لكن إمكانياتها حاليا ليست متوفرة وأنها لدى العدو ، وأكد بالقول: لم ولن نتساهل ، وجاهزون في سبيل توفير المرتبات لكل موظفي الجمهورية اليمنية أن ندخل في تصعيد عسكري لانتزاع الراتب.
خطاب الرئيس المشاط وقبله قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله وتصريحات رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام والقيادات العسكرية ، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أو المروابة بأن قضية المرتبات أولوية وطنية ومسئولية إنسانية وأخلاقية تتحملها القيادة الثورية والسياسية اليمنية بعيدا عن المزايدات السياسية الرخيصة ، ولا يمكن المساومة عليها أو التنازل عنها قيد أنملة ، وبالطبع هذا الموقف الصلب بخصوص ملف المرتبات من قيادة البلد هو بمثابة الأمل والضوء المنبثق الذي بات يشع بقوة من داخل الظلمة التي غشيت مليون و ٢٠٠ ألف موظف وأسرهم نتيجة ما سمي بالقرار الجمهوري رقم( ١١٩) المدعوم والمشرعن أمريكياً ، والذي بموجبه قطعت المرتبات طيلة ما يقارب تسع سنوات ، وخلّف معاناة معيشية وإنسانية ما بعدها معاناة وفقراً ما بعده فقر ، ونقول للبعض ممن يقفز فوق الواقع ، هذا هو موقف قيادة الدولة بخصوص المرتبات ، وللموظفين: اطمأنوا رواتبكم مضمونة سيتم انتزاعها بالسلم أو بالحرب من ثروات البلد النفطية والغازية ، والضامن هي قوة وإيمان هذا البلد والشعب وقيادته المؤمنة والصادقة بنصر الله وتأييده وبعدالة قضيتكم ، وما أصبحت تمتلكه القوات المسلحة اليمنية من إمكانيات ردع عسكرية جبارة ممثلة بالقوة الصاروخية والطيران المسير وجيش عظيم مؤمن جاهز لإنهاء مفعول ما سمي بالقرار الجمهوري الإجرامي رقم (١١٩) الذي نقل البنك وقطع المرتبات ، وتنفيذ مهام الردع المطلوبة لخوض معركة التحرر الوطني لكل تراب اليمن من أقصاه إلى أقصاه ، وتطهير البلاد من دنس المحتلين والغزاة ومرتزقتهم وإلى الأبد .
أ
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
انتهت معركة ولم تنتهِ الحرب
وضعت معركة «الاثني عشر يومًا» -كما يحلو للرئيس الأمريكي أن يسميها - أوزارها بين إيران وإسرائيل ومن يؤازرها، اثنا عشر يوما كانت كفيلة بأن يضع العالم يده على قلبه، وتساءل الكثيرون: «من المنتصر في هذه المعركة؟»، فكل طرف يدّعي النصر المؤزر على الطرف الآخر، ولكل حساباته، فالكيان الصهيوني -ومن خلفه الولايات المتحدة- يدّعيان أن الحلم النووي الإيراني انتهى للأبد، بينما تدّعي إيران أنها أوجعت إسرائيل، ودمرت أهدافا عسكرية كثيرة، ورغم أن هذه الإشكالية تبدو وكأنها «أحجية» صعبة الحل، إلا أن ذلك سيتضح قريبا حين يتم الكشف عن شروط وقف إطلاق النار، وستنجلي في مفاوضات السلاح النووي الإيراني.
وليس بعيدا عن هذه المواجهة محسوبة النتائج بدقة من قبل كل الأطراف، فإن المشهد يتكشف عن دول خليجية تقع بين فكّي كماشة، وتغوص في مستنقع لا ناقة لها فيه ولا جمل، فالولايات المتحدة وضعت إيران كـ«بعبع» مخيف للدول المجاورة، وعقدت على ذلك الصفقات العسكرية، والأمنية، وأقامت قواعدها العسكرية، وباعت أسلحتها الباهظة التكاليف على هذه الدول، وشغّلت مصانع الأسلحة على حسابها، وكل ذلك تحت تهديد الخطر والمطامع الإيرانية، والحرص على أمن وسلامة واستقرار المنطقة، وهو ما استغلته الإدارات الأمريكية على مر تعاقبها، مما جعل الدول الخليجية تسلّم أمنها إلى الحماية الأمريكية، وتعمل على رفاهية شعوبها، دون اكتراث للخطر الأمريكي - الإسرائيلي الذي أصبح عبئا على الاقتصادات الخليجية، وعلى استقرار المنطقة على المدى البعيد.
ورغم أن دول الخليج بقيت لفترة طويلة تتوجس من كل مشروع عسكري إيراني إلا أن هذا الخطر بدأ في التلاشي بعد أن استقرت الثورة الإيرانية وتراجع فكرها الثوري ليحل مكانه حسن الجوار، ولذلك جاءت التفاهمات مع المملكة العربية السعودية لتخفف حدة التوتر، وهذا ربما ما يخشاه الطرف الآخر، فالكيان الصهيوني ومن ورائه الولايات المتحدة، لا تريد لهذا المناخ الودي أن يسود في المنطقة، فذلك قد يشكل خطرا على وجودها العسكري في الخليج، وقد يُفشل مخططاتها في جعل هذه المنطقة تحت الضغط الأمني دائما، لذلك تعمل الدعاية الصهيونية والسلاح الأمريكي على التدخل في اللحظة الحاسمة ليبقى الوضع الخليجي - الإيراني على المحك.
لقد كانت دولة قطر في مرمى الصواريخ الإيرانية، بينما خرج الجنود الأمريكيون من قاعدة «العديد» إلى أماكن آمنة، ورغم أنه كان «هجوما رمزيا» بعد أن أعلن «ترامب» حقيقة «التنسيق» مع إيران قبل الضربة، إلا أن ذلك يشير إلى أن «الهيبة الأمريكية» ليست كما يبدو لنا، فمجرد السماح بضرب قاعدة هي الأكبر في العالم، يعني رضوخا للرغبة الإيرانية لرد الاعتبار بعد الهجوم على مفاعلاتها النووية، وفي المقابل يعني ذلك أن القوى الكبرى سواء الإقليمية أو الدولية لديها تفاهماتها الخاصة، وهي من يتحكم في مصير دول الخليج، والتي إنْ لم تصلح شأنها، وتعيد ترتيب أوراقها المبعثرة، وتعتمد على نفسها عسكريا، واقتصاديا، وسياسيا، وإلا فإنها سوف تكون دائما هي الحلقة الأضعف في هذه الفوضى العارمة من حولها، وستصبح غريبا في ديارها.
لقد انتهت معركة من معارك الحسم الإيراني - (الإسرا أمريكي) - ولكن الحرب لم تنته بعد، ولذا علينا انتظار مواجهة حاسمة قادمة طال الزمان أو قصر، وحينها سنعلم جيدا أن البقاء في هذا العالم للأقوى، وليس للأصلح، كما يدّعي المثاليون.