في مناطق الزلزال العنيف الذي ضرب منطقة الأطلس الكبير وراح ضحيته أكثر من ألفي شخص، تعتاد الآذان سماع هدير المروحيات العسكرية، وتعتاد العيون رؤية الغبار الأصفر المتصاعد من الأرض، ولكن لا شيء يعوّدك على رائحة الجثث المتصاعد من أعماق الهاوية، ولا شيء يذهلك مثل نظرات المصدومين الذين غيرت الهزة حياتهم إلى الأبد في ثوان قليلة.

تبارت صحف فرنسية عديدة في وصف الناس والقرى والمشاهد بعد الزلزال الذي ضرب منطقة الأطلس الكبير الجبلية التي يصعب الوصول إليها، والتي تضررت بشدة، وتابعت عمل فرق الإغاثة والسكان الذين يحفرون تحت الأنقاض بحثا عن ناجين أو جثث تحت شظايا وقطع الأطلس الحجرية التي تناثرت في كل مكان وعلى طول الطرق وفوق البنايات والساحات.

تأخذك صحيفة لاكروا إلى قرية مولاي إبراهيم بمنطقة الحوز الجبلية، حيث لقي نحو ثلاثين شخصا حتفهم جراء الزلزال، وقد نصبت خيام مؤقتة لإيواء من فقدوا بيوتهم، في ظل مسجد متصدع من كل جانب، حيث تتجمع نسوة حول قدر كبير وحولهن أطفال يلعبون بالحجارة المتناثرة في كل مكان. وفي حين أن الاحتياجات هائلة، فإن التضامن منظم.


حالة صدمة

هنا يشير خالد إلى المنازل الواقعة على التلة المقابلة، قائلا "من هنا يبدو أن كل شيء سليم، لكن في الحقيقة لم يبق سوى جدارين قائمين، أما في الداخل فذهب كل شيء".

كان هناك عشرة أشخاص نائمين في هذا المنزل عند الساعة 11:11 مساء الجمعة، مثل غيرهم في هذه القرية الزراعية، ومن بين هذه العائلة المكونة من عشرة أفراد، خرج شاب واحد حيا من تحت الأنقاض صباح السبت ونقل جوا إلى الرباط.

وتوفيت الأم زارا صباح الأحد أثناء نقلها إلى غرفة الطوارئ، وتم إخراج جثتين أخريين من الغرفة، ونحن نبحث عن الآخرين، وتحديدا الأب محمد وطفلين يبلغان من العمر 10 و14 عاما، ولكن رائحة الموت لا تترك مجالا كبيرا للشك في النتيجة المأساوية للبحث.

وتنقل لاكروا عن أحد الناجين تلخيصه لهول ما حصل بالقول إنها "ثوان غيرت حياتنا إلى الأبد".

أما صحيفة لوفيغارو فتصحبك في رحلة بقرية طلعت يعقوب المنكوبة، حيث يجلس الصبي محمد (12 سنة) في الجزء الخلفي من سيارة إسعاف، بعد أن توفيت والدته وعمه وفرد ثالث من العائلة تحت أنقاض منزلهم، يقول العجوز حسن آيت ناصر وهو يحدق في الطفل "انهار السقف فجأة. كان لدي الوقت للخروج. لكن ابني وجد نفسه محاصرا. لقد عثرنا عليه بعد أكثر من ثلاث ساعات، وبعد مرور يومين على الكارثة، لا يزال في حالة صدمة. ذراعه ملفوفة بضمادة. بقع دماء كبيرة تلطخ صدغه الأيسر".

أشخاص يمرون فوق أنقاض مبنى مدمر في أعقاب زلزال الجمعة، في 10 سبتمبر 2023، في مولاي إبراهيم، المغرب (غيتي)

وهنا أيضا تقدم لك صحيفة ليبيراسيون نفس هذه القرية الصغيرة الواقعة في أعلى منبع طلعت يعقوب حيث أعلن أنها مركز الزلزال، وحيث تعمل 30 عائلة على ارتجال طريقة ما للبقاء، بين الأشياء المتناثرة في مشهد من الفوضى العارمة، حيث تغطي أجهزة تلفزيون وأفران وخزائن وصخور وأشياء لا تصدق وجه الأرض.

يقول الراعي أموه الذي نجا مع أولاده الثلاثة "انظر حولك! كل الدوار الذي تراه ينعي أحبابه. لم ينتظر أحد الإسعافات الأولية التي لم تصل بعد على أي حال".

ويقول الطيب (30 سنة) "لقد تمكنا من إخراج 12 جثة بلا روح حتى الآن. لا أعرف من أين حصلت على كل هذه القوة لمدة يومين. لقد أكلت قليلا، ونمت قليلا منذ يوم الجمعة، لكن يبدو الأمر كما لو أن عقلي يأمرني بمواصلة الحفر مرارا وتكرارا. الهدف المنشود منذ فترة طويلة هو أن نتمكن من العثور على ناجين تحت الأنقاض".

وتزور بك مجلة لوبس (L’Obs) ساحة فيربلانتييه الشهيرة في مراكش التي تحولت إلى مهجع في الهواء الطلق، فهذه فتيحة تتحدث عن شقيقتها صباح (25 عاما) الجالسة قربها، وهي تحدق منذ يومين تقريبا في نقطة غير مرئية أمامها "إنها لا تأكل ولا تتكلم وتدخن، هذا كل ما في الأمر"، ومن حول الفتاتين هناك حوالي 50 شكلا ملفوفا في بطانيات على سجادات مؤقتة وسط الساحة.


قدر الله

تمكنت الشقيقتان من الخروج من المنزل قبيل انهيار السقف مع أبيهما، لكن الأم والابن سلا لم يكن لديهما الوقت للقيام بذلك، وعندما تمكنت مجموعة من الشباب من إزالة الأنقاض، أخرجوا الجثتين من تحت الجدار وتم ضغطهما معا.

تقول فتيحة "إن الغبار هو الذي خنقهم"، ومنذ ذلك الحين توقفت صباح عن الكلام، وراح زوجها إلى الطرف الآخر من الساحة، لأنه لا يراه أحد وهو يبكي من شدة ما يعانيه من ألم.

وفي شوارع مراكش -كما تضيف فتيحة- "لا أحد يساعدنا. هناك بعض عمليات توزيع المواد الغذائية، ولكن تنظيمها كان سيئا للغاية، تشاجر بعض الناس على زجاجة ماء.

"الجميع خائفون. نحن جالسون في خوف"، وقد انهار جزء من منزل مساء السبت مما أدى إلى مقتل شخصين، الشوارع ليست آمنة، ، لقد تم إغلاق العديد من الشوارع بسبب الانهيارات، خاصة في حي الملاح الذي يعيش العديد من سكانه الفقراء في مبانٍ قديمة متهالكة لم تصمد أمام هزات زلزال يوم الجمعة.

وعلى الرغم من المأساة –كما تقول لاكروا- وبينما تعمل خدمات الطوارئ على انتشال الناجين من تحت الأنقاض، فإن العديد من المغاربة يُظهرون كثيرا من الإيمان بالقدر والرضى بالقضاء.

يقول زور "كل يوم يرينا الله آية. هذه واحدة أخرى"، وغير بعيد منه يقول عامل ركن السيارات عبد الهادي "لقد انهار منزلي في مراكش جزئيا. أنا أعيش في الشارع. جزء كامل من عائلتي في المستشفى"، أما بائع الحقائب محمد فيقول "لماذا لا أفتح؟ هذا النوع من الأحداث قدر الله. يمكن أن يحدث اليوم وغدا وفي أي يوم".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: تحت الأنقاض

إقرأ أيضاً:

من تحت الأنقاض إلى المعبد.. عودة تماثيل نادرة في صعيد مصر

شهدت جبانة طيبة القديمة، بالبر الغربي لمدينة الأقصر التاريخية في صعيد مصر ، صباح الأحد، الاحتفال بجمع وترميم وإعادة نصب تمثالين ضخمين من الألباستر في معبد الملك أمنحتب الثالث.

ووضع التمثالان عند بوابة الصرح الثالث للمعبد، وعلى خلاف التماثيل العملاقة الأخرى من عصر حكمه، فإن هذين التمثالين نحتا بشكل استثنائي من حجر الألباستر المصري القادم من محاجر حتنوب في مصر الوسطى، كما يتميزان عن غيرهما من التماثيل العملاقة بأنهما مستكملان جزئياً بقطع نحتت بشكل منفصل، ثم ثبتت عن طريق نظام الانزلاق والتعشيق في الكتلة الرئيسية للتمثال.

ووضع كل تمثال مع قاعدته الألباستر التي شيدت على قاعدة سفلية من كتل كبيرة من حجر الغرانيت، نقشت عليها نصوص تحمل اسم المعبد والمحجر المستخرج منه.

وجرى تجميع مكونات التمثالين وترميمهما بعد أن ظلا محطمين منذ أن أطاح بهما زلزال عنيف حوالي عام 1200 قبل الميلاد، حيث ظل التمثالان راقدين في حالة تحطم، وقد فقدت أجزاء منهما، كما تفرقت كتل قواعدهما؛ حيث أعيد استخدام بعضها في معبد الكرنك، ثم جلبت من هناك مرة أخرى ليتم دمجها في القواعد الحديثة الحالية.

ويظهر الملك جالساً، ويداه مستقرتان بشكل مسطح على فخذيه، مرتدياً غطاء الرأس "النمس" يعلوه التاج المزدوج، بالإضافة إلى تنورة ملكية ذات طيات ولحية احتفالية مخططة تزين ذقنه، وذيل ثور تقليدي يكمل رداءه.

وتصاحب تمثال الملك الضخم تماثيل للملكات؛ فبجوار ساقه اليمنى تقف الزوجة الملكية العظمى "تي"، مرتدية ثوباً طويلاً ضيقاً، وتمسك في يدها اليسرى العصا المزينة بالزهور الخاصة بالملكات، ونبات البردي بمعصمها الأيمن.

وفي التمثال الجنوبي، ترتدي الملكة شعراً مستعاراً عريضاً يغطيه غطاء رأس على هيئة نسر يعلوه إكليل من اللوتس يثبت عند جبين النسر، محفوفا بثعباني كوبرا.

مقالات مشابهة

  • جوائز الابتكار 2025 من PhoneArena.. تقنيات غيرت شكل الهواتف من AirDrop على بيكسل إلى البطاريات السيليكون‑كربون
  • علاج الأرق.. تمرين تنفسي بسيط يساعد على النوم وتهدئة الأعصاب
  • من تحت الأنقاض إلى المعبد.. عودة تماثيل نادرة في صعيد مصر
  • شاهد / الفيديو الذي حذفته قناة الإخبارية السعودية .. بعد انتشاره كالنار في الهشيم
  • بسبب تعريفات ترامب.. الصين غيرت استراتيجياتها وحققت صادرات مذهلة
  • الحرف اليدوية وأثرها في حياتنا المعاصرة.. غداً بالسحيمي
  • إليكم 23 صورة من ملف إبستين وترامب وبيل كلينتون وبيل غيتس التي كُشف عنها الجمعة
  • شركة فرنسية تشرف على برنامج التطوع في كأس أمم أفريقيا
  • الشعبية: العجز الدولي عن نجدة غزة "خيانة" والمنخفض الجوي يفاقم المأساة
  • مخاوف فرنسية بشأن لبنان: التصعيد الاسرائيلي ليس مستبعدا