تباينت ردود الأفعال في مصر حيال دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في 5 سبتمبر/ أيلول الحالي، لتنظيم الهجرة غير النظامية إلى بعض الدول التي تعاني نقصاً في القوى البشرية، ضارباً المثل بدولة صربيا التي تستقبل عمالة مؤقتة لتحقيق مكاسب مشتركة.
وقال السيسي، في جلسة حوارية ضمن فعاليات المؤتمر العالمي الأول للسكان والصحة، إن مصر لديها “فرصة كبيرة في تنظيم الهجرة الشرعية إلى الدول الأوروبية التي تعاني نقصاً في أعداد المواليد، لأنها طاقة عمل ستحقق عوائد للاقتصاد في هذه البلدان”.

وقال إن “الهجرة الشرعية هي الحل لمواجهة نقص العمالة في أي دولة، وسيكون ذلك بالتنسيق والتفاهم بين الدول، وتقديم العمالة لها لمدد محددة سلفاً”.
تقنين الهجرة في مصر أمر جديد
وفي السياق، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصرية، السفير معصوم مرزوق، في حديث لــ”العربي الجديد” إن “أي تحرك قانوني للعمالة المصرية في الخارج، سواء في أوروبا أو خارجها، يعد أمراً إيجابياً، وهو أمر دأبت عليه وزارة الخارجية المصرية لعقود طويلة”.
وأضاف أن الوزارة “كانت تبرم اتفاقيات لحماية حقوق العمالة المصرية سواء في أوروبا (مثل فرنسا وإيطاليا واليونان)، أو دول الخليج، باعتبار ذلك أفضل من ركوب البحر وصولاً للقارة العجوز، وهي مخاطرة شديدة تكلف الآلاف حياتهم، وهو أمر لا يختلف مع ما دعا إليه الرئيس إلا في مسمى الدعوة فقط”.
معصوم مرزوق: كانت مصر تبرم اتفاقيات لحماية العمالة المصرية في أوروبا والخليج
وفي السياق، قال إن “إيطاليا سمحت بوصول أعداد من العمالة المصرية، إلا أن الأمر شابته سلبيات، في مقدمتها عدم تأهيل العمالة المصرية وتدريبها بشكل كاف لضمان تلبيتها لاحتياجات السوق الإيطالية”.
ولفت مرزوق إلى أن “الحديث عن تقنين الهجرة إلى أوروبا، يجب أن يسبقه الوصول لاتفاقية قانونية ملزمة، تحدد شكل هذه الهجرة، وما إذا كانت مؤقتة أم دائمة، وعن حقوق هذه العمالة في التمتع بظروف عمل مناسبة وفقاً لمواثيق منظمة العمل الدولية”. وأشار إلى أن “وصف الأمر بتقنين الهجرة قد يشعل مخاوف بلدان أوروبية من أن تكون هذه الهجرة دائمة”.
وفي وقت اعتبر أن مشاكل مصر أعقد من أن تحلها قضية تقنين هجرة العمالة للخارج، رأى مرزوق أن المشاكل “تحتاج منظومة سياسية واقتصادية وتنموية كاملة، فضلاً عن الحاجة الشديدة لتأهيل الكوادر المهاجرة، خصوصاً أصحاب الشهادات المتوسطة، وتحديد احتياجات الدول الأوروبية”.
عدة أبعاد لدعوة تقنين الهجرة في مصر
من جهته قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عصام عبد الشافي، في حديث لـ”العربي الجديد” إن الحديث عن تنظيم هجرة المصريين له العديد من الأبعاد، “أولها: الانتقال من التجارة غير المباشرة في ملف الهجرة غير النظامية إلى التجارة المباشرة”.
وأوضح أن “عمليات تهريب كثيرة للبشر عبر الحدود المصرية كانت تتم من خلال شركات، تتورط فيها مؤسسات وشخصيات رسمية، تسبب الكشف عنها في إحراج للنظام، فلماذا لا يتم تقنينها وتكون رسمية للتحكم في عائدات هذه التجارة؟”.
أما البعد الثاني بحسب عبد الشافي فيتمثل في “فرض القدرة على التحكم في مصادر دخل من هاجر، حيث يمكن فرض نسب من مدخولهم، وشروط لاستخراج أية وثائق أو تمديد الهجرة، وبالتالي تقنيين السيطرة على هذه المصادر”.
وأضاف بالمقابل أنه لا يوجد قدرة على التحكم في دخل من هاجر بطريق غير نظامي، “خصوصاً أنه تُطرح دورياً العديد من المبادرات لاستنفاد قدرات المصريين في الخارج، لكنها من وجهة النظر الرسمية غير كافية”.
عصام عبد الشافي: تُستخدم فكرة الإدارة بالفزاعات في موضوع تنظيم هجرة المصريين
كما اعتبر أن البعد الثالث “يتمثل في فكرة الإدارة بالفزاعات، والرسائل غير المباشرة”، موضحاً أنه “منذ سنوات كان يستخدم ملف الإرهاب، ثم ملف الهجرة غير الشرعية، والآن ملف الكثافة السكانية في مصر وعدم قدرة الدولة على التعاطي معها، باعتبارها سبب فشل السياسات الاقتصادية، وأن الحل المطروح هو تخفيف هذه الكثافة عبر هجرة البشر”.
وبالتالي قال عبد الشافي إن ذلك “يحقق هدفين، عائدات تجارة البشر تحت مسمى تنظيم الهجرة واللجوء من ناحية، أو الحصول على منح وقروض لمواجهة الأزمة السكانية من ناحية ثانية”.
بدورها، ذكرت أستاذة الاقتصاد والعميدة السابقة لكلية الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتورة عالية المهدي، في منشور على صفحتها على “فيسبوك” أنها كانت مدعوة كخبيرة اقتصادية في أسواق العمل للمؤتمر الوزاري بمالطا عام 2017.
وكان الهدف هو إعداد البيان الذي سوف يصدر عن دول الاتحاد الأوروبي في ما يخص تنظيم الهجرة، الذي يقصدون به الحد من الهجرة غير النظامية أو إيقافها تماماً.
وأضافت أن مقترحها كان تنظيم هذه العملية ليس باعتبارها هجرة، بل “على أساس توفير عقود عمل مؤقتة، مثلما هو الحال مع كل الدول العربية، وبانتهاء العقد، يعود العامل أو الموظف إلى بلده، وبذلك تتحقق مصلحة للطرفين، البلد الأوروبي المحتاج لعمالة شابة والشباب الباحث عن عمل”.
تقنين الهجرة في مصر ينهي ظاهرة قوارب الموت
بالمقابل لم تنف الأصوات التي انتقدت دعوة السيسي، وجود إيجابيات لها. فقد رأى المحامي أحمد بدوي المتخصص في شؤون الهجرة واللجوء، في تصريحات تليفزيونية أن “الدعوة لتقنين الهجرة تسدد ضربة قوية للهجرة غير النظامية، وتنهي ظاهرة قوارب الموت التي تستغل الراغبين في الوصول لأوروبا، وتعرض حياتهم للخطر، وبل تقلل احتمالات استغلال جماعات العنف والتطرف لهؤلاء المهاجرين”.
واعتبر الدعوة لتقنين الهجرة “تطبيقا للاتفاقية العالمية للهجرة، الموقعة عام 2018، واستثماراً للقوى البشرية، وتحقيق مكاسب اقتصادية للطرفين، والتوازن بين الدول التي تتمتع بفائض من القوة البشرية، ومن يعانون من مشكلات النقص في هذه الكوادر”.
وتشكل الدعوة، بحسب بدوي، “دفعاً للتنسيق الدولي لمواجهة الهجرة غير النظامية، وإيجاد آليات تحدد احتياجات الدول المستقبلة للمهاجرين، بشكل يتطلب من الدولة الموردة للعمالة تدريب وتأهيل كوادرها، لتكون قادرة على العمل في البلدان الأوروبية”.

العربي الجديد

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الهجرة غیر النظامیة العمالة المصریة تنظیم الهجرة عبد الشافی

إقرأ أيضاً:

العمالة .. إسفين يُدقّ في سيادة الأوطان

صراحة نيوز- عوض ضيف الله الملاحمة

كل شعوب الأرض لا تخلو من خونة وعملاء رخيصون ، يبيعون أوطانهم مقابل دريهمات ، او مكاسب تشبههم . والخيانات تشهدها الأوطان في كل الأزمان ، حتى في حالات الرخاء ، والأمان ، والإستقرار . لكنها تظهر ، وتنتشر بشكل ملفت للنظر عندما تكون الأوطان ترزح تحت الإحتلال .

ولنا الكثير من الأمثلة خاصة ماحدث بين هتلر واحد العملاء الفرنسيين — حسبما تسعفني ذاكرتي المتواضعة — حيث قدّم هذا الفرنسي الخائن العميل الكثير والخطير الذي سهّل إحتلال هتلر لباريس ، كونه كان ضابطاً في الجيش الفرنسي . وبمجرد ان بسط هتلر سيطرته على فرنسا ، طالب العميل الفرنسي بمكافأة جزلة تتناسب مع ما قدّم من خدمة للرايخ الألماني ، فطلب من هتلر ان يوليه منصباً مرموقاً في فرنسا . فرد عليه هتلر بكلمات وقعت على أذنيه كالصاعقه عندما قال له بكل جلافة وقسوة : لا يمكنني الثقة بمن خان وطنه ، سنقدم لك مكافأة مالية مجزية ، ولتنصرف بعد ذلك .

إبتُليت القضية الفلسطينية بالكثير من الخيانات المتعددة والمتنوعة بأشكالها وانواعها . حيث شهِدت ، وتشهد ، وستشهد الكثير من الخيانات الفاقعة الخطيرة . وغرابة ما يحدث من خيانات يتناسب وطبيعة القضية ، وتعقيداتها ، وخصوصيتها .

سبق لي ان زرت الأراضي الفلسطينية المحتلة عدة مرات خلال الأعوام ١٩٩٧ — ٢٠٠٢ م . وفي إحدى الزيارات تعرفت على أحد المسؤولين في إحدى الوزارات في السلطة الفلسطينية . وتحدثنا كثيراً عن القضية الفلسطينية تحديداً . لكنه كان يركز على المعيقات ، والعقبات الكأداء التي تنخر في النضال الفلسطيني ، وتشوهه ، وتحبطه .

كان ذلك الرجل الفلسطيني المخلص لقضيته ، يركز على فشل السلطة ، وكان يعتبر انها أصابت القضية في مقتل ربما لن تبرأ منه .

كما كان يركز على إنتشار العملاء داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة . وحدثته مقاطعاً : بان العمالة والخيانة موجودة بين كافة شعوب الأرض منذ بدء الخليقة . قال صحيح ما تقول ، لكن نسبة العملاء عندنا كبيرة . ومع إصراري على وجهة نظري بانه يضخم التوصيف ربما لسببين : أولهما : انه يعيش في الداخل ويطلع على التفاصيل . وثانيهما : أن إنتمائه لقضيته أوصله للتشدد في أحكامه . فقال : أبداً ، وسوف أُجيبك بأدلة ميدانية ستشاهدها بنفسك . فاستغربت ، وقلت : يا رجل هدء من روعك ، وأجنح للعقل والمنطق ، كيف يمكنني ان أشاهد عمالة بنفسي ؟ فاستقلينا سيارته ، وذهبنا الى منطقة ما ، قال لي : ما هذه ؟ أجبت : يبدو انها مستوطنة صهيونية ، بسبب إحاطتها بسورٍ عالٍ ، مكهرب ، وشائك وقطع الزجاج مغروزة في الإسمنت ، وأضفت : كما يؤكد توقعي وجود بوابتين فقط ، وتهجع سيارة عسكرية صهيونية من نوع ( سكاوت ) عند كل بوابة مع حراسة يبدو انها مشددة . لاذ بالصمت ، واستمر في قيادة سيارته لعدة كيلومترات ، ثم أشار الى منطقة تشبه الأولى ، وقال لي : ما هذه أيضاً ؟ أجبت بكل ثقة بانها تشبه المستوطنة الأولى التي شاهدناها .

صَمتَ ، وقال لي اين تود الذهاب ؟ قلت له : الى المسجد الأقصى حتى أصلي العصر ، وابقى حتى صلاتي المغرب والعشاء حتى أصليهما فيه ، بعدها اعود الى الفندق الذي أقيم فيه . قال لي بلغة الواثق : إذا سوف أجيبك بإختصار : ما شاهدته هما مستوطنتان شيدتا خصيصاً للعملاء الذين ينكشفون وينفضح أمرهم عند الفلسطينيين ، فينقلهم العدو للإقامة فيهما حماية لهم حتى لا تتم تصفيتهم ، ولعلمك داخلها مدن متكاملة من حيث الخدمات بحيث لا يحتاجون للخروج خارجها ، حيث تتوافر كافة وسائل الترفيه ، وتُصرف لهم مخصصات مالية بسخاء .

كما انني في إحدى زياراتي استأجرت سيارة لتوصلني الى رام الله . وأثناء تجاذبنا اطراف الحديث ، أفصح لي السائق بأنه دخل سجون الاحتلال عدة مرات بإرادته . قلت له مستغرباً : كيف ؟ ولماذا ؟ قال : انه كان ينفذ تكليفاً بقنص العصافير . استفزني بما قال ، وقلت بعصبية : ( بتتخوث ) ؟ فأقسَم بان ما يقوله صحيح . وقلت له : انتهينا . قال دعني اوضح لك : كان يتم تكليفي بافتعال مشكلة معينة ، تتسبب بدخولي السجن ، لأرصد واتتبع سلوك بعض المساجين الفلسطينيين ، ممن يقومون بدور المخبرين للعدو ، حيث يتقربون للمناضلين المسجونين للحصول على معلومات منهم ، واقوم بتصفيتهم جسدياً داخل السجن . وعندما تأكدت من جدية حديثه ، سألته : وكم عميلاً فلسطينياً قتلت داخل السجون ؟ قال : ( ١٣ ) عميلاً .

ما حثني على كتابة هذا المقال ، ما تابعته بألم ، وحسرة حول ما تناقلته وسائل الإعلام عن إغتيال العميل الخائن / ياسر ابو شباب . والأدهى والأمرّْ انهم ليسوا افراداً بل تنظيماً يقدره البعض بالألوف . وفرحتي كانت كبيرة بتصفيته على يد أعضاء من جماعته .

لا ادري كيف يسيرون بطريق العمالة الدنيء ، وهم يعرفون عدالة قضيتهم ؟ وان الكيان الذين يودون خدمته هو كيان استعماري استيطاني إحلالي مجرم ، سرق أرضهم ، وهتك عرضهم ، وقتل شبابهم وشيوخهم وأطفالهم ونسائهم ؟ كيف يقبلون ان يكونوا عملاء لكيان يقتل ويدمر ويهلك الحرث والنسل في بلدهم !؟ ولو افترضنا مجازاً انهم يلجأون للعمالة لتحقيق مكاسب شخصية ، منها : ضمان سلامتهم من القتل على يد العدو ، وتحصيل مكاسب مادية دنيئة مثلهم ، كيف يسعون لهذا في حين ان ابناء جلدتهم يُقتلون ويتضورون جوعاً . ثم الا يخشون من إنكشاف عملاتهم التي ستؤدي الى تصفيتهم ؟ لا أدري ، ولا أفهم كيف يبررون عمالتهم ؟

العملاء انهكوا حركات التحرر الفلسطيني ، وربما أدى ذلك الى إفشال السير في طريق التحرر والتحرير . وهل ننسى من إغتال الشيخ / احمد ياسين ، والدكتور / عبدالعزيز الرنتيسي ، وغيرهما الكثير . ونتذكر الآلية التي كانت تُمكِّن العدو من قنصهم بدقة عجيبة . حيث كان العملاء يضعون طلاءاً خاصاً مُشِعّاً على عربة الشيخ احمد ياسين ، وعلى سيارات الآخرين ، وتقوم الطائرات بالتقاط الإشعاع وإصابة الهدف بدقة متناهية .

إبراز نقاط الضعف ، وإظهار أحد معيقات النضال الفلسطيني الداخلية ، لا يعني ، ولا ينفي المقاومة البطولية الشرسة التي قدمها ، وسيقدمها الأبطال الشجعان الشرفاء من الشعب الفلسطيني العظيم . وليعلم القراء الكرام انني لا أسرد ذلك شماتة أبداً ، بل الغاية التأشير على مكامن الخلل لإنعاش النضال الفلسطيني الهادف لتحرير الأرض وتحرر الإنسان ، فالخيانة والعمالة نقيصة وسقوط ، وإسفين يُدقّ في سيادة الأوطان .

مقالات مشابهة

  • ترامب يكشف عن الدول التي يفضل استقبال المهاجرين منها
  • بيروت تؤكد سيادتها واستقلال قرارها الداخلي.. رفض لبناني رسمي لدعوة إيران
  • موسكو: نعمل على تنظيم قمة "روسية-عربية" قريبًا
  • اللجوء إلى القارة العجوز.. هل يجبر البرلمان الأوروبي الدول الأعضاء على قبول الهجرة غير النظامية؟
  • السفيرة نائلة جبر تلقي محاضرة بالمعهد الدبلوماسي حول جهود مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر
  • ميرتس: ألمانيا غير معنية بانتقادات ترامب لسياسة الهجرة في أوروبا
  • العربى الناصرى: الإخوان تنظيم إرهابي عقائدي لا مكان له في أي دولة تحترم الأمن والاستقرار
  • رئيس العربية للتصنيع يكشف عن أحدث المدرعات والطائرات المسيرة المصرية (حوار)
  • العمالة .. إسفين يُدقّ في سيادة الأوطان
  • دول الاتحاد الأوروبي توافق على تشدد كبير في سياسة الهجرة