لجريدة عمان:
2025-06-21@21:55:49 GMT

التغير المناخي يهدِّد بصدمة اقتصادية كبرى

تاريخ النشر: 12th, September 2023 GMT

المسار الذي يُرجَّح أن يتخذه التغير المناخي قياسا إلى أداء العالم الحالي في خفض الانبعاثات اتضح بجلاء مرارا وتكرارا. فالأحداث المناخية المتطرفة مثل موجات الحر غير المسبوقة التي عانت منها مؤخرا بلدان جنوب أوروبا والولايات المتحدة ستتكرر بوتيرة أشد وأكثر تدميرا.

العواقب الاقتصادية والمالية للتغير المناخي واضحة خصوصا مع النقص الفادح حتى الآن في الإنفاق على التكيف مع ما سيحدث.

فعدم كفاية إنتاج الحبوب سيقود إلى ارتفاع شديد في أسعار الغذاء وسيُوجد ملايين اللاجئين الاقتصاديين. وسيتم التخلي عن العقارات والأراضي الزراعية في المواقع المُميَّزة على المناطق الساحلية في مواجهة الفيضانات المستمرة. وستواجه الصناعات التي تعتمد على الكربون إغلاقا فجائيا مع تحول الرأي العام والإجراءات الحكومية، فيما ستعاني قطاعات أخرى من اختلالات في سلاسل التوريد قد تكون مدمرة. وستفرض أمراض ونماذج أمراض جديدة تكاليف باهظة على الموازنات العامة.

لن يعود من الممكن القول إن هذه التوقعات غير مؤكدة بشكل قاطع أو إنها لن تحدث قريبا. ففي حالات عديدة هي حتمية الآن حتى إذا تسارعت بشكل جذري سياسات التلطيف منها.

مع ذلك لا توجد أدلة تذكر اليوم على أن تعديلا يحدث في أسعار الأصول (المالية) لعكس هذه التطورات المناخية.

وجد بعض الباحثين علاوات مخاطر (فوائد) أعلى في الدَّين السيادي للبلدان النامية الأكثر هشاشة للتغير المناخي. وهنالك أيضا بعض الأدلة على وجود عائدات أقل (تعكس مخاطر أخف) على أسهم الشركات الأقل تعرضا للتغير المناخي. لكن، إجمالا، لا يبدو أن الأسواق مهتمة بذلك على نحو خاص. والحوار مع بعض كبار المستشارين في المؤسسات المالية الكبرى يفسر جزئيا ذلك.

السؤال: لماذا لا تعكس الأسواق المالية حتى الآن المخاطر المناخية؟

من بين الآراء السائدة في الولايات المتحدة أن التطور التقني السريع سيحل المشكلة وأن عدم اهتمام الأسواق نفسه يؤكد الاعتقاد في هذا الحل.

لكن هذا الرأي يفترض أن الأسواق رشيدة وأنها تراكم المعلومات المتاحة ثم تقوم بتمحيصها. كما يستبعد أيضا تحديات مهولة تقنية ومالية تواجه نشر التقنيات الجديدة بسرعة حول العالم.

هنالك وجهة نظر أخرى وهي أن التغير المناخي معقَّد وغير يقيني أصلا وكذلك آثاره في الاقتصاد الكلي. وفي حين أن هذه الآثار قد تصبح مهمة في الأجلين المتوسط والطويل إلا أن التضخم وارتفاع الدين العام يشكلان الأولوية القصوى اليوم. لكن من الصعب كما يبدو أن يصمد هذا الرأي أمام الأحداث المناخية المتطرفة الحالية بآثارها الاقتصادية الكبرى.

آليات سوق المال يمكن أيضا أن تلعب دورا. إذ ليس من غير المعتاد أن تنحرف أسعار العملات أو الأسهم أو أوراق الدَّين عن قيمتها الأساسية صعودا أو هبوطا. قد يكون هنالك إجماع قوي بأن تصحيحا كبيرا في الأسعار تبرره الأساسيات الاقتصادية. لكن بما أن لا أحد يعلم متى يحدث ذلك بالضبط فإن اتخاذ موقف استثماري على أساس توقع هذا التصحيح يشكل مخاطرة للمستثمرين الأفراد. نتيجة لذلك يستمر التفاوت بين سعر الأصل والتقييم الموضوعي لقيمته الأساسية، وربما يتفاقم.

قد تلعب أنواع أخرى من تفضيل المصالح الضيقة دورا أيضا مع حشد الصناعات المرتكزة على المواد الهيدروكربونية الدعمَ السياسي لتأخير أو إضعاف الإجراءات التي تهدد أنشطتها التقليدية، حتى عندما توجد مبررات حاسمة للتغيير. وهنالك أيضا أدلة قوية على وجود نزعة لدى المستثمرين في التمسك بأنماط ونماذج الاستثمار التي اعتادوا عليها على الرغم من أن البدائل قد تكون مربحة أكثر وبقدر كبير.

من اللافت أن هذه العوامل لا تزال مهمة (في اتخاذ القرارات المالية) رغم كل الجهد الذي بذل لجعل المؤسسات المالية تشعر بالحاجة إلى إدراك وقياس وكشف مخاطر المناخ في محافظها الاستثمارية منذ خطاب مارك كارني الذي سلط الأضواء على هذه القضية في عام 2015 (تحدث مارك كارني محافظ بنك إنجلترا وقتها في خطابه المذكور عن ضرورة فهم وقياس مخاطر التغير المناخي لجعل النظام المالي أكثر مرونة تجاه تأثيراته - المترجم).

مهما كانت أسباب الهدوء ورباطة الجأش الحالية في الأسواق المالية تجاه مخاطر التغير المناخي يبدو أن احتمال حدوث تصحيح حادّ يزداد باطراد. وكلما تأخر هذا التصحيح كان أكثر حدة في الغالب وظهر المزيد من مسبباته المحتملة.

إحدى المسببات المحتملة للصدمة المناخية الاقتصادية المالية أن يبدأ المشرفون على الإجراءات المالية و/ أو المحللون المستقلون في النظر بعين فاحصة وأيضا ناقدة في المخاطر المناخية بالمحافظ الاستثمارية للمؤسسات المالية الكبرى وإجراء اختبارات ضغط (تحمُّل) ترتكز على سيناريوهات مناخية جديدة وأكثر تطرفا لكن أيضا واقعية إلى جانب تطبيق نماذج تنبؤ اقتصادية غير متوازنة.

ومن الممكن أن ترافق ذلك تقديرات مستقلة أكثر تفصيلا (وأكثر تشاؤما إلى حد بعيد) للمخاطر التي تواجه العقارات في المناطق الحضرية الساحلية مثل ميامي وشنغهاي وأمستردام أو في أقاليم معرضة للحر الشديد.

هذا قد يقود إلى إغلاق أعداد متزايدة من الأسواق المالية بالكامل أو جزئيا مع إدراك المؤسسات والشركات أنها لا يمكنها مواصلة القبول بالمخاطر المناخية في نشاطها الأساسي. ويشكل انسحاب شركتي تأمين رئيسيتين من سوق العقارات السكنية في كاليفورنيا مثالا على ذلك.

من الممكن أيضا أن تصبح المخاطر المناخية عاملا رئيسيا يحدّ من قدرة البلدان النامية على الوصول إلى الأسواق المالية العالمية. وكما أوضحت الأزمة المالية العالمية مثل هذه التطورات يمكن أن تكون لها آثار ارتدادية حيث يقود إغلاقُ إحدى الأسواق بسرعة إلى إغلاق سوق أخرى متصلة بها.

هنالك مسبب محتمل آخر للصدمة المالية وهو أن يبدأ الرأي العام في بلدان رئيسية عديدة بعد تعرضها للأوضاع الجوية المتطرفة هذا الصيف في مطالبة الحكومات بمواقف أكثر جذرية تُسرِّع الخطوات الفنية والإدارية ذات الصلة وتقود إلى إجراءات استثنائية من شاكلة تلك التي اتخذت أثناء الجائحة.

هذا قد ينطوي على إغلاق صناعات بأكملها أو اتخاذ إجراء طارئ بفرض حواجز جمركية ضد الواردات كثيفة الكربون. وقد تكون هنالك أيضا تطورات سياسية تطلق إعادة تقييم أوسع نطاقا وأكثر تشاؤما للمخاطر المناخية.

مثلا إذا فشلت مبادرة وقمة بريدجتاون لميثاق تمويل عالمي جديد في تغيير المواقف في مجموعة العشرين قد تتوصل الأسواق إلى عدم وجود فرصة واقعية لإغلاق فجوة التمويل المناخي الضخمة والمطلوبة لتحقيق صافي صفر كربون (تقدر بحوالي ثلاثة تريليونات دولار في العام). وإذا أعيد انتخاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وأبطل على الفور سياسات بايدن المناخية قد تفترض الأسواق سيناريوهات تشتد فيها درجات الحرارة ويتفاقم التغير المناخي.

من الشطط محاولة التنبؤ الدقيق بالوقت الذي يتحقق فيه سيناريو من هذا النوع. لكن الأسواق المالية تشرع قبل سنوات عديدة في تضمين التطورات في أسعار الأصول الراهنة. وهي تفعل ذلك على نحو حاسم عندما تقل أوضاع عدم اليقين.

لذلك مثل هذه الصدمة الاقتصادية تبدو احتمالا واقعيا قد يتحقق في أي وقت خلال السنوات الخمس القادمة. ويمكن القول إنها ستكون بالضبط ذلك النوع من الأزمات الذي يمكن أن يحدث تغييرا فجائيا في السياسة العامة والتصرفات الخاصة اللازمة لتجنب وقوع كارثة مناخية.

قد يكون هذا صحيحا. لكن من الأفضل أن يدرك واضعو السياسات الاقتصادية في كل القطاعات الحكومية بأنهم لا يمكنهم تجاهل هذا التهديد حتى عندما يُواجَهون بتحديات موازية كارتفاع التضخم وتصاعد الديون وتدني الإنتاجية.

يجب معالجة التهديد المناخي في تزامن مع هذه التحديات الأخرى. وفي الواقع إذا أجبر المرء على الاختيار سيفضل تكريس الأولوية في السياسة الاقتصادية للتهديد المناخي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأسواق المالیة التغیر المناخی

إقرأ أيضاً:

دوافع اقتصادية وراء تمدد أوغندا العسكري شرقي الكونغو الديمقراطية

في الخامس من يونيو/حزيران الجاري، وصلت قوات الجيش الأوغندي إلى مدينة كاسيني الواقعة على ضفاف بحيرة ألبرت في مقاطعة إيتوري بشرقي الكونغو الديمقراطية.

ونشر رئيس أركان الجيش الأوغندي الجنرال موهوزي كاينيروغابا مقطعا مصورا -عبر منصة إكس- يظهر فيه السكان وهم "يستقبلون الجنود بحماس"، في حين صرح كريس ماغيزي، المتحدث المؤقت باسم قوات الدفاع الشعبي الأوغندية، بأن الجيش "احتل" كاسيني وبلدة تشوميا المجاورة.

وعندما أرسلت أوغندا قواتها إلى شرق الكونغو الديمقراطية لأول مرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، جاء ذلك بدعوى مطاردة "قوات الدفاع الديمقراطي"، وهي جماعة متمردة ذات جذور أوغندية كانت تنشط في منطقة بيني بمقاطعة شمال كيفو.

وقد تحالفت الجماعة لاحقا مع تنظيم الدولة في وسط أفريقيا، واتُّهمتها حكومتا أوغندا والكونغو الديمقراطية بارتكاب مجازر بحق المدنيين.

لكن الرقعة الجغرافية لانتشار القوات الأوغندية اتسعت اليوم، متجاوزة مناطق نشاط الجماعة، لتصل إلى إيتوري، رغم إقرار الجيش بأن الجماعة لم تعد نشطة في تلك المناطق، ومنها كاسيني.

وفي فبراير/شباط الماضي، صرح كاينيروغابا بأن "شرق الكونغو منطقة نفوذنا، ولن يحدث فيها شيء من دون موافقتنا".

كما أدلى بتصريحات علنية مؤيدة لجماعة "إم 23" التي أحرزت تقدما كبيرا هذا العام في مقاطعتي شمال وجنوب كيفو، وسط تقارير من الأمم المتحدة تشير إلى تلقي الجماعة دعما من أوغندا ورواندا، رغم نفي الدولتين تلك الاتهامات.

قائد الجيش الأوغندي الجنرال موهوزي كاينروجابا، نجل الرئيس (رويترز) الأهداف الاقتصادية

يرى مراقبون أن اتساع العمليات الأوغندية يعكس تحوّلا في أولويات كمبالا، وفقا لما أكده المتحدث باسم الجيش، فيليكس كولاييجي، الذي قال إن الجيش لا يحمي المجتمعات الكونغولية فحسب، بل أيضا المصالح الاقتصادية لأوغندا.

إعلان

وتقول تقارير إن الحكومة الأوغندية حصلت على إذن لبناء طرق معبّدة داخل الكونغو تربط بين مدن رئيسية، في خطوة تهدف إلى تعزيز التجارة. ورافق هذا الإذن دخول معدات عسكرية وورش بناء إلى الكونغو أواخر عام 2021.

وقال سولومون أسيموي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة نكومبا، إن ما بدا دافعا أمنيا في ظاهره، يخفي في طياته دوافع اقتصادية بالدرجة الأولى.

خريطة الكونغو الديمقراطية (الجزيرة) السوق الكونغولية كجبهة تنافسية

تشير التقديرات إلى أن صادرات دول الجوار إلى الكونغو الديمقراطية بلغت نحو 2.9 مليار دولار على مدى 3 سنوات، استحوذت أوغندا على 68% منها، وفقا لتحليل نشرته "ذي إيست أفريكان".

كما شهدت السنوات الأخيرة دخول المصارف الكينية إلى السوق، قبل أن تتوقف توسعاتها مؤخرا بسبب تصاعد التوترات.

لكن الاتهامات بتهريب المعادن والمنتجات الزراعية من الكونغو الديمقراطية عبر أوغندا ورواندا لا تزال قائمة، وقد أمرت محكمة العدل الدولية أوغندا بدفع 325 مليون دولار تعويضا عن استغلالها موارد الكونغو بين عامي 1998 و2003.

ويعكس ذلك الواقع، على سبيل المثال، ما أظهرته بيانات الصادرات الأوغندية عام 2024، حيث بلغت قيمة صادرات الذهب 3 مليارات دولار، رغم غياب مناجم كبرى في البلاد.

سيادة منتهكة

رغم إعلان أوغندا أن وجودها العسكري في إيتوري جاء بطلب من السلطات الكونغولية، فإن خبراء كونغوليين أعربوا عن شكوكهم، معتبرين أن دخول القوات الأوغندية غير قانوني ويمثل انتهاكا للسيادة.

كما يُرجّح أن حكومة كينشاسا تلتزم الصمت لتفادي المواجهة مع كل من أوغندا ورواندا في آن واحد.

وفي هذا السياق، قال محلل سياسي كونغولي إن الوضع الراهن "يمثّل احتلالا ينبغي أن يثير قلق كل من يؤمن بالسيادة والنزاهة الإقليمية".

تاريخ يتكرر

يستحضر هذا التوغّل الذاكرة الجماعية للحقبة الدامية أواخر التسعينيات، حين دعم البلدان جماعات أطاحت بحكم موبوتو سيسي سيكو، ثم انقلبت على نظام لوران كابيلا لاحقا.

ويرى باحثون أن الصراعات الحالية متجذرة في تلك الحقبة، إذ لا تزال الشخصيات ذاتها –مثل يوري موسيفيني وبول كاغامي وجوزيف كابيلا– حاضرة على مسرح الأحداث، وإن اختلفت مواقعهم.

وفي حين تدعي أوغندا ورواندا أنهما تقاتلان جماعات متمردة تهدد أمنهما، يؤكد محللون أن الأمر لا يعدو كونه استمرارا لسياسة اقتطاع مناطق النفوذ واستغلال الموارد، في ظل استمرار معاناة الشعب الكونغولي.

ويقول الباحث في شؤون الصراعات ريغان ميفيري: "لا أعتقد أن الجنود الأوغنديين لديهم نيات حسنة، خاصة في العملية في إيتوري. لا أفهم لماذا هم هناك".

ومع ذلك، يظل الشعب الكونغولي مشردا، فقيرا وبدون أمان. فقد أكدت الأمم المتحدة في أبريل/نيسان الماضي أن الاشتباكات المتجددة مع حركة "إم 23" هذا العام تسببت في نزوح ما يقرب من 4 ملايين شخص في مقاطعتي شمال وجنوب كيفو فقط.

مقالات مشابهة

  • رؤية اقتصادية لـتعويم النفط العراقي في البحر تحسباً لإغلاق مضيق هرمز
  • لادا نيفا ترافل.. عودة أشهر سيارة اقتصادية بمظهر رياضي
  • سويسرا ترفع عقوبات اقتصادية عن سوريا
  • رئيس جهاز شؤون البيئة يشارك في منتدى برلين الأول للتنقل المناخي
  • تقرير: المغرب مدعو لتسريع التكيف مع التغيرات المناخية لمواجهة التحديات المستقبلية
  • ولأوروبا أيضا صوت يُسمع وسط ضجيج الحرب بين إيران وإسرائيل.. جهودٌ لنزع فتيل الانفجار
  • دوافع اقتصادية وراء تمدد أوغندا العسكري شرقي الكونغو الديمقراطية
  • عبدالله بن زايد ووزير المالية الكندي يستعرضان التعاون في المجالات الاقتصادية
  • حنان رمسيس: استمرار الحرب قد يجرّ المنطقة لكارثة اقتصادية.. والذهب هو الرابح الأكبر
  • دراسة: التكيف المناخي لن يمنع انهيار المحاصيل الرئيسية