مقابر جماعية تضم جثث ضحايا إعصار دانيال الذي اجتاح مدينة درنة الليبية

انتهت رحلة بحث السيدة الليبية حليمة رجب عن نجلها يوم الأربعاء (13 سبتمبر / أيلول 2023). وبنبرة يعتصرها الأسى والحزن، قالت حليمة: "وجدت فلذة كبدي ميتاً. لقد دفناه مع 600 جثة في المقبرة"، مضيفة أن مشهد قيام الجرافات بحفر المقبرة الجماعية التي تضم جثة ابنها (22 عاماً) مازالت عالقة في ذهنها وأذهان أقارب الضحايا.

مختارات "دانيال" يضرب ليبيا بقوة.. ماهي الأعاصير المتوسطية وكيف تنشأ؟ سلاح الجو الألماني يرسل مساعدات عينية لليبيا

أرسلت ألمانيا طائرتي نقل تابعتين لسلاح الجو الألماني تحملان أول دفعة مساعدات عينية مخصصة للمناطق المنكوبة بالسيول في ليبيا، هذا فيما ناشدت الأمم المتحدة المانحين تقديم 71.4 مليون دولار.

أكثر من 38 ألف مشرد ونداء أممي عاجل لإغاثة ضحايا الفيضانات الليبية

تتسارع الجهود الدولية لمساعدة ليبيا بعد كارثة الفيضانات التي قتلت وشردت آلاف الأشخاص، فقد أطلقت الأمم المتحدة نداء عاجلا لجمع حوالي 70 مليون دولار كمساعدات لتلبية الاحتياجات العاجلة لمساعدة لليبيين.

ومن اللافت أو بالأحرى من المحزن أن جهود إنشاء مقبرة جماعية في مدينة درنة تمت بسرعة، وعلى النقيض الصارخ من المحاولات الأخرى المتعثرة في تنسيق جهود إغاثة المناطق المتضررة من الإعصار "دانيال".

وربما أوجه هذه القصور انعكس في تضارب الأرقام حيال حصيلة الضحايا، حيث قالت وزارة الداخلية الليبية إن عدد القتلى بلغ قرابة 7500، فيما أعلن الهلال الأحمر الليبي أن الحصيلة ارتفعت إلى 11300 قتيل.

ومنذ عام 2014 ، تئن ليبيا تحت وطأة انقسام واقتتال داخلي وتناحر سياسي مع وجود حكومتين متعارضتين في شرق البلاد وغربها، حيث توجد حكومة الوحدة الوطنية، المدعومة من الأمم المتحدة والمعُترف بها دولياً في طرابلس غرب ليبيا برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في حين تقع حكومة أخرى مدعومة من مجلس النواب في طبرق شرق البلاد برئاسة أسامة حمد.

وتحظى الحكومتان بدعم من ميليشيات محلية وقوى إقليمية وأخرى دولية.

سارعت منظمات المجتمع المدني إلى تقديم المساعدات للسكان في المناطق المتضررة

تعقيدات تنسيق المساعدات

ورغم الفرقة والتناحر السياسي وصراع النفوذ بين الأطراف الليبية، إلا أن كارثة الإعصار جلبت معها لحظة نادرة من الوحدة حيث سارعت المنظمات الحكومية في جميع أنحاء البلاد لمساعدة سكان المناطق المتضررة. وفي ذلك، قادت حكومة طبرق جهود الإغاثة في حين خصصت حكومة طرابلس ما قيمته 412 مليون دولار من التمويل لإعادة إعمار درنة ومدن أخرى في الشرق، بيد أن التنسيق على نطاق أكبر لم يتحقق بعد.

وفي مقابلة مع DW، قالت فيرجيني كولومبييه، المحللة السياسية والأستاذة في جامعة "لويس" في روما (Luiss School of Government)، إن حكومتي شرق وغرب ليبيا "أعلنتا عن إنشاء لجان تنسيق وتخصيص ميزانيات، لكن ما زال من غير الواضح كيف سيتم ترجمة ذلك على أرض الواقع".

وأضافت كولومبييه، الباحثة المشاركة في تأليف كتاب بعنوان "العنف والتحول الاجتماعي في ليبيا"، أنه "حتى في الأوقات العادية، ليس من قبيل المبالغة القول بان التنسيق بين الحكومة المركزية في طرابلس والبلديات في جميع أنحاء ليبيا والمنظمات الدولية يتسم بالتعقيد على نحو كبير".

وفضلاً عن المخاوف من غياب التنسيق بين الحكومتين المتنازعتين، يلقى خبراء بظلال من الشكوك حيال وصول المبالغ التي جرى تخصيصها إلى سكان المناطق المتضررة بشكل كامل.

وفي ذلك، قالت هاجر علي، المتخصصة في الشأن الليبي والباحثة في "المعهد الألماني للدراسات العالمية والمناطقية" (GIGA) ومقره هامبورغ، إن المجتمع المدني أصبح لا يثق في طريقة إدارة البلاد بعد سنوات من عدم وجود حكومة موثوقة بها أو أي إدارة توزع موارد البلاد بشكل عادل وفعال في جميع أنحاء ليبيا.

وفي مقابلة مع DW، قالت: "لا ينحصر الانقسام في ليبيا على الشرق والغرب فقط". وتابعت: "سوف يستغرق عملية إصلاح هذا الانقسام الكبير على المستوى السياسي وعلى مستوى البلديات والمنظمات المحلية عقوداً".

وأعرب فولفرام لاشر، الباحث في معهد السياسات الدولية والأمنية الألماني (SWP) ومقره برلين، عن قلقه إزاء احتدام التنافس السياسي في ليبيا حيث تركز الحكومتان و(رجل شرق ليبيا القوي خليفة) حفتر على استغلال الأزمة لتحقيق أهداف سياسية أكثر من محاولة معالجتها، على حد قوله.

وفي مقابلة مع DW، قال فولفرام لاشر، الذي شارك في تأليف كتاب "العنف والتحول الاجتماعي في ليبيا": "أخشى أن يكون اهتمامهم وتركيزهم في المقام الأول منصباً على الظهور كمقدمي مساعدات بهدف التأثير على الرأي العام مع إبداء القليل من الاهتمام نحو تحقيق شيء ملموس. سوف تتضمن الأموال الكبيرة التي خصصتها حكومة طرابلس لمساعدة مدينة درنة، أعمال توزيع غير مدارة بشكل جيد وربما أعمال اختلاس".

المجتمع المدني يأخذ زمام المبادرة

ورغم أن حليمة رجب المكلومة لا تتوقع حصولها في الوقت الراهن على مساعدة حكومية أو مأوى أو حتى دعم نقسي، إلا أنها سعيدة بنجاة شقيقها وعائلته، وتقول: "سوف ندعم بعضنا البعض".

الجدير بالذكر أن الليبيين اعتادوا منذ سنوات على التعويل على جهودهم الذاتية في حالات الأزمة بسبب الأجندات المتضاربة وجهود التنسيق غير الناجحة على المستوى الحكومي.

وفي هذا السياق، قالت هاجر علي: "لقد اضطروا إلى الاعتماد على بعضهم البعض لأنهم يدركون أن لا مساعدة سوف تأتي لهم من كلا الحكومتين".

وقد بدا ذلك جلياً مع انتشار الأخبار الأولى عند حدوث فيضانات بعد انهيار السدّين قرب مدينة درنة شمال شرق ليبيا جراء الإعصار، حيث انخرطت منظمات المجتمع المدني في تقديم يد العون فيما لعب النشطاء خارج البلاد دوراً في جهود جمع التبرعات.

وفي هذا الصدد، قالت كولومبييه إن الليبيين في جميع أنحاء البلاد "أظهروا تضامناً كبيراً وهذا ما يعد إشارة مهمة، نظراً لحالة الاستقطاب الحادة بينهم على مدى السنوات الماضية". وأضافت أن موقع فيسبوك كان أداة اتصال ساعدت على تبادل المعلومات حول الأشخاص المفقودين وأرقام هواتفهم، وتنسيق المعلومات والأسماء، فيما أطلق الليبيون خارج البلاد حملات تبرع عبر الإنترنت.

وأشارت إلى أن هذه الجهود حققت نجاحات، مضيفة "أعرف شخصياً نشطاء وشباب خاصة من شرق ليبيا ذهبوا إلى درنة لمحاولة تقديم الدعم".

عمليات البحث عن أحياء مستمرة في درنة شرق ليبيا

تأثير التناحر السياسي على المجتمع المدني

ورغم الدور الذي لعبه – ومازال يلعبه – المجتمع المدني في تقديم المساعدات لسكان المناطق المتضررة، إلا أن منظمات المجتمع المدني في ليبيا ليست بالقوة ولا بالقدرة على تحمل مثل هذا العبء الثقيل.

وفي ذلك، قالت كولومبييه: "يجب ألا ننسى أن حكومتي شرق وغرب البلاد قامت بقمع منظمات المجتمع المدني لسنوات عديدة. المجتمع المدني في ليبيا يحاول تقديم الدعم، لكنه ضعيف ولا يعمل بكفاءة كبيرة نظراً لما تعرض له من ضغوط كبيرة خلال السنوات الماضية".

الجدير بالذكر أن بعض الدول ومنظمات دولية سارعت إلى إرسال مساعدات وفرق إغاثة للبحث عن ناجين بين الأنقاض، وهو ما بعث بصيص أمل في نفوس أقارب المفقودين.

ورغم حزنها الشديد على فقدان فلذة كبدها، إلا أن حليمة رجب ترحب بالدعم الخارجي، قائلة: "أدعو الله أن يعثروا على المزيد من الأشخاص على قيد الحياة".

جنيفر هوليس / إسلام الأطرش / م. ع

المصدر: DW عربية

كلمات دلالية: ليبيا مدينة درنة ضحايا الفيضانات سيول ليبيا الحكومة الليبية العاصفة دانيال إعصار دانيال الأمم المتحدة مساعدات إغاثة شرق ليبيا خليفة حفتر مدينة سوسة بنغازي منظمات المجتمع المدني قتلى أخبار ألمانيا تقسيم ليبيا ليبيا مدينة درنة ضحايا الفيضانات سيول ليبيا الحكومة الليبية العاصفة دانيال إعصار دانيال الأمم المتحدة مساعدات إغاثة شرق ليبيا خليفة حفتر مدينة سوسة بنغازي منظمات المجتمع المدني قتلى أخبار ألمانيا تقسيم ليبيا منظمات المجتمع المدنی المجتمع المدنی فی المناطق المتضررة فی جمیع أنحاء مدینة درنة شرق لیبیا فی لیبیا إلا أن

إقرأ أيضاً:

تنديداً بالتصعيد الاقتصادي.. وقفة احتجاجية أمام مبنى الأمم المتحدة بصنعاء 

يمانيون/ صنعاء

نظّم مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بأمانة العاصمة ومنظمات المجتمع المدني اليوم، وقفة احتجاجية أمام مبنى الأمم المتحدة تنديدا بالتصعيد الاقتصادي على اليمن.

وأدان المشاركون في الوقفة من قيادات وأعضاء جمعيات ومؤسسات ومنظمات مدنية، التصعيد الاقتصادي الذي انتهجه بنك عدن الذي يهدد ما تبقى من سبل العيش.

وأكدوا أن انعكاس مثل تلك القرارات على الاقتصاد المحلي، لن تقتصر على انهيار قيمة العملة وإنما سيزيد مخاطر المجاعة وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين والإضرار بالاستقرار النسبي للوضع الاقتصادي في العاصمة صنعاء والمحافظات.

وفي الوقفة أكد رئيس المجلس الأعلى لمنظمات المجتمع المدني درهم أبو الرجال رفض سياسة التجويع والسعي لتدمير الاقتصاد الوطني من خلال محاربة العملة الوطنية.

وأشار إلى رفض المنظمات المحلية لمساعي تغيير العملة المعترف بها والمؤمن عليها بعملة غير قانونية.. داعيا المجتمع الدولي ومجلس الأمن وأحرار العالم إلى الاضطلاع بدورهم وتحمل مسؤوليتهم في إيقاف تلك الأساليب التي ستؤدي لتجويع الشعب اليمني وتدمير اقتصاده.

وسلّم المشاركون في الوقفة بيانا لمكتب الأمم المتحدة يوضح مخاوف المنظمات من آثار تلك القرارات على مصادر الدخل وحركة الأموال والمساعدات الدولية ونسب البطالة والجوع في اليمن.

واستهجن البيان استئناف التصعيد الاقتصادي لما له من آثار في مضاعفة المأساة الإنسانية التي ستطال شرائح واسعة من المجتمع وتعزز مخاطر المجاعة والكساد الاقتصادي وتقوض ما تبقى من استقرار معيشي لملايين اليمنيين.

وأكد أن منظمات المجتمع المدني تراقب بقلق الآثار الكارثية المترتبة على التصعيد الاقتصادي الذي انتهجه البنك المركزي في عدن للإضرار بالاستقرار النسبي للوضع الاقتصادي في صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سلطة المجلس السياسي الأعلى.

وحث البيان الجميع على تجنيب الملف الاقتصادي الصراع وعدم اتخاذ أي قرارات تنعكس سلبياً على الجانب الإنساني وتدفق التمويلات اللازمة لتحريك الأعمال الاغاثية وإنقاذ ما يمكن من متطلبات العيش والبنية الخدمية والاحتياجات الضرورية والماسة للمجتمع.

وأشار إلى أن تلك القرارات من شأنها تحويل اليمن إلى بيئة طاردة للأنشطة التجارية والاستثمارية، وهو ما سيسهم في رفع معدلات البطالة والفقر ويحد من تدفق المساعدات والتحويلات الخارجية، وفرض قيود على حركة ونشاط النظام المصرفي، وتوفر السيولة النقدية من العملة المحلية والأجنبية، ويدفع لانتهاج أساليب غير خاضعة للرقابة الحكومية من جرائم غسيل الأموال والتحايل على الإجراءات والأنظمة.

وأوضح أن منظمات المجتمع المدني ترى أن التصعيد الاقتصادي في الظرف الحالي الذي يعاني فيه اليمن من أسوأ أزمة إنسانية يتناقض مع رغبات المجتمع الدولي الذي يدفع باتجاه السلام ومع أولويات العمل الإنساني في اليمن.

ودعا بيان الوقفة، البنك المركزي في عدن إلى وقف التصعيد الإقتصادي والانخراط في الجهود الذي يبذلها الممثل الأممي لدى اليمن.

وجددّت منظمات المجتمع المدني الدعوة لجميع الأطراف في اليمن إلى وقف التصعيد الاقتصادي دون أي شرط لما له من مخاطر على الملف الإنساني وعلى ما تبقى من سبل العيش للملايين من اليمنيين.

وحثت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على التدخل لوقف التصعيد الاقتصادي غير المسؤول الذي يستهدف الحوالات المالية للمغتربين كأهم مصادر الدخل لـ30 بالمائة من الأسر اليمنية حيث وتلك الحوالات بمثابة رعاية اجتماعية لأسر المغتربين.

وحذرت منظمات المجتمع من مخاطر التأثير على انسياب المساعدات النقدية التي تقدمها المنظمات الدولية للفئات الفقيرة والأشد فقرا في المحافظات الواقعة تحت سلطة صنعاء، محملة أي طرف من الأطراف المسؤولية الكاملة في فرض أي قيود على حركات الأموال الداخلية أو الخارجية لتحقيق رغبات سياسية على حساب مصالح اليمنيين.

كما أكد البيان أن دعوة منظمات المجتمع المدني لوقف التصعيد يأتي في إطار دورها الإنساني والأخلاقي لحماية المجتمع اليمني من آثار وأضرار وتداعيات التصعيد الاقتصادي الذي سيدفع بالملايين من اليمنيين نحو المجاعة.

# وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل#التصعيد الاقتصادي#العملة الوطنية#مكتب الأمم المتحدة بصنعاءالأمم المتحدةالعاصمة صنعاء

مقالات مشابهة

  • استمرار أعمال بناء مدرسة المنار الثانوية في درنة بوتيرة متسارعة
  • وصول كافة حجاج ليبيا إلى الأراضي المقدسة
  • الحوالات المالية للمغتربين اليمنيين مهددة بسبب التصعيد الاقتصادي ضد صنعاء
  • وقفة احتجاجية أمام مبنى الأمم المتحدة بصنعاء للتنديد بالتصعيد الاقتصادي
  • وقفة احتجاجية أمام مبنى الأمم المتحدة بالعاصمة صنعاء
  • وقفة احتجاجية أمام مبنى الأمم المتحدة بصنعاء للتنديد بالتصعيد الاقتصادي على اليمن
  • تنديداً بالتصعيد الاقتصادي.. وقفة احتجاجية أمام مبنى الأمم المتحدة بصنعاء 
  • بوخزام: الانفلات الأمني في ليبيا هو السبب الرئيسي وراء إغلاق معبر رأس اجدير
  • النائب أيمن محسب يطالب بإطلاق حملة قومية لزيادة المساحات الخضراء بمشاركة المجتمع المدني
  • محافظ الفيوم يبحث مع وفد إحدي مؤسسات المجتمع المدني تعزيز التعاون