تتوسط بلدة حوارة شارع رئيسيا ضخما يصل بين مدن فلسطينية كبيرة، مثل نابلس ورام الله، ولكنه بالتزامن مع ذلك يصل بين أهم المستوطنات الإسرائيلية في شمال الضفة الغربية المحتلة ووسطها.

في ثمانينات القرن الماضي افتتح الاحتلال الإسرائيلي شارعا لمستوطنيه يخترق بلدة حوارة كي يسهل عليهم التنقل بين المستوطنات، ومع مرور الوقت أصبحت البلدة مرتعاً لهم لينفذوا اعتداءاتهم اليومية بحماية ومراقبة قوات الاحتلال دون تحريك ساكن، بل إنها تشاركهم في الكثير من الأحيان.



تحولت البلدة إلى سوق تجاري للمستوطنين، ينزلون من مركباتهم ويبتاعون الخضار والبضاعة من المحال التجارية الفلسطينية التي إن اعترض أصحابها، فالجنود موجودون لعقابهم وإغلاق محالهم بمزيد من الظلم، في مشهد يشبه كثيرا ما كان يحدث في كل الدول المستعمرة.

ولكن منذ عدة أشهر تغيرت المعادلة؛ أصبح الآن المستوطنون يحاولون تجنب دخول البلدة والسير في شوارعها، فعدة عمليات فدائية أوقعت أكثر من خمسة قتلى منهم كانت كفيلة بقلب المشهد.

ردع مباشر
غلاة المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية يجدون في بلدة حوارة مركزا لانطلاق اعتداءاتهم ورشق المركبات الفلسطينية بالحجارة، ولكنهم فوجئوا بأنها المكان الأخطر عليهم حاليا بعد أن ظنوا أنهم سيطروا عليها مع الوجود الدائم لقوات الاحتلال.

وربما كانت العملية الفدائية الأخيرة التي قتل فيها شاب فلسطيني مستوطنين اثنين أثناء غسل مركبتهما في مغسلة مركبات فلسطينية محلية داخل البلدة قبل شهر؛ هي الشعرة التي قصمت ظهر البعير وجعلت المستوطنين يفكرون ألف مرة قبل دخولها، بحسب مراقبون.

الكاتب والمحلل محمد القيق قال لـ"عربي21" إن حوارة هي الموقع الجغرافي الذي يتداخل فيه المستوطنون والفلسطينيون من مسافة صفر بين راجل وراكب، والتي فيها السوق التجاري وممر المستوطنات ومدن شمال الضفة الفلسطينية إلى الوسط.

ويرى أنها أصبحت هدفا للمقاومين يختارونها لأسباب عدة؛ أهمها التواري الأمني السريع وتصعيب مهمة اعتقالهم نظرا للكثافة السكانية الكبيرة المزدحمة على الشارع الرئيسي، وكثرة وجود مركبات المستوطنين وسيرها ببطء ما يعطي أولوية لهذه المنطقة، حيث أن الإصابة حتمية ومباشرة والعملية ناجحة مسبقاً.

قرب البلدة الكبير من مركز مدينة نابلس وتفرعها لعدة طرق يجعل خيارات المقاومين أسهل وأكثر؛ خلافا لهدف آخر على شارع التفافي طويل دون وجود تجمعات سكنية فلسطينية، ووجود حواجز إسرائيلية عسكرية كبيرة وسهولة التعقب عبر الكاميرات وسرعة السيارات على الشوارع الالتفافية ما سيضعف نجاح هذه العملية، حسب قوله.

وأضاف:" العمليات المتتالية في حوارة هي رسالة رفض لسياسة الاحتلال بتحويل الفلسطينيين لعبيد يعملون على خدمة المستوطنين سواء في غسل مركباتهم أو إصلاحها أو تعزيز صورة الإسرائيلي أنه الذي يصول ويجول والفلسطيني يخدمه وهذا سيعزز الاستيطان".

العمليات في هذه المواقع الجغرافية الحساسة تحقق أهدافا أخرى منها طرد المستوطنين وهدر أمنهم واستنزافهم وتعزيز كرامة الفلسطينيين وهيبتهم، وقطع الطريق على مشاريع الترويض في كل المجالات التي تمارسها "إسرائيل"، كما يقول القيق.

وتابع:" المستوطن الذي كان يعربد ويتبجح ويحرق ويقتل بات يكتب في هذه المنطقة حين يمر منها (ادعوا لنا أن نمر سالمين)، وهذا حققته المقاومة في إطار الردع المباشر".



فشل الترويض
تمتد حوارة على مساحة 8 آلاف دونم، ولكن المنطقة المتاحة لبناء المنازل لا تتجاوز ألف دونم فقط حيث أن الأغلبية الساحقة من أراضيها مصنفة على أنها ضمن أراضي "ج" الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية وفقا لاتفاقية أوسلو الموقعة مع السلطة.

استولت مستوطنتا "يتسهار" و"براخا" على أكثر من 1100 دونم من أراضي حوارة، ويقطنهما مستوطنون متشددون يرفضون الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية، ويعملون بالتالي على محاولة طردهم باستخدام وسائل ترهيب مختلفة.

هجمات المستوطنين الذين يحميهم الجيش الإسرائيلي تكاد لا تتوقف على أهالي البلدة، بما في ذلك إحراق المنازل والمنشآت والمحاصيل الزراعية وسرقة الثمار والاعتداء على الأهالي بمن فيهم الأطفال والنساء والشيوخ.

الباحث في الشأن الإسرائيلي معتصم سمارة قال لـ"عربي21" إن بلدة حوارة مثلت منذ سنوات عديدة شريان الحياة بين عدة مدن فلسطينية، وكانت مثالا لما أسماه الاحتلال السلام الاقتصادي الذي كان يراد تسويقه للفلسطينيين، حيث كان المستوطنون يتجولون فيها ويشترون بضاعتهم وهم من سكان المستوطنات المقامة على أراضي حوارة أشهرها "يتسهار" التي يسكن فيها غلاة المستوطنين المتطرفين.

مؤخرا تبدلت الصورة وأصبحت البلدة في الإعلام الإسرائيلي رمزا للعمليات التي تنفذها المقاومة الفلسطينية ضد المستوطنين، لا يجدون طريقا آخر إلا عبر المرور منها وبالتالي كانوا هدفا سهلا أمام المقاومين.

وأوضح أن البلدة مهمة جدا للمستوطنين لأنها تربط بين مستوطنات "يتسهار" و"ايتمار" في جنوب نابلس والشمال "شافي شمرون" و"افني حيفتس" وغيرها، فمن أراد من المستوطنين الذهاب إلى مستوطنات مقامة على أراضي سلفيت أو رام الله فلا بديل له إلا الشارع الرئيسي الذي يمر من حوارة.
والآن يقوم الاحتلال بشق طريق جديد يقضم أراضيها فقط لاستخدام المستوطنين يلتف حول البلدة لتأمين المستوطنين لتجاوز الاحتكاك مع الفلسطينيين.

وأشار إلى أن التواجد الكثيف داخل الشارع الرئيسي بمسافة ثلاثة كيلومترات مع وجود أكثر من سبع تجمعات للجيش الإسرائيلي عدا عن الحواجز الممتدة على طول البلدة التي يتم إيقاف المارة عبرها، لأن الاحتلال يراها نقطة هامة جدا أمنيا وتحتاج السيطرة عليها كل هذا الجهد بالإضافة لزراعة عشرات آلات المراقبة على الشارع نفسه في محاولة للسيطرة على الوضع الأمني.

أفشلت حوارة مخططات السلام الاقتصادي كما غيرها من القرى والبلدات الفلسطينية، وأصبحت تعتبر واحدة من بؤر المقاومة الشرسة التي لا يجد الاحتلال أمامها أمناً لمستوطنيه.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية حوارة فلسطينية نابلس المقاومة فلسطين نابلس المقاومة حوارة سياسة سياسة تغطيات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بلدة حوارة

إقرأ أيضاً:

الساعة التي أنقذت حياة حاج.. تدخل طبي سعودي دقيق في قلب مكة

جهود طبية سعودية عالية الكفاءة أنقذت حياة حاج إيراني كان على وشك الموت إثر تعرضه لجلطة قلبية حادة أثناء أداء مناسك الحج، بعد أن خضع لتدخل جراحي عاجل خلال ما يُعرف طبيًا بـ”الساعة الذهبية” في مدينة الملك عبدالله الطبية بمكة المكرمة.

وأوضح “تجمع مكة المكرمة الصحي” أن التدخل العاجل وتطبيق بروتوكولات العلاج ضمن نظام الرعاية العاجلة، وهو جزء من نموذج الرعاية الصحية السعودي، ساهم بشكل حاسم في منع حدوث مضاعفات خطيرة، وتماثل الحاج للشفاء بشكل سريع، مما مكنه من استكمال مناسك الحج خلال الأيام القادمة.

وبحسب وكالة واس، ذكر البيان أن الفريق الطبي في مركز صحة القلب قام بتقييم الحالة بشكل عاجل فور وصول الحاج إلى قسم الطوارئ بمدينة الملك عبدالله الطبية وهو يعاني من ألم صدري شديد، وقرر التدخل الجراحي الفوري خلال الساعة الأولى من الإصابة، مما أسفر عن نجاح العملية واستقرار الحالة الصحية للمريض دون تسجيل أي مضاعفات.

ووفق البيان، يواصل الحاج تعافيه بصورة جيدة، ومن المتوقع أن يلتحق قريباً بحملته لاستكمال أداء مناسك الحج وهو في صحة ممتازة.

وأكد “تجمع مكة المكرمة الصحي” أن هذه الجهود تأتي استمراراً للجهود النوعية التي تقدمها تجمعات المملكة الصحية، لتوفير رعاية طبية تخصصية عالية المستوى لضيوف الرحمن، باستخدام أحدث التجهيزات وبأيدي كوادر سعودية مؤهلة، وذلك ضمن إطار الرعاية والاهتمام الكبير الذي توليه حكومة المملكة العربية السعودية لحجاج بيت الله الحرام.

و”الساعة الذهبية” هو مصطلح طبي يُستخدم للإشارة إلى أول 60 دقيقة بعد وقوع إصابة حادة أو حالة طبية طارئة، مثل الجلطات القلبية أو السكتات الدماغية أو الحوادث الخطرة، وتُعتبر هذه الفترة الزمنية حاسمة للغاية، حيث تزداد فيها فرص إنقاذ حياة المريض وتقليل خطر المضاعفات بشكل كبير إذا تم التدخل الطبي خلالها بسرعة وكفاءة.

وفي حالات الجلطات القلبية، يُعد التدخل خلال “الساعة الذهبية” ضرورياً لإعادة تدفق الدم إلى عضلة القلب وتقليل الأضرار الدائمة التي قد تلحق بها، وكل دقيقة تمر دون علاج تعني فقدان المزيد من خلايا القلب، لذلك فإن الاستجابة الفورية بالتشخيص والعلاج يمكن أن تصنع الفرق بين الحياة والموت.

وتعتمد الأنظمة الصحية المتقدمة، مثل نظام الرعاية العاجلة المعتمد في المملكة العربية السعودية، بروتوكولات خاصة لضمان التدخل خلال هذه الساعة الحاسمة، وتشمل تجهيزات الطوارئ، وفرق طبية مدرّبة، وآليات نقل وتشخيص سريعة تضمن وصول المريض إلى العلاج المناسب في أسرع وقت ممكن.

مقالات مشابهة

  • إصابة فلسطينيين في الخليل والاحتلال يرفع العلم الإسرائيلي بطولكرم
  • 79 مريضا فى خطر .. متحدث الصحة الفلسطينية: قوات الاحتلال الإسرائيلي تحاصر مستشفى العودة شمال قطاع غزة
  • الصحة الفلسطينية: العدوان الإسرائيلي بات يهدد بانهيار تام في القطاع الصحي بغزة
  • الساعة التي أنقذت حياة حاج.. تدخل طبي سعودي دقيق في قلب مكة
  • شاهد.. عواء الذئب تكتيك القسام لتنفيذ ثاني عمليات حجارة داود
  • عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى مجددًا
  • خوف وعضات قاتلة.. لماذا تتجاهل السلطات المغربية الكلاب الضالة التي تهاجم المواطنين؟
  • الوزير الشيباني: بدأت بوادر الاستثمارات الضخمة التي ستنعكس إيجاباً على حياة المواطن
  • عشرات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى ويؤدون طقوسا تلمودية
  • الخارجية الفلسطينية تؤكد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يتعمد تأجيج الأوضاع في الضفة