(1) حدث ما سأرويه هنا، يوم الخميس 17 يناير 1991. كان هذا يوم الضربة الجوية للعراق في عملية عاصفة الصحراء Operation Desert Storm. كنت سكرتيراً أول بسفارتنا بالرياض.
تأخرت سيارة السفارة التي تُقلّني للعمل، فاتصلت بنائب السفير الوزير المفوض وقتها سيد أحمد البخيت أُبلغه بعدم وصول السيارة، فأنبأني أن السيارة لن تصلني، وقال لي: خذ تاكسي وحين تصل ستعرف السبب.

بالفعل أخذت تاكسي من الشارع، ورافقتنا سيارة رجل الأمن السعودي المكلف بمراقبتي. ولما أسرعت سيارة التاكسي، اقتربت سيارة رجل الأمن وأمر سائق التاكسي بالتوقف. وبعد توقفه ترجّل رجل الأمن عن سيارته وقصدنا. ولدى وصوله عندنا، قال لي: “ما أبغيك طال عمرك، أبغي سائق التاكسي هادا”. رافقه سائق التكسي، ورأيته “يورور” لسائق التاكسي الباكستاني. رجع الرجل مذعوراً وقال لي:

“أيش هادا ….. مخابرات وللّا أيش” وقال: إنه أمره بالقيادة دون أن يسرع.
ولما وصلت السفارة، لاحظت عدداً كبيراً من سيارات الجيب تابعة للأمن السعودي. وبعد قليل أغلقوا أبواب السفارة بها ومنعوا كل العاملين بالسفارة من الخروج بما في ذلك الموظفين المحليين، لكنهم سمحوا للمراجعين بالدخول والخروج.
ضُرب حصار على السفارة، وظللنا محبوسين داخلها.

كان سفيرنا عمر بريدو سفيراً مُجرِّباً خبيراً، فقد وجّه بتخزين كميات إضافية من الماء، وشراء مولد كهربائي ووقود له، ووجه صاحب البوفيه بتحضير كميات كبيرة من الطعام. كل ذلك قبل أيام من اندلاع الحرب. والأهم أنه طلب ضابط اتصال إضافي يعمل بنظام شفرة مورس Morse Code. تحوط السفير بذلك، ربما أكدت له علاقاته حتمية اندلاع الحرب.

بعد الإحاطة بنا، أرسل السفير مذكرة احتجاج للخارجية السعودية، فأفادوه هاتفياً إن تلك إجراءات أُتَخِذَت لسلامتنا. قال لهم السفير إننا لم نطلب تلك الإجراءات ولا نشعر أننا بحاجة إليها. ولما تواصل حصارنا أرسل السفير مذكرة احتجاج أخرى، لكن السعوديين لم يردوا. واتصل بهم هاتفياً فلم يردوا.

يومها عرفنا أن ما فعله السعوديون بنا، فعلوه أيضاً مع السفارة اليمنية، والسفارة الفلسطينية. فقد صُنفنا جميعنا “كدول الضد”!!!

عندها بعث السفير ببرقية شفرة لخارجيتنا، محيطاً إياها بكل ما وقع علينا، وأبلغتنا بشفرة مفادها “الأمر قيد الدراسة”. وظللنا محبوسين يوم الخميس كله، وكذلك يوم الجمعة. حتى صلاة الجمعة مُنعنا منها. وعانى جراء الحبس ليومين، مرضى السكر والضغط ومرضى القلب الذين لم يسمح لهم بالخروج لتناول أدويتهم.
وفي عصر الجمعة، وصلت شفرة من الخرطوم. وبعد حلّها، كان نصها كما يلي:
(من خارجية الخرطوم
إلى سعادة السفير الرياض.
أنتم موجَّهون باستخدام نفس العبارات أدناه في مذكرتكم للسلطات السعودية:
يبتدئ “إذا لم ترفعوا الحصار عن السفارة الآن وفوراً ودون إبطاء سنضطر لمعاملة دبلوماسييكم بالخرطوم بالمثل وفوراً ودون إبطاء” ينتهي.)
جمعنا السفير وتلا علينا برقية الشفرة ومذكرته للخارجية السعودية، وبعثها لهم بالفاكس.
وبعد حوالى ساعة من وصول المذكرة رُفع الحصار وأطلق سراحنا.
(2) حين كان دكتور مصطفى عثمان إسماعيل وزيراً للخارجية، اتخذت الإدارة الأمريكية قراراً بحصر حركة الدبلوماسيين السودانيين بأميركا في دائرة لا يتعدى نصف قطرها 25 ميلاً من مقر سفاراتهم.

عندها فعّل الوزير مبدأ المعاملة بالمثل Reciprocity وهو أداة أساسية للتوازن في العلاقات القانونية الدولية، فأمر بإرسال أختام تنص على حصر حركة الأمريكان في الخرطوم بحيث لا تتعدى 25 ميلاً من قلب الخرطوم، ليختم على جواز كل أمريكي قادم للسودان.
وكانت النتيجة أن ألغى الأمريكان قرارهم ضد حرية حركة الدبلوماسيين السودانيين في أميركا.

(3) ومشهورة فضيحة الموساد في سويسرا.
في ساعة متأخرة من الليل، كانت عجوز سويسرية تجلس في بلكونة منزلها المجاور للسفارة الأيرانية، فرأت أشخاصا يبدو عليهم الارتباك وهم يحفرون حفرة ملاصقة لحائط السفارة.
اتصلت العجوز بجهاز الأمن السويسري، الذي أرسل ضباطه الذين ألقوا القبض على عملاء الموساد وهم يركّبون جهاز تنصت Bug على أسلاك الهاتف الداخلة على السفارة.
جدير بالذكر أن المخابرات السويسرية تشغل المتقاعدين في مراقبة ما حولهم، وسويسرا لا تخاطر مثقال ذرة في أمنها، فجزء كبير من اقتصادها يقوم على نظام الودائع السرية المليارية، واستضافة ضروب نشاط سياسي واقتصادي، وسياحة، وصناعات عسكرية تقوم على تقنية عالية.

(4) في عهد المرحوم الرئيس نميري كان الاتحاد السوڤيتي يدعم الشيوعيين مالياً ويرعى ضروب نشاطهم السري، ويقدم المنح الجامعية لعناصرهم، وكان هذا يضايق جهاز أمن نميري. فقرر الجهاز تنفيذ عملية دخول سري (Break in) لمنزل عميل ال KGB الذي يتخذ من المنصب الدبلوماسي غطاءً (Cover)، لزراعة أجهزة تنصت (Eavesdropping).
لم يكن جهاز الأمن السوداني يعرف أن عميل KGB له كلب مدرب يتركه ليحرس من داخل المنزل حين يخرج. فلما قام رجل الأمن بالدخول السري، هجم عليه الكلب الضخم وأبقاه محصوراً لا يستطيع حراكاً، وظل يحرسه إلى أن رجع الروسي من عمله بالسفارة. استدعى الروسي زملاءه وأبلغوا الشرطة السودانية، التي اقتادته للمخفر.
وحتى لا يفضح جهاز الأمن عمليته ترك ضابطه محتجزاً لأسبوعين في مركز البوليس، وكان عميل KGB يتردد على مركز الشرطة يومياً ليتأكد أن المحتجز مجرد لص، وليس جاسوساً أرسل في مهمة سرية تستهدفه.
مما يجدر ذكره أن عملية الدخول السري تقوم بها أجهزة الأمن دون أن تكسر باباً أو نافذة، وتستخدم فيها أجهزة ومفاتيح لكافة أنواع الأقفال.

(5) في عهد الصادق المهدي، وجه السيد عبدالرحمن فرح مدير جهاز الأمن وقتها بمراقبة السفارة المصرية بالخرطوم بصورة دائمة. وكان من بين الأساليب التي اعتمدت أسلوب المراقبة السرية الثابتة، وأرسلوا أحد عناصر الجهاز كبائع بطيخ في بوكس قبالة باب السفارة.
ظل عنصر الأمن يسجل أرقام السيارات الداخلة ويصور الداخلين سراً. ولكن الغطاء الذي اتخِذه لم يغب عن فطنة الأمن المصري بالسفارة. وفي اليوم الثالث نزل سعادة السفير بنفسه وتوجه نحو (بائع البطيخ)، ورفع أكبر بطيخة، وسأله:
“أومال بطيخ عبد الرحمن فرح ده بكام؟” وهكذا فشلت العملية!!!

وفي تاريخ علاقاتنا الدبلوماسية لم تبعث لنا مصر إلّا سفيرين مهنيين، فهي ترسل ضباط أمن في الغالب الأعم، فهي ترى أن ملف علاقاتنا ملف أمني!!!
وفي كل الاحوال، فالبلدان يتبادلان علاقات ود يوشّجها ماضٍ تليد، وطارف مجيد.
كل هذا المقال مقدمة لما سأبيّنه لاحقاً .
وغداً إن شاء الله نواصل

????السفير عبد الله الأزرق

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: جهاز الأمن رجل الأمن

إقرأ أيضاً:

إسبانيا ترفض مقترح إنفاق الناتو 5% من الناتج المحلي الإجمال وتعتبره "غير معقول"

إسبانيا كانت أقل الدول "كرمًا" في الحلف الأطلسي العام الماضي، حيث لم تتجاوز مخصصاتها الدفاعية 2% من ناتجها المحلي الإجمالي. اعلان

رفضت إسبانيا مقترح حلف الناتو بإنفاق 5% من الناتج المحلي الإجمالي على الاحتياجات الدفاعية المقرر الإعلان عنه الأسبوع المقبل، واصفةً إياه بأنه "غير معقول".

وقال رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، في رسالة بعث بها يوم الخميس إلى الأمين العام للناتو مارك روتي، إن إسبانيا "لا يمكنها الالتزام بهدف إنفاق محدد من حيث الناتج المحلي الإجمالي" في قمة الناتو الأسبوع المقبل في لاهاي.

يجب أن يحظى أي اتفاق على اعتماد مبدأ توجيهي جديد للإنفاق بإجماع جميع الدول الأعضاء في الناتو البالغ عددها 32 دولة.

لذا فإن قرار سانشيز يخاطر بعرقلة قمة الأسبوع المقبل، التي من المقرر أن يحضرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. كما أنه من شأنه أن يخلط الأوراق ويخلق هزة في اللحظة الأخيرة قد تكون لها تداعيات طويلة الأمد.

معظم حلفاء الولايات المتحدة في حلف الناتو في طريقهم لتأييد مطلب ترامب بأن يستثمروا 5% من الناتج المحلي الإجمالي على احتياجاتهم الدفاعية والعسكرية. وفي أوائل يونيو، قالت السويد وهولندا إنهما تهدفان إلى تحقيق الهدف الجديد.

وقال مسؤول في حلف الناتو يوم الخميس إن المناقشات بين الحلفاء مستمرة حول خطة جديدة للإنفاق الدفاعي.

رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز يحضر مؤتمرا صحفيا بعد قمة" دعم أوكرانيا " في كييف ، 24 فبراير ، 2025AP Photo

أشار سانشيز في الرسالة التي اطلعت عليها وكالة أسوشيتد برس إلى أن "التزام إسبانيا بالهدف المحدد بنسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي لا يُعد فقط غير معقول، بل من شأنه أيضًا أن يؤدي إلى نتائج عكسية، من خلال إبعاد إسبانيا عن التوازن الأمثل في الإنفاق، وعرقلة جهود الاتحاد الأوروبي الرامية إلى تعزيز قدراته الأمنية والدفاعية".

تجدر الإشارة إلى أن مدريد كانت أقل دولة من حيث الإنفاق الدفاعي داخل حلف شمال الأطلسي خلال العام الماضي، حيث لم تتجاوز مخصصاتها الدفاعية نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي أبريل الماضي، أعلن سانشيز أن حكومته تنوي زيادة الإنفاق الدفاعي بمبلغ 10.5 مليار يورو بحلول عام 2025، لتصل بذلك إلى الهدف السابق لحلف الناتو المتمثل في تخصيص 2% من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي يوم الخميس، دعا سانشيز إلى تبني "نهج أكثر مرونة" تجاه الهدف الجديد للإنفاق الدفاعي، اقتراحًا يتضمن جعل هذا الهدف اختياريًا أو استثناء إسبانيا من وجوب الالتزام به.

وأكد المسؤول الإسباني أن بلاده "ملتزمة تمامًا بحلف شمال الأطلسي"، مشيرًا إلى أن الوصول إلى هدف 5% سيكون "غير متناسب مع نموذج الدولة الاجتماعية الذي تتبعه، ومع رؤيتها الاستراتيجية للعلاقات الدولية".

وأوضح أن تحقيق هذا الهدف سيتطلب خفضًا في الإنفاق على الخدمات العامة وتوجيه أولوية مطلقة للنفقات الدفاعية على حساب مجالات أخرى، ومنها مشاريع التحول الأخضر.

وأكد أن النسبة الملائمة لتمويل الاحتياجات الدفاعية المقدرة للقوات المسلحة الإسبانية تبلغ نحو 2.1% من الناتج المحلي الإجمالي.

الرئيس دونالد ترامب يجتمع مع أعضاء نادي يوفنتوس لكرة القدم في المكتب البيضاوي للبيت الأبيض ، 18 يونيو ، 2025AP Photoالضغوط والتحديات المالية

تعرض الزعيم الإسباني بيدرو سانشيز لضغوط متزايدة للدعوة إلى انتخابات مبكرة في ظل فضائح الفساد التي طالت أفرادًا من دائرة مقربين منه ومن عائلته، حتى من داخل بعض صفوف حلفائه.

كما تواجه زيادة الإنفاق العسكري اعتراضًا داخليًا لدى بعض الشركاء في الائتلاف الحكومي. ففي أبريل/نيسان، حين أعلن سانشيز أن إسبانيا ستصل إلى هدف الناتو السابق البالغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وأثار هذا القرار استياءً بين أعضاء الجناح الأكثر يسارًا في حزبه الاشتراكي.

كان حلف الناتو قد وافق على هدف إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع عقب الغزو الروسي الأوكراني في عام 2022.

لكن الخطط الدفاعية الحالية لحماية أوروبا وأمريكا الشمالية ضد أي تهديد روسي تتطلب استثمارات لا تقل عن 3%.

ويسعى الحلف الآن لرفع نسبة الإنفاق الدفاعي الأساسي - المخصص للدبابات والطائرات الحربية والدفاع الجوي والصواريخ وتوظيف قوات إضافية - إلى 3.5%.

Related"فايمار بلس": دعم أوروبي موحّد لأوكرانيا وسعي لتعزيز الاستقلال الدفاعي روته يخيّر أوروبا: إما الاستثمار في الدفاع الآن أو البدء في تعلم اللغة الروسية لاحقًاوزير الدفاع الأمريكي: سنخصّص 26 مليار دولار لتعزيز القدرات النووية

أما النسبة المتبقية البالغة 1.5%، فسوف تُوجه لمشاريع البنية التحتية مثل الطرق والجسور والموانئ والمطارات لتسهيل نشر القوات بسرعة، بالإضافة إلى الاستعداد المجتمعي لأي هجوم محتمل.

وأبدى العديد من الدول الأعضاء في الحلف التزامهم بالوصول إلى هذا الهدف الجديد، رغم التحديات المالية الكبيرة التي ستواجهها دول أخرى في توفير المبالغ المطلوبة.

وكان من المقرر أن يطرح الأمين العام للناتو مارك روته اقتراحًا جديدًا يوم الجمعة بهدف تسوية الخلاف مع إسبانيا وفك الجمود القائم. ويسعى الحلفاء الأوروبيون وكندا إلى إنهاء الخلاف قبل الاجتماع المرتقب مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأربعاء.

وأعلنت كل من بولندا ودول البلطيق (إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا) التزامها المسبق بنسبة 5%. وأشار روته إلى أن غالبية الدول الأعضاء مستعدة لدعم الهدف الجديد.

لكن إسبانيا ليست الدولة الوحيدة ذات المستوى المنخفض في الإنفاق الدفاعي داخل الحلف، إذ تواجه أيضًا كندا وبلجيكا وإيطاليا تحديات كبيرة في توفير المليارات اللازمة.

ويظل السؤال الرئيسي المطروح هو: ما المهلة الزمنية التي سيتم منحها للدول للوصول إلى هدف الإنفاق الجديد؟

كان قد تم اقتراح عام 2032 موعدًا أوليًا لتحقيق الهدف، لكن روته حذر من أن روسيا قد تكون جاهزة لشن هجوم على أراضٍ تابعة للناتو بحلول عام 2030.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • خارجية الدبيبة: الباعور استعرض العلاقات الثنائية مع السفير التونسي
  • قطر تستدعي السفير الإيراني في الدوحة وتهدد بالرد على الهجوم على أراضيها
  • الخارجية القطرية تستدعي السفير الإيراني بعد الهجوم على قاعدة العديد الجوية
  • قطر تؤكد استقرار الأمن وتكثف جهودها الدبلوماسية للتهدئة الإقليمية
  • المشير حفتر يبحث مع السفير البريطاني المستجدات السياسية وسبل التعاون المشترك
  • توحيد تعرفة سيارات ‏التاكسي الأصفر في كافة محافظات المملكة
  • إسبانيا ترفض مقترح إنفاق الناتو 5% من الناتج المحلي الإجمال وتعتبره "غير معقول"
  • الجهود الدبلوماسية لجلالة السلطان
  • المستشار عقيلة صالح وحماد وبالقاسم حفتر يفتتحون مقر جهاز الأمن الداخلي بدرنة
  • شرطة ولاية الخرطوم وباسناد من القوات الأمنية المشتركة تفرض طوقا أمنيا بجهة الثورة الحارة (15) بمحلية كرري