تباينت الأخلاق عند العرب قبل الإسلام، مثلهم فى ذلك مثل باقى شعوب الأرض، فكما انتشر فيما بينهم بعض الأخلاق التى تنكرها الفطرة السليمة، تحلوا أيضاً بسجايا وشمائل طيبة وأخلاق كريمة، حتى ولد أشرف الخلق وخاتم الأنبياء فى شهر ربيع الأول من عام الفيل، فى مكة المكرمة، التى أضاءها بجماله صلى الله عليه وسلم، حساً ومعنى.
وقد بعثه الله تعالى بالإسلام الذى هو دين مكارم الأخلاق، حتى إن سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، جعل غاية بعثته تتميم محاسن الأخلاق فقال صلى الله عليه وسلم: ««إنَّما بُعثتُ لأُتممَ صالحَ الأخلاقِ». وفى رواية: «مكارم الأخلاقِ»، وكيف لا؟! وهو مَن وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وقد كان خلقه القرآن كما قالت أم المؤمنين السيدة عائشة، رضى الله عنها.
ولهذا وجب على كل أسرة وبيت ومؤسسة ومجتمع ترسيخ معانى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من خلال إحياء سنة سيدنا النبي، صلى الله عليه وسلم، فيما اصطفاه رب العزة من أجله، وهو إتمام مكارم الأخلاق، التى لها عظيم الأثر فى استقامة الأفراد وتماسك المجتمعات، وعلينا أن نعلم أولادنا أن الثمار الطيبة تنتج عن التحلى بالأخلاق الكريمة، ويعود نفعها على الفرد والمجتمع والأمة، فالأخلاق تطهر النفس الإنسانية وتزكيها، قال الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا)، وبالقيم الأخلاقية تنتشر الفضيلة وتختفى الرذيلة، ويسعد الفرد والجماعة، وترتقى الأمم فى سلم التطور والحضارة بسواعد شبابها الصالحين أصحاب القيم والمبادئ الأخلاقية السامية.
فبالنظر إلى دعوة النبى، محمد صلى الله عليه وسلم، نجدها مبنية على معالى الأخلاق وحسنها، فكل ما فى الدين من عبادات لا يمثل سوى خمسة فى المائة (5%)، فى حين أن (خمسة وتسعين فى المائة) (95%) معاملات وأخلاق وقيم بين الناس، فأساس الدين أخلاق وهو الأخلاق المحمدية، التى يجب على كل مسلم الاقتداء بها، فعن سعد بن هشام قال: أتيت عائشة، فقلت: يا أم المؤمنين، إنى أريد أن أتبتل، فقالت: لا تفعل، ألم تقرأ: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»؟ فقد تزوج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وولد له.
فكل معاملات سيدنا محمد أخلاق وكل سنته الشريفة أخلاق، فالنبى، صلى الله عليه وسلم، أرسى دولة المدينة المنورة على القيم والأخلاق والتعاملات فكانت دولة قوية، واليوم علينا الاقتداء بما فعله سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، ببناء أوطاننا على الأخلاق التى تعتبر الدستور الأقوى، الذى يبنى ويعمر العقول بالعلم والنور، ويحقق مصالح البلاد والعباد، ويحفظ الأسر والمجتمعات، ويحفظ التنمية والرخاء، ويقضى على الجهل والتطرف، ويربى أجيالاً مخلصة محبة للوطن مستميتة فى الدفاع عن كل حبة رمل. فبناء الأوطان يؤسس على عقائد وفلسفات يحدد عليها سلوك الإنسان، فالحضارات الكبرى بنت نفسها على أساس مبادئ وقيم أخلاقية، وها نحن أكرمنا الله بمنحة إلهية وهى مولد سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومن خلال هذه الذكرى العطرة نحيى الأرواح والأنفس بحب سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فتحيا فى قلوبنا سنته، وفى سلوكِنا أخلاقه، فنرعى مجتمعاتنا، وننهض بأوطاننا.
* مدير عام برامج قناة الناس
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: المولد النبوي سيدنا الحسين السيدة زينب الصوفية صلى الله علیه وسلم رسول الله
إقرأ أيضاً:
1400 عام من الصمود.. ما الذي يجعل أمة الإسلام خالدة؟
وأوضح الداعية الدكتور عمر عبد الكافي أن خلود أمة الإسلام مرتبط بحفظ الله عز وجل للقرآن الكريم والسنة النبوية، مؤكدا أن "الله تولى حفظ القرآن وتولى حفظ السنة وتولى تربية وتقديم النبي صلى الله عليه وسلم تربية خاصة وسلوكا خاصا ليكون قرآنا يمشي على الأرض".
وفي السياق نفسه، قال الدكتور جمال عبد الستار الذي كان ضيفا على حلقة (2025/6/16) من برنامج "حكم وحكمة" إن ديمومة هذا الدين وبقاء هذا القرآن وتلك السنة المطهرة عن الني صلى الله عليه وسلم حفظهما رب العباد سبحانه وتعالى، وهذا الحفظ باق إلى يوم القيامة.
وأضاف أن هذه الأمة التي تتبع هذين المصدرين العظيمين هي أمة أيضا باقية، ولغتها التي هي لغة القرآن وهي العربية حتى وإن تنكر لها أهلها باقية أيضا إلى يوم القيامة.
وفيما يتعلق بالعلاقة بين الحفظ الإلهي والجهد البشري، أوضح الشيخ عبد الكافي أن الله عز وجل يقيض له من يكون سببا في استمرارية هذا الدين، مستشهدا بأمثلة تاريخية كشيخ الإسلام ابن تيمية الذي واجه المحن بيقين راسخ قائلا: "ماذا يصنع أعدائي بي؟ إن حبسوني فحبسي مع الله خلوة، وإن نفوني من بلدي فنفيي من بلدي سياحة، وإن قتلوني فإن قتلي شهادة".
النهج النبوي
تطرقت الحلقة إلى الدور المحوري للمنهج النبوي في حفظ وحدة الأمة، حيث أوضح أحد المشاركين أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المرآة التي نقلت النور الإلهي إلينا، مؤكدا أن كل ما جاء من إيجابيات في كتاب الله عز وجل تجدها في سلوك رسول الله.
وأكد البرنامج على أن المتحدث الرسمي باسم الإسلام هو رسولنا قولا وعملا فما قاله الرسول هو الصواب وما نهى عنه هو أيضا الصواب في نهيه وهو ما رأيناه قولا وفعلا وسلوكا عليه الصلاة والسلام.
كما ناقش البرنامج تأثير ضعف المسلمين في التطبيق العملي للإسلام على خلود الأمة، حيث أكد الشيخ عبد الكافي أن "المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير".
إعلانوأوضح أن القوة المطلوبة هي القوة الأخلاقية والسلوكية التي تجعل الناس يرون الإسلام يتمثل في الرجل الصادق الأمين المحافظ على العمل المخلص الذي لا يرتشي والآمر بالمعروف بأدب والناهي عن المنكر.
الصادق البديري16/6/2025