عربي21:
2025-05-30@10:28:06 GMT

الدين بين الثورة والانقلاب

تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT

لعبت المقولات والشعارات الدينية الإسلامية دورا مركزيا في تشكيل وعي الشعوب وردود أفعالها خلال الأحداث الأخيرة التي عرفتها المنطقة فهما وقراءة وتأويلا. لا يقتصر الأمر هنا على الحركات والأحزاب الإسلامية الصناعية منها والطبيعية بل يتنزل هذا الحضور الكثيف خاصة في الوعي الجمعي للجماهير العريضة في المشرق والمغرب.



لحظتان أساسيتان صاغتا خصائص الواقع الذي نعيشه اليوم وهما لحظة الثورة إن جاز التوصيف ولحظة الانقلاب على الثورات الذي دُشّن رسميا في صيف 2013 في مصر. نعيش اليوم لحظة التمكين للانقلابات التي أعادت المشهد العربي إلى ما كان عليه قبل الانفجار التونسي الكبير مع اعتبار الحجم الهائل للخسائر في الأرواح والقناعات.

الآن يمكن للقارئ أن يستقرئ الدور الذي لعبته المقولات الدينية في كلا الطورين بعد أن استكملت اللحظتان دورتهما الحضارية والتاريخية. كيف يمكن تقييم الدور الذي لعبه الدين في الطور الثوري؟ وكيف حسمت المقولات الدينية معركة الانقلاب على الثورة؟ ولماذا فشلت نفس هذه المقولات في منع انزلاق مسارات التغيير؟

الدين والثورة

إذا كانت هناك حقيقة ثابتة خلال انطلاق الثورات فهي أن الشعارات الدينية لم تكن حاضرة فيها ولا هي كانت موجّهة لها. فلم تكن الأحزاب والحركات الإسلامية محركا للثورات التي نجحت في التخلص من الأصباغ الأيديولوجية بسبب طبيعتها الفجائية وهو ما يمثل حسب كثيرين أحد أهم أسباب نجاحها.

بعد سقوط واجهة النظام في مصر وتونس وليبيا خاصة وجدت الشعارات الدينية طريقها إلى ساحات الفعل السياسي فنجح الإسلاميون سريعا في التموقع في قلب المشهد الثوري. لكن لا بد أن نميّز هنا بين الحضور الإسلامي في شكله الانتخابي السلمي في تونس ومصر حيث نجح الإخوان في الوصول إلى السلطة وبين الحضور المسلح للمجموعات الإسلامية في ليبيا ومن بعدها سوريا التي فرض فيها السلاح نفسه في مواجهة قمع النظام.

صحيح أن ما لحق بالقيادات الإسلامية من قمع وتنكيل خاصة في مصر لا يزال يحفظ لها قدرا من التعاطف الطبيعي لكنه لم يعد يحفظ لها الثقة في القدرة على الفعل السياسي كما كان الأمر قبل الثورات.سيطر الاستقطاب الديني على طبيعة المشهد الذي أعقب الثورات وتحرك عبر مسارين: أما المسار الأول فيتثمل في قدرة التنظيمات الإسلامية وخاصة الإخوان على تعبئة قواعدها والفوز في كل الاستحقاقات الانتخابية التي عرفتها مصر وتونس خاصة. أما المسار الثاني فظهر من خلال قدرة الشعارات الدينية على التعبئة في مواجهة عنف النظام والثورة المضادة في كل من سوريا وليبيا بشكل ساهم في تركيز مسارات التغيير داخل دائرة العنف والعنف المضاد.

هنا أخذت المسارات الثورية اتجاهات دامية ستكون السبب في توفير الأرضية الخصبة للتدخلات الخارجية والأجندات الإقليمية والدولية التي تحولت إلى فاعل أساسي داخل المسرح الثوري. بناء عليه فإذا كانت لحظة الانطلاق الثورية خالية من الفاعل الديني فإنه سرعان ما استحوذ على المشهد بعد سقوط واجهة النظام.

الدين والانقلاب

بخلاف المرحلة السابقة فإن لحظة الانقلابات التي يمكن رصدها انطلاقا من لحظة سقوط النظام نفسه كانت مشبّعة بالخطاب الديني. سريعا جدا ما حركت الدولة العميقة ممثلة في أركان النظام القديم الذين لم تلمسهم الثورة حركات دينية مختلفة الخطاب لكنها متسقة الهدف والحركة مثل حزب النور في مصر أو فرق المداخلة في ليبيا أو مختلف الأذرع السلفية في تونس.

إن التقدّم على طريق بناء خطاب مجتمعي ناجع يقطع مع الشعارات العاطفية ويؤسس لمشاريع إجرائية مباشرة قادرة على تجميع أشلاء المختلِف المتصارِع وفرض نسق المتنوع الثابت هي السبيل الأسلم لكسر دورة الفشل التي تشل حالة الوعي العربي.كان الخطاب الديني يقف في مواجهة خطاب ديني آخر ويحاول إسقاطه من الداخل مستفيدا من حالة الفوضى التي أعقبت الثورات ومن العجز الكبير في الأداء السياسي لخصومهم الإسلاميين في السلطة.  تحوّلت المقولات الدينية مثل الفتنة والخروج والولاء والطاعة.. إلى أدوات أساسية في تحريك الوعي الجمعي للجماهير التي وجدت نفسها بعيدة عن المطالب الأساسية التي اندلعت من أجلها الثورات ممثلة في المطالبة بالعدل والشغل والحرية والكرامة.

استفادت بقايا النظام القديم من الفاعل الديني في ضرب كلا المكونين ببعضهما البعض وسط تغلغل عميق لأجندات القوى الخارجية في داخل المشهد الثوري. ثم تطوّر الأمر في مصر وليبيا وسوريا وحتي في تونس إلى مرحلة ظهور الجماعات العقائدية المسلحة وطغيانها على المشهد مثل تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق خاصة.

هنا وجد النظام العالمي بما هو الراعي الخفي للانقلاب على المسارات الديمقراطية فضاءات مفتوحة لفرض مقولة "الخريف الإسلامي" في مقابل مقولة " الربيع العربي". وسط هذا الصراع العنيف بين المقولات الدينية استحكمت حالة الفوضى والعنف وبدأ الجمهور العربي يطرح أسئلة كثيرة حول مصير التغيير وحول جدواه. وهو الأمر الذي منح الانقلابات شرعية شعبية باعتبارها المنقذ من حالة الفوضى التي ألغت مطلب الحرية وفرضت مطلب الأمن.

مآلات الخطاب الديني 

لا يمكن أن ننكر اليوم التراجع الكبير لقيمة الشعارات الدينية في تصوّر الخروج من حالة الانسداد السياسي عربيا بعد أن برهن الإسلاميون عن عجز كبير وفشل ذريع في تحقيق ما كانت الجماهير تعتقد أنهم قادرون على تحقيقه. صحيح أن ما لحق بالقيادات الإسلامية من قمع وتنكيل خاصة في مصر لا يزال يحفظ لها قدرا من التعاطف الطبيعي لكنه لم يعد يحفظ لها الثقة في القدرة على الفعل السياسي كما كان الأمر قبل الثورات.

لكن من جهة أخرى لم تطوّر الساحة العربية أية بدائل جديدة تسمح بصياغة مشاريع سياسية أو فكرية قادرة على ملء الفراغ الذي تركه المكوّن الديني في الخطاب السياسي اليوم. فبعد أن انحسر بريق الأطروحات الأيديولوجية الكلاسيكية من قومية عروبية ويسارية شيوعية ولبرالية علمانية وإسلامية إخوانية أضحت الساحة الفكرية العربية شبه قاحلة من كل إطار مرجعي يمكن أن يكون رافعة تؤطر مسارا ممكنا للتغيير السياسي والاجتماعي.

هل انقضت فعلا مرحلة الأيديولوجيات السياسية؟ وهل يمكن اعتبار الخطاب الديني جزءا من هذه الأيديولوجيات؟ هل يمكن أن ننتظر خروج منوالات وأطر فكرية جديدة؟ هل تنجح نخب جديدة في صياغة مشاريع فكرية قادرة على إخراج خطابات ناجعة لا تتصادم مع أفق انتظار الوعي الجمعي؟

إن صياغة خطاب سياسي جديد متصالح مع ثوابت المجتمعات وهويتها الحضارية دون إنكار السياقات الإقليمية والدولية قد يكون واحدا من المخارج الممكنة من حالة الانحباس السياسي عربيا. إن التقدّم على طريق بناء خطاب مجتمعي ناجع يقطع مع الشعارات العاطفية ويؤسس لمشاريع إجرائية مباشرة قادرة على تجميع أشلاء المختلِف المتصارِع وفرض نسق المتنوع الثابت هي السبيل الأسلم لكسر دورة الفشل التي تشل حالة الوعي العربي.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الدينية العربي الدور سياسة عرب رأي دين دور مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الخطاب الدینی قادرة على من حالة ما کان فی مصر

إقرأ أيضاً:

محافظ المنيا يهنئ الأقباط بموسم السيدة العذراء بدير جبل الطير ويؤكد أهمية التراث الديني

تفقد اللواء عماد كدواني، محافظ المنيا، دير السيدة العذراء بجبل الطير بمركز سمالوط، حيث قدم التهنئة للأخوة المسيحيين بمناسبة الاحتفال بموسم السيدة العذراء، وكان في استقباله الأنبا بفنتيوس، مطران سمالوط.

وأكد المحافظ أن هذه الاحتفالات تمثل نموذجًا حيًا لتكاتف المواطنين ومحبتهم ومشاركتهم بعضهم البعض، مشيرًا إلى أن جميع الأديان السماوية نادت بالرحمة والمحبة والسلام، لافتًا إلى أن روح الوحدة الوطنية والمحبة والإخاء التي تسري في جسد الوطن ستظل دائمًا مصدر قوة وتماسك لمصر في مواجهة التحديات تحت قيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية.

وخلال زيارته، أعرب المحافظ عن تقديره لتاريخ الدير العريق والمعالم الأثرية الموجودة به وأهميته الروحية في تعزيز قيم التسامح والتعايش بين الأديان وتشجيع الحوار بين الثقافات، مؤكدا أهمية الحفاظ على التراث الديني والثقافي لمصر لما له من قيمة تاريخية واقتصادية عظيمة، وبما يضمن نقل القيم والتقاليد للأجيال القادمة ويساعد في الحفاظ على الاستمرارية الثقافية، ويدعم خطط التنمية المستدامة.

وشدد المحافظ على المتابعة المستمرة والمكثفة للتأكد من تقديم كافة الخدمات بالمنطقة على أكمل وجه، موجهًا باستمرار تأمين الزوار وتوفير الحماية المدنية لضمان سلامتهم، كما شدد على مراقبة جودة وصلاحية السلع المعروضة وتوفير منتجات آمنة وصحية للزوار، وتكثيف أعمال النظافة بموقع الاحتفال، وكذلك الحملات المرورية لضبط حركة المرور وتوفير خطوط مواصلات لنقل الزوار إلى الدير.

وأوضح المحافظ أن هناك متابعة فورية للاحتفالات التي تشهد إقبالًا كبيرًا من المواطنين، لافتًا إلى أنه تم إلغاء كافة الإجازات والراحات لكافة المنوطين بالاحتفال، والواقع بنطاق مراكزهم. وأشار إلى أنه تم تشكيل غرفة عمليات فرعية بكافة الجهات المعنية لتعمل على مدار الساعة وتكون على اتصال دائم ومستمر مع غرفة العمليات الرئيسية بالمحافظة للإبلاغ عن أي حدث واتخاذ ما يلزم بشأنه من إجراءات فورية.

محافظ المنيا يزور دير السيده العذراء بجبل الطير

من جانبه، أشار الدكتور ثروت الأزهري، مدير إدارة السياحة، إلى أن دير جبل الطير يُعد من أهم الأديرة القبطية في مصر، ويشهد العديد من الزيارات من مختلف أنحاء العالم، موضحا أن الدير يعود تاريخه للقرن الرابع الميلادي، وهو أحد المحطات الهامة ضمن مسار رحلة العائلة المقدسة،حيث تم رفع كفاءة المنطقة بالكامل، وشملت الأعمال تطوير المدخل الرئيسي لمنطقة كنيسة السيدة العذراء بجبل الطير، أعمال رصف بمدخل الدير، تطوير الطريق السياحي، تركيب لوحات إرشادية، تمهيد الطرق المؤدية للكنيسة الأثرية بالبازلت، وأعمال التشجير والإنارة.

وأعرب الأنبا بفنتيوس، مطران سمالوط، عن ترحيبه بزيارة محافظ المنيا، مشيرًا إلى أن هذه الزيارة تعكس عمق الترابط والانتماء لوطننا العزيز مصر، متمنيًا له دوام التوفيق والسداد، ومزيدًا من الجهد والعطاء.

وفي ختام الزيارة، أهدى الأنبا بفنتيوس محافظ المنيا “مفتاح الحياة”، وهو رمز هيروغليفي مصري قديم كان الأكثر استخدامًا في الكتابة والفن المصري لتمثيل كلمة “الحياة"، كما حرص الوفد الزائر على التقاط الصور التذكارية مع رجال الدين داخل الدير تعبيرًا عن الروابط الأخوية والاحترام المتبادل بين الطرفين.

رافق المحافظ خلال الزيارة عويس قاسم، رئيس مركز ومدينة سمالوط، والدكتور ثروت الأزهري، مدير إدارة السياحة بديوان عام المحافظة، وعدد من القيادات التنفيذية والأمنية بالمحافظة.

مقالات مشابهة

  • ترامب يطلق منشوراً غامضاً يلهب الجدل الديني.. وهاجس الذكاء الاصطناعي يلاحق مديرة حملته
  • محمد محيي الدين والوضاءة التي كانت عبر مناديله العديدة
  • البحوث الإسلامية يوجّه قافلة للواحات البحرية لتعزيز الوعي الديني والأخلاقي
  • «البحوث الإسلامية» يوجّه قافلة للواحات البحرية بالجيزة لتعزيز الوعي الديني والأخلاقي
  • الحكومة تستعرض مجموعة من المقترحات التي تسهم في خفض معدلات الدين
  • محافظ المنيا يهنئ الأقباط بموسم السيدة العذراء بدير جبل الطير ويؤكد أهمية التراث الديني
  • السيد القائد عبدالملك: جيل الأمة الإسلامية في أمس الحاجة إلى الرُشد الذي مصدره الله سبحانه وتعالى
  • رشيد وزيدان يتفقان على حماية “النظام السياسي”
  • الجبهة تنجز خطتها الإستراتيجية لتعزيز الخطاب الديني المعتدل ومواجهة التطرف
  • وزير الشؤون الدينية يصل إلى المدينة المنورة