«ما أعظم أن تكون انتصاراتك بشهادة خصمك»، هكذا كان الحال منذ انتهاء حرب السادس من أكتوبر 1973 وحتى الآن، من خلال الكتب الأجنبية والإسرائيلية التى ناقشت الحرب وتفاصيلها، وحللت كيف هزم رجال الجيش المصرى جيش الاحتلال، رغم الفرق فى قوة التسليح والاستعداد علاوة على وجود خط «بارليف» المنيع، ووصفوا ما حدث بأنه عبقرية من الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وفشل ذريع من إسرائيل وإخفاق لن يغفر.

ولعل أحد هذه الكتب المهمة هو «حرب أكتوبر وأزمة المخابرات الإسرائيلية»، لكاتبه «لشفى لائير» أحد كبار المفكرين الإسرائيليين فى مجال الدراسات الاستراتيجية، الذى أثار ضجة كبيرة داخل إسرائيل بكتابه، ما أدى فى النهاية إلى اختفائه والتعتيم الشديد عليه وتجاهله تماماً فى الكتابات العسكرية والتحليلات السياسية والاستراتيجية الإسرائيلية، التى تتناول حرب أكتوبر بالتحليل والدراسة والنقد، وهو ما دفع مركز الدراسات الشرقية بجامعة القاهرة إلى ترجمته إلى العربية وإصداره فى إطار سلسلة الدراسات الدينية والتاريخية التى يصدرها المركز‏.‏ ويتكون كتاب «حرب أكتوبر وأزمة المخابرات الإسرائيلية»، الذى ترجمه محمد أوغدير من ثلاثة فصول، الأول تحليل ما إذا كانت المفاجأة فى فشل تقديم المخابرات معلومات مسبقة تؤكد إعداد سوريا ومصر لشن الحرب‏، ويؤكد الكاتب أن هزيمة إسرائيل لم تكن لهذا السبب، فالإنذار المبكر من جانب المخابرات يسمح بالتعبئة المنظمة لقوات الاحتياط الإسرائيلية، وهى الأساس الراسخ فى جيش الدفاع، إلا أن هذا الأساس سقط وبالتالى فشل الجيش الإسرائيلى فى تنفيذ خططه الحربية، لأنه يعتمد اعتماداً أساسياً على وحدات الاحتياط وانتشارها، واستدعاء الاحتياط يعتمد على الإنذار المبكر الذى لم يتم‏، ‏ فقد قضت لجنة أجرانات عقب حرب يوم الغفران بأن المخابرات العسكرية أمان فشلت لأنها لم تقدم الإنذار المبكر المطلوب، ولذلك رأت اللجنة أن أمان مسئولة بدرجة كبيرة عن النجاحات غير المتوقعة التى حققتها كل من مصر وسوريا خلال أيام الحرب الأولى.

وفى الفصل الثانى يناقش المؤلف الفارق بين المفاجآت الآتية والمفاجآت الأساسية، وأن صدمة يوم الغفران تتركز فى اكتشاف المجتمع الإسرائيلى للصور الذاتية الخاطئة عن أنفسهم وعن قدرتهم العسكرية والاجتماعية وعن قدرتهم المعنوية، إذ رأت لجنة أجرانات أن مفاجأة حرب يوم الغفران وقعت لأن التصور الخاص بشعبة المخابرات فى القيادة العامة كان خاطئاً، وقد ربطت اللجنة ذلك بافتراضين استراتيجيين، وهما أن مصر لن تبدأ الحرب ضد إسرائيل إلا إذا ضمنت لنفسها من البداية توافر القدرة الجوية على مهاجمة العمق الإسرائيلى، خاصة مهاجمة المطارات الإسرائيلية الرئيسية، لكى يصاب السلاح الجوى الإسرائيلى بالشلل‏، وأن سوريا لن تشن هجوماً واسعاً على إسرائيل إلا إذا حدث ذلك فى توقيت واحد مع مصر‏.‏

‏ومن بين الكتب المهمة أيضاً كتاب التقصير «المحدال»، الذى ألفه «يشعبا هوين، فوارت، يهونتان جيفين، أورى دان، آيتان هيفر، حيزى كرمل، إيلى لنداو، إيلى تابور»، وهم مجموعة ممن شاركوا فى الحرب ورصدوا كل نقاط التقصير التى أدت للهزيمة، لذا حققت لجنة أجرانات عقب الحرب، وقدمت تقريرها فى كل الاتهامات التى وجهها مؤلفو الكتاب إلى القيادات، وهو دليل صدق الكثير مما جاء فى الكتاب، خاصة أن المؤلفين كانوا قادمين لتوهم من خط النار.

محور كتاب «التقصير» ناقش كيف تحولت إسرائيل فى أقل من 24 ساعة، من دولة عسكرية كبرى إلى دولة تقاتل بشراسة من أجل وجودها، إذ كانت المقارنة بين الخسائر التى لحقت بالجانب الإسرائيلى فى اليوم الأول فقط مقارنة بحجم الخسائر فى الحروب السابقة سبباً فى قول موشيه ديان لجولدا مائير «إننا نفقد البيت الثالث».

فى مقدمة الكتاب المترجم كتب المؤلفون أنهم لم يصدقوا أنها الحرب، وهم يشاهدون المقاتلين فى أصعب اللحظات وأشدها إيلاماً، شاهدوا ميادين القتال وغرف العمليات ورصدوا حزن الشعب وصدمته، كتبوا عن أنفسهم، أنهم ليسوا لجنة تحقيق ولا يدعون أنهم يصدرون الأحكام، كما أن الكتاب ليس بحثاً تاريخياً بل إنه عمل صحفى فيه وصف للتقصير وخلفيته حتى لا يشعروا بذنب المشاركة فى مؤامرة السكوت والإسكات.

الفصل الأول كُتب تحت عنوان «ظل النكبة»، ويحكى عن الوضع الذى وصفوه بالميئوس منه، وقال إيلى تابور أحد الكتاب فى شهادة تاريخية: «شاركت فى 3 حروب، حرب الأيام الستة، وحرب الاستنزاف، وهذه الحرب -يقصد أكتوبر- وعندما سمعت من الإذاعة عن هذه الحرب أخذت أرتعد كنت واثقاً بأنه سيقضى علىّ هذه المرة، اللاسلكى توقف والقادة لم يكن فى وسعهم فعل شىء، دبابتى كان عليها ما يقرب من 14 قتيلاً، وشعرت بأننى سأكون فى تعداد الموتى فى أى لحظة».

«1973.. الطريق إلى الحرب» كشف كثيراً من الأسرار وتعامل قادة إسرائيل مع مبادرة روجرز التى وصفت الحرب بالتقصير السياسى

يأتى كتاب «1973 الطريق إلى الحرب»، للدكتور يجئال كيبنيس المؤرخ والكاتب الإسرائيلى، والصادر عام 2021 ليتحدث عن وجهة نظر جديدة على الجانب الإسرائيلى، كاشفاً كثيراً من الأسرار حول طريقة تعامل قادة إسرائيل مع مبادرة روجرز، إذ أرجع أسباب اندلاع حرب 1973 لما أطلق عليه «التقصير السياسى»، الذى وصفه بأنه أخطر بكثير من عمى رجال الاستخبارات الإسرائيليين الذين ما زالت مسئولية الهزيمة تلاحقهم حتى اليوم، على حد تعبيره. يشرح الكتاب لقاء مستشار السادات للأمن القومى حافظ إسماعيل وهنرى كيسنجر مستشار الرئيس نيكسون للأمن القومى، بواشنطن فى 25 فبراير 1973، بمبادرة السادات نفسه. وتقوم المبادرة على فتح قناة للتفاوض بين مصر وإسرائيل بواسطة الولايات المتحدة، وأن تنسحب إسرائيل من قناة السويس وتعترف بسيادة مصر على كل سيناء، وأن تقبل مصر بتسويات أمنية وغيرها من التفاصيل التى تضمن السلام للدول العربية فى موعد أقصاه سبتمبر 1973.

لم يكن كتاب «1973 الطريق إلى الحرب» الكتاب الوحيد الذى تناول أهمية دور «كيسنجر» فى الحرب، إذ سلط كتاب «سيد اللعبة: هنرى كيسنجر وفن الدبلوماسية فى الشرق الأوسط»، للدبلوماسى الأمريكى مارتن إنديك، الضوء على هنرى كيسنجر الذى يعد أحد أذكى وأدهى السياسيين فى تاريخ أمريكا فيما يخص نزاعات الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا والعالم.

ويسرد الكتاب تجربة كيسنجر الدبلوماسية الذى كان وزيراً للخارجية الأمريكية فى عام 1973، عبر 5 أقسام ولكل قسم عدة فصول، يبلغ مجموعها 17 فصلاً، يتحدث خلالها عن مشاركة هنرى كيسنجر فى مفاوضات سلام الشرق الأوسط، وتبعات ذلك على الصراع المستمر، إذ يتحدث إنديك عن كل تحركات كيسنجر الدبلوماسية فى أثناء الحرب وما بعدها ويذكر تفاصيل لقاءاته مع القادة والزعماء لتسيير عملية السلام. وعلى لسان الجانب الآخر من المعركة نطق القادة الإسرائيليون فى مذكراتهم عن الحرب، إذ أفسح ديفيد أليعازر، رئيس أركان الجيش الإسرائيلى أثناء حرب أكتوبر، صفحات مذكراته للحديث عن ذلك الموقف الجلل فى مذكرات وصفها النقاد بأنها أدق ما كتب عن الحرب من الجانب الإسرائيلى، متناولاً أحداث ما قبل الحرب والنظرة الإسرائيلية والدور الأمريكى فى إنقاذ إسرائيل من هزيمة أكبر من الهزيمة التى لحقت بهم.

«زعيرا» يعترف فى مذكراته: الإسرائيليون رفضوا تبرئة لجنة التحقيق لـ«جولدا مائير وموشيه ديان» مما أجبرهما على الاستقالة

أما إيلى زعيرا الذى عُين رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية فى الأول من أكتوبر 1973، وبعد 6 أيام فقط نشبت الحرب فقد كتب فى مذكراته التى عنونت بـ«حرب يوم الغفران» ما شهده الداخل الإسرائيلى تحديداً بعد الحرب، إذ أوصت لجنة التحقيق المنعقدة بعد الحرب الحكومة برئاسة رئيس المحكمة العليا الدكتور شمعون أجرانات، بنقل رئيس هيئة الأركان الفريق ديفيد اليعازر، وقائد المنطقة الجنوبية اللواء شموئيل جونين ورئيس شعبة المخابرات العسكرية اللواء إيلى زعيرا ومساعد رئيس شعبة المخابرات العسكرية للبحوث العميد أرييه شيلو من مناصبهم.

وبرأت اللجنة كبار القادة وعلى رأسهم رئيسة الوزراء جولدا مائير ووزير الدفاع موشيه ديان، وهو الحكم الذى رفضه الجمهور الإسرائيلى ما أجبر جولدا مائير وموشيه ديان على الاستقالة.

ويتحدث عما يعرف شعبياً بأسطورة حرب الغفران التى ألقت اللوم عليه وعلى الصف الثانى من القادة المحكوم عليهم من اللجنة، وأن هذه الأسطورة دعمتها الحاجة لإيجاد كبش الفداء يعلقون عليه خسران الحرب، وكتب إيلى زعيرا مذكراته لتبرئة نفسه.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: نصر أكتوبر الصراع العربي الإسرائيلي حرب یوم الغفران حرب أکتوبر

إقرأ أيضاً:

الحكماء.. والفضائح العائلية

يبدو أن مسلسل الفضائح العائلية لن ولم ينته، مادامت هناك متابعات من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ومادامت هناك مواقع وصفحات شخصية تلهث وراء أى معلومة عن خلافات يكون طرفها أحد المشاهير، ومادامت هناك كاميرات تلاحق الأشخاص فى التو واللحظة، وتستطيع تحقيق نسب مشاهدة عالية.

فها هي حكاية جديدة من الخلافات العائلية بين زوجة اللاعب المتوفى قبل شهر تقريبا بعد معاناة مع المرض الخبيث وبين والدته، فالزوجة تعلن أنها لا تمتلك أي أموال بعد أن أستنزفت رحلة العلاج كل ما تمتلك الأسرة، وأن هناك من أهل الخير من تبرع لتكملة نفقات العلاج، وأن مشوارها طويل فى تربية وتعليم أطفالها الصغار، بينما الأم تصر على أن لها ميراثا فى ابنها، الذى وعدها من قبل ببناء بيت ورحلة حج، وبحسب كلامها فإنه اذا كان لا يملك فكيف كان سينفذ هذا الوعد، بالطبع الكاميرات والمواقع تتلقف هذه السيدة الريفية البسيطة التى يبدو أن ابنها هو من يدفعها إلى الكلام بهذا الشكل الذى يعكس جفاء وتناسي لحالة الحزن على فقد الضنا.

هل يتصور الطرفان أن نشر الفضائح عبر السوشيال ميديا سيحل الخلاف بينهما، بالطبع لا فكل ما ينشر من شأنه أن يشعل النار فى الهشيم ويزيد الطين بلة، ويثير الأحقاد والضعائن، والمواقع ورواد التواصل الاجتماعي لا يهمهم حل الخلاف ولكن يهمهم نشر الفضائح واللهاث خلفها، والوصول إلى "الترند"، هل لا يوجد حكماء فى العائلة أو المعارف والأصدقاء، للتدخل للتوفيق بين الطرفين، أم أن هذه الفكرة قد انتهت إلى غير رجعة فى وقت أصبحت فيه "حرمة البيوت" مشاعا للكل.

تتصيد بعض المواقع مجرد تعليق على الفيس بوك أو حتى معلومة بسيطة عن أحد المشاهير وتبني عليه "قصة" وهو ما حدث مع إعلان الفنان أحمد السقا طلاق زوجته بعد زواج استمر لمدة 26 عاما، وعلى الرغم من أن الفنان تمنى لطليقته التوفيق فى حياتها معلنا أنه سيعيش لأبنائه ووالدته وأخته، ولم يخرج منه تعليق آخر، إلا أن المواقع اتخذت من الموضوع مادة، وتم نسج حكايات حوله وبالطبع الهدف تحقيق أعلى نسبة مشاهدة، بدون احترام لخصوصيات الآخرين.

سألت والد فتاة نشب خلاف بينها وبين زوجها، وهم من نفس العائلة التى تقطن فى ريف إحدى المحافظات، عن كبير العائلة الذى كان يأمر وينهي بكلمة واحدة أى خلاف فى مهده، فقال لى إن هذا العرف لم يعد موجودا، وكلمة الكبير لم تعد نافذة، بعد أن وصل الجميع لقناعة أنه وحده صاحب الحق ولا مجال للتنازل.

بالتأكيد فإن خللا ما قد أحدث هذه الحالة الجديدة على مجتمعنا والتى أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي فى الوصول إليها.. وبالتأكيد أيضا أن هوس الميديا فى بعض الأحيان والترند فى أحيان أخرى، أفقد البعض "اتزانهم النفسي"، وغيّب الحكمة والعقلانية من تصرفاتهم، فأصبحوا مادة للفضائح والنميمة وكشف "الستر، وهو ما يستوجب وقفة مع النفس أولا ثم تدخل الحكماء للصلح والتوفيق، حتى لا نصل إلى ما وصلنا إليه من استباحة "حرمة الموتى" وكشف سترهم بدلا من الحزن على فقدانهم والترحم عليهم، مطلوب أن نفيق من وهم الاستعراض الذى سيطر على العقول ودمر الخيط الرفيع لجدار "خصوصية البيوت".

مقالات مشابهة

  • مفاوضات غزة: إسرائيل تُقرّر عدم إرسال وفد تفاوضي إلى الدوحة
  • ليست حماس فقط.. إسرائيل تستهدف الجميع
  • ان كانت هذه رؤيته فمرحبا بها و عليه أن يثبت ذلك بالأفعال لا بالاقوال
  • رئيس المخابرات التركية يناقش مع حماس مقترحات الهدنة وتبادل الأسرى
  • هذا ما تخطط له إسرائيل بديلاً عن الحرب
  • الحكماء.. والفضائح العائلية
  • إسرائيل وحربها الممنهجة
  • مظاهرات متواصلة بمدن أوروبية تنديدا بالحرب الإسرائيلية على غزة
  • 60 شهيدًا في غزة اليوم.. وارتفاع حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية إلى 54381 شهيدًا منذ أكتوبر 2023
  • الأمم المتحدة: الكارثة الإنسانية في غزة بلغت أسوأ مراحلها منذ بداية الحرب الإسرائيلية