د. صالح الفهدي
دخل مفتّش الجهة الأولى، ولمستُ على الفور في قسمات وجهه، وظهور الامتعاض على ملامحه، وتلفُّتاته وحركاته إشارات سلبية، فقد كانَ واضحًا أَنه جاءَ لـ"يتصيَّد" نقاطًا سلبيَّة تعينهُ على إفشال المشروع لا إنجاحه و"من يتصيَّد يجد" كما يقول المثل، ففتح فمه -لا فُضَّ فوهُ- وهو ينظرُ إلى مكتبٍ زجاجي، قائلًا بنزقٍ يخالطهُ فرح بوجود أول ملحوظة مفرحة: "ستجلدُ الشمسُ ظهرَ الموظف الذي سيجلس في هذا الكرسي"!
رددتُ عليه وقد كان المكتب في الجهة الغربية من المبنى: من أين تشرقُ الشمس؟ أجابَ مستدركًا: أقصدُ وقت الغروب! رددتُ عليه: هل تودّ أن تنتظر حتى وقت الغروب لتشهد إن كانت الشمسُ ستؤذي الموظف، علّق المفتش متلعثمًا: أقصدُ في وقت الصيف! رددتُ عليه مخيّبًا عليه أُولى ملحوظاته السلبية التي كان فرحًا بإبدائها: وماذا يفعل المكيّف هذا؟! نظر المفتش إلى جهاز التكييف ومضى دون تعليقٍ، ودخل إلى غرفة واسعةٍ بها ديكور، وبدأ يُحملقُ فيه وقد تمعَّرَ وجهه، فقلت: لم يُعْجبكَ الديكور، صحيح؟ سعد بأَنني فهمتهُ، فقال: مائة بالمائة، خرج، ثم دخل مكانًا آخر، فقال زميله المفتش الآخر المنتمي لدولة عربية: أين مكتب المدير، ومكتب نائبه، ومكتب السكرتارية، فأجبته: هذا شكل الإدارة التقليدية.
جهة ثانية جاءَ مفتشها وكتبَ ما شاء له أن يكتب في صحيفة التقرير، فلمَّا عرضها على مسؤوله بحضوري، أكدُّت له بإثباتات معتمدة أن بعض الملاحظات غير صحيحة، فإذا به يُلقي على مسامعي عبارته البطولية: "أنتَ تحاول أن تثبت أَننا كاذبون"! فرددتُ عليه: لا تقوّلني ما لم أقلُ، من حقي أن أدحض ملاحظاتك غير الصائبة، ولا يعني ذلك أنني أتهمك بالكذب!
مفتّش الجهة الثالثة: حدد اليومَ ولم يحدّد الوقت، فصاحبُ المشروع في اعتقاده يفترضُ أن ينتظر تحت شمسٍ حارقةٍ، يتصبَّبُ عرقاُ، حتى يصلَ موكبه الكريم، ثم حين وصل جمع ما استطاع أن يجمعه من حصيلة النقاط السلبية، وكان بودّه أن يرفع الحجر تلو الحجر ليكتبَ أن تحته ديدانٌ وحشرات يفترض أن تُباد، بل ويضيف: أن الهواء يفترضُ أن يصفَّى لأنه يحملُ ذرات رملٍ، وأَن درجة الحرارة عالية يستحقُّ صاحبُ المبنى أن يُخالفَ لأنه لم يعمل شيئًا لتخفيفها!
مفتش جهةٍ رابعةٍ يدخلُ المبنى وكأنما يداهم عصابة فلا يلقي السلام، وإنَّما يرفعُ البطاقة التعريفية لجهة عمله وكأنما يقول: ارفعوا أيديكم، فردَّت عليه الموظفة: قُل السلام عليكم أولًا ثم استرح في غرفة الانتظار ليلتقي بك صاحبُ المشروع!
أيةُ ثقافة تحملها هذه الشريحة السلبية من المفتشين حتى لا أُعمم؟ وماذا قيل لهم من جهات عملهم حتى يتَّبعوا هذه الأساليب التي تثير الرعب، وتحطّم الآمال والطموحات؟ كيف وصلوا أو أُوصلوا لهذا الحال من التعامل الَّلاإنساني المحشو بالتعالي مع أُناس لا ذنبَ لهم سوى أنهم أردوا أن يقيموا مصدر دخلٍ لهم ولأُسرهم، وأَن يسهموا في بناء وازدهار أوطانهم؟
هل القانون جامدٌ، خرساني الطبيعة، لهذه الدرجة القاسية؟ هل سبب ذلك هو القانون أم العقول الجامدة، التي تبحث جاهدة عن المعوقات، لأن قول "لا" أسلمُ لها من قول "نعم"؟ أين هي مساحات التساهل، والتفاهم، والأخذ والعطاء؟ أينَ هي دوافع التحفيز للبناء والتشييد؟ آلا يكفي أن صاحب كل مشروع قد تحمَّل المشاق لينهض مشروعه، حتى يأتيه مفتّش لا يرى في المشروع إضافة لتنمية وطن، وفرصة وظيفية لأبنائه، ومصدرَ رزق للمستثمر فيه، وإنما يرى فيه مخالفةٌ هنا وتجاوزًا هناك؟! سيأتي من يقول: "هذه مهمته في الأصل"، فأقول له: أنَّ القانون ليس مجرَّد نصٍّ جامدٍ، بل للقانون روح، تتيح مساحةً للتقدير، والنظر، والتسهيل، واعقد مقارنةً بين مفتّش سلبي وآخر إيجابي ستجدُ الثاني يطبقُ روح القانون، وينظر لمصلحة أعلى من الأفق الضيق للأول.
وهُنا لي كلمة لرؤساء الوحدات التي ينضوي تحتها أصناف هؤلاء المفتشين السلبيين، فأقول لهم: إن كنتم حريصون على نفاذ القانون فهذه فضيلةٌ، ولكن للقانون روح يجب أن يعييها مفتّشوكم، فلا تضغطوا عليهم بالتهديد والوعيد فيزيدوا من عنتهم وصلفهم على الناس، أوصوهم بأَن يقول للناس حُسنًا، وأن يعاملوهم باللّين واللطف، فليس الناس خَدَمًا لهم بل هم خدمُ الناس في حاجاتهم، ولو توقفت حاجة الناس لفقدوا وظائفهم.
شدّدوا على موظفيكم أن يحترموا أصحاب المصالح لأن الوطن لا ينمو ولا يزدهر إلا بسعي هؤلاء وحراكهم فإن امتعضوا منهم أضاعَ الوطنُ فرصًا، وتأخرًا نماءً.
أوصوا موظفيكم بأَن يبحثوا عن إشارات التسهيل، لا عن منغّصات العراقيل، وعن ملامح الموافقة لا عن نقاط الإعاقة.
قولوا لهم إن الناس تهنأ بالتيسير بقدر ما يكون هناك إمكان، لا التعسير في كل مكانٍ وآن.
رسخوا في أنفسهم قيم الرحمة والتواضع واللطف في تعاملهم مع أصحاب المصالح، فهؤلاء قد ذاقوا المرارات، وتحمَّلوا المشقَّات في جهادهم المعيشي.
وأكدوا عليهم بأَنَّ الأخلاق هي فوق كل تعامل، وكل قرار، وكل قانون، فلا تقابلوا الناس ببطر، ولا تواجهوهم بالتكبر، لأنكم بذلك تسيئون لا لسمعتكم فحسب وإنما لوطنٍ عُرف بأَخلاقه، وعُهدَ بطيبه وتواضعه.
وأخيرًا أقول لهم: راعوا الله في أماناتكم ومسؤولياتكم بمراقبة كل من حمَّلتموه مسؤولية التعامل مع الناس، فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيته عند الله.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الكوز (المحترم) يواجه الإهانة في المحكمة!
في الباحة الواسعة المواجهة للسوق خلف مبنى البلدية، جلس القاضي ومساعده خلف منضدة حكومية ضخمة، مصنوعة من خشب يشبه الخشب المستخدم في صناعة فلنكات السكة الحديد. قال شيخ الطيب: التربيزة دي الظاهر صنعوها أيام الانجليز، متينة جدا وثقيلة لا يستطيع ثلاثين رجلا رفعها من الأرض!
قال شيخ النور مساعد القاضي: الحمد لله إنها متينة وثقيلة مافي زول يقدر يحرّكها. لو كان بتتحرك كان الجماعة بدري باعوها!
قال شيخ الطيب بفخر بصوت هامس: الليلة حنحاكم كوز كبير سرق سكر التموين!
ضحك شيخ النور وقال: اليسمع كلامك يقول دي المحكمة العليا. إنت ما حتحاكمه عشان سرق السكر، الحرامية في البلد هم البيحاكموا الناس. انت حتحاكم زول مشوا ليه مواطنين يسألوه عن حصة السكر رد عليهم بالعكاكيز والحجر!
قال شيخ الطيب مصرّا على الاحتفاظ بإنتصاره البائس: المهم المتهم كوز!
ضحك النور وقال: غايتو الله اعلم كان ما نخاف الكضب دي حتكون اخر محكمة ليك! أحسن بعد دة تمشي تشوف ليك شغلة تانية!أنا لو محلك نأجل القضية ! أو لو لقينا الموضوع ما ماشي كويس نرفع الجلسة للتداول ونكب الزوغة!
قال شيخ الطيب: والله لو بقى ترابي ما أخليه! بعدين ما تخاف، هو أصلا لو كوز قوي ما بيصلنا هنا، دة كوز درجة تالتة. ديل الجماعة الرموا ليهم العضم، لجان شعبية وسكر وضرائب النخيل، قبل أكتر من عشرة سنة قال منتظر أقرب تعديل وزاري حيعملوه وزير. أها الوزارة عدّلوها مية مرة وهو لسة في سرقة السكر، لامن خلقته إتغيرت، راسه كبر وبقى يشبه نمل السكر! .
قال شيخ النور: زمان كان مبتلي يمشي الاسواق يقيف في الزحمة ( يدّقّر) للأولاد، كم مرة الناس مسكوه دقوه! ويحب العرس، كل سنة يطلق واحدة من نسوانه ويتزوج واحدة جديدة، هسع بقى مجاهد!
قال القاضي هامسا: يمكن مشى جهاد النكاح!
!
المواطن عبد السميع يتقدم، نادى حاجب المحكمة!
جاء المواطن عبد السميع. كانت يده المكسورة في جبيرة من جريد النخيل، ولا تزال بعض بقع الدم في جلبابه، كان قد ربط رأسه بالعمامة كأنّ أحدهم شج رأسه. سأله القاضي ان كان مصابا ايضا في رأسه، بدا المواطن عبد السميع سعيدا بالسؤال، أكثر من سعادته بجلب الكوز الى المحكمة، أوضح:
عندي وجع رأس شديد يا مولانا أسبوع ما شربت شاي ولا قهوة. حاولت اشرب بالبلح لكن ما قدرت. الزول دة حوّل سكر التموين الخاص بالقرية لمصلحته الخاصة. كل القرى في الخط دة استلمت حصة السكّر وتم توزيعها على المواطنين. الا بلدنا دي. السكّر مشى وين ما معروف. وكت مشينا نسأله السكر وين، استقبلونا هو وأولاده بالعكاكيز وضربونا ضرب غرائب الإبل!
وفي زول تاني انضرب معاك من ضرب الإبل دة؟
كان معاي نفرين شردوا وكت الضرب كتر علينا، قالوا لي نرجع أحسن ونمشي نعمل بلاغ، ديل ناس كيزان ومفترين، حننضرب وما حنلقى حقنا!
وين الاتنين الشردوا، دايرنهم شهود!
قال عبد السميع: واحد منهم جاري لليلة. مسكين قالوا مخه ضرب! بقى كلما يشوف عسكري أو زول بدقن يقوم جاري
والتاني وين؟
التاني في المستشفى الدكتور قال عنده إرتجاج في المخ!
تساءل شيخ النور: يعني شنو إرتجاع في المخ!
قال عبد السميع: إرتجاج، الضرب كان شديد على رأسه. مخه إتخلبط فوق تحت. كان في حاجات نساها مدفونة في قعر المخ ليها سنين. جات طالعة فوق. وحاجات جديدة نزلت تحت وإندفنت! قبل خمسة سنين كان حصل ليه حادث، وقع من جمل. نسى حاجات كتيرة، من ضمنها ديون . قبل الحادث كان تاجر شاطر، يحفظ معاملاته كلها في مخه، ما بيسجل اي شئ في الدفتر، يشوفك من بعيد يقول ليك أنا عاوز منك كدة انت اشتريت يوم كدة رطلين زيت، ووقية شاي ووقيتين بن! عشان كدة الناس سمّوه: أنا عاوز منك! الناس نست إسمه القديم! بقى أول ما يظهر في مناسبة ولا أي محل الناس تقوم جارية قبل ما يفضحهم بالديون! الصراحة كان طالبنا كلنا، بعد وقع من الجمل نسى كل الديون، حمدنا الله لأن الظروف كانت صعبة الفترة الفاتت، لو لقيت زول ينسى واحد من ديونك، بيكون خفّف عليك شوية لغاية ما يتذكر بعدين يحلها الله! في الزمن العلينا دة يا مولانا لو زول نسى حقه العليك، تساعده عشان ما يتذكر، تغيّر إسمك، تغير شكلك شوية! هسع الدق بتاع الكيزان طلّع الحاجات القديمة كلها. وكت مشيت ازوره في المستشفى قال لي أنا داير منك ألف جنيه. انت اشتريت مني تلات مرات سكر وشاي وصابون وزيت بدون تدفع. قبل فترة كنت أديته جوال بلح عشان يبيعه. قلت ليه اخصم الألف جنيه من تمن الشوال وأديني الباقي، لقيته نسى إنه استلم مني جوّال بلح! الكيزان حتى وكت يضربوك ضربهم ضرب مضرة. خلو الزول يتذكر القروش الدايرها من الناس وينسى حق الناس العليه!
وجد القاضي قصة الرجل الذي تذكر ديونه ونسي حقوق الناس عليه، مسلية. حتى أنه ضحك دون أن ينتبه لاحتمال ضياع هيبة المحكمة. تذكر بعد أن إنفجرت ضحكته في هواء الدميرة المشبع برائحة الجروف ورائحة المريق، أنه في المحكمة وليس في السوق. فقطّب وجهه وحاول جمع ما يستطيع من ضحكته التي تناثرت فوق الحضور حتى تطايرت أسراب الحمام التي تبحث عن بقايا الحبوب في باحة السوق أمام المحكمة فزعة. خبط المنضدة العتيقة أمامه ليستعيد هيبة المحكمة وأعلن بغضب: لا بأس، أين المتهم وأولاده!
تقدم المتهم، عبدالرسول صلاح الدين
يبدو أن عبدالرسول لم يكن يؤمن كثيرا بأنه يجب أن (يحدّث) بنعم ربه! كان يكتفي بإخفاء كل النعم التي يحصل عليها. لأن الدنيا ما (دوّامة) حتى أنه كان يختفي من القرية حين تكون هناك مظاهرات في العاصمة تطالب بسقوط الحكومة. وحين يتم إخماد المظاهرات، كان يعود الى القرية سرا ويواصل حياته، واذا سأله أحدهم عن غيابه كان يقول أنه استدعوه للمشاركة في ضرب الخارجين على القانون!
قال النور: وينه القانون اليخرجوا عليه! مافي خارج على القانون غيره هو وجماعته، بعدين مافي زول بيمشي يحارب الخارجين ويسوق معاه أولاده ويشيل معاه عفشه!
كان يرتدي جلبابا قديما متسخا تحول لونه الأبيض الى اللون الرمادي بفضل الغبار والعرق.
قال النور بصوت خفيض: زولك مسكين ما فاضي من السرقة وبيع السكر في السوق الأسود عشان يغسل هدومه!
تفضل يا سيد صلاح الدين. أولادك الاتنين مطلوبين ايضا في المحكمة.
قال صلاح الدين: الولد الكبير عنده ملاريا والتاني مشى مع والدته المستشفى.
كان يبدو متوترا فقد كان يتوقع ان يعين في منصب كبير وفجأة يجد نفسه في المحكمة، وأي محكمة؟ محكمة شعبية تختص بمنازعات صغيرة وسكارى مساكين، ولصوص صغار تتعذر رؤيتهم بالعين المجردة، يسرق أكثرهم خبرة حمارا أو ربطة قصب لا يساوي سعرها أكثر من جنيه واحد.
شعر شيخ النور أن الكوز المتوتر قد يسبب مشكلة في المحكمة، فحاول أن يخفّف من توتره، قال موجها الكلام له: طوّلنا ما شفناك يا شيخ عبدالرسول، يظهر المشاغل كثيرة، بعدين شكلك إتغير شوية، بقيت تشبه واحد من الكيزان الكبار، الزول بتاع الدفاع الشعبي!
تلفت عبدالرسول حوله محدقا في حضور المحكمة كأنه يبحث عن شخص ما كان يتوقع حضوره، قبل أن يعلن: الما لقى شبهه الله قبحه!.
نظر شيخ النور الى جلبلب عبدالرسول المتسخ ووجهه المتوتر وقال بسرعة: أهو انت لقيت شبهك وبرضو الله قبحك! ثم استدرك كلامه بضحكمة عالية حاول أن يوحي بها أنه كان يمزح!
قال عبدالرسول: يا مولانا أنا بأعتبر كلامك دة إهانة في المحكمة. أنا جاهدت في الجنوب وعندي شهادة الداير يشوفها يجيني البيت بوريها ليه!
ضحك شيخ النور وقال: احسن تجيبها هنا المرة الجاية، لأن البيجيك البيت كله قاعد ينضرب ضرب غرائب الابل!
قال شيخ الطيب: كيف يكون إهانة للمحكمة؟ أنت ما معانا في المحكمة!
لأ ما تفهم غلط يا مولانا أنا ما قلت اهانة للمحكمة أنا قلت اهانة في
المحكمة. يعني اهانة لمواطن محترم في داخل المحكمة
ضحك شيخ النور وقال بصوت خفيض وين في كوز محترم! ثم تنحنح ونظر حواليه خوفا أن يكون أحدهم سمعه!
حاول القاضي تجاوز نقطة إهانة الشاكي الى موضوع القضية:
؟ الناس ديل مقدمين بلاغ أنهم تعرضوا للضرب منكم؟.ممكن توضح للمحكمة الحصل لو سمحت
قال عبد الرسول: نحن كنا في حالة دفاع عن النفس! الجماعة ديل إعتدوا علينا، والدين بيقول: من إعتدى عليكم فإعتدوا عليه بمثل ما إعتدى عليكم..
ممكن توضح كيف اعتدوا عليكم؟
هاجمونا ونحن آمنين في بيتنا.
الناس ديل بيقولوا انهم جوا يسألوك من سكر التموين، بيقولو ان حصتهم من السكر اتباعت في السوق الاسود!
قال عبد الرسول وكأنه يتخذ قرارا نهائيا: اسود أحمر ابيض ما ليهم دخل. نحن شغالين لمصلحة الدولة العليا!
قال القاضي: نرجع للقضية. الحصل شنو؟
قال عبد االرسول: أنا زول مجاهد حاربت في الجنوب يجي واحد زي دة يتهمني بسرقة السكر!
قال القاضي: نحن ما عندنا دخل بالسكر، في جهات تانية مختصة بالموضوع دة. نحن هنا قضيتنا الناس ديل اعتديت عليهم ولا لأ؟
أعلن المتهم: ما إعتديت عليهم!
والدم الفي جلابية الزول دة شنو ويده المكسورة! وإعترافك إنكم رديتو العدوان!
الزول دة قاصدني، قال داير قطعة واطة لولده. جانا بعد عملنا الخطة الاسكانية. قلنا ليه الخطة خلصت، قدّم بعد سنة نكون بدينا الخطة التانية. دي بلد زراعية لو وزعناها كلها سكن، الناس حيزرعوا وين؟ ولا يبقى القمح زي الجرجير يزرعوه في حيشان البيوت؟!
تدخل المواطن عبد السميع بدون إذن القاضي: إنت كذّاب. انت الشغال توزع في الاراضي الزراعية الحكومية وتبيعها. المشروع التعاوني نزعتوا نصف أراضيه الحكومية وبعتوها للمغتربين سكن، كان ممكن توزعوا ليهم في الخلاء شرق القرية أراضي غير صالحة للزراعة لكن إنت داير تستفيد عارف الارض هنا سعرها غالي! ومشروع الشجرة الكانت البلد دي وكل القرى المجاورة عايشة منه، دخلتوا أصحابه السجن وغشيتوا الناس قلتوا حنعمله مشروع تعاوني وبعتوه لمستثمر عربي! والقروش في جيوبكم، أنتم قايلين نحن نايمين..
إنت بتتهمني بالسرقة إنت نسيت إنك طول عمرك متهرب من دفع الضرائب والزكاة ولولا تقديرنا لظروفك وظروف أولادك الصغار كان دخلناك السجن!
خبط القاضي المنضدة لوقف المشاجرة، لكن شيخ النور لكزه بيده: خليهم! دي فرصة نسمع فضائح الكوز دة، أنا أول مرة أعرف بقصة المستثمر العربي دي!
قال القاضي همسا: الجماعة جوا وزرعوا البرسيم انت ما عندك خبر الحاصل في البلد.قال النور: ما تجيبوا لي المستثمر العربي دةأبيع ليه حتة واطة، تعبت من الزراعة بدون فائدة!
إنتبه القاضي على صوت عبدالرسول وهو يتقدم محاولا الاعتداء على المواطن عبد السميع: تمسك خشمك ولا أكسر ليك يدك التانية كمان!
قال القاضي: دي محاولة للاعتداء على مواطن في المحكمة واعتراف انك اعتديت عليه بما إنك اعترفت بكسر يده الاولى!
قال عبدالرسول: أنا جاهدت في الجنوب وعندي شهادة مجاهد و…..
قال القاضي: جاهدت في الجنوب جاهدت في الشمال، دي ما شغلتنا هنا، الزول دة والجماعة المعاه ضربتهم ليه ؟
أنا جاهدت في الجنوب، يجي واحد يتهمني قدام أولادي بسرقة السكر! أعمل ليه شنو، أضرب ليه تعظيم ولا أجيب ليهم قهوة!
حكمت المحكمة حضوريا على المتهم عبدالرسول صلاح الدين بالسجن شهر والغرامة عشرة الاف جنيه تعويض للمجنى عليهم وتحمّل منصرفات علاجهم.
رفعت الجلسة.
يحيا العدل.
تأهب القاضي والحضور للانصراف من المكان بينما بقى الكوز في مكانه يردد:
أنا جاهدت في الجنوب يجي واحد زي دة يحكم علي بالسجن، أنا عندي شهادة ..
أحمد الملك
ortoot@gmail.com