" الصدم والترهيب عمليتان تستتبعان مخاوف ومخاطر ودمارًا يتعذر على الشعب، بشكل عام، أو على عناصر أو قطاعات محددة من المجتمع المهدد، أو على قيادة هذا المجتمع أن تفقهها، وتحت وطأة الصدمة نستطيع إحداث ما نراه من تغيير"..
يقول د. يوغو سيرليتي الطبيب النفسي ليشرح كيفية اختراعه المعالجة بالصدمة الكهربائية ١٩٥٤: "توجهت إلى المجزر لأشاهد ما يسمى الذبح الكهربائي، فرأيت الخنازير المخصيّة مشبوكةً عند الأصداغ بكلّابات معدنية ضخمة تم وصلها بتيارٍ كهربائيّ ١٢٥ فولت ما إن كانت تلك الخنازير تُشبَك بالكُلّابات، حتى كانت تغيب عن الوعي وتتيبّس ـ غيبوبة الصرْع ـ وفي خلال ذلك كان الجزار يطعن الخنازير ويستنزف دمها بدون صعوبة".
إن آلية الصدمة تُقدم تفسيرًا فريدًا من نوعه للمنطق الكامن وراء نظرية رأسمالية الكوارث، التي تحكم نظام الاقتصاد العالمي المعاصر والتي وضعها المرشد الكبير لحركة الرأسمالية غير المقيّدة "ميلتون فريدمان" حيث قال "وحدها الأزمة، سواء كانت الواقعة أم المنظورة، هي التي تحدث التغيير الحقيقي. فعند حدوث الأزمة، تكون الإجراءات المتخذة منوطةً بالأفكار السائدة. وهنا تأتي، على حد اعتقادي، وظيفتنا الأساسية: وهي أن نطور بدائل للسياسات الموجودة، وأن نبقيها حية ومتوفرة إلى حين يصبح المستحيل في السياسة حتمية سياسية".. يكدس بعض الأشخاص الأغذية والماء تحسّبًا لوقوع أزمات كبرى. أما أتباع فريدمان فيدخرون أفكار السوق الحرة. في الواقع كان البروفسور في جامعة شيكاغو مقتنعًا بضرورة التصرف بسرعة خاطفة عند وقوع أزمة ما، في سبيل فرض تغيير سريع لا رجوع عنه يستبق استيقاظ المجتمع المُرهق من الصدمة، ووقوعه مجددًا رهينة "استبداد الوضع الراهن". وقد اعتبر فريدمان أنه "سيكون أمام الإدارة الجديدة القادمة مهلة زمنية من ستة شهور إلى تسعة شهور، حتى تحقق تغييرات كبيرة. وفي حال لم تنتهز الفرصة كي تتصرف بحزم في خلال تلك الفترة، فإنها تكون قد ضيعت فرصتها الوحيدة".
ويشكل ذلك وجهًا قبيحًا من وجوه النصائح المكيافيلية، ومنذ السبعينيات وحركة "مدرسة شيكاغو" تغزو بلدان العالم، إلا أنها لم تطبق قط كاملة في البلد الذي نشأت فيه سوى مع سيطرة فكرالمحافظين الجدد على الكونجرس في ١٩٩٥، وعندما وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١، كان البيت الأبيض مكتظًا بتلاميذ فريدمان، بمن فيهم صديقه المقرب "دونالد رامسفيلد" وزير الدفاع و"ديك تشيني" نائب الرئيس وهما رأسماليا الكوارث، فتلقفت إدارة بوش تلك اللحظة من الدّوار الجماعي بسرعة البرق، لدرجة جعلت البعض يظن أن الإدارة هي التي خططت بنية شريرة لوقوع الأزمة، وفي الحقيقة إن الشخصيات الرئيسية في الإدارة الأمريكية وقتها والمخضرمة في تجارب الرأسمالية الكارثية في أمريكا اللاتينية وأوربا الشرقية كانت تصلي من أجل وقوع أزمة، بالخشوع نفسه الذي يصلي به المزارع من أجل أن تمطر على أرضه التي تعاني الجفاف.
إن التعذيب أو ما يسمى بلغة الـ CIA"الاستجواب القسري"، هو عبارة عن مجموعة تقنيات مصممة لإدخال السجناء في حالةٍ من الضياع والصدمة العميقين تؤدي إلى تطويع يهدف إلى إجبارهم على تقديم التنازلات رغم إرادتهم، وعلى غرار السجناء المرعوبين الذين يكشفون عن أسماء رفاقهم ويتنكرون لمعتقداتهم، كذلك تقوم المجتمعات المصدومة تحت وطأة القنابل المتساقطة وعمليات القتل الجماعي والتشريد بالتنازل عن أمور لكانت دافعت عنها بشراسة في أوضاعٍ مغايرة.
ولذلك قال دانيال فييرستاين عالم الإجتماع الأرجنتيني "ليست الإبادة في الأرجنتين عفوية، كما أنها ليست وليدة حظ أو عملية خالية من المنطق، إنما هي إلغاء منظم لجزء كبير من الشريحة الوطنية الأرجنتينية، يهدف إلى تحويل تلك الشريحة من خلال إعادة تحديد أسلوب حياتها وعلاقاتها الاجتماعية وقدرها ومستقبلها" وقال ماريو فيلاني أحد الناجيين من مخيمات التعذيب في الأرجنتين "كان لدى هدف واحد لا غير، هو أن أعيش حتى اليوم التالي" ويقصد بقاءه الذاتي، وحتمًا وصول المجتمعات إلى هذا الحد يجعلها تقدم أية تنازلات، وتفقد جميع المقدسات قيمتها سواء الأرض أو التاريخ أو المعتقدات.
وإن ما نشاهده اليوم من جرائم ضد الشعب الفلسطيني ما هو إلا تطبيق لآلية الصدمة، وقد أصبح واضحًا للجميع أن الهدف من وراء ذلك هو دفع الشعب الفلسطيني إلى ترك أرضه وتصفية قضيته.
*كاتب معنى بقضايا التنمية البشرية
المصدر: البوابة نيوز
إقرأ أيضاً:
وزير الصحة: مصر الأولى إفريقيا في صناعة الدواء
أكد الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، أن مصر هي الأولى على مستوى القارة الأفريقية والدولة الوحيدة التي تملك 91% من حجم احتياجاتها من الدواء الذي يصنع في مصر، موضحا أنه كل 100 علبة دواء موجودة في الصيدلية يتم تصنيع 93 علبة دواء في مصر.
وقال «عبد الغفار» في مقابلة خاصة مع قناة إكسترا نيوز، إن هناك كثير من الصناعات تم توطينها في مصر مثل أجهزة التنفس الصناعي وتصنيع أجهزة الأشعة التلفزيونية، كما أن هناك بوادر لتصنيع أجهزة الأشعة المقطعية والرنين المغناطيسي، مضيفًا أنه مصر لديها قدرات صنعية طبية هي الأقوى على مستوى القارة.
وأضاف أن مصر دخلت في إنشاء قاعدة وبنية معلوماتية ضخمة بما في ذلك المعلومات الصحية، مشيرا إلى أنه بتوجيه من الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ 8 سنوات تم عمل بنية معلوماتية ضخمة جدا وكان جزءًا منها المعلومات الصحية، ليكون لدينا تاريخ مرضي وملف طبي موحد للمريض يستطيع التحرك فيه في القطاع (الخاص أو العام).
وأشار إلى أن مصر تعمل على تشييد مصانع المواد الخام سواء «الفعالة أو الغير فعالة»، لافتًا إلى أنه في الوقت الحالي جزء من الصناعة بيتم بمكونات مصرية والجزء الآخر يتم بمكونات خارجية نعمل على تقليلها بشكل كبير.
اقرأ أيضاًالكشف على 1173 مواطناً من نزلاء مستشفى الصحة النفسية وذويهم بالخانكة
الصحة: «الكشف المبكر عن الأورام» نجحت في خفض اكتشاف الحالات المتأخرة من 70% لـ 20%