بسبب الحرب .. قطاع النقل السوداني يواجه شبح الانهيار
تاريخ النشر: 29th, October 2023 GMT
تتزايد المخاوف من انهيار قطاع النقل في السودان وتوقفه تماماً عن العمل بعد ارتفاع كلف التشغيل وانعدام قطع الغيار ورداءة الطرق، وكذلك انكماش حركة السفر إثر الزيادة الكبيرة في ثمن التذاكر بالنسبة إلى المواطنين.
التغيير _ وكالات
وتلقى القطاع ضربات موجعة بسبب الحرب الدائرة بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، مما تسبب في خروج 75 في المئة من شركات البصات السفرية (حافلات نقل جماعي) عن الخدمة نتيجة مشكلات وأزمات عدة تحاصرها من بينها المديونيات الضخمة وارتفاع أسعار المحروقات المستمرة.
تشكل البصات السفرية عصب حركة نقل الركاب بين ولايات البلاد المختلفة، إذ تسهم بنقل 90 في المئة، مقابل سبعة في المئة للطيران، وثلاثة في المئة للحافلات، وتواجه الأخيرة إلى جانب السيارات الصغيرة أخطار النهب والسلب في طرقات أقاليم دارفور وكردفان، لذلك بات الاعتماد على البصات بشكل كامل في عملية التنقل إلى الوجهات المختلفة داخل السودان ودول الجوار، بخاصة مصر وبأسعار مناسبة مقارنة بالطيران، ويخشى كثير انهيار قطاع النقل وتفاقم أزمة السفر حال استمرار المشكلات التي تواجه شركات البصات السفرية.
انهيار وشيك
في هذا السياق قال الأمين العام لغرفة البصات السفرية في السودان أحمد علي نابكو إن “مستقبل قطاع النقل يواجه شبح الانهيار التام والتوقف الكامل نتيجة أزمة قطع الغيار بسبب عمليات السلب والنهب التي تعرضت لها معظم المحال التجارية التي توفر أدوات التشغيل وقطع الغيار خلال الاشتباكات المسلحة في الخرطوم، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها إلى ثلاثة أضعاف، فضلاً عن انعدامها في الأسواق المحلية ولجوء كثر إلى الاستيراد من دول الجوار بالعملات الأجنبية”.
واعتبر نابكو أن “الحرب أسهمت في تفاقم أوضاع قطاع نقل البصات، وخرجت على أثر ذلك 75 في المئة من الشركات عن الخدمة، واستمرار الوضع الحالي يلحق دماراً شاملاً بالقطاع ويتوقف عن العمل بشكل كلي، على رغم دوره الاستراتيجي والخدمي وأهميته البالغة”.
وكشف الأمين العام لغرفة البصات السفرية عن مديونيات ضخمة على أصحاب الشركات من قبل البنوك لم تسدد بعد، وتوقع إيداع غالبيتهم السجن عقب توقف الحرب”.
ونبه نابكو إلى أن “أزمة قطع الغيار أخلاقية في المقام الأول، خصوصاً بعد تنامي ظاهرة السلب والنهب، مما أحدث ندرة وانعداماً شبه تام لأدوات التشغيل المختلفة، ومن يملك محال متخصصة في هذا المجال يتحكم في الأسعار كيفما يشاء”.
ارتفاع أسعار التذاكر
إزاء هذا الوضع، ارتفعت أسعار تذاكر البصات السفرية بنسبة 50 في المئة إلى جميع وجهات الولايات وبعض دول الجوار، ووصلت تذكرة النهود الأبيض إلى 30 ألف جنيه سوداني (50 دولاراً) والأبيض إلى 35 ألف جنيه (58.2 دولار)، وود مدني بورتسودان 45 ألف جنيه (75 دولاراً).
المواطن محمد عبدالغني فوجئ بارتفاع كلفة السفر إلى مدينة القضارف، مما جعله يصرف النظر عن معاودة أسرته والبقاء في ولاية الجزيرة جنوب الخرطوم لعدم قدرته على توفير ثمن التذاكر ذهاباً وإياباً، مشيراً إلى أن أصحاب البصات السفرية لا يستجيبون إلا بعد الدفع المقدم دون مراعاة للظروف في ظل الوضع المتأزم الذي تعيشه البلاد على الصعد كافة.
ولفت عبدالغني إلى أنه “لا يعرف مبرراً محدداً لارتفاع أسعار التذاكر بصورة غير مسبوقة وفي أوضاع إنسانية صعبة يعانيها آلاف السودانيين”، وعد الأمر جشع واستغلال لحاجات المواطنين من قطاع ينبغي أن تكون مهمته الأساسية تقديم خدمات سهلة وميسرة.
أزمات عدةوفي هذا الصدد ذكر صاحب مكتب سفريات بصات بمدينة ود مدني عمر الطاهر أنه “مع استمرار الحرب وصلت أسعار قطع الغيار إلى أرقام لم تحدث في تاريخ البلاد، والسبب يرجع إلى انعدامها من الأسواق، فضلاً عن ارتفاع أسعار المحروقات التي أصبحت تباع في السوق السوداء إلى جانب كلف التشغيل”.
واعتبر الطاهر تردي الطرق القومية سبباً مباشراً في تهالك البصات، بخلاف “الأخطار التي تهدد حياة المسافرين نتيجة لتعدد حوادث السير بسبب عدم توفر جانب رقابي، إضافة إلى مراقبة السرعة الزائدة والتخطي الخاطئ وقطع الإشارة الحمراء”.
وتابع المتحدث “غرفة البصات السفرية اضطرت إلى رفع أسعار التذاكر لمواكبة مستجدات كلف التشغيل المتصاعدة، بخاصة بعد انهيار الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، وهي زيادات كبيرة تلقي أعباء إضافية على المواطن الذي بات يتحمل تبعات اضطرابات أسعار الوقود وقطع الغيار”.
صعوبات وتسهيلات
يرى المتخصص في إدارة النقل البري طارق الفاضل أن “القطاع يعمل في ظروف بالغة التعقيد من أجل استمرار وضمان خدمات نقل جيدة ومستقرة للمواطنين”، لافتاً إلى “تردي الطرق وانتهاء عمرها الافتراضي من دون إحلال أو تجديد أو حتى صيانة، أمور تسهم في تهالك البصات وخروجها عن الخدمة في فترة زمنية وجيزة”، وكذلك “السماح بسير شاحنات من دون موازين للحمولة يترتب عليه ضغط عالٍ على الطرق وتجريف للأسفلت، فضلاً عن أن إطارات بعض البصات السفرية تكون غير آمنة مما يؤدي إلى حوادث مميتة”.
ودعا المتخصص في النقل البري إلى “ضرورة إصلاح القطاع من خلال تقديم بعض التسهيلات فيما يتعلق بقطع الغيار والمحروقات وأدوات التشغيل المختلفة حتى يتمكن من استعادة بعض عافيته وتقديم خدمة سهلة وبأسعار في متناول المواطنين”.
نقلا عن الإندبندنت البريطانية
الوسومإنهيار الحرب المواصلات قطاع النقلالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: إنهيار الحرب المواصلات قطاع النقل
إقرأ أيضاً:
وزير المالية السوداني: وقف الحرب أولا وشعبنا سيحكم نفسه بنفسه
وفي حلقة جديدة من بودكاست "ذوو الشأن"، سلط الدكتور جبريل إبراهيم، الذي يترأس حركة العدل والمساواة، الضوء على مسيرته الحافلة بالتحولات، من قرية طينية نائية على الحدود التشادية إلى أروقة السياسة والاقتصاد في السودان، مرورا بتجربة دراسية وعملية غنية في اليابان والسعودية ولندن.
وتناول الوزير السوداني الأوضاع الاقتصادية الراهنة، معترفا بصعوبتها جراء الحرب، لكنه نفى وجود مجاعة شاملة، مشيرا إلى وفرة الإنتاج الزراعي ومشكلة رئيسية في إيصال الغذاء للمتضررين، كما تطرق إلى جذور الصراع في دارفور، وخلفيات تأسيس حركة العدل والمساواة، وموقفه من حمل السلاح.
بدأ الدكتور جبريل إبراهيم حديثه مستذكرا طفولته في قرية صغيرة قرب الطينة، المحاذية لتشاد، حيث الحياة القاسية وشظف العيش. وقال "الناس تتنقل نصف اليوم للوصول إلى مصادر المياه، وتعُود نصف اليوم الآخر"، واصفا كيف قاده إعجابه بمظهر أخيه الأكبر الأنيق إلى الالتحاق بالمدرسة.
وروى كيف تنقل بين المدارس الداخلية من الطينة إلى الفاشر، ثم إلى جامعة الخرطوم، مواصلا "انزياحا شرقا" أوصله إلى اليابان، التي يسميها البعض "بلاد الوقواق"، موضحا أن اسمها الحقيقي "واكوكو" يعني "بلاد السلام".
إعلانوأمضى إبراهيم 7 سنوات في اليابان، حيث درس الاقتصاد وأتقن اللغة اليابانية، التي بدأت تتآكل بمرور الزمن، على حد قوله. وعن تجربته هناك، ذكر كيف كان الأفارقة منظرا غريبا لليابانيين، خاصة في القرى، حيث كان الأطفال يتجمعون حولهم.
تكوين ورؤى اقتصاديةوبعد اليابان، انتقل وزير المالية للعمل في السعودية لمدة 4 سنوات، مدرسا للاقتصاد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، قبل أن يعود إلى السودان حيث كُلف بتأسيس شركة "عزة" للنقل الجوي، وهو الاسم المستعار الذي كان يُطلق على السودان إبان الاستعمار.
ثم غادر إلى تشاد ومنها إلى الإمارات، قبل أن يستقر في لندن لاجئا بعد أن طلبت الحكومة السودانية آنذاك تسليمه، وأوضح أن اتهامه بدعم الثورة في دارفور كان السبب وراء طلب تسليمه.
وعن الأوضاع الاقتصادية الحالية، أقر إبراهيم بصعوبتها، مشيرا إلى أن معظم النشاط الاقتصادي ومصادر إيرادات الدولة كانت متمركزة في العاصمة الخرطوم التي تضررت بشدة، وأكد أن الدولة لم تصل إلى الصفر في إيراداتها، وتعتمد حاليا على مواردها الذاتية من ضرائب وجمارك وعوائد الذهب.
ونفى الوزير وجود مجاعة شاملة، مؤكدا أن إنتاج السودان من الغلال يفوق الحاجة، وأن برنامج الغذاء العالمي يشتري الذرة من السودان لتصديرها، وأرجع شح الغذاء في بعض المناطق إلى ممارسات "المليشيا المتمردة" التي تمنع وصوله، فضلا عن فقدان القدرة الشرائية للمواطنين النازحين.
رؤية لإعادة البناءوطرح الدكتور جبريل إبراهيم رؤيته لإعادة بناء الاقتصاد السوداني، مرتكزة على محورين: الأول هو الاستثمار في "رأس المال البشري" عبر التعليم النوعي والخدمات الصحية، والثاني هو تطوير البنية التحتية المادية من طرق وجسور والسكك الحديدية وموانئ وشبكات خدمات.
وأشار إلى سعي وزارته قبل الحرب لرفع نصيب التعليم والصحة في الميزانية إلى 40%. ولتمويل البنية التحتية، دعا إلى شراكات إستراتيجية بنظام البناء والتشغيل ثم تحويل الملكية "بي أو تي" (BOT)، مؤكدا تهيئة البيئة التشريعية لذلك.
إعلانوفيما يتعلق بالمساعدات الخارجية، أوضح أن أموال الغرب "مُسيّسة"، وأن الدعم حاليا يأتي عبر طرف ثالث، غالبا وكالات الأمم المتحدة، بعد تصنيف التغيير في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 انقلابا، وأشاد بالدعم الإغاثي من الدول العربية والخليجية وإيران وتركيا.
الحرب والسياسة والمستقبلوتطرق وزير المالية إلى الحرب الدائرة مع قوات الدعم السريع، معتبرا إياها "مشروعا إقليميا ودوليا كبيرا" وأن الدعم السريع "مجرد أداة تستخدم مرحليا"، وربط الصراع بأطماع في سواحل البحر الأحمر وموارد السودان المائية والزراعية والمعدنية، وربما بمحاولة "تغليف المسألة بمحاربة الإسلام السياسي".
وبشأن الأوضاع في الفاشر، أكد صمود المدينة أمام هجمات الدعم السريع المتكررة، قائلا "لن تسقط بإذن الله"، مشيرا إلى رمزيتها التاريخية كعاصمة لإقليم دارفور.
وعن موقفه من الحكم العسكري، قال إبراهيم إنه مع الحكم المدني تماما، وإن الظرف الحالي فرض وجودا عسكريا في السلطة، مددت الحرب عمره.
وأعرب عن ثقته في قدرة الشعب السوداني على تغيير الأنظمة العسكرية عبر الثورات، متوقعا حوارا سودانيا-سودانيا شاملا بعد الحرب لرسم خارطة طريق نحو انتخابات حرة.
وردا على تصريحات الفريق البرهان حول أداء بعض الوزراء، نفى الدكتور جبريل أن يكون من المقصودين، مؤكدا أن التعيينات في الدولة تخضع لإجراءات وقوانين تحد من سلطة الوزير المطلقة، وأن صلاحياته في التعيين المباشر تقتصر على 3 أشخاص.
جذور الصراع في دارفوروعاد إبراهيم بالذاكرة إلى نشأة حركة العدل والمساواة، مؤكدا أنها حركة قومية وليست قبلية أو إقليمية، تهدف إلى تحقيق العدالة والتنمية المتوازنة في كل أقاليم السودان. وأوضح أن فكرة الحركة تبلورت منذ عام 1995 نتيجة شعور بالظلم والتهميش.
وكشف الوزير أنه كان "الوحيد الذي اعترض على حمل السلاح" في المؤتمر الذي تقرر فيه ذلك بألمانيا، مفضلا الحوار، لكن قناعة الأغلبية كانت أن الحكومة آنذاك "لا تسمع إلا أصوات المدافع". ورغم ذلك، أكد أنه ليس نادما على خيار التمرد المسلح الذي فرضته الظروف.
إعلانوأرجع أسباب الصراع في دارفور إلى الشعور بالظلم من قبل المركز في توزيع الفرص والمشروعات التنموية، وإلى دور الحكومة أحيانا في "اللعب على التناقضات القبلية وتفضيل مكونات على أخرى"، مما أدى إلى تطاحن كبير.
واختتم الدكتور جبريل إبراهيم حديثه بالتأكيد على أن وقف الحرب هو الأولوية، وأن الشعب السوداني بعد ذلك "سيحكم نفسه بنفسه"، معربا عن تفاؤله بمستقبل السودان رغم التحديات الجسيمة.
30/5/2025