حزب الله: مقتل وإصابة 120 جنديا إسرائيليا وتدمير 9 دبابات على الحدود
تاريخ النشر: 31st, October 2023 GMT
غزة الآن.. حزب الله.. أعلنت حركة المقاومة الإسلامية التابعة لحزب الله اللبناني اليوم الثلاثاء، أن عملياتهم قبالة الحدود الجنوبية مع إسرائيل، أسفرت عن مقتل و إصابة 120 جنديا وتدمير 9 دبابات وإسقاط مسيرة. بحسب «روسيا اليوم».
وجاء في بيان حزب الله: «عملياتنا قبالة الحدود الجنوبية أسفرت عن تدمير 9 دبابات وإسقاط مسيرة»، لافتا «نفذنا 105 هجمات منذ 8 أكتوبر طالت منظومات استخبارات واتصالات وأنظمة تشويش و33 ردار».
وعلى الجانب الآخر، بعد إطلاق الصواريخ من اليمن تجاه إسرائيل وإعلان الحوثيين إطلاق طائرات مسيرة وصاروخ باليستي تجاه إيلات، ذكرت قناة كان العبرية: أن الأجهزة الأمنية وأجهزة الطوارئ رفعت حالة التأهب في إيلات.
اقرأ أيضاًقصواء الخلالي: سيناء أمن قومي شديد الأهمية لمصر غير مقبول المساس به
«المقاومة الفلسطينية» تعلن موعد إطلاق سراح بعض المحتجزين الأجانب
شيرين عبد الوهاب تؤ جل حفلها في الكويت تضامناً مع غزة
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: حزب الله صاروخ باليستي الحوثيون غزة الآن أخبار غزة الآن مباشر أخبار غزة الآن حزب الله بلبنان
إقرأ أيضاً:
كمائن خان يونس.. كيف زادت وتيرة تدمير دبابات الإسرائيليين وقتل جنودهم؟
في الخامس من يوليو/ تموز الحالي بثت الجزيرة لقطات حصرية لكمينين نفذتهما كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، ضمن سلسلة عمليات "حجارة داود"، أسفرا عن مقتل جنود إسرائيليين وتدمير دبابات وآليات عسكرية. وتأتي عملية "حجارة داود" ردا على عمليات "عربات جدعون" الإسرائيلية ويستلهم الاسم رمزية انتصار النبي داود بالمقلاع والحجر على خصمه جالوت المترس بالسلاح والعتاد.
وقعت المواجهات في المحور الأوسط لخان يونس (منطقة المحطة)، حيث نفذت قوة خاصة من القسام هجوما مباشرا على تشكيل مدرع إسرائيلي يضم دبابات ميركافا وناقلات جند. بدأ الأمر مع تسلل 4 مقاتلين قساميين بعبوات ناسفة من طراز شواظ وقذائف مضادة للدروع "ياسين-105" عبر مناطق مدمرة لتأمين الاقتراب إلى الهدف.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2حتى لا يسيل بنا الوادي نارًاlist 2 of 2حماس.. المهمة الصعبة في إقليم يتغيرend of listوأثناء الاشتباك، جرى تدمير دبابة ميركافا بعبوة شواظ فُجرت من مسافة صفر، أعقب ذلك ضرب ناقلة جند بقذيفة الياسين، قبل الاشتباك بأسلحة خفيفة مع قوة إنقاذ إسرائيلية وصلت للموقع. وبعد ذلك، نفذت مجموعة المقاومين انسحابا تكتيكيا تحت نيران كثيفة مع المحافظة على سلامة جميع العناصر، وهو ما يعكس انضباطا صارما وتنسيقا دقيقا في مسرح العمليات.
وقد شهدت المرحلة الماضية تصاعدا ملحوظا في عمليات المقاومة التي رفعت حصيلة القتلى والمصابين في جنود جيش الاحتلال، حتى أصبحت جملة "حدث أمني صعب في غزة" مألوفة في الأيام القليلة الماضية.
فما الإستراتيجية التي تتبعها فصائل المقاومة في هذه المرحلة الحرجة من الحرب؟
كمائن معقدة مركبةيمكن القول بلا مبالغة إن الكمائن في غزة هي مفتاح إستراتيجية المقاومة طوال الأشهر الطويلة للحرب الجارية. ويُعرف الكمين في العلوم العسكرية بأنه عمل هجومي مخطط له تنفذه فرقة متخفية من الجنود ضد هدف ثابت أو متحرك.
إعلانورغم أن الكمائن والاشتباكات كثيرا ما تبدو ارتجالية في "ظاهرها" فإن الحقيقة على خلاف ذلك تماما. فكل عملية ناجحة تتطلب جهدا استخباراتيا فعالا، يعبّد الطريق لفهم تحركات الخصم، ويمهد السبيل للتعرف على نقاط ضعفه وأساليبه في الانتشار.
ويعضد من فعالية جمع المعلومات دراية المقاومة بـ"الطبوغرافيا" التي غالبا ما تلعب لصالح أبناء الأرض، ولا تبخل عليهم بمزيّة توظيف التضاريس الموجودة لتوجيه قوة الاحتلال إلى مناطق الكمائن الرخوة التي يتم استهدافهم فيها.
يبدأ الأمر عندما يطلب قائد الفرقة القتالية المسؤولة عن صنع الفخاخ من فريق الاستخبارات معلومات مفصلة عن حجم وتكوين وحدة الخصم المستهدفة والأسلحة والمعدات المصاحبة لها، ومسارها واتجاه حركتها وأماكن وجودها في مختلف الأوقات، حيث يتم تقسيم خط سير الوحدة إلى نقاط محددة على طول الطريق.
بعد ذلك، تشرع المجموعة المكلَّفة بصنع الكمين في اختيار أنسب المواقع للكمون، وغالبا ما يكون جنود المقاومة في مكان متخفٍّ يتيح لهم إمكانية الرصد.
ويتم التنبؤ وأحيانا التحكم في حركة جنود الاحتلال، عبر العوائق والمناورات المدروسة لتوجيههم إلى منطقة محددة دون دراية منهم.
وفي أثناء ذلك توزع المهام على الجنود بحيث يشمل الكمين أكثر من ضربة بمختلف الأسلحة (أسلحة خفيفة وعبوات ناسفة بهدف إيقاف قافلة الجنود عن الحركة، وقاذفة الياسين لاصطياد الآليات) وأكثر من منطقة قتل، وأخيرا يجري توفير ملاذ آمن للمقاومين كي يتمكنوا من الانسحاب وتأمين سلاحهم بعد تنفيذ ضرباتهم.
وقد قرأ عدد من المحللين العسكريين هذا التصاعد في وتيرة عمليات المقاومة في رغبة فصائل المقاومة في زيادة الضغط العسكري للوصول إلى صيغة اتفاق مرضية في ظل المفاوضات الجارية بشأن وقف إطلاق النار، إذ تعوّل إسرائيل على وتيرة قصفها وتدميرها اليومي وما يخلّفه ذلك من قتلى وجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة لتزايد المجاعة في ظل انهيار البنية التحتية وإطباق الحصار العسكري والاقتصادي على القطاع، كل تلك العوامل تعول إسرائيل على أن تشكل عوامل ضغط على المقاومة لتحقيق تنازلات جوهرية في صيغة الاتفاق المزمع النقاش حوله.
أسلحة رخيصة لكن فعالةمن المهم لمن يتابع هذه القضايا أن يعرف أنه ليس من الدقة عقد مقارنات بسيطة بين سلاح وسلاح، أو جيش وجيش، حيث يجب أن تكون مقارنة الأسلحة ببعضها في إطار وظائفها في مسرح العمليات والمشهد السياسي الأوسع.
وفي كتابه "مقدمة للإستراتيجية" يقول أندريه بوفري، وقد كان إستراتيجيا عسكريا فرنسيا حاصلا على رتبة جنرال الجيش (4 نجوم) قبل تقاعده في عام 1961، إن فن الإستراتيجية "يتمثل في اختيار أنسب الوسائل المتاحة والجمع بينها لإنتاج ضغط نفسي كافٍ لتحقيق التأثير المطلوب".
يعني ذلك أنه في سياقات حربية معينة، غالبا ما يتمكن الفريق الأضعف من ناحية العتاد من استخدام أسلحة أرخص نسبيا لكنها فعالة في تحقيق أهدافها، مثلا في هذا النوع من الكمائن في غزة، عادة ما تستخدم كتائب القسام العبوات الناسفة أو "الأجهزة المتفجرة المرتجلة"، وهي قنابل محلية الصنع تحتوي على مزيج من المواد المتفجرة الأولية.
إعلانتستخدم القوات العسكرية غير النظامية عادة هذه العبوات، وتُعَدُّ فعالة للغاية ضد قوة عسكرية تقليدية، قد تُستخدم في الكمائن على جانب الطريق بحيث تعترض القوات المهاجمة أو خطوط إمدادها، ويكون تركيبها في المداخل أو المباني لضرب فرق الجنود، أو قد يكون تركيبها على العربات والدبابات لتدميرها، ويمكن إسقاطها من مسيرات، والواقع أن المقاومة استغلتها في كل تلك النطاقات تقريبا بمستويات.
الشحنة المتفجرة لهذا النوع من القنابل يمكن الحصول عليها من أي مكون عسكري، بما في ذلك المدفعية، أو قذائف الهاون أو القنابل الجوية أو أنواع معينة من الأسمدة المحلية مع مادة "تي إن تي" المتفجرة، أو أي شيء من هذا القبيل، ولذلك فهي مرنة وسهلة التصنيع بالنسبة للمقاومة، كما أن هناك طرقا لا حصر له لبنائها، ويمكن تطويعها لأي غرض بحسب المهمة، فتتمكَّن من اختراق الدروع وهدم المباني وضرب الجنود.
وإلى جانب ذلك، تُظهِر العبوات الناسفة درجة كبيرة من التباين في طريقة التفجير، فإما أن تكون عبوة ناسفة بدائية الصنع ويكون تفعيلها بواسطة مفتاح ضغط لتشبه اللغم الأرضي، أو قد يكون المشغل معقدا للغاية، فيعمل عن طريق إشارة الترددات الراديوية التي يؤقِّتها ويُطلقها فرد يراقب الهدف، أو ربما يقوم أحد الأفراد بإلصاقها على المدرعة أو الدبابة مباشرة، كما يحدث في حالة المقاومة الفلسطينية.
أضف إلى ذلك نوعا جديدا من العبوات الناسفة تستخدمه كتائب القسام، وهو العبوات النافذة أو العبوات الناسفة الخارقة للدروع (Explosively formed penetrator)، التي أطلقت عليها القسام اسمه عبوة شواظ، وهي صورة أكثر تعقيدا وتركيبا من العبوات الناسفة تُمثِّل تطورا مهما في هذا النطاق.
عادة ما يكون غطاء هذه العبوة المعدني مقعرا ويتكون من الفولاذ أو النحاس، يؤدي هذا التقعر فيزيائيا إلى تركيز طاقة الانفجار في اتجاه معين دقيق يخلق تيارا من المعدن المنصهر الذي يمكنه أن يخترق الدروع بسرعة تصل إلى آلاف الأمتار في الثانية الواحدة، الأمر الذي يساعد في اختراق أقوى الدروع في العالم حاليا، وفي العراق مثلا أثناء غزو قوات التحالف، تمكنت هذه العبوات الناسفة من اختراق المركبات المدرعة الثقيلة ودبابات أبرامز، التي تُعَدُّ دبابات القتال الرئيسية في جيش الولايات المتحدة.
من المهم الإشارة أيضا أن قذائف الياسين من عيار 105 ملم تلعب الدور نفسه، فهي مصممة بشكل خاص لمعارك الدبابات، التي تعد السلاح الرئيسي للقوة البرية الإسرائيلية. وتمتلك قذائف الياسين "رأسا حربيا ترادفيا" بما يعني أن هناك مرحلتين من المواد المتفجرة.
الأولى: عبارة عن شحنة متفجرة صغيرة تهدف إلى تنشيط الدرع التفاعلي للهدف، وهو نوع من الدروع التي تنفجر للخارج لمواجهة القذيفة القادمة فيتمكن من توجيه كامل قوتها الانفجارية إلى الخارج وليس إلى داخل الدبابة أو العربة المدرعة.
أما المرحلة الثانية: فهي عبارة عن شحنة متفجرة أكبر تتبع الأولى، وتستغل الاختراق أو الفجوة التي حدثت في الدرع التفاعلي، ثم تفرغ كامل قوتها إلى داخل العربة المدرعة أو الدبابة.
تُعد قذائف الياسين تطورا نوعيا للمقاومة، فهي رخيصة التكلفة، كما أنها سهلة في الاستخدام، ويمكن لرجل واحد التدرب عليها والقتال بها مباشرة، والأهم مما سبق أنها مُصنّعة محليا، مما يعني إمكانية توفيرها بأعداد كبيرة.
ومع ذلك، فإن امتلاك السلاح الجيد ليس أهم عوامل النجاح، بل كيفية توظيفه عملياتيا على النحو الأمثل، مصحوبا بقوة المقاتل نفسه وصلابته النفسية. يمكننا ملاحظة ذلك في التطور الواضح لقدرة المقاومة على استهداف الدبابات الإسرائيلية، من خلال تسديد ضربات قاتلة في نقاط ضعفها الأساسية.
إعلانيظهر هذا التطور في المقاطع التي بثها القسام طوال فترة الحرب، حيث تستهدف الدبابة بشكل أساسي عبر 3 نقاط قاتلة:
نقطة المحرك في مقدمة الدبابة ويتسبب ضربها في توقفها عن العمل، وربما تصل نيران الفدائي إلى قائد الدبابة الذي يجلس إلى جوار المحرك. مؤخرة الدبابة (المكان الذي يخرج منه الجنود) مما يحيد القوة العاملة للدبابة، خاصة مع احتوائه على مخزن الذخيرة. المنطقة الفاصلة بين برج الدبابة الذي يحتوي على المدفع الرئيسي وبدن الدبابة.كانت كل هذه النقاط في مرمى قذائف المقاومة. وكما تُظهر الصور التي تنتشر على وسائل التواصل لدبابات الميركافا المحطمة، غالبا ما تظهر الإصابات في واحدة على الأقل من هذه المناطق الثلاث. لاحظ هنا أن الميركافا ليست لعبة أطفال أو مجرد شاحنة تجري على الطرق، بل هي جزء من فريق متفوق تقنيا، مدعّم من الجو بالمسيرات التي تدرس المواقع وتحللها عبر الذكاء الاصطناعي، ويمضي في تشكيلات قتالية معقدة توفر حماية من كل الجهات.
وبالتبعية فإن استهدافها بهذه الدقة يتطلب تنسيقا بين القوات، فعنصر الاستخبارات يعطي البيانات لإدارة المعركة، التي بدورها تعدّ خطة ومن ثم توزع الأهداف على جنودها، الذين يعملون بتناغم ملحوظ.
ما سبق يجيب جزئيا عن سؤال مهم وهو كيف تمكنت كتائب القسام، التي تمتلك عددا من الجنود يناهز بالكاد 5% من عدد جنود جيش الاحتلال، بلا دبابات أو طائرات، مع كم أقل من كل أنواع السلاح، أن تقف بثبات ضد تلك الحملة لكل تلك الفترة؟ ويعد مفهوم "الإستراتيجية غير المباشرة" أحد المناظير المهمة للجواب عن هذا التساؤل.
بحسب جونيلا إيريكسون وأولريكا باتيرسون من قسم الدراسات العسكرية في الجامعة الوطنية السويدية لعلوم الدفاع العسكري في كتابهما "العمليات الخاصة من منظور القوى الصغيرة"، فإن مفهوم الإستراتيجية غير المباشرة مبني على عدة مناورات تهدف إلى خلق أقصى قدر من الحرية لمقاتلي القوى الأصغر، مع حرمان الخصم من الحرية نفسها في عدة عوامل هي القوة المادية والمعنوية والزمن.
أحد الطرق الفعالة في هذا السياق هي "طريقة التآكل"، التي لا تعتمد على تحقيق النصر العسكري الحاسم، بل على جعل الصراع مكلفا للغاية بالنسبة للعدو من ناحية عسكرية واقتصادية وسياسية. ويرى المتخصصون في هذا النطاق أن الإستراتيجية العسكرية في سياق هذا النوع من الحروب يجب أن تعتمد مزيجا من الأسلوب الدفاعي (لمنع تقدم الخصم) وهجومي (لتحقيق التفوق النفسي) الذي يعتمد على الحركة العالية والإغارة.
يندرج ذلك تحت باب أوسع أساليب القتال الحديثة يعرف بـ"الحرب غير النظامية"، وهي نوع من الحروب لا تعتمد على الجيوش النظامية الكبيرة التي تمتلك دبابات وطائرات ووحدات تقليدية، بل تعتمد على قوات صغيرة غير تقليدية هدفها إضعاف قوة أكبر وأفضل تجهيزا عبر ضربات مفاجئة وتكتيكات مرنة بدلا من المواجهة المباشرة.
وتعد الكمائن أحد الأدوات المهمة في هذا النوع من الحروب، وهي تقوم على شن هجمات مباغتة على قوافل أو دوريات عسكرية ثم الانسحاب السريع، مستغلة تضاريس الطبيعة من جبال ومدن وأنفاق، إلى جانب العمليات النفسية، التي تتضمن نشر الرعب والخوف في صفوف العدو عبر ضربات غير متوقعة.
وعادة ما تطور القوى الصغيرة نفسها في سياقات دفاعية، لأن هذه القوى أقرب بداهة للتعرض للغزو من القيام به، ولذلك تهتم القوة الأضعف من ناحية العدد والعتاد بتدريب جنودها في سياق حرب حضرية، أي الحرب التي تحدث في المدن. ولحسن الحظ فإن هذا النوع من الحروب يقف إلى جانب المدافعين، لأن العديد من الهياكل المادية توفر مواقع دفاعية فورية ذات جودة عسكرية ممتازة، أضف لذلك أنه يمكن للمقاومين تخزين الموارد وإخفاء العتاد بسهولة.
أضف إلى ذلك أن التضاريس الحضرية تقلل من قدرات المهاجمين في مجالات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، حيث لا يمكن للمسيرات مثلا اختراق الجدران لتبيان أدوات وتحركات المقاومة في مناطق بعينها وإرشاد القوات الغازية إليها، وفي النهاية فإنه يمكن للمدافع رؤية المهاجم القادم والاشتباك معه، لأن المهاجم لديه غطاء محدود، ورغم كل التقنيات التي تتمتع بها الجيوش الأكثر تقدما في العالم ففي الهجوم على المدينة يمكن أن يُشكِّل عبور الشارع أحد أكبر المخاطر على حياة الجنود المُهاجمين.
إعلانإلى الآن لا تزال التضاريس الحضرية هي أكبر مشكلات الجيوش المعاصرة من ستالينغراد إلى غروزني ومن مقديشو إلى الفلوجة، وهي تخدم المدافعين وتسمح لهم بتشكيل موقع المعركة بمرونة شديدة، ليفرضوا قواعدهم عليها لا العكس. وهي السر في تمكُّن المقاومة في غزة من التخفي وبناء كمائن معقدة متعددة. أضف إلى ذلك أن التضاريس الحضرية ببساطة تمنع الدبابات من التقدم، وتفرض على جنود الاحتلال في مرحلة ما النزول إلى أرض المعركة في قتال كلاسيكي (رجل لرجل).
عند هذه النقطة ربما علينا أن نتساءل: كيف تستمر القسام في إدارة معركتها وتحقيق ضربات كبيرة رغم ما حدث من تفتت للقيادة وتفرق للمجموعات خلال أشهر الحرب الطويلة؟
لا يتفق الباحثون على رأي واحد في تحليل الشكل الذي تدير به القسام عملياتها، فمثلا في ورقة بحثية نشرت في يوليو/ تموز 2024 في مجلة الدراسات الفلسطينية يوضح الباحث طارق حمود أنه يتعين فهم حماس بشكل عام (سياسيا وعسكريا) على أنها كيان شبكي لا مركزي أكثر من كونها منظمة مركزية هرمية، وأن القمع الإسرائيلي المتزايد هو الذي دفع قيادتها إلى اللامركزية في العمليات، لأن إسرائيل كانت دائما ما تركز على القادة، والحل لمواجهة هذه الاستهدافات أن تكون القيادة مقسمة على أكبر عدد من المسؤولين.
يتفق مع ذلك بلال صعب، وهو زميل مشارك في مؤسسة تشاتام هاوس البحثية في لندن حينما يقول في تصريحات لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية إن حماس تتبع نهجا يتلخص بشكل أساسي في إلحاق الضرر العسكري بالإسرائيليين قدر الإمكان، باستخدام مزيج من القوات الهجينة والتقليدية، مضيفا أن عملياتها "لامركزية للغاية، وهناك نوع من الهيكل العسكري الخلوي، حيث تعمل كل فرقة بمفردها".
وما يتفق عليه الجميع في هذا السياق، هو أنه مهما أصاب وحدات المقاومة خلال المعارك، ومهما كانت أهمية الوحدات المصابة في إدارة العمليات على الأرض، فإن الهيكل العام يظل سليما، مما يسمح باستمرار القتال طوال الوقت، حتى مع انخفاض التنظيم في الهيكل العسكري على المستوى الكبير.
يشبه ذلك، على سبيل التقريب، توزيع الجهاز العصبي في بعض من الكائنات البحرية، بالنسبة لنا كبشر فإن هناك دائما دماغ يتحكم في كل شيء ولو توقف لتوقف جسمنا كله، لكن تلك الكائنات يمكنها العمل مع أية إصابة لأي من أجزاء جسمها، فلو قطع أحدها لنما ليصبح كائنا كاملا.
في ضوء هذه الهيكلية، يرى بيتر كونشاك، الضابط في الجيش الأميركي والباحث من مؤسسة لايبر البحثية يقول في ورقة نشرت أغسطس/ آب الماضي 2023 إن هزيمة حماس لن تتحقق فقط عبر استنزاف أفراد الخط الأمامي وعزل قوات حماس القتالية النظامية عن مصادر التعزيز والإمداد، بل كذلك هناك حاجة إلى تفتيت كل الوصلات بين شبكة وحدات المقاتلين، وصولا إلى المجموعات الأصغر التي تعمل كخلايا مكتفية ذاتيا إلى حد كبير، ولا حاجة لها في بعض الأحيان إلى التواصل مع القيادة لأجل تنفيذ القرار.
من هذا المنظور، يمكن لنا النظر إلى كتائب القسام في شكلها الذي دخلت به السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 باعتبارها جماعة مسلحة تمتلك في جانب منها قدرات الفصائل غير النظامية، وفي جانب آخر تمتلك صفات الحكومة والقوة المسلحة التقليدية، وبالتالي فإنها تظل تمتلك هيكلية متماسكة تحت الضربات القوية، لكن مع السماح في الوقت نفسه للوحدات الأصغر باتخاذ قرارات في مستوى أوسع بفارق واضح من وحدات الجيوش النظامية.
هذا النوع من التوسط بين الحالة اللامركزية والحالة الأقرب للمركزية يسمح للقوة المسلحة بتجاوز أهم تحديات اللامركزية، وهو الافتقار إلى التماسك أو الاستراتيجية الموحدة، الأمر الذي يمكن أن يسفر عن اتجاه وحدات مختلفة نحو تحقيق أهداف مختلفة، أو اتباع تكتيكات متضاربة، مما قد يؤدي إلى إضعاف الفعالية الإجمالية للقوة.
وفي الوقت نفسه كلما أصبحت الأمور أعقد وأصعب توجهت تلك الوحدات إلى نمط لامركزي، للحفاظ على وتيرة القتال. بمعنى أوضح، في حال انقطاع الاتصال مع أي من نقاط القيادة، سواء العليا أو المحلية أو حتى قيادة الفرق، أو فقدان القدرة على الوصول إلى الإمدادات، فإن جنود الوحدات الأصغر مدربون على التعامل بشكل مستقل تماما (بناء الخطط وتنفيذها واتخاذ القرارات) لتحقيق الهدف الأساسي، وهو إيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف جيش الاحتلال.
والواقع أن الحرب غير النظامية تفرض على المقاومة التصرف بسرعة في سياق ما هو متاح من بيانات، لأن الهدف هو التحكم في توقيت المعركة بحيث تكون وحدات المقاومة هي التي تبدأها وتنهيها، وهذا هو بالأساس معنى الحرب غير النظامية، حيث أن القوة الأضعف تقنيا تحرص على تحقيق أفضل استثمار ممكن فيما هو متاح من أدوات لإيقاع خسائر في صفوف القوة الأقوى تقنيا بدون الحاجة لمواجهات مباشرة مع التقنيات النظامية، كالدبابات والطائرات، التي تسمح بتفوق نوعي على الأرض لو كانت المعركة تقليدية.
ولنأخذ مثالا من أرض الواقع، وهو هجمات الكر والفر، فرغم أن هجمات كتائب القسام من هذا النوع باتت أكثر تطورا وتعقيدا وتركيبا، من حيث كونها تستخدم أسلحة متنوعة وجهات ضرب مختلفة، فإنها تظل معتمدة بشكل كبير على قيام مجموعة صغيرة من المقاتلين ببناء خطة سريعة لاستهداف فرقة تمر في هذا المكان أو ذاك في لحظة محددة.
يحدث ذلك لأن الوحدات الصغيرة المستقلة باتت قادرة على ابتكار تكتيكات خاصة للتلاؤم مع بيئات محددة أو استهداف نقاط ضعف العدو التي ظهرت في سياق حدث بعينه، مما يجعل هجماتها أكثر فعالية وأقل قابلية للتنبؤ في الآن ذاته.