جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-05@03:02:21 GMT

صناعة القرار وجهل التمييز

تاريخ النشر: 1st, November 2023 GMT

صناعة القرار وجهل التمييز

 

فاطمة الحارثية

هل آن الأوان لغرز وسن قوانين مقاومة للتمييز؟ ولا أقصد التمييز ضد المرأة أو الطفل أو الشباب أو غير الأكاديمي فقط، بل التمييز في العموم وكل ما يُعيق تقدمنا نحو تحقيق تصور رؤيتنا وطموح التحول الاقتصادي، وتطوير المجتمع فكريًا وثقافيًا، ولا أستطيع القول إن الأمر هين، فمع العولمة بات التغيير أكثر صعوبة مما سبق، والتأثير يحتاج إلى مقومات المفاوضة والقدرة على البرهان، وسرعة الاستجابة مع مراعاة الحفاظ على الأنظمة والعمليات السليمة أثناء فعل ذلك.

 

يجب أن لا نستهين بمخاطر العولمة، والسلبية التي تضج من فكر غير ناضج وغير مُدرك لما يلفظ من قول أو يفعل من سلوك.

نحن نتكامل، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نطالب بالكمال، أو التميز أو العلو إلا إذا كنَّا في منظومة تحترم القدرات وتعترف بالنقص والطبيعة البشرية، وإن النجاح يكمن في العمل الجماعي والتآلف ومساعدة بعضنا البعض، بكل ما نملك من إيجابيات وسلبيات؛ فأنا وأنت بشر وما ينقصني تُكمله لي، وما هو نقص لديك أتمه لك، هذا هو الوعي الذي يرفع من قيمتنا، ونصل به نحو الأفضل والنمو والاستدامة، أما بالنرجسية وفرض الرأي والتكبر والتشدق بقول مغاير للفعل فلن نصل إلى شيء؛ وأن تتم معاملة الشاب على أنه لا خبرة لديه ليُعاني التمييز، بدل أن يقبله كبير السن ويمنحه الخبرة، ويُشارك الشاب روح الحماس ليُعيد فكر التجدد لديه ويستثمر في خبرته، لتندمج بذلك الخبرة مع الفكرة مما يُقلل المخاطر ويصنع الابتكار. لن نتقدم إذا استمررنا في طمس مثل هذه الحاجة في صناعة القرار.

وعند تعرض المرأة للتمييز رغم أنها هي من ربَّت الرجل وهي من قامت في أمره ليعتبرها (عيب) ولينعتها بالعاطفية، وكأنها مهانة، وهي في الحقيقة ميزة تردم النقص الذي لدى الرجل، وأساس من أسس عناصر صناعة القرار الحكيم وتكامله، زد على هذا أصحاب المهارات والمبدعين خارج الإطار الأكاديمي الملقن، وما يواجهون من رفض ونعت بالجهل، وكأن العلم محصور بين الكُتب. شخصيًا دائمًا ما أُعجب بحلولهم لأنها بسيطة وفعّالة ولا تحمل عُقد التفسير والرعوية، ومنهم فئة جريئة وشُجاعة لا تتردد في الإقدام والتجربة، عكس الكثير من الاكاديميين الذين يستغرقون في التخطيط والأعمال الورقية والاستراتيجيات أكثر من التنفيذ الفعلي، ولا أنتقص بهذا أهمية التخطيط، لكن لنكن واقعيين قليلا وسوف نلاحظ أنه بات يستهلك الكثير من الجهد والوقت وعند التنفيذ استطيع أن أقول أن أكثر من 60 بالمائة من الخطة تتغير بسبب المزامنة والتأخر، زد على ذلك التحقير الذي يُمارسه بعض الأكاديميين ضد شباب المهارات ومحدودي التعلم وذوي الإعاقة، أقول لهؤلاء المبدعين لله الحمد الذكاء لا يُقاس بالشهادات، وأنتم جزء أساسي لا غنى عنكم، وبكم نحقق المستحيل.

إن أردنا فعلًا أن نتقدم علينا أن نراجع تطبيق القوانين، وأتحدث عن التطبيق لأن القوانين موجودة وتحافظ على صحة صناعة القرار، لكنها تحتاج إلى متابعة حقيقية وحازمة في التطبيق، وفرض التوازن.

المثال على ذلك المجالس البرلمانية في الدولة، وحتى ينضج الفكر وينتشر الوعي الصحيح، تحتاج الدولة لأن تفرض هذا التوازن في أعضاء تلك المجالس، وأن تجعل النسبة والتناسب بيّنه في المنتسبين والعناصر الثلاثة فاعلة في صناعة القرار: الجنس، والعمر، والعلم؛ كما وأن الثقافة البرلمانية محورها التنوع الفكري لتستطيع أن تلعب دورها في تحديد كيفية عمل البرلمان، وكيفية تفاعله مع المجتمع والحكومة لتحقيق أفضل النتائج، مع الحفاظ على النمو الصحي والقيم ورفاهية الوطن والمواطن والمقيم، علينا أيضاً أن نُساهم في صناعة برلمان حقيقي وليس فقط شكليًا، لا يمكن لمجموعة ما لم يكن بينها صاحب قضية أو من ذات الفئة أن تحل القضية بالشكل المطلوب أو أقلها أن تسلط الضوء المناسب عليها.

قيل الكثير عن جنتي عُمان ولا أرضى، لكن أقل ما أستطيع أن أكون على هذا المنبر، أحاول بالقلم إيصال الكلمة وهي أضعف الإيمان.

****

سمو...

لسنا مجبورين أن نستنسخ فكر الغير، لنا أن نكون هويتنا الخاصة وقواعدنا التي توصلنا إلى تصور رؤيتنا الطموحة.

لك يا إنسان حق العيش على أرض سخرها الله لك، وما الحروب إلا شيطان قام وسانده قابيل ليهمن على الأرض، التي تعهد أمام الله أن يُمحي وجود الإنسان عليها؛ القوى تسعى نحو إعادة رسم خارطة حدود جديدة حسب الثروات المُكتشفة، بمساعدة من يحاول محوه، كم في ذلك من سخرية وألم ودهشة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

نظام  SSSE السعودي.. كيف يمكن أن يُحوّل الرياضة إلى صناعة عالمية؟

في ظل استعدادات المملكة العربية السعودية لاستضافة أحداث رياضية عالمية ضخمة، مثل كأس آسيا 2027 وربما دورات أولمبية مستقبلية، تقف الرياضة السعودية أمام لحظة تحول مفصلية تتطلب أكثر من مجرد تنظيم بطولات أو بناء منشآت.

نحن بحاجة إلى رؤية مؤسسية متكاملة تنقل الرياضة من كونها نشاطًا مجتمعيًا إلى صناعة اقتصادية مستدامة.

وهنا، يبرز مفهوم “نظام بيئة قطاع الرياضة السعودي (SSSE – Saudi Sports Sector Ecosystem)” كإطار عمل استراتيجي يمكن أن يكون حجر الزاوية في بناء مستقبل رياضي عالمي للمملكة.الدرس الكتالوني: صناعة رياضية مدفوعة بالتكامل والتخطيط لناخذ مثالًا حيًا وناجحًا: إقليم كتالونيا في إسبانيا. هناك، تحوّلت الرياضة إلى محرك اقتصادي رئيسي بفضل دمجها الذكي مع قطاعات مثل السياحة والتعليم والابتكار.

أحدث الدراسات المتعلقة بكأس أمريكا للإبحار 2024 في برشلونة، وهي من أكبر الفعاليات الرياضية والسياحية في أوروبا، تشير إلى ما يلي:- الأثر الاقتصادي الإجمالي تجاوز 1.03 مليار يورو،- الحدث ساهم في خلق أكثر من 12,800 وظيفة جديدة،- القيمة الإعلامية العالمية بلغت حوالي 1.3 مليار يورو،- استقطب ما يقارب 1.8 مليون زائر، من بينهم أكثر من 460 ألف زائر متخصص في سياحة الأحداث.كل هذه النتائج لم تتحقق مصادفة، بل كانت ثمرة نموذج بيئي مؤسسي متكامل، يتضمن تشريعات واضحة مثل “قانون الرياضة الكتالوني” (3/2008)، وأدوات تنظيمية مثل مراقب الرياضة وسجل ROPEC المهني، بالإضافة إلى شراكات بين الجامعات والمراكز البحثية مثل INEFC وBarça Innovation Hub.

لقد تابعنا بإعجاب بالغ التقدم الملحوظ الذي تحقق في كتالونيا على صعيد الدمج بين الرياضة وسياحة الاجتماعات، ونرى أن النموذج الكتالوني، القائم على تكامل القطاعين العام والخاص في ترسيخ مكانة المنطقة عالميًا في استضافة الفعاليات الرياضية والسياحية، يُمثل رؤية ملهمة وقابلة للتطبيق في المملكة، لا سيما في مناطق مثل العلا، نيوم، أبها، والبحر الأحمر.الوضع في السعودية: فرص عظيمة تنتظر التنظيم رغم  التطورات الكبيرة التي شهدتها الرياضة السعودية في السنوات الأخيرة، لا تزال هناك فجوات هيكلية تمنع تحقيق القفزة النوعية المطلوبة، مثل:

- غياب نموذج بيئي موثق يوضح العلاقة بين الجهات الحكومية، الأندية، الشركات، الأكاديميات، البلديات، واللجان الرياضية.

- عدم وجود سجل وظيفي رسمي للمهنيين الرياضيين أو نظام لتصنيف الكيانات حسب النشاط والمستوى.

- نقص في التشريعات الرياضية الحديثة، ما يؤثر على جذب الاستثمار والتعامل مع الشركات الدولية.

- غياب قواعد بيانات دقيقة عن حجم القطاع والعاملين فيه.- عدم وجود برامج دكتوراه أو مراكز بحث رياضي تخصصية.

ما الذي يمكن أن يقدمه SSSE؟ يأتي نظام SSSE ليعالج كل هذه التحديات في قالب واحد متكامل، فمن خلاله، يمكن:

- بناء قاعدة بيانات وطنية للكيانات والمهنيين الرياضيين.- تأسيس سجل رسمي ومهني للممارسين والكوادر.

- إنشاء إطار تشريعي متطور، يُبنى على نماذج دولية ناجحة مثل قانون كتالونيا.- إطلاق مراكز تدريب وبحث رياضي بالشراكة مع جهات دولية مرموقة.

- تصنيف الكيانات الرياضية بشكل علمي ومؤسسي لتحديد الاحتياج والتخصص.

الاستثمار: لماذا هو مُمكن الآن أكثر من أي وقت؟

تبني SSSE لا يعني فقط ترتيب البيت الداخلي، بل هو أيضًا مفتاح لجذب الاستثمار الرياضي الخاص والدولي.

فعندما يجد المستثمر بيئة منظمة وشفافة، يمكنه الدخول بمشاريع رياضية متنوعة: من شركات بيانات وتحليل أداء، إلى أكاديميات تدريب، ومراكز علاج وتأهيل رياضي، وتطبيقات رقمية، وبنية تحتية ذكية، وتسويق فعاليات.

مع تحول القطاع إلى بيئة قابلة للقياس، محمية قانونيًا، ومفتوحة للمنافسة، يمكن أن نرى قفزات في:

- مساهمة الرياضة في الناتج المحلي.- خلق وظائف مهنية مستقرة ومؤهلة.

- تصدير الكفاءات الرياضية السعودية عالميًا.

- تحوّل المملكة إلى مركز إقليمي لصناعة وتنظيم البطولات الدولية.الرياضة السعودية اليوم تقف على أعتاب فرصة تاريخية.

ليس المطلوب فقط المزيد من البطولات، بل منظومة تحكم وتدير وتنظم هذا النمو، لتضمن استدامته واستثماره.

نظام SSSE ليس رفاهية تنظيمية، بل ضرورة استراتيجية لبناء صناعة رياضية متكاملة ومربحة ومصدر فخر وطني.

تجربة كتالونيا تثبت أن الاستثمار في التنظيم والتشريع والمؤسسات يسبق المكاسب المادية، بل ويُسرّعها. والسعودية لديها اليوم كل المقومات لتكون “كتالونيا الشرق الأوسط” في الرياضة — بل وإبعد من ذلك.

نظام  SSSE السعوديقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • الجابر: الهلال رفع اسم الوطن والإدارة قادرة على صناعة فريق لا يُقهر
  • علماء العراق: القضية اليمنية مغيبة عن الرأي العام واغتيال "حنتوس" أنموذجا لجرائم التمييز الطائفي
  • كيف تفوقت صناعة السيارات الصينية على نظيرتها الأميركية والأوروبية؟
  • مواهب إماراتية في السينما العالمية
  • نظام  SSSE السعودي.. كيف يمكن أن يُحوّل الرياضة إلى صناعة عالمية؟
  • مقر المؤثرين ينظم «أسرار الدحيح» في صناعة المحتوى
  • “هلب كود ” تنفذ جلسات حول “مكافحة التمييز ومنع الكراهية” في عدن
  • صناعة القرار الاستراتيجي واختبار العقل القيادي
  • كيف دفعت صناعة الأسلحة ترامب نحو الحرب مع إيران؟
  • ستريدا جعجع تؤكد على حق المغتربين بالاقتراع الكامل وتستنكر التمييز القانوني