يشعر دبلوماسيون أميركيون في وزارة الخارجية بـ “الغضب والصدمة واليأس غير المعلن، بسبب ما اعتبروه بمثابة شيك على بياض منحته واشنطن لإسرائيل”، في حربها ضد حماس، والتي تشهد قصفا عنيفا للمدنيين والأحياء السكنية في القطاع، أوقع عددا كبيرا من القتلى في صفوف المدنيين، وفق ما كشف تقرير لمجلة فورين بوليسي.

هذا الوضع، دفع الوزير، أنتوني بلينكن، إلى إرسال رسالة مطولة إلى موظفي السلك الدبلوماسي الأميركي طالبا منهم “توسيع مساحة النقاش والمعارضة، لجعل سياساتنا ومؤسستنا أفضل”.

وأشار بلينكن، في رسالته بتاريخ 20 أكتوبر، والتي اطلعت فورين بوليسي على نسخة منها، إلى مدى “صعوبة” الأزمة الحالية بالنسبة لموظفي وزارة الخارجية، وكرر دعواته ودعوات الرئيس، جو بايدن، لإسرائيل لـ “احترام سيادة القانون والمعايير الإنسانية الدولية”، مؤكدا في الوقت نفسه “دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في أعقاب الهجوم الضخم الذي شنه مسلحو حماس يوم 7 أكتوبر”.

وأكدت رسالة بلينكن أن إدارة بايدن “ترحب بالمعارضة الداخلية” من خلال القنوات المناسبة. “نحن نفهم، ونتوقع ونقدر، أن الأشخاص المختلفين الذين يعملون في هذا القسم لديهم معتقدات سياسية مختلفة، ولديهم معتقدات شخصية مختلفة، ولديهم معتقدات مختلفة حول ما ينبغي أن تكون عليه سياسة الولايات المتحدة”.

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية، ماثيو ميلر، علق على الأمر بالقول: “نعتقد أن هذه إحدى نقاط القوة لدى هذه الحكومة” الأميركية.

وبينما كان بلينكن منشغلا بالتنقل بين عواصم الشرق الأوسط، في جولات ماراثونية لمعالجة الأزمة الإقليمية الهائلة التي أثارتها الحرب بين إسرائيل وحماس، كانت “عاصفة متصاعدة” من المعارضة تتنامى في السلك الدبلوماسي الأميركي.

ويقول تقرير فورين بوليسي إن “الغضب” في أوساط السلك الدبلوماسي الأميركي، توسع ليشمل موظفين في مجلس الأمن القومي، ووكالات أخرى، حيث تحول الأمر إلى “موجة معارضة شديدة” لنهج بايدن الأولي تجاه الحرب، ما وضع كبار موظفي الإدارة في موقف دفاعي في الخارج والداخل.
وما يزيد المسألة تعقيدا، أن اعتراضات موظفين في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي والوكالات الأخرى، التي كشف عنها أكثر من 10 مسؤولين حاليين وسابقين في مقابلات مع مجلة فورين بوليسي، تتزامن مع رد فعل عنيف حاد ضد سياسات بايدن خارج واشنطن وبين الديمقراطيين التقدميين والناخبين الأميركيين العرب.

فقد كشف استطلاع جديد أن نحو 59 بالمئة من الأميركيين العرب كانوا يدعمون بايدن في عام 2020، لكن هذا الدعم في سباق الرئاسة المقبل 2024 انخفض إلى 17 بالمئة.
وأشار تقرير المجلة إلى أن تصاعد المعارضة الداخلية بشأن سياسات أميركا تجاه الحرب في غزة، تشكل أحد أكبر التحديات التي تواجه فترة بلينكن في وزارة الخارجية حتى الآن، حسبما يؤكد بعض المسؤولين الحاليين والسابقين.

ونقلت المجلة عن، آرون ديفيد ميلر، الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي والخبير السابق في وزارة الخارجية لشؤون المفاوضات العربية الإسرائيلية أنه “خلال 25 عاما من العمل في وزارة الخارجية، لم أر شيئا كهذا من قبل”.

ومع تصاعد الخسائر الإنسانية الناجمة عن الضربات الإسرائيلية والعمليات العسكرية في غزة الأسبوع الماضي، غيرت إدارة بايدن نهجها، وحثت إسرائيل علنا وسرا على اتخاذ المزيد من الخطوات لتخفيف المعاناة الإنسانية وإعادة فتح وصول غزة إلى المياه والوقود والإمدادات. والإمدادات الإنسانية، وفق المجلة.

ورغم أن الولايات المتحدة لا تزال تصر على تنفيذ خطط دعم لإسرائيل في مواجهة حماس، عبر شحن الأسلحة وإرسال خبراء عسكريين، وتسيير حاملتي طائرات إلى المنطقة، إلا أن بلينكن، الذي أدلى بشهادته أمام مجلس الشيوخ، الثلاثاء، دعا إلى “هدنات إنسانية قصيرة” للسماح بوصول إمدادات الإغاثة الإنسانية إلى غزة.
وأدت مشاهد الجثث المتناثرة في أروقة مستشفيات قطاع غزة، وخاصة الضحايا الأطفال والنساء، وتدمير المنازل بشكل عشوائي إلى تغيير السياسة الأميركية التي باتت تركز أكثر على أولويات إنسانية.

وقد أعرب مسؤولو الإدارة الأميركية بشكل خاص عن مخاوفهم العميقة بشأن الكيفية التي أدت بها حملة القصف والغارات الإسرائيلية على غزة إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وارتفاع عدد القتلى المدنيين، ونجح المسؤولون الأميركيون في الضغط على إسرائيل لاستئناف إمدادات المياه إلى غزة، وفق المجلة.

وقال مسؤولون حاليون وسابقون إنه من الصعب تحديد إلى أي مدى ساعدت ردود الفعل العنيفة بين الدبلوماسيين والمسؤولين الأمنيين، إن وجدت، بما في ذلك من خلال قنوات المعارضة الرسمية، في تشكيل هذا التغيير في اللهجة الأميركية تجاه إسرائيل، وفق تقرير فورين بوليسي.

لكن المجلة تشير إلى أن المعارضة “لا تزال مشتعلة وستختبر رد إدارة بايدن على المزيد من التقلبات في الصراع، المزيد من الاعتراضات الداخلية من صناع السياسات على كل المستويات في الأسابيع المقبلة، يمكن أن تغير حسابات الدولة الوحيدة التي لا يزال بإمكانها تخفيف نهج إسرائيل في الحرب”.

وتشير المجلة إلى أن أروقة وزارة الخارجية الأميركية شهدت المعارضة أكثر حدة في الأسبوعين الأولين من الحرب الإسرائيلية على غزة، عندما تمسك بايدن بنهجه المتمثل في تقديم الدعم غير المقيد لإسرائيل.

ونقلت المجلة عن، جوش بول، المسؤول المخضرم في وزارة الخارجية الذي عمل في مجال نقل الأسلحة، واستقال في 18 أكتوبر احتجاجا على سياسات الإدارة بأنه “لا يوجد مجال لأي نقاش”.
وأضاف أن “التعليقات التي سمعتها من الآخرين داخل القسم أنهم عندما حاولوا إثارة هذه القضايا، كان الناس سعداء بالحديث عن مشاعرهم الشخصية أو انزعاجهم، ولكن بمجرد الدخول في أي مناقشات سياسية صعبة، يقال لهم: هذا يأتي من الأعلى”.

وقد اعترض مسؤولو الإدارة الأميركية بشدة على هذا التوصيف، وقالوا إن الإدارة ظلت ثابتة في دعوة إسرائيل إلى الالتزام بكل القانون الدولي أثناء دفاعها عن نفسها.

ويقول آخرون إن السلك الدبلوماسي الأميركي كان منزعجا من اندفاع بايدن لدعم العمليات العسكرية الإسرائيلية واسعة النطاق في غزة بدلا من العمليات الأكثر دقة واستهدافا للقضاء على قيادة حماس إلى جانب الجهود الدبلوماسية لحشد الدعم لإسرائيل.

المصدر: صحيفة الجزيرة

كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية فی وزارة الخارجیة فورین بولیسی

إقرأ أيضاً:

“أورومتوسطي”: “إسرائيل” تجنّد عصابات ومرتزقة لارتكاب مجازر في غزة


الثورة نت/..

اتهم المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (حقوقي مقره جنيف)، اليوم الإثنين، قوات العدو الإسرائيلي بتجنيد عصابات محلية ومرتزقة أجانب من شركة أمنية أميركية خاصة.

وقال المرصد، في بيان، إن الهدف من هذه العصابات تنفيذ عمليات قتل جماعي للفلسطينيين المجوّعين قرب نقاط توزيع المساعدات في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، محذرًا من سياسة ممنهجة لتحويل مشاهد الإغاثة الإنسانية إلى ساحات للمجازر والفوضى، وفق وكالة “قدس برس”.

وذكر “الأورومتوسطي” أن فريقه الميداني وثق قيام جيش العدو إلى جانب عناصر من عصابة مسلحة محلية أنشأها، بإطلاق النار بشكل مباشر على مئات المدنيين الذين تجمعوا قرب نقطة لتوزيع المساعدات أقامها جيش العدو الإسرائيلي في منطقة “العَلَم” غربي رفح، ما أسفر عن استشهاد 14 مدنيًا على الأقل، وإصابة العشرات بجروح متفاوتة.

وأكد المرصد أن الشهادات التي جمعها من أكثر من 12 شاهدًا، بينهم مصابون، أفادت بأن مركبات عسكرية تقل مسلحين يرتدون زيًا يحمل شعار “جهاز مكافحة الإرهاب الفلسطيني” – وهو زي تعتمده ميليشيا تعرف باسم “عصابة أبو شباب” – أطلقت الرصاص مباشرة على الحشود بعد أن أمرتهم بالتفرق، في مشهد يعكس سياسة القتل العشوائي والترويع.

وأوضح أن هذه العصابة تعمل بتنسيق مباشر مع قوات العدو الإسرائيلي، وتتخذ من مناطق سيطرة العدو مقرات لها، وهي متورطة في أعمال نهب منظمة لمساعدات إنسانية، بما في ذلك شاحنات أممية، تحت حماية طائرات استطلاع صهيونية من نوع “كوادكابتر”، حيث تُنقل المساعدات المنهوبة إلى مناطق خاضعة لسيطرة العدو وتُباع بأسعار باهظة.

وأشار “الأورومتوسطي” إلى أن قوات العدو الإسرائيلي أقحمت مرتزقة أجانب يعملون لصالح شركة أمنية أميركية في عمليات الإشراف على نقاط المساعدات، وقد وثق المرصد إطلاق أحد هؤلاء المرتزقة النار مباشرة على أحد المدنيين ما أدى إلى استشهاده، كما استخدم المرتزقة قنابل غازية لتفريق الحشود.

ولفت إلى أن حكومة العدو الإسرائيلي، وعلى لسان رئيس وزرائها، مجرم الحرب المطلوب لمحكمة الجنايات الدولي، بنيامين نتنياهو، “أقرت رسميًا بتشكيل ميليشيات محلية تُسند لها مهام أمنية وقتالية في القطاع، وهو ما يحمّل العدو الإسرائيلي المسؤولية القانونية المباشرة عن انتهاكاتها كقوة احتلال بموجب اتفاقيات جنيف، لا سيما في حماية المدنيين وعدم تفويض الانتهاكات”.

وأضاف أن “عناصر الشركة الأمنية الأميركية ينخرطون في أعمال قتالية بشكل مباشر، ويتلقون توجيهات عملياتية من الجيش “الإسرائيلي”، ما يجعلهم مرتزقة بموجب التعريف الدولي الوارد في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1989، التي تحظر تجنيدهم وتمويلهم واستخدامهم في النزاعات المسلحة”.

ودعا المرصد إلى فتح تحقيقات دولية مستقلة بشأن الجرائم المرتكبة من قبل هذه العصابات والمرتزقة، وملاحقة المتورطين قضائيًا على المستوى الدولي أو ضمن الولايات القضائية الوطنية.

وطالب بإدراج الشركة الأمنية الأميركية ضمن قوائم الشركات المتواطئة في جرائم حرب، وفرض حظر شامل على تعامل المؤسسات معها.

كما طالب المرصد، السلطة الفلسطينية بإعلان موقف حازم من هذه العصابة، والتحقيق في المزاعم المتعلقة بتنسيقها مع جهات في السلطة، واتخاذ إجراءات قانونية فورية ضد أي تواطؤ محتمل في انتهاكات تستهدف المدنيين.

شدّد على ضرورة تحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل لوقف جريمة الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، بما يشمل فرض عقوبات سياسية واقتصادية وعسكرية على إسرائيل، وتجميد أصول شركات ومسؤولي العدو الإسرائيلي المتورطين، ووقف تصدير الأسلحة إليها، وتنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي ووزير دفاعه السابق.

وختم المرصد بيانه بالتأكيد على أن ما يجري في قطاع غزة من قتل وتجويع وتفويض للعنف يمثل نمطًا ممنهجًا لانتهاكات جسيمة ترتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تستدعي محاسبة دولية فورية ومباشرة.

وبدعم أميركي وأوروبي، يرتكب جيش العدو الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023، جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة أسفرت عن استشهاد 54,927 مواطنا فلسطينياً، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وإصابة 126,615 آخرين، حتى اليوم، في حصيلة غير نهائية، حيث لا يزال الآلاف من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم.

مقالات مشابهة

  • الجزائر من الدول الإفريقية القليلة التي لا تعاني من ضغوط المديونية الخارجية
  • رؤساء جماعات يتحولون إلى “طاشرونات”.. صفقات إصلاح وصباغة تُغيّب الأولويات وتخلق عاصفة انتقادات
  • الأمم المتحدة تطالب “إسرائيل” بوقف إطلاق النار في غزة والسماح بوصول المساعدات
  • “أورومتوسطي”: “إسرائيل” تجنّد عصابات ومرتزقة لارتكاب مجازر في غزة
  • الخارجية التركية تدين اعتداء إسرائيل على سفينة مادلين
  • إسرائيل تمنع سفينة مادلين “الخيرية” من الوصول إلى غزة
  • ترامب يزور “إسرائيل” خلال شهر لكن لديه شرط
  • إسرائيل تُسكت “مادلين”.. السفينة التي حملت ما تبقى من إنسانية
  • بحرية الصين تؤكد تعلمها من الدروس التي تجرعها الأمريكان على يد اليمن في البحر الأحمر
  • “مجلة بريطانية”: الدبيبة يستند إلى دعم مليشيات مصراتة ولن يتنحى طوعاً