الصحفيون مستهدفون
المعطيات المتاحة تتحدث عن قتل وجرح عشرات الصحفيين خلال القصف الإسرائيلي على غزة وفقاً للاتحاد الدولي للصحفيين.
منذ اندلاع حرب غزّة، تنتهك إسرائيل القانون الدولي الإنساني في قطاع غزة وحدود لبنان التي تشهد قصفاً متبادلاً، ويقوم الصحفيون بتغطية ما يدور.
كان الصحفيون يعتمرون خوذاً وسترات وشعار «صحافة»، و«يستحيل أن يتم الخلط بينهم وبين مقاتلين.
لقد ظلوا بمنطقة مكشوفة أكثر من ساعة على قمة تل، وكانوا مرئيين بوضوح».
تستهدف إسرائيل صحفيين ومراسلين وعائلاتهم مثل مراسل «الجزيرة» وائل الدحدوح حيث قتلت زوجته وابنه وابنته وحفيده، في قصف إسرائيلي طال بيتا لجأت إليه العائلة.
«الاستنتاجات الأولى للتحقيق تثبت أن الصحفيين لم يكونوا ضحايا عرضيين للقصف.. فوقوع ضربتين بنفس المكان في نحو 30 ثانية، قادمتين من الاتجاه نفسه، يشير بوضوح لاستهداف دقيق».
* * *
تنصّ القاعدة 34 من قواعد بيانات القانون الدولي الإنساني على أنه «يجب احترام وحماية الصحفيين العاملين في مهام مهنية في مناطق نزاع مسلح، ما داموا لا يقومون بأعمال عدائية». ومنذ اندلاع حرب غزّة في السابع من أكتوبر الجاري، فإن إسرائيل انتهكت، وتنتهك هذه القاعدة، وفق تأكيدات الاتحاد الدولي للصحفيين.
جرى هذا الانتهاك في قطاع غزة نفسه، أو على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية التي تشهد قصفاً متبادلاً، ويقوم الصحفيون، بحكم عملهم، بتغطية ما يدور.
المعطيات المتاحة تتحدث عن قتل 24 صحفياً، على الأقل، خلال القصف الإسرائيلي على غزة وفقاً للاتحاد الدولي للصحفيين، فيما أبلغ عن صحفيين آخرين كمصابين بلغ عددهم ثمانية، وعن تسعة صحفيين في حكم المفقودين.
ويتهم الصحفيون، خاصة مراسلو القنوات الفضائية ووكالات الأنباء، إسرائيل باستهداف عائلاتهم أيضاً، كما جرى مع مراسل قناة «الجزيرة»، وائل الدحدوح، حيث قتلت زوجته، وابنه، وابنته، وحفيده، في قصف إسرائيلي طال البيت الذي لجأت إليه العائلة.
وتعرضت الفرق الإعلامية، ممن يتحدث أفرادها اللغة العربية، إلى مضايقات واستجوابات عند نقاط تفتيش القوات الأمنية الإسرائيلية، ومن جانبها أكدت منظمة «مراسلون بلا حدود»، في تحقيق منشور، أن عدداً من الصحفيين تعرضوا «للاستهداف» بقذيفتين في جنوب لبنان، ما أدى إلى مقتل المصور الصحفي في وكالة «رويترز»، عصام عبد الله، وإصابة ستة آخرين، بينهم مصوران صحفيان من «فرانس برس».
وقالت المنظمة إنه «وفقاً للتحليل، فإن المنطقة التي انطلقت منها القذيفتان تقع إلى الشرق من المكان، حيث تقع الحدود مع إسرائيل»، مضيفة أن «الاستنتاجات الأولى للتحقيق تثبت أن الصحفيين لم يكونوا ضحايا عرضيين للقصف (...) فوقوع ضربتين في المكان نفسه في مثل فترة قصيرة (أكثر بقليل من 30 ثانية)، قادمتين من الاتجاه نفسه، يشير بوضوح إلى استهداف دقيق».
وشدد محقق من المنظمة غير الحكومية مشارك في التحقيق، على أن الصحفيين كانوا يعتمرون خوذاً وسترات تحمل شعار «صحافة»، وإنه «من المستحيل أن يتم الخلط بينهم وبين مقاتلين. لقد ظلوا في منطقة مكشوفة لأكثر من ساعة على قمة تل، وكانوا مرئيين بوضوح».
وفي ردّه على تحميل منظمات ونقابات صحفية وإعلامية إسرائيل المسؤولية عن الاستهداف المتعمد من جانب القوات الإسرائيلية للإعلاميين في قطاع غزّة، قال الجيش الإسرائيلي إنه لا يستطيع ضمان أمن وسلامة الصحفيين، ما حمل الاتحاد الدولي للصحفيين للقول في بيانٍ بهذا الخصوص، إن إعلان الجيش الإسرائيلي هذا بخصوص سلامة الصحفيين انتهاك للقانون الدولي، وللمادة 79 من اتفاقية جنيف بشأن حماية حقوق الصحفيين كمدنيين، وهو «جريمة حرب».
*د. حسن مدن كاتب صحفي من البحرين
المصدر | الخليجالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: إسرائيل الصحفيون صحافة قطاع غزة القانون الدولي الإنساني وائل الدحدوح الجيش الإسرائيلي الدولی للصحفیین
إقرأ أيضاً:
وهل يخدع الإنسان نفسه؟!
يُعّرَفُ عمّن يمارس النفاق على أنه يظهر للآخرين ما لا يخفـيه فـي نفسه. وبهذا المعنى فإن العلاقة بين الإنسان ونفسه علاقة لا يشوبها كدر، أو غبار، فكلا الطرفـين يواجهان بعضهما بعضا بحقيقة ما يبديانه، وما يخفـيانه؛ ولذا فمن المستحيل أن يخدع كلاهما الآخر، وتبقى حالة من المخادعة الظاهرية هي بينهما، وبين الآخرين من حولهما. وأصفها بـ «المخادعة»؛ لانتفاء صفة الصدق فـيها.
ولذلك يعيش الإنسان صراعا ذاتيا قاسيا مع نفسه فـي المواقف التي لا يكون صادقا فـيها، وإن أبدى المرح والسرور مع الآخر. ومن هنا فإن مشاعر القسوة لا يمكن التحايل عليها؛ حيث تتجلى قيمة الصدق فـيها أكثر، فلا خيار متاح فـي تلك اللحظة إلا تجرع الألم بكل حمولته القاسية، بخلاف مشاعر السرور التي قد يناور فـيها الفرد الآخرين، ويبدي عكس ما يضمره كنوع من المجاملة؛ ولذلك قال شاعر العربية الكبير أبو الطيب المتنبي: «لا تحسبوا رقصي بينكم طربا ... فالطير يرقص مذبوحا من الألم».
ومع ذلك فالناس مدمنون على إظهار السرور- كما يشاع -، وإن أظهروا ذلك السرور بتكلف فـي كثير من الأحيان؛ ولذلك تصنف الابتسامات المتكلف فـي إبدائها للآخرين على أنها «ابتسامات صفراء». وهذا التصنيف لم يأت من فراغ، وإنما يأتي عن تقييم حقيقي، فالآخرون - وإن حاول الفرد أن يخدعهم بابتسامة صفراء، أو بوصف مبالغ ليس فـيهم - فهم يدركون حقيقة الأمر، وإن أبدوا مجاملة لفظية. ففي قرارة أنفسهم يدركون حقيقة الطرف الآخر، وما يبديه من تكلف وتصنع؛ ولذلك سريعا ما تنكشف مثل هذه المراوغات، ويقع أصحابها فـي حرج شديد، ويظل تدارك الموقف ليس بالأمر الهين، وعادة ما يحدث مثل ذلك فـي المواقف التي يراد منها تحقيق غاية معينة، وهذه من أشدها خطورة فـي العلاقات القائمة بين الأفراد.
والسؤال هنا: كيف يجازف الفرد بحمولته الإنسانية، فـيبدي للآخرين عكس ما يختلج بين جوانحه؟ كيف يستطيع أن يخاتل نفسه فـي لحظة فارقة فـينفرد بقرار مخادعتها، وهو يدرك أنه غير صادق وغير أمين فـي تلك اللحظة؟ هذه من اللحظات التي يغتال الإنسان فـيها نفسه، وبالتالي فمع استطاعته اغتيال نفسه؛ كيف لا يستطيع أن يغتال من حوله، ولو كان هذا الاغتيال لأقرب الناس إليه! إنها من الحالات التي يمتحن الإنسان ذاته فـيها، وهذا الأمر ليس متاحا للجميع؛ حيث يحتاج إلى كثير من الخبرة والتجربة.
تشدنا بعض المواقف التي نرى فـيها ذلك الصراع المتوهج - ونصفه بالخطير- بين الحيوانات المفترسة، سواء بينها وبين الحيوانات المختلفة عنها، أو بينها وبين بني جلدتها، وهو صراع مادي صرف، تحسم نتيجته قوة الطرف على الطرف الآخر؛ لأن الحيوانات لا تعرف خداع بعضها بعضا، وإنما تبقى القوة هي الحاسمة لنتيجة الصراع القائم بين الطرفـين، بخلاف حقيقة الصراعات التي تدور بين بني البشر بعضهم ببعض؛ حيث لا تظهر الحالة الفـيزيائية الصرفة فـي هذا الصراع، وإنما يسود ذلك الصراع الباطني المبني على الخداع، والتضليل، مع قناعة كل طرف أنه يمارس فعلا شائنا لا يرتضيه مع نفسه، ويرتضيه مع الآخر من حوله؛ لتحقيق غاية ما.
ففـي الصراع الإنساني لا يتوقف الأمر على القوة المادية لكسب الرهان؛ حيث تميل جل الصراعات القائمة بين بني البشر إلى اختيار القوى الناعمة، وما أكثرها! ولكن أشدها خطرا تلك القوة التي يخادع فـيها الإنسان نفسه فـي لحظة ما، مع يقينه أنه يقع فـي مغالطة شعورية كبيرة، وذلك عكس ما ينادي به أبو الفتح السبتي:
« أقبل على النفس واستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانُ».