حروب إسرائيل البرية.. إقرؤوها جيدا
تاريخ النشر: 4th, November 2023 GMT
حروب إسرائيل البرية.. إقرؤوها جيداً
قد يتم الاكتفاء بعملية عسكرية محدودة، أو بحزام أمني في شمال القطاع على غرار الحزام الأمني في جنوب لبنان، الذي انتهى في عام ألفين.
الجيش الإسرائيلي تردد في الدخول البري لقطاع غزة، لا بل إن الغزو الشامل ربما تم استبعاده أصلاً من الخيارات الاسرائيلية، أو قد يستبعده لاحقاً.
التفوق العسكري الإسرائيلي مرهون بسلاح الجو والقصف من ارتفاع آلاف الأمتار أما في المعارك البرية وعندما تُصبح الحرب قتال شوارع فالمعادلة تتغير فورا.
* * *
ما زال الحديثُ يتردد في إسرائيل منذ أكثر من ثلاثة أسابيع عن اجتياح بري شامل لقطاع غزة، أو عن حرب برية محدودة، لكنها مباشرة في القطاع تؤدي إلى ضرب البنية التحتية لحركة حماس، ولا يبدو أن ثمة اتفاقا داخليا إسرائيليا على هذه المغامرة، بل إن الخلافات ظهرت إلى العلن خلال الأيام الماضية وأصبحت هذه الخلافات محط أنظار المراقبين داخل إسرائيل وخارجها.
لدى إسرائيل تاريخ طويل من الحروب البرية في المنطقة، ومن يقرأ هذا التاريخ يكتشف أن الإسرائيليين لهم الغلبة على الدوام في الجو، أما على الأرض فتختلف المعادلة تماماً، ويتغير الواقع ويتبدل الحال، وربما هذا هو السبب الحقيقي لتأخر الدخول البري إلى قطاع غزة، واشتعال الخلافات والمخاوف داخل أروقة صنع القرار الإسرائيلي.
في حرب 1948 وخلال شهر أيار/ مايو من ذلك العام تمكنت القوات الإسرائيلية من تدمير القدرات العسكرية لسبعة جيوش عربية مجتمعة، وتمكنت من تهجير مئات آلاف الفلسطينيين وتحويلهم إلى لاجئين، لكن الكثيرين ينسون أن القوات الاسرائيلية لم تتمكن في ذلك الحين من دخول مدينة القدس، ولا بلدتها القديمة، وذلك عندما اشتبكت بشكل مباشر مع الجيش الأردني الذي انتصر في حقيقة الأمر في تلك المعركة، وأوقف توسع الإسرائيليين.
وأجبرهم على التوقف خارج مدينة القدس، وظل الجيش الأردني حامياً لمدينة القدس، وحاكماً لها حتى حزيران/ يونيو 1967 عندما تعرضت الجيوش العربية لهزيمة ثانية وكانت أيضاً بفضل سلاح الجو الإسرائيلي الذي كان متفوقاً وظل متفوقاً على كل نظرائه في المنطقة.
وفي 21 آذار/ مارس من عام 1968، أي بعد تسعة شهور فقط على نشوة الانتصار الاسرائيلي، وبعد سقوط الضفة الغربية والقدس وأجزاء من الأراضي الأردنية والمصرية في قبضة الاحتلال الإسرائيلي اندلعت «معركة الكرامة» التي شكلت حدثاً تاريخياً فريداً، حيث حشدت القوات الإسرائيلية أكثر من 15 ألف جندي من أجل اقتحام بلدة الكرامة الأردنية، التي كانت آنذاك معقلاً للمقاتلين الفلسطينيين (الفدائيين)، وكانت تهدف لاجتثاثهم من المكان ووقف هجماتهم وعمليات التسلل التي كانوا ينفذونها نحو الضفة الغربية.
في معركة الكرامة كان الفدائيون الفلسطينيون بضعة مئات، وكان معهم الجيش الأردني الداعم والمساند والعشائر الأردنية، وخاضوا معركة استمرت 15 ساعة فقط، انتهت بطلب الإسرائيليين الهدنة ووقف إطلاق النار لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل مزيد من الخسائر في صفوفهم.
أما المغامرة الإسرائيلية الأهم والأكبر على الإطلاق فكانت في الغزو الإسرائيلي الكبير للبنان عام 1982، حيث حاصرت القوات الإسرائيلية بيروت براً لأكثر من ثلاثة شهور وأمطرتها بالقنابل والصواريخ لثلاثة شهور متواصلة، ومنعت عنها الكهرباء والماء والاتصالات والطعام والدواء وكل شرايين الحياة، ومع ذلك لم تتمكن القوات الإسرائيلية من اقتحامها، إلا بعد أن غادرتها قوات منظمة التحرير الفلسطينية وفقاً للاتفاق مع الوسيط الأمريكي فيليب حبيب.
بعد شهور من اجتياح القوات الإسرائيلية لبيروت، وارتكاب المجازر في المخيمات (أشهرها وأكبرها صبرا وشاتيلا)، اضطرت أيضاً القوات الإسرائيلية إلى الانسحاب تحت ضربات المقاومة الوطنية اللبنانية التي تشكلت بسبب وجود الاحتلال، وهي المقاومة التي لم يكن الإسرائيليون يتوقعونها، لأنهم كانوا قد ضمنوا في ذلك الحين أن قوات المقاومة الفلسطينية قد غادرت لبنان وتم تشتيتها في عدة دول عربية، كما أن القيادة كانت في البلد العربي الأبعد وهو تونس، حيث لم يعد من الممكن شن الهجمات.
في عام 1987 لم يصمد الإسرائيليون طويلاً في مواجهة لم يكن من الممكن فيها استخدام الطائرات ولا الصواريخ ولا سلاح الجو، فقد كانوا أمام انتفاضة شعبية، وكان الأطفال يلاحقونهم بالحجارة من مكان إلى آخر.
ولم يكن من الممكن التصدي بالقوة لهذه الانتفاضة التي تحولت إلى حرب استنزاف لجيش مدجج بالسلاح، لكنه صار ملاحقاً في كل مدن وقرى الضفة الغربية وقطاع غزة، فاضطروا حينها إلى الذهاب لمؤتمر مدريد للسلام (1991)، وهو ما كان يعني ضمناً بأنهم خسروا حرب الشوارع التي خاضها الأطفال ضدهم.
الخلاصة هو أن إسرائيل تتفوق عسكرياً على كل العرب، وهي في صدارة أقوى الجيوش بالعالم، وهذا لا شك فيه، لكن التفوق العسكري الإسرائيلي مرهون في كل مرة بالطائرات وسلاح الجو والقصف من على ارتفاع آلاف الأمتار، أما في المعارك البرية وعندما تُصبح الحرب قتالاً في الشوارع فإن المعادلة تتغير على الفور.
وهذه الحقيقة هي التي تجعل الجيش الإسرائيلي متردداً في الدخول البري إلى قطاع غزة، لا بل إن الغزو الشامل للقطاع ربما تم استبعاده أصلاً من الخيارات الاسرائيلية، أو قد يتم استبعاده لاحقاً، وقد يتم الاكتفاء بعملية عسكرية محدودة، أو بحزام أمني في شمال قطاع على غرار الحزام الأمني في جنوب لبنان، الذي انتهى في عام ألفين.
*محمد عايش كاتب صحفي فلسطيني
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: قطاع غزة الدخول البري التفوق الجوي الجيش الأردني المقاومة الفلسطينية القوات الإسرائیلیة
إقرأ أيضاً:
إصابات جلدية تُربك تدريبات البحرية الإسرائيلية… الجيش يوقف الأنشطة ويُطلق تحقيقًا موسّعًا
شهدت البحرية الإسرائيلية خلال الأيام الأخيرة حالة استنفار داخلي بعد اكتشاف إصابة نحو 40 طالبًا عسكريًا بأعراض جلدية غير مألوفة، وذلك خلال الفحوصات الطبية الروتينية التي تُجرى لمنتسبي القوات البحرية.
وعلى الرغم من تصنيف الجيش لهذه الحالات بأنها "خفيفة للغاية"، فإن القرار المفاجئ بوقف التدريب لعدة أيام عكس حجم القلق داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ورغبتها في منع أي انتشار أوسع للأعراض.
وأفادت صحيفة إسرائيل نيوز بأن الطواقم الطبية لاحظت في نهاية الأسبوع الماضي ظهور بقع جلدية واحمرار متفاوت على عدد من الطلاب المتدربين، ما استدعى إجراء فحص شامل لكل المشاركين في البرنامج التدريبي.
ووفقًا للمصادر، لم تُسجل حالات تستدعي دخول المستشفى، إلا أن السلطات العسكرية فضّلت اتخاذ تدابير احترازية واسعة بهدف احتواء الوضع من منبعه.
وتشير المعطيات الأولية إلى أن الإصابات ظهرت بصورة متزامنة على مجموعة من الطلاب الذين يتدربون في بيئات بحرية وظروف مناخية قاسية، وهو ما فتح الباب أمام عدة احتمالات؛ من بينها التأثر بعوامل بيئية، أو تفاعل جلدي ناتج عن الاحتكاك المستمر بالمياه المالحة والمعدات، أو حتى مواد قد تكون استخدمت داخل المنشآت التدريبية.
وحتى اللحظة، لم تُعلن الجهات الصحية داخل الجيش عن سبب محدد، ما دفعها لبدء سلسلة فحوص إضافية وتحاليل مخبرية لمتابعة تطوّر الأعراض.
قرار وقف التدريبات، بحسب مراقبين، يعكس رغبة القيادة العسكرية في حماية البرنامج التدريبي من أي تعطيل طويل الأمد، إذ يعدّ سلاح البحرية أحد أكثر الأسلحة حساسية من حيث الجهوزية، خصوصًا في ظل التوترات الأمنية الإقليمية.
كما أن أي تراجع في مستوى التأهيل الميداني قد ينعكس مباشرة على قدرة الوحدات البحرية على تنفيذ مهامها العملياتية.
في المقابل، أعربت عائلات بعض الطلاب عن ارتياحها لقرار التجميد المؤقت، معتبرة أنّ الوقاية أهم من الاستمرار في تدريب قد يتسبب في تفاقم أي مخاطر صحية محتملة.
بينما أكدت مصادر داخل الجيش أن جميع المصابين يتلقون متابعة طبية دقيقة، وأن معظمهم أظهر تحسنًا سريعًا.
وتخطط قيادة البحرية لاستئناف التدريب فور التأكد من زوال الإصابات بالكامل وتحديد أسبابها، مع مراجعة البروتوكولات الصحية والبيئية داخل المرافق التدريبية.
ويرى محللون أن الحادثة، رغم محدوديتها، قد تدفع الجيش إلى تعزيز إجراءات الفحص الدوري وتوسيع أنظمة رصد أي مؤشرات صحية غير اعتيادية داخل صفوفه.
بهذا التطور، تظلّ الأنظار متجهة إلى نتائج التحقيق الطبي التي ستحدد ما إذا كانت الواقعة مجرد حادث عابر، أم مؤشرًا على ثغرة أوسع تستوجب معالجة طويلة المدى داخل المؤسسة العسكرية.