السودان: بين جدة وأديس أبابا.. تغييب الشارع والمزاج الوطني

محمد بدوي

تابعت التصريح الذي دفعت به الوساطة السعودية- الأمريكية من جدة في سياق التفاوض بين طرفي الحرب السودانيين الجيش والدعم السريع في الرابع من نوفمبر 2023 والذي جاء في 3 نقاط، ولعل أهمها مسألة المساعدات الإنسانية التي شكلت النقطة المفتاحية لقراءة محصلة ما يجري بين الأطراف، لأنه بداهة ليس من سبيل للمساعدات الإنسانية دون ممرات آمنة والتي تتحقق بإعلان وقف إطلاق النار لفترة تحدد باتفاق الأطراف، بما يجعل أن ما صدر من المنبر محاولة للالتفاف على إعلان الفشل ومحاولة مجانبة الخطوة الغير موضوعية التي ذهبت إليها سابقاً بتجميد المنبر على خلفية عدم التزام الأطراف بالوقف السابق المعلن من الوساطة سابقاً.

هذا مرتبط بطبيعة المنبر المغلق على السودانيين من أصحاب المصلحة الحقيقية، هذا الإغلاق أضر بالحالة لكون أن نطاق الأزمة أوسع نطاقاً بشمولها كل السودان واحتمالاتها التي تهدد بقاءه كدولة، هذا جعل المنبر أقصر قامة من الحالة عدم التناسب تجلت نتائجه في تجميد المنبر في وقت سابق بينما التطورات على الأرض كشفت عن تحول كبير بدخول المسيرات خلال الفترة ما بين التجميد والعودة في الحرب بين الأطراف واستمرار القتال بوتيرة أعلى مما جعل الخريطة تظهر استراتيجيات للسيطرة التي دفعت أسئلة مقلقة هل من احتمال بتقسيم السيطرة سياسياً كما هو عسكرياً بين الحالة وجدة، فجدة كانت احتضنت اتفاق جدة بين التجمع الوطني الديمقراطي والخرطوم في 2006، ثم ظهور المملكة في سياق الحالة السودانية في 2015 مع حرب اليمن وصفقات المقاتلين السودانيين قبل أن تتحول الفاعل في 2017 لتقوم بدور كبير في رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية على السودان مما مهد الطريق لظهور أوضح خلال الفترة الانتقالية ومحاولتها للعب أدوار مختلفة حتى وقت قصير قبل اندلاع حرب ابريل 2023 وكل هذه السياقات لا تخرج من مسألة النفوذ السياسي الذي ينتهي بالاهتمام بالموارد السودانية، كذلك الذي يمكن أن يؤخذ على جدة الإغلاق للمنبر لأنه ظل ينتقص ويحرم الشارع أو القوى صاحبة المصلحة من المشاركة ويضع قدراتها بعيداً في مساحة استغلها الطرفان وصارت خصماً على إدارة الحالة.

أما أديس أبابا في سجلها القريب اجتماعات الجبهة الثورية والخرطوم حتى ابريل 2018، ثم صعود ملف سد النهضة واستفادة إثيوبيا من التراجع الذي حدث في الفترة الانتقالية لتصل بالسد نحو الملء الرابع، بالنظر إلى أديس أبابا ظلت بعيدة عن فلسفة التغيير وهو الشامل إذن فإن الإتكاء عليها يطرح أسئلة الإمكان والقدرة والملاءمة مع السجل الذي شكل هذا المزاج أو شروط الشارع في التغيير! هذا يقود للنظر إلى أديس أبابا ومبادرات توحيد القوى الداعية لوقف الحرب وها هي تقف أمام معضلة تنافس التمثيل بالإضافة إلى إقصائها للمبادرات الولائية التي فلحت بنسب مختلفة إلى تأجيل الاقتتال بين الأطراف داخلها قبل أن تهزمها العوامل الخارجية المرتبطة بالأطراف وطبيعة الحرب وتعقيداتها الإقليمية، مثل الاستعانة بالمليشيات الداعمة ووقف سداد رواتب أحد الأطراف.

عطفاً على الفقرة أعلاه في تقديري هذا ما جعل الشارع ينحني نحو نقاط قوته وينهض في ديسمبر 2018 متوجاً التراكم النضالي إلى إسقاط نظام الحركة الإسلامية السودانية وجناحها السياسي حزب المؤتمر الوطني، تعمدت العلاقة بين الشارع والسياق الحركي للتغيير بأنه ظل يقاوم حتى انقلاب 25 اكتوبر 2023 وواصل في ذلك حتى تكشفت التناقضات بين المكون العسكري وانتهى التحالف بينهما بالحرب لطبيعة العلاقة بينما طور الشارع أدواته وظل مستمراً في نضاله ومطالبة بأدوات وشعارات اتسقت والمزاج الوطني السوداني للتغيير وماهيته.

كل هذا يطرح سؤال تغييب نقاط القوة الذاتية مثل الشارع والمؤسسات الوطنية التي كان يمكن أن تتسق والمزاج الوطني وتعزز من مزاج السودنة، وهنا أعني بأن هنالك مؤسسات بحثية ظل الشارع السوداني يرعاها في سياق تراكمه المعرفي والنضالي لكي يعبد القدرة على التغيير في مستوياته المختلفة وعلى سبيل المثال مركز محمد عمر بشير بجامعة أمدرمان الأهلية الذي طاله الخراب في أول يوم للحرب مع الأخذ في الاعتبار بأن الأهلية تمثل أحد نماذج الإبداع الأهلي في كونها مؤسسة ليست حكومية أو خاصة بل أقرب لمؤسسات المجتمع المدني الأهلي السوداني، لابد من الإشارة إلى أن اختيار النموذج كمثال وليس حصراً، فالمركز له علاقة بالتاريخ والسياق والمزاج الوطني فهو منه وإليه لأنه يمكن من خلق شرعية لجسم يمثل السودانيات والسودانيين سواء داخل المبادرات أو خارجها بضوابط تمكن من إعادة لحمة النضال الوطني وفتح باب المشاركة بشكل متساوٍ بعيد عن العراك الصامت حول نسب المشاركة أو المحاصصة، لأن الإبداع السوداني يمكن من صياغة وثائق لإدارة التوحيد عبر جمعية عمومية للمبادرات واستصحاب المبادرات الولائية والنقابات والأجسام التي لها صفة تمثيلية تخرج منها السكرتارية واللجان المختلفة سواء التي لها تفويض التمثيل في اي منبر بين الأطراف أو خلق منبر تفاوضي تحت رعايتها بالإضافة إلى اللجان التي تطلبها الحالة سواء الإنسانية أو الإعلامية والحقوقية وغيرها العقبات التي تقف في المشهد يمكن التغلب عليها بالانتقال للانعقاد تحت اي جسم مستقل مثل مركز السلام بجامعة جوبا بدولة جنوب السودان عطفاً على وجدان السودانيين الذي فصمته التراكمات السياسية لكن لا تزال فصيلة الدم في انتمائها، ولفصم عرى ارتباط رئاسة المبادرة بمكاسب سياسية متوقعة أو متوهمة فتكليف مدير المركز بدور رئاسة المبادرة شرفياً حل يمكن الركون إليه.

أخيراً: إدارة الحالة تتطلب النظر إلى القدرة الداخلية بما يشمل الشارع وتعبيده للتغيير باستنهاض قدراته الداخلية لن ينتج عنه فعل جدي بل يطيل الأزمة، فثورة ديسمبر اندلعت لأن كل مكان في السودان مثل نقطة للانطلاق لنضج الأزمة والتراكم بمثل هذا الحال يجدر أن ننظر للفعل وقف الحرب والتوحد أو التوحيد للمبادرات على أساس منهجي وقراءة للواقع.

الوسومأديس أبابا السعودية السودان ثورة ديسمبر 2018 جامعة أمدرمان الأهلية محمد بدوي منبر جدة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أديس أبابا السعودية السودان محمد بدوي منبر جدة بین الأطراف

إقرأ أيضاً:

جوتيريش يجدد دعوته للأطراف السودانية للوقف الفوري للأعمال العدائية ضد المدنيين

جدد الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش" دعوته للأطراف السودانية للاتفاق على الوقف الفوري للأعمال العدائية ضد المدنيين واستئناف المحادثات للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة وجامعة بملكية سودانية، مؤكدا استعداد الأمم المتحدة لدعم أي خطوات حقيقية لإنهاء القتال في السودان ورسم الطريق نحو السلام الدائم.

وبحسب مركز إعلام الأمم المتحدة، أعرب الأمين العام عن صدمته إزاء مقتل عشرات الأطفال وغيرهم من المدنيين في الهجمات المميتة التي وقعت مؤخرا في جنوب كردفان، وأدان جميع الهجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية، مشيرا إلى أن استهداف المدارس والمستشفيات قد يُشكل انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني .


وشدد الأمين العام- في بيان- على ضرورة أن تحترم كافة الأطراف المدنيين في السودان وأن تحميهم وأن تسمح بوصول الإغاثة الإنسانية- بما في ذلك الرعاية الطبية- إلى المدنيين المحتاجين وأن تسهل مرور الإغاثة الإنسانية بسرعة وبدون عوائق .
كما شدد الأمين العام على ضرورة عدم تكرار الانتهاكات والتجاوزات المروعة لحقوق الإنسان التي وقعت في الفاشر خلال الأشهر الأخيرة، وكذلك الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي، في إقليم كردفان.


ودعا الأمين العام جميع الدول التي لها نفوذ على الأطراف أن تتخذ إجراءات فورية وأن تستخدم نفوذها لحمل الأطراف على وقف القتال فورا ووقف تدفق الأسلحة الذي يؤجج الصراع.


وطالب جوتيريش، كافة الأطراف بالامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، في جميع مناطق النزاع الدائر في السودان- بما فيها منطقتا كردفان ودارفور.


وكانت تقارير قد أفادت بوقوع ثلاث غارات جوية منفصلة على الأقل في بلدة كالوقي في 4 ديسمبر، أصابت اثنتان منها روضة أطفال، وأصابت ثالثة مستشفى نُقل إليه مصابون لتلقي العلاج.


وفي اليوم نفسه، في شمال كردفان، أصابت غارة جوية قافلة إنسانية تنقل مساعدات غذائية إلى شمال دارفور، مما أدى إلى إتلاف شاحنة تابعة لبرنامج الغذاء العالمي وإصابة سائق الشاحنة بجروح خطيرة. 


واستنكر الأمين العام هذا الهجوم الجديد على العمليات الإنسانية في وقت تشتد فيه الحاجة، منبها إلى أن الأزمة الإنسانية في إقليم كردفان تستمر في التفاقم مع انخفاض الإمدادات المنقذة للحياة، مع تأكيد وجود مجاعة في كادقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان.

مقالات مشابهة

  • بسام راضي: سياسة أديس أبابا تهدد أمن مصر والسودان القومي.. فيديو
  • مركز الأطراف الصناعية في مأرب يُقدّم خدماته لـ(549) مستفيدًا
  • الاتحاد الأوروبي: لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار في سوريا دون الحوار الوطني والمصالحة
  • «الـفجـر» تنشر أبرز تصريحات الرئيس السيسي مع المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني الليبي
  • مركز الأطراف الصناعية في حضرموت يُقدم خدماته لـ 533 مستفيدًا خلال شهر نوفمبر
  • جوتيريش يجدد دعوته للأطراف السودانية للوقف الفوري للأعمال العدائية ضد المدنيين
  • مصر تؤكد استمرار سعيها للتنسيق مع الأطراف المعنية لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة
  • قطر: لا علاقة لنا بتمويل حماس.. ولا يمكن تحقيق السلام بالمنطقة دون انخراط جميع الأطراف
  • طبيب يكشف الحالات التي يمكن فيها خفض ضغط الدم دون الحاجة إلى أدوية
  • وزير الخارجية يلتقي بان كي مون ويؤكد دعم مصر الكامل للمنظومة الأممية متعددة الأطراف