"كنا مخطئين".. جندي إسرائيلي في رسالة: أحداث 7 أكتوبر حطمت 3 مفاهيم مركزية لمجتمعنا
تاريخ النشر: 18th, November 2023 GMT
اعتبر الجندي الإسرائيلي نير كوهين في رسالة عبر شبكة "إكس" أن "مأساة 7 أكتوبر يجب أن تجعل إسرائيل لا تقتصر على محاربة حماس الإرهابية فقط، بل وتنظر بإمعان إلى نفسها كمجتمع وكدولة".
وكتب كوهين: "لقد التزمت الصمت منذ أن تم تجنيدي في الاحتياط. كنت مشغولا بأداء واجباتي كضابط مقاتل، بما في ذلك في قطاع غزة (الصورة من هناك).
שתקתי מאז שגוייסתי למילואים. עסקתי במילוי תפקידי כקצין לוחם, כולל בעוטף עזה (התמונה משם). אחרי יותר מחודש של שתיקת מלחמה, אני שובר את השתיקה.
שום דבר לא יכול להצדיק את הטבח שחמאס ביצע. חמאס הוא ארגון טרור רצחני שחייב להימחק מעל פני האדמה. מחבלי החמאס ותומכיהם הם חלאות אדם,… pic.twitter.com/poFcU0UFiE
وأكد كوهين أنه "لا شيء يمكن أن يبرر المجزرة التي ارتكبتها حماس. إن حماس منظمة إرهابية قاتلة يجب محوها من على وجه الأرض. إن إرهابيي حماس ومؤيديهم هم حثالة بشرية، ووحوش. أنا أؤيد الحرب ضد حماس".
لكنه تابع أن "هذه المذبحة لم تحدث من فراغ. وقد سبق المجزرة 56 عاما من السيطرة العسكرية على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، و15 عاما من الحصار المشدد على قطاع غزة. يجب ألا نتجاهل ذلك".
وأضاف أن "المذبحة الرهيبة لا تجبرنا على محاربة حماس فحسب، بل تجبرنا أيضا على النظر إلى أنفسنا كمجتمع وكدولة".
واعتبر كوهين أن مذبحة 7 أكتوبر "تمثل انهيار ثلاثة من المفاهيم المركزية التي تهيمن على المجتمع الإسرائيلي"، وهي
1. "ليست هناك حاجة للسلام، يستطيع جيش الدفاع الإسرائيلي حماية دولة إسرائيل حتى بدونه". لسوء الحظ، فشل جيش الدفاع الإسرائيلي في 7.10 في مهمته الرئيسية، وهي حماية مواطني إسرائيل. انظر إلى السلام على الحدود مع مصر والأردن وستدرك كم أن السلام أقوى من أي فرقة أو دبابة أو طائرة. نحن كنا مخطئين.
2. "إلى الأبد يمكن السيطرة على الشعب الفلسطيني واضطهاده بينما تزدهر إسرائيل إلى جانبه". كنا واثقين من قدرتنا على "إدارة الصراع". انهارت الدولة الغنية بالتكنولوجيا ذات الجيش القوي أمام منظمة صغيرة متطرفة ومتعطشة للدماء وقاسية. حقيقة، كنا نظن أن الفلسطينيين في غزة سيعيشون إلى الأبد بهدوء داخل أكبر سجن على وجه الأرض، مع 4 ساعات من الكهرباء يوميا، مع أكثر من 50% من البطالة، في فقر مدقع، بينما على الجانب الآخر من السياج هناك بلد مزدهر. نحن كنا مخطئين.
3. "المستوطنات تحرس وتحمي إسرائيل". أثبتت مذبحة أكتوبر العكس تماما. وبدلا من حماية سكان غلاف غزة.. حرص المستوى السياسي على التأكد من أن جيش الدفاع الإسرائيلي كان منشغلا بحماية خيمة عيد العرش في حوارة، وحراسة البؤر الاستيطانية غير القانونية، والتأكد من عدم قيام أي فلسطيني بالتجول في الشارع المؤدي الى الاستيطان اليهودي في الخليل المتاح فقط لليهود الأنقياء.
وأشار كوهين إلى أنه "في يوم المجزرة، كانت هناك 36 كتيبة مقاتلة في الضفة الغربية مقابل 2 كتيبة فقط في قطاع غزة. الأرقام تتحدث عن ذاتها. بالنسبة للحكومة الإسرائيلية التي يقودها المستوطنون المتطرفون، فإن دماء المستوطنين أكثر احمرارا من دماء سكان الغلاف. حقيقة".
لقد أدى الاستيطان والاحتلال والحصار إلى تدمير هذه الأرض. ودماء ضحايا المجزرة الـ 1400 على أيدي حماس. لكن إسرائيل قدمت مساهمة كبيرة في إمكانية نمو وحش حماس. ومن أجل توسيع الاحتلال والمستوطنات، تحتاج إسرائيل إلى السلام من غزة. وفي مقابل هذا السلام المزعوم، حرصت إسرائيل على إدخال حقائب بملايين الدولارات إلى حماس كل شهر. لقد حرص قادة المستوطنين على أن نؤمن بأنه لا يوجد شريك، وأنه ليس أمامنا خيار سوى العيش على السيف فقط. وأي زعيم فلسطيني كان يمكن أن يشارك في حلم السلام تم تقديمه على الفور في إسرائيل على أنه إرهابي".
أعلن قادة المستوطنين الخطرين أنه يجب "محو" حوارة، وبدأوا حملة لإطلاق سراح قاتل إرهابي يهودي، ولم يعلنوا إلا مؤخرا أن "إلقاء قنبلة ذرية على غزة أمر محتمل". هؤلاء ليسوا هامشيين، بل هم وزراء وقادة أحزاب وأعضاء كبار في الكنيست وفي الائتلاف.
من المهم أن نتذكر أن الكارثة الكبرى لدولة إسرائيل حدثت خلال التحول الذي تهيمن فيه أيديولوجية رؤساء المستوطنات على الحكومة. لقد سيطروا على الحكومة لسنوات عديدة. يعيش هنا حوالي 15 مليون شخص بين البحر والأردن. الغالبية العظمى تريد شيئًا واحدًا، وهو أن تعيش. العيش في سلام وهدوء. وهناك أقلية دينية متطرفة في الشعب الفلسطيني والشعب اليهودي تمنع ذلك. هناك أقلية وهمية تحافظ على صراع لعين هنا، وهي حرب لا تتوقف أبدًا عن فرض ثمن دم لا يطاق. كفى. هذا القتل يجب أن يتوقف. حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني. لا تحتاروا، علم حماس الأخضر والمنكر يختلف عن علم الشعب الفلسطيني. إن الغالبية العظمى من الفلسطينيين يريدون العيش بسلام مع دولة إسرائيل، بحرية واستقلال.
وشدد كوهين على أن "المجتمع الإسرائيلي يواجه أهم مفترق طرق منذ وجوده"، محذرا من أن "التحول إلى الاحتلال والعنف سيقودنا إلى سنوات عديدة أخرى من الصراع الدموي والنهاية الفعلية لدولة إسرائيل. لأنه إذا ما واصلنا قهر الفلسطينيين بعد هزيمة إسرائيل لحماس (وسوف يحدث ذلك)، فسوف تنشأ حماس جديدة. ربما باسم مختلف، وربما بطريقة مختلفة، ولكن في مستنقع الاحتلال ومستنقعه النتن لا يمكن إلا أن تنمو الوحوش.. القاسية"
واعتبر كوهين أن "التوجه إلى طريق السلام سيأخذنا إلى طريق جديد"، وأن "إخلاء المستوطنات، وإنهاء السيطرة العسكرية على الفلسطينيين، وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، سيشكل حقبة جديدة في الشرق الأوسط".
وأضاف: "القلب الآن أولا مع المختطفين وعائلاتهم، مع عائلات القتلى الإسرائيليين، مع عائلات الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من الجنوب والشمال. ونعم، القلب أيضًا مع آلاف عائلات القتلى الفلسطينيين، الأبرياء الذين لقوا حتفهم لأنهم ولدوا وعاشوا في المكان الخطأ. القلب مع مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين أصبحوا بلا مأوى في جنوب قطاع غزة".
وختم كوهين رسالته بالقول: "نعم، أشعر بالحزن والبكاء عندما يقتل الأبرياء، وبالتأكيد النساء والأطفال، ولا يهمني حقا ما هي جنسيتهم أو دينهم. قلبي يخرج إلى عائلات جميع قتلى الحرب الأكثر لعينة التي عرفناها على الإطلاق."
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: الإرهاب الاستيطان الإسرائيلي الجيش الإسرائيلي الحرب على غزة القضية الفلسطينية اليمين المتطرف حركة حماس طوفان الأقصى قطاع غزة الشعب الفلسطینی دولة إسرائیل قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
"مؤسسة غزة الإنسانية" وراء الكواليس: مشروع إسرائيلي-أمريكي لتهجير الفلسطينيين
فلسطينيون يتزاحمون حول شاحنة مساعدات في بيت لاهيا شمالي قطاع غزة. 23 يونيو 2025 - REUTERS
قالت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، إن مجموعة بوسطن للاستشارات الأميركية، وضعت نماذج لتكاليف "تهجير الفلسطينيين من غزة"، ووقعت عقداً بعدة ملايين من الدولارات للمساعدة في تنفيذ مشروع حمل اسم "أرورا"، لتهجير الفلسطينيين إلى خارج القطاع، قبل أن تنسحب من المشروع وتفصل اثنين من كبار الشركاء، بعد الكشف عن عملها على خطط بشأن مستقبل غزة بعد الحرب الإسرائيلية.
وذكرت الصحيفة البريطانية، أنها أجرت تحقيقاً كشف عن أن شركة الاستشارات الأميركية، ساهمت في تأسيس "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة، ودعمت شركة أمنية مرتبطة بها، ولكنها تخلت عن المشروع الذي قتلت إسرائيل من خلاله المئات من الفلسطينيين أمام مراكز توزيع المساعدات، وقامت بطرد اثنين من الشركاء في الشركة، الشهر الماضي.
وقال عدة أشخاص مطلعين للصحيفة، إن دور شركة الاستشارات المعروفة اختصاراً بـ BCG كان أكبر بكثير مما أعلنته، إذ أشاروا إلى أنه امتد لنحو 7 أشهر، بعقد بلغت قيمته 4 ملايين دولار.
وأوضحت المصادر، أن أكثر من 10 أشخاص من الشركة انخرطوا بشكل مباشر في المشروع الذي حمل الاسم الكودي "أرورا" Aurora (الشفق القطبي)، بين أكتوبر 2024 إلى نهاية مايو الماضي.
وذكرت الصحيفة، أن مسؤولين كباراً في شركة بوسطن للاستشارات، بمن في ذلك رئيس قطاع إدارة المخاطر في الشركة، ورئيس قطاع التأثير الاجتماعي، كانوا منخرطين في المشروع.
حزم مالية للتهجير
وأشارت "فاينانشيال تايمز"، إلى أن فريق الشركة بنى النموذج المالي لعملية إعادة إعمار غزة بعد الحرب، والذي تضمن كلفة تقديرية لـ"إعادة توطين"، مئات الآلاف من الفلسطينيين في خارج القطاع، والتأثير الاقتصادي لتهجير بهذا الحجم.
وقدر أحد السيناريوهات، أن أكثر من نصف مليون من سكان غزة سيغادرون القطاع بـ"حزم لإعادة التوطين"، قدرها 9 آلاف دولار لكل شخص، أو نحو 5 مليارات دولار في المجمل.
وقالت الشركة، إن مسؤولين كباراً في الشركة "تم تضليلهم"، بشأن نطاق العمل الذي يقوم به كبار الشركاء الذين يديرون المشروع.
شركة الاستشارات تتبرأ من المشروع
وبشأن العمل على خطة غزة ما بعد الحرب، قالت الشركة: "تم إبلاغ الشريك الأساسي في المشروع (لغزة) برفض قاطع، وخالف توجيهاتنا، ونحن نتبرأ من هذا العمل".
وتدير مؤسسة غزة الإنسانية، 4 مراكز لتوزيع المساعدات في غزة، وتبتعد عن النماذج التقليدية لتوزيع المساعدات، وتعتمد نظاماً عسكرياً يديره متعاقدون أمنيون أميركيون، تحت حراسة الجيش الإسرائيلي، وهو ما تزعم إسرائيل أنه ضروري لـ"منع المساعدات من الوصول إلى حماس".
وأعلنت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، تخصيص 30 مليون دولار كتمويل للمؤسسة، التي لا يزال الغموض يحيط بمصادر تمويلها.
ووصفت الأمم المتحدة "مؤسسة غزة الإنسانية"، بأنها "ورقة التوت" التي تخفي أهداف حرب إسرائيل، كما رفضت مؤسسات الإغاثة الإنسانية الدولية العمل معها.
ومنذ بدء مؤسسة غزة الإنسانية عملها في القطاع في مايو الماضي، قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 600 فلسطيني أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات من المراكز البعيدة عنهم.
ووصف 9 أشخاص على إطلاع على المشروع الذي أعدته شركة بوسطن للاستشارات، كيف انخرطت الشركة المرموقة عالمياً بعمق في مخطط يناصره البيت الأبيض، لكنه يواجه رفضاً عالمياً.
ولم تعلن بوسطن للاستشارات من قبل سوى عن القليل بشأن نطاق انخراطها في المشروع، ووصفت العمل الذي كانت تقوم به على أنه بدأ كمشروع بدون مقابل في أكتوبر 2024، للمساعدة في تأسيس مؤسسة الإغاثة، والتي كان يفترض أن تعمل إلى جانب مؤسسات إغاثية أخرى.
وزعمت الشركة لاحقاً، أن هذا العمل تم "بدون إذن من قيادتها"، وسعت لإلقاء اللوم على "سوء تقدير" اثنين من كبار الشركاء بوحدتها الدفاعية في واشنطن.
وقالت الشركة لـ"فاينانشيال تايمز"، إن تحقيقها المستمر في الأمر، والذي يجري بواسطة شركة محاماة خارجية "أكد خيبة الأمل العميقة التي أعربنا عنها قبل أسابيع. لم يتم الإفصاح عن النطاق الكامل لهذه المشروعات، ولا حتى إلى قيادة الشركة".
وأضافت أن الأعمال التي تم تنفيذها كانت "بالمخالفة لسياساتنا وعملياتنا. أوقفنا العمل، وأخرجنا اثنين من كبار الشركاء، والذين قادا المشروع من الشركة. لم نتقاض أي أموال، وبدأنا تحقيقاً مستقلاً".
وذكرت أنها "تتخذ خطوات لضمان عدم تكرار ذلك مطلقاً".
معهد إسرائيلي وشركة أمنية
وأشارت "فايناشيال تايمز"، إلى أن التعاقد مع مجموعة بوسطن للاستشارات BCG، تم في البداية من قبل شركة تدعى "أوربس" (Orbis)، وهي شركة أمنية مقرها واشنطن، للمساعدة في إعداد دراسة جدوى لعملية مساعدات جديدة، وفق أشخاص مطلعين على العمل المجاني الأولي.
وكانت "أوربس" تعد هذه الدراسة، نيابةً عن مركز أبحاث إسرائيلي يدعى معهد تخليط (Tachlith).
وقالت مصادر للصحيفة، إن اختيار BCG كاستشاري للمشروع، جاء بسبب علاقتها طويلة الأمد مع فيل رايلي، العميل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA، والذي كان يعمل لدى شركة "أوربس".
وعمل رايلي كمستشار بدوام جزئي لدى وحدة الدفاع في شركة بوسطن للاستشارات، والتي تم طرد العسكريين السابقين، مات شلوتر، ورايان أوروداي، منها.
واستخدم رايلي مخططاً أولياً وضعه فريق شلوتر في نهاية عام 2024، لتأسيس شركة "الوصول الآمن للحلول" Safe Reach Solutions، وهي الشريك الأمني لمخطط توزيع المساعدات الإنسانية.
مؤسسة غزة الإنسانية
تم إنشاء مؤسسة غزة الإنسانية في محاولة لجمع تمويل للعملية من حكومات أجنبية، وبعد ذلك، انتقل فريق بوسطن للاستشارات، المؤلف من نحو 10 موظفين، إلى تقديم تخطيط أعمال أكثر تفصيلاً لمؤسسة غزة الإنسانية، والشريك الأمني الذي أسسه رايلي Safe Reach Solutions، والمعروفة اختصاراً بـSRS.
وبحسب أشخاص مطلعين على القرار، وبحسب ملفه الشخصي على منصة "لينكد إن"، أنهى فيل رايلي، دوره الاستشاري في الشركة، بعد أن أصبح عميلاً لدى بوسطن للاستشارات.
وقادت وحدة الدفاع في مجموعة بوسطن للاستشارات، هذا العمل، واعتمدت بشكل أساسي على موظفين من مكتب الشركة في واشنطن.
لكن المرحلة الأولى من العمل، والتي شملت المساعدة في إنشاء مؤسستي غزة الإنسانية GHF، والوصول الآمن للحلول SRS، تم تحميلها على قسم التأثير الاجتماعي في مجموعة بوسطن تحت إشراف مسؤول يدعى، ريتش هاتشينسون، الذي خصص أكثر من مليون دولار، على عدّة دفعات، لتغطية ساعات العمل المجانية التي قدّمها مستشارو الشركة.
محاولة لتفادي "اتهامات التحيز"
ونقلت الصحيفة عن أشخاص مطلعين، أنه تم الاتفاق على ما وصفته مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) بـ"الضوابط"، والتي نصّت على عدم إشراك مستشارين من الشرق الأوسط أو إسرائيل في المشروع، لتفادي أي اتهامات بـ"التحيز".
وفي قرار محوري يعكس مدى تعمّق تورط الشركة، انتقلت النقاشات الداخلية داخل BCG بحلول يناير إلى مرحلة جديدة من العمل، ستتلقى الشركة بموجبه أجراً مقابل المساعدة في إنشاء عمليات مؤسسة غزة الإنسانية على الأرض، انطلاقاً من تل أبيب.
وأعرب ريتش هاتشينسون، عن استعداده لتخصيص ميزانية من الأموال لمطابقة أي مدفوعات تتلقاها مجموعة بوسطن من مؤسسة غزة الإنسانية، وهي ممارسة تتيح فعلياً للشركة تقديم خدماتها للمؤسسات الخيرية بنصف السعر.
لكن في نهاية المطاف، لم تأتِ العقود الخاصة بالمرحلة المدفوعة من العملية من مؤسسة غزة الإنسانية، بل من شركة "ماكنالي كابيتال" (McNally Capital)، وهي شركة استثمار خاص مقرها شيكاجو تمتلك شركة "أوربس" (Orbis) وكانت لها مصلحة اقتصادية في الكيان الجديد SRS، وفق أشخاص مطّلعين على الترتيبات.
وفي إشارة إلى نداء الحكومة الأميركية لتقديم "حلول مبتكرة"، قالت شركة ماكنالي لـ"فاينانشيال تايمز"، إنها "سعيدة بدعم تأسيس SRS كخطوة مهمة نحو تلبية النطاق الكامل للاحتياجات الإنسانية في غزة".
مصادر تمويل غامضة
وتقول مؤسسة غزة الإنسانية، إنها وزّعت حتى الآن أكثر من مليون صندوق مساعدات في غزة، أي ما يزيد عن 58 مليون وجبة. ومع ذلك، بقيت المصادر النهائية لتمويل كل المؤسسة وشريكها الأمني، غامضة، حتى بالنسبة لبعض أعضاء فريق بوسطن للاستشارات.
وفي مرحلة معينة، وتحديداً في أبريل الماضي، بدا أن التمويل قد جف، مما دفع العديد من المتعاقدين الأمنيين في SRS إلى العودة إلى بلدانهم.
لكن مع ضمان رسومها من قبل شركة ماكنالي، بقيت بوسطن للاستشارات في تل أبيب لمواصلة أعمال التخطيط.
وتم توقيع العقد الأولي مع شركة ماكنالي، في أوائل مارس، والتزمت بوسطن للاستشارات بموجبه بتقديم خدمات لمدة ثمانية أسابيع للمساعدة في بناء عمليات SRS، عبر فريق يضم ما لا يقل عن مستشارين اثنين على الأرض في تل أبيب، مقابل رسوم تجاوزت مليون دولار. وقد تم إدخال رمز مشروع جديد لهذا العمل في الأنظمة الداخلية للشركة.
ومنح مسؤولي إدارة المخاطر بالشركة، الموافقات على السفر، رغم أنه لا يزال من غير الواضح إلى أي مستوى في التسلسل القيادي وصلت تلك الموافقات. وبحسب أشخاص مطلعين على الاجتماعات، أجرى شلوتر محادثات مع مدير المخاطر في شركة بوسطن وهو آدم فاربر، في شهر مارس.
وفي منتصف مارس، سافر شلوتر من تل أبيب إلى باريس لحضور اجتماع قسم التأثير الاجتماعي لمناقشة المشروع، بحسب عدة مصادر.
في تل أبيب، كان مستشارو بوسطن للاستشارات يساعدون الشريك الأمني لغزة الإنسانية، SRS في تطوير الجانب التجاري من عملياتها، بما في ذلك تقديم المشورة بشأن كيفية نقل الإمدادات إلى مواقع التوزيع، وتقييم العروض المقدمة من متعهدين محتملين في مجالي البناء والأمن، وتوفير إرشادات مالية.
قطاع غزة بعد الحرب
وقالت "فاينانشيال تايمز"، إنه رغم أن SRS لم تكن عميلاً تقليدياً، إلا أن نوعية هذه الخدمات كانت متوافقة مع الأعمال التجارية المعتاد لشركة بوسطن للاستشارات.
لكن فريق شلوتر بدأ في أبريل 2024، في العمل على مشروع جانبي منفصل، وغير معتاد، وتم تنفيذه "من دون علم الإدارة العليا وبما يخالف تعليماتنا"، على حد وصف الشركة.
وكان عدد من الداعمين الإسرائيليين لمبادرة إنشاء "مؤسسة غزة الإنسانية"، يعملون أيضاً على مخطط لغزة في فترة ما بعد انتهاء الحرب، وكيف يمكن إعادة إعمارها.
نموذج مالي لتهجير الفلسطينيين
وطلب الداعمون الإسرائيليون، من مجموعة بوسطن للاستشارات، إعداد نموذج مالي معقّد يمكن من خلاله اختبار مجموعة من السيناريوهات، بما في ذلك سيناريو يتم فيه "نقل أجزاء كبيرة من السكان الفلسطينيين إلى خارج قطاع غزة".
وقبل ذلك بشهرين، كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد اقترح إفراغ القطاع المدمر من سكانه البالغ عددهم 2.2 مليون شخص، من أجل إعادة بنائه ليصبح "ريفييرا الشرق الأوسط"، وهو مخطط شبّهته منظمات حقوقية ومسؤولون في الأمم المتحدة بالتطهير العرقي.
وتضمن "نموذج بوسطن" افتراضات بشأن تكاليف عمليات التهجير الطوعي لسكان غزة، وإعادة بناء المساكن المدنية، واستخدام نماذج تمويل مبتكرة مثل "ترميز" العقارات عبر تكنولوجيا البلوكتشين.
كما أتاح النموذج حساب احتمالات الناتج المحلي الإجمالي الناتج عن جهود إعادة الإعمار.
وفي السيناريو المفترض لما أسمته الشركة بـ"التهجير الطوعي"، كان من المقرر منح سكان غزة حزمة مالية للخروج من القطاع، تشمل 5 آلاف دولار، وإيجاراً مدعوماً لمدة أربع سنوات، وغذاءً مدعوماً لمدة عام.
وافترض النموذج أن ربع سكان غزة سيغادرون، وأن ثلاثة أرباع من تم تهجيرهم لن يعودوا أبداً.
وزعم أحد الأشخاص المطلعين على تفاصيل العمل: أنه "لا إكراه، والخطة لا تهدف إلى تحفيز الناس على المغادرة. نسبة الـ25% هي مجرد رقم افتراضي. القرار سيكون لشعب غزة. ليست هناك خطة لإفراغ غزة".
وأظهر النموذج، أن تكلفة إعادة التوطين خارج غزة أقل بـ23 ألف دولار للفرد مقارنةً بتكلفة تقديم الدعم للفلسطينيين داخل القطاع خلال مرحلة إعادة الإعمار.
جدالات بشأن المخطط
وبحسب عدة مصادر مطلعة على المخطط، وفق "فاينانشيال تايمز"، فإن فريق بوسطن لم يكن هو من صمّم المخطط العام لما بعد الحرب، بل قام فقط بوضع النماذج المالية له.
لكن مجرّد وجود هذا المشروع أثار جدلاً واسعاً داخل الشركة عند الكشف عنه في أواخر مايو الماضي، بسبب المخاطر المرتبطة بالظهور و"كأن الشركة متورطة في خطة تهدف إلى تهجير الفلسطينيين".
وقال شلوتر لزملائه، وفق عدة مصادر مطلعة على مجريات الأحداث، حسبما نقلت "فاينانشيال تايمز"، فإن هذا العمل يندرج ضمن العقد القائم مع شركة ماكنالي ولا يتطلب موافقات جديدة.
وفي حين استمر موظفو بوسطن للاستشارات في العمل بدعوى "إيصال المساعدات الغذائية إلى قطاع غزة المحاصر والمعزول عن الإغاثة بسبب الحصار الإسرائيلي"، فإن المعارضة داخل مجتمع مؤسسات الإغاثة الإنسانية، اشتدت بشكل ملحوظ خلال شهر أبريل.
وبعد أن تبيّن أن المنظمات غير الحكومية لن تقدم مساعدات للتوزيع، وحينها بدأ موظفو مجموعة بوسطن بمساعدة مؤسسة SRS في التخطيط لعمليات شراء الإمدادات الغذائية بأنفسهم، بحسب "فاينانشيال تايمز".
وأثار التحول في طبيعة العمل، قلق أحد أعضاء الفريق، حيث عبّرت عن مخاوفها من أن مؤسسة SRS غير مؤهلة لتنفيذ عملية بهذا التعقيد، وأن المشروع "بدأ ينحرف عن المبادئ الإنسانية". ووفقًا لعدة مصادر، فإن التوتر الذي نشأ بينها وبين SRS أدى إلى إقصائها من المشروع.
أما بالنسبة لمن بقوا في المشروع، فقد كانت وتيرة العمل مكثفة. إذ أُدرج عدد من أعضاء فريق بوسطن في تل أبيب ضمن "تقرير المنطقة الحمراء" الخاص بالشركة، والذي يضم أسماء الموظفين الذين عملوا لأكثر من 70 ساعة أسبوعياً. ويُوزع هذا التقرير على نطاق واسع داخل الشركة لتنبيه الشركاء الذين قد يُفرطون في إنهاك الموظفين الأصغر سناً.
واستمرت SRS في اعتمادها الكبير على الاستشارات التجارية من بوسطن، ما دفع شركة ماكنالي إلى تمديد العقد لشهرين إضافيين في أوائل مايو، تزامناً مع استعداد العملية للبدء بتوزيع المساعدات. وبحسب أشخاص مطلعين، فقد سمح دعم شركة الاستثمار الخاص بإيفاد ثلاثة مستشارين أميركيين إضافيين من مجموعة بوسطن إلى تل أبيب، ما رفع إجمالي الرسوم التي كانت الشركة تعتزم فرضها إلى نحو 4 ملايين دولار.
بوسطن للاستشارات تسحب فريقها من إسرائيل
وتزامن هذا التوسع مع الإطلاق العلني لمؤسسة غزة الإنسانية، بعد موافقة مجلس الوزراء الإسرائيلي، ومع إدانة من الأمم المتحدة للمشروع، بدأ مشروع "أورورا" (Aurora) بجذب اهتماماً وتدقيقاً أكبر داخل شركة بوسطن للاستشارات.
وقالت "فاينانشيال تايمز"، إن المخاوف تزايدت مع نشر الصحف الأميركية تقارير عن دعم إسرائيل لخطة مؤسسة غزة الإنسانية. وفي 25 مايو، تم اتخاذ القرار بسحب الفريق من تل أبيب، وإنهاء العمل، وعدم تحصيل المبالغ التي تم إصدار فواتير بها.
وفي اليوم نفسه، وقبيل افتتاح أول مركز لتوزيع المساعدات، قدّم جيك وود، الرئيس التنفيذي لمؤسسة غزة الإنسانية، استقالته، معلناً أن المشروع "يتعارض مع المبادئ الإنسانية، وخاصة مبدأ الحياد".
وفي اجتماع شركاء بوسطن العالميين الكبار في فيينا بتاريخ 28 مايو الماضي، تم استجواب كل من شلوتر وأوردواي بشأن تفاصيل المشروع.
وبحلول الثالث من يونيو الماضي، حين نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريراً يفيد بأن بوسطن للاستشارات انسحبت من المشروع، وهو ما كان أول إعلان علني عن تورط الشركة، كانت الشركة قد قررت بالفعل وضع الرجلين في إجازة إدارية. وطُلب منهما تقديم استقالتيهما في الرابع من يونيو الماضي.
وتتعاون الآن شركة المحاماة الخارجية "ويلمر هيل" (WilmerHale) مع الفريق القانوني في بوسطن للاستشارات، للتحقيق فيما وصفه الرئيس التنفيذي كريستوف شفايتسر بـ"إخفاقات إجرائية".
وقال شفايتسر في رسالته الأخيرة إلى موظفي الشركة: "نتعامل مع هذه المسألة بجدية وبأقصى قدر من العجلة، لنتعلم منها ونضمن عدم تكرارها".
وأضاف: "طموحنا كان ولا يزال المساهمة في استجابات إنسانية فاعلة ومتعددة الأطراف ومستدامة. ونحن ملتزمون بتجسيد قيمنا، مع تحمّل المسؤولية عن إخفاقاتنا، وبالتحلي بالتواضع في كيفية المضي قدماً".
انتقادات أممية لمؤسسة غزة الإنسانية
وحذر برنامج الأغذية العالمي، السبت، من أن واحداً من كل ثلاثة أشخاص في غزة، لا يحصل على طعام لأيام، ما يضع المزيد من الناس في خطر المجاعة.
وأوضح بيان للبرنامج التابع للأمم المتحدة، أن أكثر من 700 ألف شخص أجبروا على النزوح منذ مارس الماضي، فيما أظهرت تقارير أن نحو 85% من قطاع غزة منطقة قتال نشط.
وقالت منظمة الصحة العالمية، الجمعة، إن مجمع ناصر الطبي في غزة، تحول إلى "جناح واحد ضخم لعلاج الإصابات"، بعد تدفق الحالات التي تصاب في مواقع توزيع الأغذية التي تديرها مؤسسة غزة الإنسانية غير التابعة للأمم المتحدة.
وبدأت المؤسسة، المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، توزيع طرود غذائية في غزة بنهاية مايو الماضي، وأشرفت على نموذج توزيع مساعدات جديد وصفته الأمم المتحدة بأنه غير محايد وغير منصف.
وبحسب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الجمعة، فقد لقي ما لا يقل عن 613 فلسطينياً حتى 27 يونيو، مصرعهم، حول نقاط توزيع المساعدات، التي تديرها مؤسسة غزة الإنسانية، وبالقرب من قوافل الإغاثة الإنسانية في القطاع.
وأوضحت المفوضية، أن 509 فلسطينيين، من بين الإجمالي البالغ عددهم 613 شخصاً، لقوا حتفهم بالقرب من نقاط مؤسسة غزة الإنسانية لتوزيع الأغذية.
ووصفت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، الخميس، مؤسسة غزة الإنسانية بأنها "فخ موت مصمم لقتل أو تهجير الفلسطينيين"، مشيرة إلى أن "إسرائيل مسؤولة عن واحدة من أكثر عمليات الإبادة الجماعية وحشية في التاريخ الحديث".
وكانت وكالة "أسوشيتد برس"، أفادت نقلاً عن متعاقدين أميركيين يعملون لصالح المؤسسة قولهم، إن المتعاقدين الذين يحرسون مواقع توزيع المساعدات في قطاع غزة، "يستخدمون الذخيرة الحية والقنابل الصوتية"، بينما يتدافع الفلسطينيون الجائعون للحصول على الطعام.
وأضاف المتعاقدان اللذان طلبا عدم الكشف عن هويتهما، أن "أفراد الأمن الذين جرى توظيفهم غالباً ما يكونون غير مؤهلين أو غير خاضعين للتدقيق، ومسلحين تسليحاً ثقيلاً، ويبدو أن لديهم حرية مطلقة لفعل ما يريدون".
رفض عربي لتهجير الفلسطينيين
وفي أبريل الماضي، دعا وزراء خارجية المجموعة العربية الإسلامية خلال لقائهم في مدينة أنطاليا جنوب غرب تركيا، إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وأعلنوا رفض تهجير الفلسطينيين وطردهم من أراضيهم، ودعوا إلى تأسيس دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967، ودعم جهود السلام على هذا الأساس، ورفض ربط دخول المساعدات إلى قطاع غزة بوقف النار.
وجدد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، رفض فكرة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، قائلاً إن هذا يمتد لكافة أشكال التهجير، بما في ذلك "الطوعي، لأنها ليست طوعية أساساً".
وقال إن "أي تهجير تحت أي ذريعة مرفوض رفضاً قاطعاً وأي طرح يحاول أن يضع إجبار الفلسطينيين على المغادرة، أو إتاحة الفرصة للفلسطينيين بمغادرة طوعية هذا مجرد التفاف على الحقيقة واستذكاء".
وفي 4 فبراير الماضي، أرسل خمسة وزراء خارجية عرب وممثل عن السلطة الفلسطينية، رسالة مشتركة إلى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، أكدوا فيها على تطلعهم لـ"حل عادل للقضية الفلسطينية"، فيما ذكر موقع "أكسيوس" الأميركي، أن المسؤولين العرب أعربوا فيها عن رفضهم خطط تهجير سكان غزة، وطالبوا، بدلاً من ذلك، بإشراك الفلسطينيين في عملية إعادة إعمار القطاع.
وتعد الرسالة جزءاً من جهد مشترك لـ"السداسية العربية"، التي أعربت عن رفضها لتهجير سكان غزة، بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن عزمه نقل الفلسطينيين إلى مصر والأردن.
وفي مطلع فبراير الماضي، اجتمع وزراء خارجية المملكة السعودية، والإمارات، وقطر، ومصر، والأردن بالإضافة إلى نائب الرئيس الفلسطيني حسين الشيخ، في القاهرة، وقرروا إرسال رسالة إلى روبيو، يجري تسليمها إلى وزارة الخارجية الأميركية، من قبل سفراء الدول العربية الخمس.
وشدد الوزراء العرب في الرسالة على أن "الفلسطينيين سيعيشون في أرضهم وسيساعدون في إعادة بنائها، ولا ينبغي حرمانهم من قدرتهم على اتخاذ القرار أثناء عملية إعادة الإعمار، كما يجب أن يتولوا مسؤولية هذه العملية بدعم من المجتمع الدولي".