لجريدة عمان:
2025-05-12@08:36:59 GMT

أن تعودي فلسطين

تاريخ النشر: 21st, November 2023 GMT

قرأتُ في الأيام الماضية كتاب «أن تعودي فلسطين» للكاتبة التشيلية من أصل فلسطيني «لينا مرواني. تكتب مرواني في هذا الكتاب عن رحلتها إلى فلسطين، وتسائل مفردة «العودة» تقف من على مسافة منها، تمكنها من فحص هذه الكلمة الهائلة، مسافة تجعل من هذه الكلمة أبعد ما يمكن عن الخرافة، فأسطرتها مع مرور الوقت تنبئُ بزوال موشك، لولا أن الدماء ما زالت تسيل والجرح ليس مفتوحا فحسب بل يُمعن المحتل في مده واسعا وعميقا بلا توقف.

مرواني تنتمي للجيل الثالث من الفلسطينيين الذين هاجروا لتشيلي، كان الجيل الأول من عائلتها قد تعرض لضغط كبير أيام الدولة العثمانية، فاعتبرت المسحيين وكلاء لدول أوربا وخونة، الأمر الذي جعل استمرارهم في الحياة هناك صعبا إن لم يكن مستحيلا. تتحدث مرواني عن المكان الذي نشأت فيه ويخالجنا الشعور بأنها تتحدث عن حي فلسطيني عربي في فلسطين، لا حي فلسطيني في تشيلي. يبدو هذا مبررًا أمام هجرة واسعة النطاق للعرب والفلسطينيين خصوصًا لأمريكا اللاتينية.

بحسب الباحث والمؤرخ د.عبد الواحد أكمير في دراسته «مظاهر الحضور العربي في أمريكا اللاتينية» فإن الأرجنتين وحدها التي تمتلك أرشيفا يوضح إحصائيات وصول أوائل المهاجرين العرب، وتجعل يوميات إدارة الهجرة الأرجنتينية من ١٨٧٢ بداية للهجرة العربية بشكل رسمي لكنها لن تأخذ الأهمية من الناحية العددية إلا مع بداية القرن العشرين عقب الحرب العالمية الأولى. وهكذا بلغ عدد العرب المهاجرين للأرجنتين وحدها بين عامي 1904 و1913 إلى 114217 نسمة.

هاجرت مرواني إلى أمريكا من تشيلي، هنالك إذن سؤال معقد عما تعنيه الهوية، ما الذي يعنيه وجودها كله؟ من هي في وسط كل هذا؟ لطالما أرادت أن تعرف امتداد اسم عائلتها «مرواني» وتتبع أثرهم في جالا الفلسطينية، وزيارة من بقي منهم هناك والتعرف عليهم. أطياف عمات وأبناء عمومة يحضرون كأسماء فحسب بالنسبة لها. تقرر مرواني إذن أن الوقت قد حان (للعودة) وتكتب لنا يومياتها منذ لحظة قرارها هذا مرورًا بكل ما يحدث لها أثناء السفر والحصول على الموافقة الأمنية، ووجودها في إحدى طائرات طيران «العال» الإسرائيلي، تعرف من صديقها اليهودي إسكندر هناك المتزوج من سيدة فلسطينية، أعلن لأجلها إسلامه الحيل التي ينبغي أن تلعبها لكي تتمكن من تجاوز كل التعقيدات الأمنية، إلا أن هذه التعقيدات تعكس لنا فزع دولة الاحتلال والمأزق الأبدي الذي تعيش فيه.

«أهمس له، لستُ أدري إذا كنت عدت. لست أدري إذا كان بوسعي فعل ذلك أبدًا. يرفع إسكندر كأسه، ينظر نحوي من خلال الزجاج بعينين مهودتين، وكأنه يرتل آية غير مفهومة يجيب، ببطء شديد معارضا برأسه لا تقولي أبدًا إنك لن تعودي، مرواني ستعودين. عودي قريبًا».

أتقمص أثناء قراءة مرواني بدوري، جسد الغريب المهجر، ذلك الذي يعيش على الحافة دومًا؛ لأنه ليس فلسطينيا تماما، لكنه فلسطيني بالكلية! إنه مهجر ومطرود ومنتهك بصفته فلسطينيا فحسب. يقول لي أحد أصدقائي الفلسطينيين: إنه كفلسطيني يعد نفسه العربي الأخير! أسأله كيف يكون ذلك؟ يقول لي: إن هذا ما يتم تعريفهم به من قبل دولة الاحتلال، إنه لا يقتل إلا بصفته عربيا ولأنه عربي حصرا. فلنتأمل المقاطع التي تصلنا من فلسطين المحتلة، الصهاينة يقولون طيلة الوقت: اقتلوا العرب! لا يقولوا اقتلوا الفلسطينيين! وينادون عليهم في كل مكان حتى على الحواجز «عربيم». ويشرح لي أن الهوية تتكون مع الاصطدام اليومي، وفي حين أننا بقية العرب نواجه تعقيدات هوياتية مختلفة، إذ يتم تعريفنا بالطائفة أو المنطقة أو الدين أو اللهجة الأمور في فلسطين أكثر تبسيطا فهم عرب فقط أو «عرابيم» فقط. أتخيل نفسي في جسد مرواني وهي تتأمل في الخريطة التي تحاول بها الوصول لإحدى العمات البعيدات داخل القدس! يصبح الأمر أكثر تعقيدا عند مرواني عندما يظن الإسرائليون أنها إسرائيلية ويبدأون الحديث معها بالعبرية، هذه اللحظة تصبح عنيفة للغاية، لحظة مواجهة تفجر كل شيء، وتبعث من الأعماق أكثر الأسئلة المروعة عن تعريف الإنسان لنفسه، عن تاريخه، عن كونه لم ينبثق من الفراغ بل هو امتداد لماض معقد يتم اليوم إخفاؤه وإزالته بعنف الاستعمار!

لم تعرف مرواني أنها ستعود مجددا بعدها ببضع سنوات هذه المرة مع حملة باحثين لمؤتمر يعقد هناك، التعقيدات نفسها بل تزيد، نعاني معها ومع زملائها الوقوف الطويل عبر الحواجز، والصدف السعيدة بتجاهل جنود الاحتلال لأمر قد يؤجل كل مشاريعهم أو حتى قد يتسبب بإبعادهم. وعندما تقرر مرواني عيادة عائلتها التي تعرفت عليها في الزيارة السابقة، تكتشف أن عمتها قد ماتت قبل أشهر بالسرطان وربما بالحسرة أيضا.

قبل سنتين أجريتُ حوارًا إذاعيًا رائعًا مع الحكواتية الفلسطينية دينيس أسعد، التي زارت مسقط بعد ذلك اللقاء، وأهدتني صدفة من بحر يافا، أعلقها في سيارتي منذ ذلك الحين، أحدقُ بعين مرواني نفسها في تلك الصدفة الحية/ الميتة، وأفكر في الذي تعنيه بالنسبة لي، وكيف أنها تلقي بي أنا أيضا في زوبعة الأسئلة العنيفة أيضا. فمن أنا؟ وكيف يحدث ما يحدث؟ ولماذا بحق الرب، عندما فازت السعودية على الأرجنتين في مونديال كأس العالم الأخير في قطر في أولى مبارياتها وزع الغزيون كنافتهم التي يسمونها «الكنافة العربية» تماما مثل ما يوزعونها في احتفالهم بأي انتصار صغير على الاحتلال؟ والآن، الآن أولئك أنفسهم الذين صنعوا الكنافة ووزعوها وفرحوا بها، هم أنفسهم جوعى ومشردون إن لم يكونوا قد قُتلوا من أكثر أنظمة الاستعمار وحشية، فهل نحن في حداد بدورنا؟

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

نبيل بنعبد الله يدعو الطلبة للمشاركة في التصويت ويقول : "عند عزوفك... هناك من يقرر بدلاً منك !!"

قال نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والإشتراكية، بأن العزوف الانتخابي هو الذي يلوث العمل السياسي، ويسمح بوصول من يلوثون السياسة ويلبسونها ثوب المصالح لمراكز القرار، وهو ما ينتقده المواطنون، داعياً الطلاب والطالبات إلى الانخراط في التغيير والبدء بالتسجيل في اللوائح الانتخابية والتصويت لمن يرونه صالحاً لخدمة مصالح المواطنين.

حديث بنعبد الله كان مع الطلبة الحاضرين مساء أمس الجمعة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأيت ملول، أثناء مداخلته في محاضرة منظمة من طرف ماستر الدبلوماسية الروحية والتحولات السياسية في إفريقيا، قائلاً، « بأن فئة كبيرة من الشباب لا تصوت، ولا تعبر عن موقفها من البرامج الانتخابية، في الوقت الدي كانت فيه الجامعة المغربية قبل عقود من الزمن مخترقة بالأفكار اليسارية بمختلف تلاوينها، قبل أن تتطور الأمور وتدخل إلى الساحة عدة أفكار ومشارب جديدة ».

وحاول بنعبد الله من خلال حديثه للطلبة، الاستعانة بالإحصائيات المتعلقة باللوائح الانتخابية التي تظهر عزوفا كبيراً في صفوف المواطنين،  قائلاً « بأن العزوف ليس حلا، فعندما لا تقرر من يسير شؤونك، هناك من يشتغل بآليات أخرى للوصول للمناصب السياسية ويقرر بدلاً منك ».

ووفقا لسيرورة النقاش المثار في الندوة، بدأ نبيل بنعبد الله كلمته بخصوص الموضوع مخاطباً الطلبة قائلاً: « نحتاج اليوم إلى إيجاد صيغ مختلفة لجلب اهتمامكم بما يجري في بلادنا وفي غير بلادنا، لأن هناك بعض الإشكاليات التي تطرح، ومن الواجب أن ننصت إليكم، ونتكلم عن بعض الجوانب المتعلقة بتجاربنا الشخصية في السياسة، والتي مر منها مئات الشباب الذين خاضوا هذه التجربة ».

 » ففي البدايات – يضيف بنعبد الله- نشير إلى ضرورة إذكاء السياسة عند التلاميذ في بداية مسارهم الثانوي وأساساً لدى الطلبة والطالبات في بداية مسارهم الجامعي من السنة الأولى، حيث يقول بعض المفكرين: إذا لم تهتم بالسياسة في عمر 21 سنة، فصعب جداً أن تلتحق بهذا الركب عندما تتجاوز هذا السن … ».

وقال، « ليس من السهل اليوم إقناع الشباب بالمشاركة السياسية، ولو أن الأمر متعلق بمشاكلهم اليومية، خلافا لما كان بالأمس القريب في الجامعات، حيث يعتنق الطالب النقاش السياسي مبكرا، فهل من الممكن أن أقدر اليوم على إقناعكم بالطرح الاشتراكي بكل سهولة ؟  في وقت لا يلائم هذا الطرح واقعكم !!

 » شخصيا … -يضيف بنعبد الله-  بدأت السياسة في سن 17 سنة، وكنا لا ننتظر شيئاً من العمل السياسي، بل كان دخولنا له انطلاقاً من المرجعية الفكرية الإديولوجية بشكل محض، ولم نكن ننتظر من ذلك أي جزاء، أو أي مسار، لأنه في ذلك الزمان كانت أغلبية الأحزاب ممنوعة، ولم نكن نتوقع الحصول على أي منصب، لأننا اخترنا الانخراط في أحزاب معارضة لها تصورات معارضة تماما للتصورات المعمول بها آنداك.

وبالتالي كنا نعتبر قيام حكومة تضم الأحزاب التي ننتمي إليها شيئا لن نشهده ولن نراه في حياتنا، غير أن الأمور تطورت وشاءت الأقدار بعد ذلك بتسريع التحولات التي شهدتها بلادنا، وبالتالي سارت الأمور في اتجاه معاكس، هكذا كنا آنذاك … » .

 » لكن هل يمكن إقناع الشباب بالانخراط في السياسة أو المشاركة فيها بسهولة ؟ لا أعتقد أن تنجح الوصفة اليوم دون إعطاء معنى لما نقوم به، فلماذا نهتم بالسياسة ولأجل ماذا ؟

طبعاً … إذا تتبعتم ما يقال في المواقع بشكل سطحي سيصعب أن تثقوا في أي شيئ، لأن هناك من يحلو له دون وعي في بعض الأحيان أن يقدم السياسيين والسياسيات دون تمييز بأن كل هؤلاء يريدون فقط أن يخدموا مصالحهم من خلال استغلال إمكانيات الدولة، أو تنعت هذه الأوساط بأنها غير نزيهة وتقوم بأشياء مخالفة للقانون دون تمييز … » .

وقال بنعبد الله: « تصوروا … أنه من يتكلم مع السياسيين بهذه الطريقة ويضع جميع السياسيين وجميع الأحزاب دون تمييز في خانة واحدة، فحتى داخل نفس الحزب يمكن أن تجد الفضلاء والفضليات/ ويمكن أن تجد بينهم بعض المنحرفين عن القيم والمبادئ التي يحلها هذا الحزب، لكن تصوروا أن نقول لكم نفس التعميم، بخصوص الطلبة والأساتذة، ونحملهم هاته الصفة نضعهم في كفة واحدة، فعندئد ستردون وتقولون بأن لكل واحد منا مساره وتجربته وأسرته ومحيطه وتضيحات عائلته ليكافح ويجد فرصة لنفسه في المجتمع، ولا ينبغي التعميم … ».

فهكذا بالضبط يتم التعامل اليوم بالنسبة لعدد من الأوساط المعلقة لما يجري في الفضاء السياسي بشكل ظالم،-يضيف بنعبد الله- فالسياسة في أعماقها نبل وأخلاق، والأساتذة أمامي لا يمكنهم أن يدرسوكم من الناحية الاكاديمية والنظرية غير ذلك،  بعد ذلك يمكن أن تكون التصرفات الشخصية شيئ آخر،  لكن في الأصل السياسة نبل وأخلاق وبدون ذلك ليست سياسة. ».

واستمر المتحدث في مخاطبة الطلبة قائلاً :  » كيف يمكن أن نبين لكم أن هناك فرق ؟ فبقدر ما تبتعدون أنتم عن الإهتمام بالسياسة ، وهذا الأمر أصبح طاغياً ويشكل موقف الأغلبية منكم، وسيبدوا الأمر واضحاً عند استقراء وضعكم الإنتخابي، وتسجيلكم في اللوائح الإنتخابية، حيث سأصدم بأن أغلبكم لم يتم تسجيله في اللوائح، هناك من يقرر بدلا منكم ويسعى لذلك بطرق بديلة « .

 » بينما سنجد أن المسجلين فضلو عدم التصويت، وفي ذلك تتجلى أهمية ما نحن بصدده معكم بالخصوص، أنتم في هذه الكلية وأمثالكم ممن يشكلون مليون و300 ألف طالب في المغرب وبسن رشد قانوني، سنجد بأن الـأغلبية الساحقة تنتمي ل 18 مليون من المغاربة الدين لايشاركون في السياسة بشكل مباشر، خاصة في العملية الإنتخابية  » .

وقال بنعبد الله،  » يوجد 27 مليون مغربي يتجاوز السن القانوني، من بينهم 9 مليون مغربي غير مسجلين، عدد منهم ينتمي للأجيال التي تأتي تدريجياً في السنوات الأخيرة ولم تسجل في اللوائح،  بينما تظل 18 مليون من المسجلين في اللوائح الإنتخابية، من بينهم 50 في المائة فقط من المصوتين والمصوتات، يعني 9 مليون متبقية لا تصوت ».

وأضاف من منطق حسابي : يعني 18 مليون مغربي ومغربية لايصوتون وأغلبهم شباب، إضافة لاحتساب حوالي مليون شخص تعتبر عملية تصويتهم ملغاة،حيث يحضرون للتصويت لكن لايصوتون على أحد كنوع من التعبير على عدم الرضى، في المقابل من ذلك هناك من يدبر أمركم بدون اختياركم، وبدون إرادتكم هناك حكومة، اتفقتم أو لم تتفقوا،  وكيف أتت الله أعلم !! .

 

كلمات دلالية PPS اخنوش الانتخابات التقدم والاستراكية الحكومة السياسة العمل السياسي المغرب تفاصيل سياسة نبيل بنعبد الله

مقالات مشابهة

  • نتنياهو: لا يوجد خلاف مع ترامب وليس هناك نية للاعتراف بدولة فلسطينية
  • مكتب نتنياهو: لن يكون هناك ثمن لإطلاق الجندي عيدان ألكسندر
  • هل هناك حياة أخرى بعد الموت والحساب؟.. أمين الفتوى يُجيب
  • يوسف خميس: هناك لاعبون في النصر لا يمكن أن يلعبوا في الحواري ولا علاقة لرونالدو بالإخفاقات .. فيديو
  • مسؤولون أمريكيون: هناك خلافات بين ترامب ونتنياهو بشأن التعامل مع قطاع غزة وإيران
  • نبيل بنعبد الله يدعو الطلبة للمشاركة في التصويت ويقول : "عند عزوفك... هناك من يقرر بدلاً منك !!"
  • هناك مفاجآت.. «تامر حسني» يروج لـ فيلمه ريستارت
  • الأمراض التي قد يشير إليها الطفح الذي يصيب أكبر عضو في الجسم
  • الأمم المتحدة تحذر: تأخير المساعدات إلى غزة ستكون له عواقب لا علاج لها.. هناك خطة لتقييد آخر حبة قمح
  • جيش العدو : صفارات الإنذار دوت في أكثر من 25 مدينة وبلدة في فلسطين المحتلة