الذكاء الاصطناعي يمثل تغيراً ثقافياً نوعياً يمس معنى الوظيفة بوصف الوظيفة قيمة معنوية وقيمة مادية، ولم يعد أحدٌ في هذا الزمن يعيش خارج شرط الوظيفة وقيمة الإنسان هي وظيفته، ومن دون ذلك يصبح عاطلاً بمعنى غير النافع أو فاقد القيمة، وقديماً حدث تغيرٌ نوعيٌ ضخم حين تطورت الأداة الزراعية، وتغيرت معها أنظمة الفلاحة وهي قد كانت مصدر عيش ومعاش جوهري للبشر، وحين اخترعت الآلات الزراعية، كالحراثة والذراية والحصادة فقد خرجت معها وبسببها اليد العاملة في الفلاحة، ودخلت في حال البطالة باختفاء الحاجة لليد العاملة، ولكن البشرية عرفت كيف تحتال لنفسها، حيث تحوّلت المهنة من فلاحة الأرض إلى صناعة الآلات، تلك الآلات التي سرقت المهنة من الرجال والنساء، ووضعت الجميع على رصيف الانتظار والعطالة، ومن ثم تحوّل العاطلون زراعياً إلى موظفين وعمال ٍ في المصانع ليصنعوا الحصادة والذراية التي كانت قد أخرجتهم من العمل، وهذا تحولٌ ذكيٌ يعدل حال الظرف من ظرف ضارٍّ إلى ظرف نافع، والحال نفسها تتكرر اليوم من التبدل الوظيفي النوعي مع الذكاء الاصطناعي وتدخله في لقمة عيش قطاعات عريضة من البشر من حيث إزاحتهم عن سوق العمل كما أزاحت الحراثة عمال الزراعة من قبل في زمن أصبح بعيداً جداً، ولكنه يتكرر اليوم ليعيد لعبة العقل البشري في مواجهة العقل الاصطناعي، ويظل الذكاء الطبيعي هو المنتصر دوماً، لأنه أولاً هو من اخترع الذكاء الاصطناعي متوسماً نموذج الذكاء نفسه ليفعل ما يفعله البشر عبر ذكائهم، ولكن بطريقة أسرع وأدق وأنظف وأكثر جدوى وقيمةً ماديةً، ولكن هذا التحول من نظام ذهني وبدني للعمل إلى نظام آخر آصبح ينتج مواد الذكاء الاصطناعي ويشغله ويديره ويساعد في تتميم نواقصه، وتحصين مردوده، والحفاظ على أنظمته الأخلاقية والقيمية، ما يعني أن الإنسان كلما جنى على نفسه راح ليحتال لها ويعيد ترتيب تصوراته ونظم تفكيره ومجالات عمله، بما يضمن له الحصانة والضمانة من العطالة، وفقدان القيمة المعنوية والمادية لوجوده ومعنى وجوده.


على أن كل ما يعمله الإنسان بقوته المادية يمكن أن تعمله الأجهزة بأقوى منه، والتلسكوب مثال كاشف لما بين العين المجردة والآلة. أما مهارات الإنسان العقلية فلن تنافسها أية آلة مهما كانت، وكل تنافس سينتهي بالضرورة لمصلحة الإنسان الذي له من الحيلة والمناورة قدرات لا تتكشف إلا عند التحدي، والتحدي الوجودي خاصةً. ولذا فالعقل الاصطناعي مهما تمرد وطغى، فسيظل الإنسان أشد مكراً وطغياناً.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة "جوجل" توسع تقنية الذكاء الاصطناعي "AI Overviews" لتشمل منصة "يوتيوب" محمد منير: الذكاء الاصطناعي منصة للابتكار

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي الذكاء الاصطناعي الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

متى يُعد استخدام الذكاء الاصطناعي سرقة أدبية؟

 

 

د. عمرو عبد العظيم

السؤال المطروح في العنون يشغل بال الكثير من الطلبة والباحثين والكُتاب؛ حيث يقع الكثير منهم في حيرةٍ.. هل نستخدم الذكاء الاصطناعي في كتابة البحوث والمقالات أم يُعد ذلك سرقة أدبية؟

وإذا كانت الإجابة "نعم يمكن استخدامه ليكتب عنك" فيكون السؤال: وما دورك أنت إذن في هذه الحالة؟ وهنا يعُد استخدامه سرقة أدبية، في حين إذا كانت الإجابة لا فلماذا يسعى العالم لتطوير تلك التقنيات للاستفادة منها لتسهيل حياة البشر، مثل ما طوروا العديد من الأدوات البدائية والعمليات اليدوية إلى عمليات آلية تسهل حياة الإنسان ويستطيع من خلالها أن ينجز العديد من المهام في وقتٍ أقل وبمجهودٍ بسيط.

عزيزي القارئ حتى نحل هذه المعضلة، أريد أن أطرح لك التوجه العلمي والعالمي الآن في هذه القضية وكيف تتصرف الجامعات والمؤسسات الأكاديمية في حالة قام الطلبة بالنسخ المباشر من الذكاء الاصطناعي للبحوث والتقارير والأعمال التقييمية التي تُقدَّم لتلك الجامعات.

تضع هذه المؤسسات نسبة مئوية لا تتعدى في الغالب 25 بالمئة تقريبًا كنسبة للاقتباس من الذكاء الاصطناعي والنماذج اللغوية المعروفة أو من مصادر أخرى، ودعنا نفصل في الأمر من حيث الناحية المنطقية والعلمية؛ لأنَّ الباحث أو الطالب إذا استخدم نماذج الذكاء الاصطناعي لتوليد بحوثه وتقاريره فيكون في هذه الحالة قد أوقف الإبداع والابتكار، وفَقَدَ عدة مهارات كان يجب عليه أن يكتسبها من خلال دراسته أو بحثه، ومنها مهارة والبحث والاستقصاء وتجميع البيانات وتحليلها والتفكير المنطقي والدقة العلمية وغيرها. ومع الوقت ربما نجد جيلًا تنقصه هذه المهارات بشكلٍ واضح. إذن هل نوقف استخدامه؟ بالطبع لا، لكن هناك عدة معايير يجب وضعها في الاعتبار عن الاستعانة بالذكاء الاصطناعي ونماذجه في إعداد البحوث والتقارير العلمية وغيرها.

ومن هذه المعايير أن يُراعِي المُستخدِم أن يكون الذكاء الاصطناعي مُساعدًا له وليس بديلًا عنه؛ بمعنى أن ينظم له أفكاره ويُوسِّع له من مفرداته ويُساعده في ترتيب الفقرات، ويمكن أن يُعيد تنظيم العناصر ويُراجع الصياغة في بحوثه ويُحسِّنها، ومن هنا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُمثِّل المُشرف الأكاديمي على البحث؛ حيث يستطيع الباحث أن يعرض عليه مراحل البحث مرحلة تلو الأخرى ويطلب منه التصرف كأنه خبير أكاديمي محترف ومشرف خبير في البحوث، ليساعده في أن يُقيِّم كل خطوة وإجراء تم في هذا البحث، ويستطيع الذكاء الاصطناعي أن يُرشده بكل سهولة ويسر حتى يخرج هذا البحث في أفضل صورة.

لأن الباحث هو من يرى الواقع والميدان الذي يُجري فيه البحث، فيمكنه ذلك من اتخاذ القرار الصحيح، وفي الوقت نفسه فالذكاء الاصطناعي لا يمكنه رؤية ذلك بكل تفاصيله فهو مازال تقنية يتحكم فيها الإنسان وفق المعطيات والبيانات التي يمده بها، فهو فقط يرشد الباحث وفق مراحل البحث وظروفه، وبذلك يضمن الباحث أنه استخدم الذكاء الاصطناعي استخدامًا عادلًا كمساعد أو مشرف أكاديمي له.

الخلاصة.. إنَّ استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث والكتابة بفاعلية كمساعد دون إلغاء عقولنا أو أن يعوقنا عن تطوير مهاراتنا، يُعد من أهم طرق الاستخدام العادل والمتزن لتلك التقنية، والتي أصبحت لا غنى عنها اليوم في جميع القطاعات وخاصة في قطاع التعليم.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • هل يخلق الذكاء الاصطناعي مجتمعا أميا في المستقبل؟
  • فيديو بتقنية الذكاء الاصطناعي يتنبأ بفوز الهلال قبل يوم من مواجهة باتشوكا
  • د.حماد عبدالله يكتب: الإدارة.. الإدارة.. الإدارة !!
  • تلخيص للرسائل.. الذكاء الاصطناعي يدخل واتساب
  • حقوق النشر.. معركة مستعرة بين عمالقة الذكاء الاصطناعي والمبدعين
  • د.حماد عبدالله يكتب: الإهتمام "بالتراكم "المعرفى !!
  • متى يُعد استخدام الذكاء الاصطناعي سرقة أدبية؟
  • موعد صرف مرتبات شهر يوليو 2025 وقيمة الزيادة الجديدة
  • خلال أيام.. موعد صرف معاشات شهر يوليو 2025 وقيمة الزيادة الجديدة