الذكاء الاصطناعي يتنبأ بالموت المفاجئ
تاريخ النشر: 22nd, November 2023 GMT
منذ أن وطئت قدما الإنسان الأرض وهو في بحث مستمر لإيجاد إجابات مقنعة لأسئلته عن مسببات الأمراض وكيفية النجاة منها، فَجَرّب البشر مختلف أنواع الأعشاب، واتخذوا من تمائم الكهنة وطلاسم العرّافين حِصنًا يقيهم من منغِّصات الحياة.
وظلت فكرة البحث عن أفضل العلاجات تراود عقول العلماء حتى يومنا هذا. وعلى الرغم من امتلاك البشر لأفضل أساليب التشخيص الطبي وأمهر الأيادي الطبية وأرقى المستشفيات، فإن ما أحدثه الذكاء الاصطناعي في تطوير النظام الصحي في السنوات القليلة الماضية، لا يُقارن بِما سبقه، فهو يمتلك إمكانات هائلة ساعدت في تحسين الرعاية وتقليل التكاليف وضمان غد صحي واعد.
نسمع يوميا مصطلح الذكاء الاصطناعي، ولِتوضيح هذا المفهوم بشكل مختصر نقول: هو محاولة جعل الحواسيب تتصرف بذكاء يقترب من ذكاء البشر.
وتتمثل القوة الحاليّة للذكاء الاصطناعي في قدرته على التعلم من مجموعة كبيرة من البيانات والتعرف على الأنماط التي يمكن استخدامها لتشخيص الحالات المرضية، وكذلك قدرته على التعامل مع كل هذه البيانات والخروج بحلول بسرعة متناهية.
وفي الوقت الحالي، يتم استثمار مليارات الدولارات في أبحاث الذكاء الاصطناعي في الطب وعلم الأحياء البشري والرعاية الصحية. فالذكاء الاصطناعي بكل تفريعاته (التعلم الآلي والتعلم العميق والشبكات العصبية) تجد تطبيقها العملي بشكل متزايد في إنشاء أنظمة معالجة البيانات والتشخيص الآلي للأمراض، وتطوير عقاقير جديدة تعتمد على النمذجة، وكذلك في تطوير أنظمة لتحليل أنواع مختلفة من المؤشرات الحيوية.
والقدرة العالية لِخوارزميات الذكاء الاصطناعي في التعامل مع البيانات والتنبؤ بالأمراض وإيجاد العلاجات المناسبة لها، جعل منها مصدرا ومرجعا كبيرين عند الباحثين، حيث يمكن للتنبؤ الناجح بأمراض خطيرة مثل السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية أن يزيد بشكل كبير من نسبة بقاء الإنسان على قيد الحياة وزيادة فرص شفائه.
تعد السكتة القلبية المفاجئة (SCA) مشكلة صحية كبرى في جميع أنحاء العالم وتتسبب بوفاة 90% من الأشخاص الذين تصيبهم، ففي الولايات المتحدة وحدها يموت نحو 360 ألف فرد بسببها كل عام.
وأظهرت الدراسات الحديثة أن أكثر من نصف المرضى يعانون من أعراض تحذيرية قبل ساعات أو أيام من حدوث السكتة القلبية، لكن بسبب إهمال المرضى من جهة، وتفسيرات خاطئة للعلامات الموجودة عند المريض من قبل الكوادر الطبية يقع مثل هذا العدد من الوفيات.
يقول الدكتور كزافييه جوفين أستاذ أمراض القلب وعلم الأوبئة في مركز باريس لأبحاث القلب والأوعية الدموية في جامعة باريس: "يمثل الموت القلبي المفاجئ -وهو عبء على الصحة العامة- ما بين 10 و20% من إجمالي الوفيات، ومن الصعب التنبؤ به، وتفشل الأساليب المعتادة في تحديد الأشخاص المعرضين للخطر الشديد، لا سيما على المستوى الفردي".
لكن مؤخراً، ووفقاً لبحث علمي دولي مشترك أجراه خبراء من عدة تخصصات، أشار إلى إمكانية أن يتنبأ الذكاء الاصطناعي بحدوث السكتة القلبية المفاجئة قبل وقوعها، مما يساهم باستعجال الإسعافات الضرورية وإزالة الخطر، وفقا للنتائج الأولية لدراسة قدمت في ندوة علوم الإنعاش التي نظمتها جمعية القلب الأميركية 2023.
فباستخدام الذكاء الاصطناعي قام الباحثون بتحليل البيانات الطبية لـ25 ألف شخص ماتوا فجأة، و70 ألفا دخلوا المستشفى بسبب سكتة قلبية ولم يموتوا في باريس وفرنسا وسياتل بواشنطن، ومن ثم بنوا خوارزميات ومعادلات تضمنت التفاصيل الطبية للشخص مثل علاج ارتفاع ضغط الدم وتاريخ أمراض القلب، بالإضافة إلى الاضطرابات العقلية والسلوكية بما في ذلك تعاطي الكحول.
ولزيادة عينة الدراسة ضمَّن العلماء بيانات أكثر من مليون شخص راجعوا المستشفى و10 ملايين وصفة طبية من عيادات الأطباء لمدة تصل إلى 10 سنوات.
وبعد ذلك كله، جرى تجريب الخوارزميات الجديدة على البيانات الموجودة، ثم طُلِب منها التنبؤ بحالات الوفاة، وتمكنت الخوارزمية من التنبؤ بوفاة الأشخاص قبل موعد وفاتهم بثلاثة أشهر، وكانت دقة الخوارزميات في التنبؤ بحالات الوفاة تجاوزت الـ90%.
وهذا يعني، أن التحليلات التي تجريها الخوارزمية على بيانات المرضى، يمكنها أن تحدد موعد قدوم الخطر للمريض، مما يُرسل إنذارا للأطباء بخطورة الموقف تدعوهم للتدخل قبل فوات الآوان.
وقال أستاذ الطب في جامعة باريس كزافييه جوفين: "نحن نعمل منذ ما يقرب من 30 عاماً في مجال التنبؤ بالموت القلبي المفاجئ، لكننا لم نتوقع أن نصل إلى هذا المستوى العالي من الدقة".
وأضاف: "اكتشفنا أيضاً أن عوامل الخطر تختلف من فرد إلى آخر، وهي مزيج من البيانات العصبية والنفسية والتمثيل الغذائي وحالة القلب والأوعية الدموية، وهذه صورة يصعب على الأطباء إيجاد العلاقة بينها جميعاً والتنبؤ بما سيحدث".
وفي دراسة أجريت على مرضى في تايوان، أدت تقنية الذكاء الاصطناعي المرتكزة على تفسير مخطط كهربية القلب إلى تقليل الوقت اللازم لتشخيص ونقل الأشخاص المصابين بأزمات قلبية إلى مراكز قسطرة القلب لتلقي العلاج.
فأثناء النوبة القلبية، يُحرم القلب من الأكسجين بسبب انخفاض تدفق الدم إلى القلب بسبب انسداد الشريان التاجي، وهذا قد يؤدي إلى تلف عضلة القلب. ويعد التشخيص والعلاج في الوقت المناسب أمراً بالغ الأهمية لاستعادة تدفق الدم وتقليل إصابة عضلة القلب وزيادة فرصة تعافي الشخص بعد نوبة قلبية.
وبحثت هذه الدراسة في ما إذا كان استخدام الذكاء الاصطناعي مع اختبار تخطيط القلب يمكن أن يساعد المتخصصين في مجال الصحة على تشخيص حالات احتشاء العضلة القلبية القصيرة (STEMIs) ونقل المرضى إلى مختبر قسطرة القلب بشكل أسرع، وكانت نسبة دقة هذه الخوارزميات 88%.
ومن الاستخدامات الأخرى للذكاء الاصطناعي كذلك ما لجأت إليه إحدى دراسات مايو كلينك على أداة فحص جديدة للمصابين بنوع معين من مشكلات القلب التي ليس لها أعراض ظاهرة. وتُعرف هذه الحالة باسم "خلل البُطين الأيسر". فقد اكتشفت أداة الفحص هذه المدعومة بالذكاء الاصطناعي الأشخاص المعرضين للإصابة بهذه الحالة في 93% من الحالات.
ومن التطبيقات التي طورتها مايو كلينك دمجها تلك الخوارزميات في ساعات آبل لاكتشاف ضعف قوة الضخ في القلب أو ما يُعرف بـ"انخفاض الكسر القذفي البُطيني".
مخاوف وتحدياترغم كل ما ذكر، فإن الذكاء الاصطناعي حاله كحال أي علم جديد، فكما أن له مؤيدين ومتحمسين لأتمتة كل شيء، فهنالك تحذيرات ومخاوف يطلقها كثيرون. وواحدة من المخاوف التي أثيرت هي مسألة المسؤولية القانونية، فإذا وقع خطأ طبي من سيتحمل المسؤولية؟
بمعنى أن جميع الخوارزميات وأنظمة الحوسبة ليست كياناً قانونياً، فهل يجب على المريض مقاضاة المالك أو المبرمج أو الصانع أو أي شخص آخر؟ وهل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخضع للمسؤولية الجنائية؟
فمعضلات الذكاء الاصطناعي هذه ليست فريدة من نوعها على الصحة، وعلى سبيل المثال، كانت هناك بالفعل بعض حوادث السيارات ذاتية القيادة، أدى بعضها إلى وفيات،ولم يجد المختصون بالقانون لها حلا حتى الآن.
وكذلك أظهرت دراسة حديثة أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتعلم التحيز العنصري أو التحيز الجنسي، استناداً إلى الكلمات التي تشكل جزءاً من البيانات التي كانت تتعلم منها، وهو ما قد يؤدي إلى إظهار نتائج خاطئة انحيازاً للعرق أو الدين أو الجنس إن كان من برمج وبنى تلك الخوارزميات منحاز تجاه طرف أو عرق معين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی السکتة القلبیة الاصطناعی فی
إقرأ أيضاً:
حسب أبحاث آبل.. الذكاء الاصطناعي غير قادر على التفكير العميق
أثار البحث الذي طرحته "آبل" حول تقنيات التفكير العميق في نماذج الذكاء الاصطناعي ضجة عالمية واسعة، إذ يشير البحث إلى أن نماذج الاستدلال الكبيرة للذكاء الاصطناعي غير قادرة على التفكير العميق بشكل جيد رغم ما تحاول الشركات الترويج له، وذلك حسب ما نقله موقع "ماشابل" (Mashable).
طرحت "آبل" البحث قبل مؤتمر المطورين السنوي التابع لها بعدة أيام، وأشارت فيه إلى أن النماذج مثل "أوبن إيه آي أو 1″ و"أو 3″ و"ديب سييك آر 1″ تفشل بشكل كامل في حل المشكلات المعقدة مع ازدياد درجة الفشل كلما ازداد تعقيد المشكلة، ويأتي هذا البحث من الفريق الذي نشر ورقة بحثية سابقة أظهرت قصور نماذج الذكاء الاصطناعي اللغوية الكبيرة في العام الماضي.
ويوضح بحث "آبل" بالتجربة أن أداء نماذج التفكير العميق أفضل قليلا من النماذج اللغوية المعتادة للذكاء الاصطناعي في مواجهة المشكلات البسيطة، لكن مع ازدياد معدل التعقيد ووصول المشكلة إلى مرحلة متوسطة من التعقيد.
أي أن النموذج يفشل في حل التحديات والوصول إلى النتائج المرغوبة، ويصف البحث هذا الفشل بكون نماذج التفكير العميق تمتع بأداء جيد عند مواجهة المشكلات البرمجية أو الحسابية، لكنها تفشل في مواجهة المشكلات المنطقية.
ومن أجل تنفيذ هذه الاختبارات، اعتمدت "آبل" بشكل كامل على المشكلات المنطقية التقليدية، مثل برج هانوي أو مشكلة عبور النهر التي تتضمن في العادة مجموعة من الحيوانات الأليفة وحيوانا مفترسا وبعض النباتات وتكديس الكتل في تكوين محدد.
وبينما وجد المشككون في قدرات الذكاء الاصطناعي غايتهم بهذا البحث، فإن خبراء الذكاء الاصطناعي يجدون أن البحث لا يعني بالضرورة أن نماذج التفكير العميق سيئة ولا تؤدي عملها بشكل جيد، لكنها تشير إلى أن هذه النماذج في الوقت الحالي أضعف في التفكير المنطقي من البشر.
إعلانكما قال خبير الذكاء الاصطناعي غاري ماركوس على مدونته "يعاني البشر في الواقع من مجموعة من القيود المعروفة التي تتطابق مع ما اكتشفه فريق آبل"، إذ يفشل العديد من البشر في حل بعض الألغاز مثلما وجدها بحث "آبل" مع نماذج الذكاء الاصطناعي، ومن جانبه قال كارل فرانزمان خبير الذكاء الاصطناعي أن بحث "آبل" مبهر بحق، لكنه لا يقارن نتائج نماذج الذكاء الاصطناعي مع البشر أثناء محاولة حل هذه الألغاز المنطقية.