عبر أهالي بعض المعتقلين المصريين، عن آمالهم في أن يكون لعملية "طوفان الأقصى"، على حدود مصر الشرقية تداعيات إيجابية على ملف المعتقلين السياسيين في البلاد. 

كما طالب البعض منهم في حديثهم لـ"عربي21"، العالم الحر بالحديث عن أزمة أكثر من 60 ألف مصري يعانون لأكثر من 10 سنوات في سجون رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، الذي أصبح على شفا وصوله للفترة الرئاسية الثالثة حتى 2030.

 

وقالت زوجة أحد المعتقلين لـ"عربي21"، إنهم "بعد (طوفان الأقصى) يحلمون بحل لأزمة ذويهم من المعتقلين، ويتمنون حدوث حراك عالمي يساهم في حل أزمة طالت مئات الآلاف من المصريين". 

ونقلت عن معتقلين وبينهم زوجها، أن "حالتهم المعنوية مرتفعة منذ (طوفان الأقصى)، ويحدوهم الأمل في النصر لفلسطين، والإفراج عنهم قريبا". 

"إبادة هناك وقمع هنا" 
وبينما العالم منشغل بجرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة، وحرب الإبادة الدموية بحق الفلسطينيين منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، يواصل النظام المصري ممارسة أبشع الجرائم بحق مواطنيه، وسط شكاوى المعتقلين من إهمال ملفهم وترك أزمتهم القائمة منذ العام 2013، بلا حل.  

وقدرت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، عدد السجناء والمحبوسين احتياطيا والمحتجزين في مصر حتى بداية آذار/ مارس 2021 بنحو 120 ألف سجين، بينهم نحو 65 ألف سجين ومحبوس سياسي. 

ووسط تجاهل إعلامي وخفوت حقوقي وإنكار رسمي، تتزايد حالات الوفاة بين المعتقلين المصريين بشكل مضطرد بسبب الأوضاع المذرية داخل السجون والقيود الأمنية وحرمان المسجونين من حقوقهم القانونية مثل العلاج والزيارة. 


وحول أدق الإحصائيات عن عدد وفيات المعتقلين منذ العام 2013 وحتى اليوم بالسجون المصرية، أكد رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"، الباحث مصطفى خضري، أن "نحو 1024 معتقلا منذ العام 2013، وحتى نهاية 2022". 

وفي حديث سابق مع "عربي21" أوضح أنه "إذا أضيف لذلك العدد من توفي في زنازين الاحتجاز بأقسام الشرطة ومقرات الأمن الوطني فإنه يرتفع العدد إلى الضعف تقريبا". 

وقالت منظمة العفو الدولية، إن مسؤولي السجون بمصر يعرِّضون سجناء الرأي وغيرهم من المحتجزين بدواع سياسية للتعذيب ولظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، ويحرمونهم عمدا من الرعاية الصحية عقابا على معارضتهم. 

وأكدت المنظمة في تقريرها الصادر 25 كانون الثاني/ يناير 2021، أن قسوة السلطات تسببت أو أسهمت في وقوع وفيات أثناء الاحتجاز، كما أنها ألحقت أضرارا لا يمكن علاجها بصحة السجناء. 

وفي الأثناء انتقد "التقرير الخامس" لـ"لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة"، الصادرة الجمعة الماضية، تحايل السلطات الأمنية والقضائية المصرية على المدد القانونية للحبس باستخدام طريقة "تدوير" المعتقلين بدلا من الإفراج عنهم بعد انتهاء مدد محكوميتهم. 

"استمرار الاعتقال" 
وفي أحدث انتهاكات السلطات المصرية، اعتقلت السلطات الأمنية تعسفا وأحالت إلى النيابة العامة عشرات المحتجين السلميين في مظاهرات، خرجت للتضامن مع الفلسطينيين الجمعة 20 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. 

وبرغم أن السيسي، كان قد أعطى الضوء الأخضر لهذه التظاهرات بدعوى رفض الرغبة الإسرائيلية بتهجير أهالي غزة لسيناء، لكن السلطات المصرية عادت ومنعت التظاهرات التي هتفت ضد نظام السيسي. 

وأعلنت منظمة "سيناء لحقوق الإنسان"، أن قوات الجيش فرّقت بعنف في 23 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي تجمعا لسكان شمال سيناء طالبوا بالعودة لأراضيهم المصادرة قرب حدود غزة. 

وفي 15 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، اعتقلت قوات الأمن 10 رجال 3 نساء بعد تفريق مئات المدرسين والمدرسات الذين تجمعوا أمام وزارة التعليم بالعاصمة الإدارية الجديدة، شرق القاهرة، احتجاجا على الاستبعاد الجماعي لهم من وظيفة تدريس حكومية. 

"لن يفرط في دوره" 
وفي حديثه لـ"عربي21"، لا يعتقد الحقوقي المصري هيثم أبو خليل، بحدوث انفراجة بملف المعتقلين المصريين عقب أحداث "طوفان الأقصى"، متوقعا على العكس من ذلك بزيادة الاعتقالات، ملمحا لوجود مخاوف جديدة لدى النظام بعد "طوفان الأقصى". 

أبو خليل، بين أن "الدور الفاعل للمقاومة في غزة والنجاحات التي قدمتها رغم الوجع والألم أظنه يزيد المخاوف (لدى النظام) من تيار الإسلام السياسي في مصر ومن المعتقلين الذين ينتمي أغلبهم إلى تنظيمات إسلامية أو لديهم خلفيات معارضة". 

وأضاف: "بالعكس أتوقع زيادة عدد المعتقلين"، موضحا أن "النظام المصري يقدم نفسه للكيان المحتل وحلفائه وعلى رأسهم أمريكا بأنه من يكبح جماح أنصار حماس وأنصار المقاومة في مصر، وأنه الذي أطاح بهم". 

ولفت إلى ما اعتبره مفارقة من أنه (السيسي) "يتوسط لصالح الكيان وأسرى الكيان وفي النهاية يساعد على إطلاق سراح أسرى الاحتلال، بينما لديه عشرات الآلاف من المعتقلين في السجون". 

وأضاف: "ورأينا في نيسان/ أبريل 2022، حينما أعلن السيسي، خلال إفطار الأسرة المصرية في شهر رمضان قبل الماضي، عن (الحوار الوطني)، وتفعيل (لجنة العفو الرئاسي)، وفي النهاية الحصيلة إفراجات قليلة، بل على العكس زادت الاعتقالات". 

وأشار إلى "اعتقال عشرات المتظاهرين مؤخرا في جمعة التفويض الوهمية بالقاهرة لأنهم تجاوزوا الخط المرسوم للتظاهر وصدقوا أن تصريح رأس النظام بالتظاهر جاد". 

وفي نهاية حديثه، أكد أبو خليل، أن "الدعم الإقليمي والغربي الذي يحصل عليه هذا النظام هو لأجل استمرار الناس في المعتقلات، الإبقاء على رموز مثل عبدالمنعم أبو الفتوح، وسعد الكتاتني، وحازم أبو إسماعيل، وعصام الحداد، وغيرهم وغيرهم". 

"كارثة يعلمها الجميع" 
من جانبه، قال الحقوقي المصري أحمد العطار: "في الحقيقة فإن كارثية الملف الحقوقي المصري ومعاناة آلاف المعتقلين السياسيين بالسجون وأماكن الاحتجاز، لا تخفى على أي من الجهات الدولية الرسمية وغير الرسمية وسواء حكومات أو المفوضية السامية لحقوق الإنسان". 

المدير التنفيذي للشبكة المصرية لحقوق الإنسان، وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "قمنا بالشبكة، وغيرنا من المنظمات الحقوقية المصرية والدولية برصد وتوثيق ونشر مئات التقارير الحقوقية التي تدين الانتهاكات التي ترتكبها السلطات الأمنية المصرية، في غياب تام لدور المراقبة والتفتيش المنوط به للنيابة العامة". 

وأكد أنه "ورغم ذلك لم تقم حكومات الدول الكبرى وخاصة أمريكا وفي الاتحاد الأوروبي بالضغط المباشر القوي وفرض عقوبات صارمة على السلطات المصرية لتغير سياستها وتحسين ملف حقوق الإنسان". 

وخلص للقول: "ولذا لن أكون متفائلا"، مشيرا إلى أنه "سبق وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، أثناء حملته الانتخابية أنه لن يسمح للسيسي، بانتهاك حقوق الإنسان في مصر حالة فوزه بالانتخابات الرئاسية، ولكن الواقع، يقول عكس ذلك". 

وفي نهاية حديثه لفت إلى أن "بايدن، أشاد بالسيسي، بالعديد من المناسبات، متناسيا انتهاكاته الكارثية بملف حقوق الإنسان". 

"له ما بعده" 
ويعتقد الكاتب والباحث المهتم بملف المعتقلين في مصر عزت النمر، أن "طرفان الأقصى تمثل حالة إعجاز بشري قامت به المقاومة بمواجهة الآلة العسكرية للكيان، وتجاوز الإعجاز مستوى المقاومة إلى مستوى التفوق في التخطيط العسكري والتدريب والتمويه والتخفي والمواجهات المباشرة". 

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "فضلا عن الإعجاز في تدريب وإعداد العنصر البشري لمستوي تجاوز الإنجاز والإعجاز، وأعتقد أن كليات الحرب والأكاديميات العسكرية ستدرس وتُدَرِّس ما حدث لسنوات طوال، وأنها ستغير من خلال دروسه النظريات العسكرية والقواعد الراسخة القديمة". 

ويعتقد كذلك أن "ما بعد طوفان الأقصى ليس كما قبله: ليس فقط بالمعادلة الفلسطينية ولا جوهر الصراع بفلسطين فحسب، لكن معادلات القوى بعالم اليوم ستتأثر وستتغير خرائط الصراعات الإقليمية والدولية لآفاق جديدة". 



وفي واقعنا المصري، يرى النمر، أن "الأثر المباشر الذي ستتركه عملية طوفان الأقصى سيتمثل باتجاهين، أولهما على نظام السيسي الذي هُزِم مع هزيمة الكيان رغم حالة الثبات المتوهمة على الأرض وفي الواقع". 

ولفت إلى أن "الاتجاه الآخر هي حالة الوعي الضخمة التي خلفها طوفان الأقصى في الشعوب، إذ عرفت مَنْ العدو ومَنْ يقف بمربع العدو، وأيقنت أن نظام السيسي امتداد لحالة الاحتلال وصنو لها، وأن الشعوب إذا ملكت قرار المواجهة تستطيع أن تفرض قرارها مهما كان تفاوت ميزان القوة". 

"استعادت الشعوب" 
وحول دور التطورات والتغيرات السياسية والاستراتيجية والأمنية بالمنطقة عقب طوفان الأقصى في الدفع لحل أزمة المعتقلين المصريين، قال الباحث المصري، إن "إسقاط ذلك على مشهدنا المصري سيُفقِد السيسي وانقلابه وسطوة القوى التي يملكها أثرها على الأرض، وسيمنح الشعوب الجرأة والتحدي، خاصة أن الشعوب وعت ما اختلط عليها من قبل". 

ولفت إلى أن "طوفان الأقصى مسحت غبار التيه عن الشعوب وعرفت أن الإسلام السياسي والإخوان المسلمين ليسوا كما تسوق الأنظمة العملية، بل هم درع الشعوب وسيفها بمواجهة أعداء الأمة، وأنه في الوقت الذي صف نظام السيسي جنب إسرائيل، كانت الشعب تنتظر كلمة أبو عبيدة وهو يمثل إخوان فلسطين". 

ويعتقد أن "هذا الأمر سيكون له الأثر المباشر والقريب على قضايا الحرية في مصر وفي القلب منها قضية المعتقلين". 

وحول إمكانية صناعة رأي عام عالمي مناصر للمعتقلين المصريين على غرار الدعم العالمي لغزة وفلسطين، قال النمر: "إذا كان المقصود بالرأي العام العالمي إدراكات شعوب العالم بالقضية: فإن هذا الأمر ينطلق ابتداء من استمساك صاحب الحق بحقه أولا". 

وأضاف: "ثم بعد ذلك تصنعه التضحيات والثبات على المبادئ، ثم تنتجه عقول المقاومة وإرادة المواجهة والقدرة على صناعة الإنجاز والإعجاز، ويعين على ذلك الخطاب السياسي والقدرة على إنجاز أوراق ضغط، والمناورة بها واستخدامها في الوقت الأنسب، فضلا عن الجهاز الإعلامي والإدارة النفسية للأحداث". 

"إزاحة السيسي أولا" 
وفي رؤيته لاحتمالات أن يفتح قرب وصول السيسي لفترة رئاسية ثالثة باب الأمل لحل أزمة المعتقلين، يرى أن "وجود السيسي بالمشهد هو المعلم الخطأ بالمعادلة، واقترابه من فترة رئاسية ثالثة لا يفتح بابا من الأمل لحل أزمة المعتقلين، بل وجوده تكريس لاستمرار حالة الانسداد السياسي واستمرار البغي والظلم". 


النمر، خلص للقول إن "أزمة المعتقلين من أزمة مصر في السياسة والحكم والاستبداد والديكتاتورية، وحل أزمة المعتقلين لابد وأن يأتي ضمن سياق تغيير كبير بالمشهد يستلزم غياب السيسي وإبعاد العسكر عن الحكم". 

ويعتقد أن "الأحداث توحي بقرب ذلك، ويعتقد أن طوفان الأقصي ستمثل بداية النهاية لأنظمة العار والخيانة في مشهدنا العربي وعلى رأسها السيسي ونظامه، وبداية النهاية لسطوة الغرب والدور الأمريكي وقبل ذلك بداية النهاية للكيان المحتل لفلسطين". 

"حلم بفرحة مماثلة" 
وفي مقال له بموقع "عربي21"، قال الكاتب الصحفي قطب العربي: "نجد أنفسنا ممزقين بين دموع الفرح بتحرير الأسرى في فلسطين، ودموع الحزن على من يقضون زهرة شبابهم، أو يلقون حتفهم في السجون المصرية، هي فرصة أن نتذكرهم في هذه اللحظات، ربما هذا بعض الوفاء لهم في ظل العجز عن تحريرهم.. ". 

وفي تعليقه على فرحة الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم من سجون الاحتلال عقب هدنة مع المقاومة برعاية دولية مدة 4 أيام بدأت الجمعة الماضية، أعرب القيادي في جماعة الإخوان المسلمين الدكتور جمال عبد الستار، عن أمله في "فرحة مثلها بخروج عائشة الشاطر، وهدى عبد المنعم، وساميه شنن، وجميع أخواتنا وبناتنا". 

وعبرت بعض الحسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن أمنيتها بأن يقيض للمصريين من يقاوم الظلم ويفرج عن المعتقلين في سجون السيسي. 

وفتح نجاح المقاومة الفلسطينية في تحرير عدد من الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل سيلا من الأماني العربية بتحرير المعتقلات والمعتقلين العرب في العراق وسوريا والسعودية والبحرين.







المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية المصريين السيسي غزة الفلسطينيين مصر السيسي فلسطين غزة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أکتوبر الماضی طوفان الأقصى حقوق الإنسان المعتقلین فی تشرین الأول نظام السیسی فی مصر إلى أن

إقرأ أيضاً:

طوفان الأقصى وتعزيز المشروع الإسلامي لفلسطين

كان لافتا للنظر في إحدى جلسات "المؤتمر القومي العربي" الذي عُقد في 31 أيار/ مايو – 2 حزيران/ يونيو 2024، وبعد أن قدَّم أصحاب الأوراق أوراقهم، وبعد أن أتم المُعقّبون تعقيباتهم، وردّ أصحاب الأوراق عليها، أن يقوم مدير الجلسة قبل إعلان نهايتها بإبداء ملاحظة ينتقد فيها ما ذكره أحد أصحاب الأوراق، أنّ معركة طوفان الأقصى عززت المشروع الإسلامي لفلسطين؛ وحاول المدير نفي الصفة "الأيديولوجية" عن المعركة وأن حماس هي حركة تحرر وطني، محذرا من تعزيز أو إبراز البعد الإسلامي. وختم الجلسة دون أن يتيح لصاحب الورقة حقّ التوضيح والرد!!

يبدو أن ثمة من يُقدِّم حركات المقاومة الإسلامية في شكل متعارضٍ مصطنعٍ وملتبسٍ مع حركات التحرر الوطني، وكأنهما نقيضان، والحقيقة غير ذلك تماما..

نعم، لقد عززت معركة طوفان الأقصى المشروع الإسلامي لفلسطين:

أولا: فليس ثمة شكّ في أن من يقود المقاومة في قطاع غزة ويملك القاعدة الأوسع من رجالها هم أبناء التيار الإسلامي من حماس والجهاد الإسلامي، وبما يزيد عن 80 في المئة من المقاتلين. وأولئك الذين نفذوا هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر في طوفان الأقصى هم أبناء كتائب عز الدين القسام التابعة لحماس؛ وهم الذين يقودون المقاومة في قطاع غزة على مدى الأشهر الماضية.ليس ثمة شكّ في أن من يقود المقاومة في قطاع غزة ويملك القاعدة الأوسع من رجالها هم أبناء التيار الإسلامي من حماس والجهاد الإسلامي، وبما يزيد عن 80 في المئة من المقاتلين. وأولئك الذين نفذوا هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر في طوفان الأقصى هم أبناء كتائب عز الدين القسام التابعة لحماس؛ وهم الذين يقودون المقاومة في قطاع غزة على مدى الأشهر الماضية. ولا شك أن للفصائل المقاومة الأخرى أدوارا مهمة، وهي جزء أصيل من النسيج الوطني ولا شك أن للفصائل المقاومة الأخرى أدوارا مهمة، وهي جزء أصيل من النسيج الوطني الذي يجب التحالف والتعاون معه في تحقيق الأهداف الوطنية. من جهة أخرى، فإن قوى المقاومة المشاركة من الخارج هي قوى محسوبة على التيار الإسلامي، بغض النظر عن الخلفيات الطائفية.

وليس هنا مجال المناكفة أو الجدال، فالحقائق يعرفها كل الناس؛ ولا أظن أن حماس والجهاد الإسلامي تشغلان نفسيها بهكذا مناكفات، وإنما هذا كلام اضطررنا لكتابته، وبلغة منفتحة، لأن البعض يحرص على أن يبخس الإسلاميين حقَّهم ليرسم صورته الرغائبية لأحجام وأوزان الاتجاهات، بما يخدم خلفيته، وربما يُستخدم ذلك لاحقا في تشكيل صورة مشوهة مزورة لحركة التاريخ.

ثانيا: المقاومة الفلسطينية في معركة طوفان الأقصى، كانت منسجمة مع نفسها فتحدثت بروح إسلامية ولغة إسلامية، ورفعت شعارات إسلامية، واستخدمت بقوة آيات قرآنية وأحاديث نبوية، واستلهمت تراثها الإسلامي وهويتها الحضارية، وعبرت عن اعتزاز عميق بهويتها وتاريخها الإسلامي. كلُّ ذلك كان يبرز بتناغم غير مُتكلَّف مع روحٍ وطنية عالية، ووعيٍ وطني مسؤول ومتّزن، مستوعبٍ للمصالح العليا وأولويات العمل الوطني، ومُرحِّب بالشراكة الوطنية على أساس المحافظة على الثوابت. وهو ما انعكس إيجابا (وليس سلبا) وزاد من شعبية المقاومة واحترامها في بيئتها الفلسطينية والعربية والدولية.

ثالثا: الحاضنة الشعبية الفلسطينية التي بهرت العالم بصبرها وصمودها وتضحياتها، وجهت أنظار العالم كله إلى القيم الإسلامية الإيمانية في الاحتساب والتوكل على الله وعدم الخوف على الحياة ولا على الرزق، وفي التّطلع إلى الشهادة والفردوس الأعلى. هذه الحاضنة أظهرت التزاما إسلاميا عاليا سلوكا ومظهرا وقولا وعملا. ولم تكن لديها عقدة نقص، ولم تكن بحاجة لتقديم مسلكيات وأخلاقيات تجاري الغرب في سلوكه ومظاهر حياته وقيمه. بل إنَّ هذه الروح الإيمانية شكّلت مصدر إلهام عالمي لمئات الآلاف والملايين، الذين أقبلوا بشغف لمحاولة معرفة سر هذا الصمود والثبات الأسطوري، والذين وجدوا الفرق الأساس في القرآن والتربية الإسلامية.

رابعا: لقد ثبت أن الإسلام هو الأقدر على تفجير طاقات مجتمعاتنا، بحيث يستخرج منها أفضل ما لديها، من صور التضحية والصبر والشجاعة والاحتساب والتوكل على الله والإنفاق في سبيله، والعزة والكرامة والحرية، والتكافل والتضامن الاجتماعي.

حركات التحرر الوطني أو الحركات الوطنية هي "أوعية" يُمكن أن تُملأ بأي محتوى عقائدي أو أيديولوجي أو فكري؛ فقد تكون حركات يسارية شيوعية كما في الثورة الفيتنامية، وقد تكون ذات محتوى علماني ليبرالي، أو ذات محتوى قومي، أو ذات محتوى قُطري منغلق على ذاته، أو ذات محتوى عقائدي ديني.. والساحة الفلسطينية فيها نماذج لحركات وطنية يسارية، وقومية، وإسلامية
ويعلم متابعو قضية فلسطين والصراع مع الكيان الصهيوني، كيف أن قطاع غزة تم احتلاله في العدوان الثلاثي سنة 1956 في أقل من يومين، وكيف تم احتلاله أيضا في سنة 1967 في أقل من يومين، بينما كان تحت أقوى وأكبر نظام عربي. ويعلم المتابعون أن قطاع غزة نفسه وهو تحت حصار خانق هائل، وبإمكانات أقل بكثير وبما لا يقبل المقارنة، طوال 17 سنة ماضية خاض أربعة حروب مرغ فيها أنف الاحتلال الإسرائيلي في التراب، ولم يمكن الصهاينة من احتلال متر مربعٍ واحد. وهو الآن يخوض حربا أسطورية على نحو 250 يوما، من الواضح أنه في النهاية في طريقه لفرض شروطه وإرغام الصهاينة على الانسحاب. فما الذي تبدل؟! إنه "الإنسان".. ذلك الإنسان الذي صنعه هذا الدين العظيم، وإلا فأخبرونا عن جيوشنا العربية والإسلامية الجرارة، التي لا تجيد استخدام القوة إلا على شعوبها.


ولذلك، لم يكن الإسلام ولا التدين ولا المنهج الإسلامي "عورة" تُغطَّى أو يُتَهرب منها، بل هو المفخرة التي تكشف سر "صناعة الإنسان" في غزة وفلسطين، وسر الصبر والثبات والتضحية والشجاعة والإقدام؛ وحيث ثبت أن الرؤية الإسلامية التي تُقدم في إطار الاعتدال ومعاني الحق والعدل والحرية، ليست أمرا مُنفرا، وإنما تكسب قضية فلسطين مزيدا من القوة والاحترام.

* * *

من ناحية ثانية، فإن حركات التحرر الوطني أو الحركات الوطنية هي "أوعية" يُمكن أن تُملأ بأي محتوى عقائدي أو أيديولوجي أو فكري؛ فقد تكون حركات يسارية شيوعية كما في الثورة الفيتنامية، وقد تكون ذات محتوى علماني ليبرالي، أو ذات محتوى قومي، أو ذات محتوى قُطري منغلق على ذاته، أو ذات محتوى عقائدي ديني.. والساحة الفلسطينية فيها نماذج لحركات وطنية يسارية، وقومية، وإسلامية. وجوهر السؤال هنا يكون في القدرة على المحافظة على الثوابت وصحة المسار والبوصلة والكفاءة والفاعلية في تعبئة الشعب وقدراته، وفي استنهاض الأبعاد العربية والإسلامية والإنسانية بالشكل الأفضل، ولا يجوز للبعض أن يقبل كل النماذج إلا النموذج الإسلامي!!!

* * *

من ناحية ثالثة، وفي مواجهة أي تعارض مفتعل، نقول إن الإسلاميين هم مثلهم مثل غيرهم من أبناء الأمة، شديدو الإخلاص لأوطانهم، ووطنيتهم وطنية إيجابية منفتحة، غير منغلقة على حزبيات، أو عرقيات أو طائفيات، وهي وطنية غير مُمزِّقة ولا مُشتِّتة للأمة، ومقتضى حبّ الأرض لا يعني الأنانية والتكبّر والتعالي على الآخرين، ولا ظلمهم وبخسهم حقوقهم.

فهذه الوطنية الراقية هي وطنية حب وشوق وحنين وارتباط بالأرض، وهي وطنية عزّة وكرامة ومقاومة للظلم والاستعمار، وهي تحرير الأرض والإنسان، وهي وطنية المجتمع المتعاون المتكافل المتراحم، الذي يرعى الأقربين. وأساس وطنية المسلمين هي العقيدة الإسلامية، والتحرر الوطني هو جزء من التكليف الرباني بتحرير الأرض من العدو الغاصب.دوائر العمل الوطني والعربي والإسلامي والإنساني هي دوائر عمل متكاملة متناغمة، يمكن أن تسير بشكل منسجم جنبا إلى جنب دونما تعارض، ولا حاجة لاصطناع تناقضات بينها والارتباط بالأرض هو ارتباط الأمة المسلمة بأرضها، غير محصور بقُطرية ولا قومية، وهو ما يفتح المجال لقيام المسلمين بواجبهم وتحمّل مسؤولياته تجاه فلسطين. وهذا أولى من استفراد المشروع الصهيوني الغربي بفلسطين وشعبها وعزلها عن محيطها العربي والإسلامي، وبالتالي تسهيل تصفيتها وإغلاق ملفها.

* * *

من ناحية رابعة، فإن دوائر العمل الوطني والعربي والإسلامي والإنساني هي دوائر عمل متكاملة متناغمة، يمكن أن تسير بشكل منسجم جنبا إلى جنب دونما تعارض، ولا حاجة لاصطناع تناقضات بينها. والإسلام بطبيعته "رحمة للعالمين"، وهو رسالة إنسانية عالمية لتحرير الإنسان من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد؛ وإلى تكريس القيم الإنسانية الكبرى في العدالة والمساواة والحرية والكرامة..

وإن الذين انتفضوا لصالح فلسطين من دولٍ وشعوب من شتى القوميات والأديان والاتجاهات، يعرفون المقاومة وطبيعتها، وقد لمسوا الجانب الإنساني الذي نجحت المقاومة في تقديمه، كما لمسوا الوجه الصهيوني البشع للاحتلال والعدوان. ونحن عندما نركز على المشترك الإنساني، فلا حاجة لإلغاء هويتنا، كما لا حاجة لتغيير الآخرين لهويتهم، ففي القيم الإنسانية الكبرى ما يكفي لجمعنا وتحشيدنا ضد المشروع الصهيوني، الذي يسير ضد الإنسان وضد حركة التاريخ، ويهدّد السلم والاستقرار العالمي.

x.com/mohsenmsaleh1

مقالات مشابهة

  • طوفان الأقصى وسؤال حول الأمة
  • «هآرتس»: متظاهرون يغلقون طريقين في تل أبيب للمطالبة بالإفراج عن الأسرى
  • يوم جديد من عملية طوفان الأقصى
  • معركة طوفان الأقصى عرت وفضحت بعض العرب
  • تطورات اليوم الـ255 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • واشنطن بوست: إغلاق معبر رفح بدد آمال الفلسطينيين في الخروج من غزة
  • عيد الأضحى الثاني عشر لمعتقلي الانقلاب في مصر.. إلى متى؟
  • طوفان الأقصى وتعزيز المشروع الإسلامي لفلسطين
  • رئيس الجالية المصرية في روسيا يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري بعيد الأضحى
  • يوم جديد من عملية طوفان الأقصى.. أبرز التطورات