الفنان التشكيلي أسعد عرابي يحمل الجنسية الفرنسية منذ أكثر من أربعين سنة، لكنه لبناني الأصل، دمشقي المولد 1941. وهو فنان تعبيري تجريدي ينتمي لجيل الستينات في المشهد التشكيلي السوري ومن وضع بداية نشوء الفن الحديث في سوريا مع أقرانه فاتح المدرس والياس الزيات ومروان قصاب آخر. يقام معرضه حالياً في صالة "منصة الفنون" في أبوظبي، منذ 26 أكتوبر (تشرين الأول) حتى 30 نوفمبر (تشرين الثاني)، وذلك بعنوان "رفع الحدود بين التشخيص والتجريد".

حول معرضه الأخير هذا اللقاء:

أقام الفنان عرابي معارض عدة، شخصية وجماعية، في مدن عربية كثيرة، أولها في دمشق وحلب، بيروت، جدة، دبي، أبوظبي، القاهرة، الإسكندرية، عمّان، وفي بعضها أكثر من معرض. كما أقام معارض في أكثر من دولة أوروبية أولها في فرنسا، وفي البرازيل، كوريا، اليونان، بريطانيا، إسبانيا، ألمانيا. اقتُنيت أعماله في الكثير من الدول العربية والأوروبية والأمريكية، وفي متاحف هامة فيها. نال عام 1987 من جامعة باريس الأولى – السوربون، دكتوراه دولة في علوم الفن و علم الجمال "وفق النظام الجديد " ( العلاقة المتبادلة بين الموسيقى و التصوير). ودرّس في أكثر من جامعة في سوريا والمغرب. له العديد من الكتب، والدراسات المنشورة في دوريات مختصة باللغتين الفرنسية و العربية، (بعضها غالباً مترجمة للإنجليزية ).


تعبيرية مشرقية
كيف كان افتتاح معرضك رغم الجو الماطر الذي صادف في ليلة الافتتاح، وأغلب لوحاته منجزة حديثًا (أو مستعادة من اسكتش سابق) تحت عنوان "رفع الحدود بين التشخيص والتجريد" ؟

يملك المعرض في صالة " منصة الفنون" في أبوظبي كل أسباب النجاح كحدث بانورامي انعطافي في الموسم وعرض لوحات متعددة التواريخ وبانتقاء يناسب العنوان المثير " رفع الحدود بين التشخيص (التعبيرية المشرقية المحدثة) والتجريد (التوليف بين الغنائي والهندسي)، بالنسبة لفلسفتي الصوفية: التداخل بين " التشبيه والتنزيه". لكنه نجاح على أنقاض شتى المحبطات الطقسية: عاصفة هوجاء خلال إلقاء محاضرتي المبتسرة، مما منع المدعويين من دبي من الوصول إلى صالة العرض. ناهيك أن الأخبار المأساوية السوداء الوافدة طازجة، من حدادٍ ومدافن وأكفانَ أطفال فلسطين. ولم يكن بالإمكان تأجيل المعرض ولا إلغاؤه بسبب غرامات شركة الطيران التي لا طاقة لي بها، علماً بأن تحضير لأكثر من سنة عمل شاق، وصعوبة نقل الأعمال من عدة مناطق. 
 


للتجريد اتجاهات – إن صح التعبير- فهل كانت لوحاتك بالاتجاه ذاته الذي تنتمي له لوحات معرضك الحالي "التجريد المطلق"، أم تنوعت، ما هي الاتجاهات التي أنجزت فيها أعمالك عامة؟

سأبسّط الأمور منعاً للاختلاط أو التشويش. هناك مراحل قصدية استمرت سنوات، مثل التحوّل المتدرّج من العمارة إلى التجريد، فيما بعد السبعينات في أوروبا، ثم امتحان المختبر الموسيقي في الثمانينات والتسعينات، البعض يؤكد على أن طبيعة عملي منذ البداية تمثل توليفاً طبيعياً بين الطرفين، وذلك بشهادة الزملاء والنقاد والفنانين ومنهم الفنان والناقد غازي عانا.


 الموسيقى واللوحة 

أزعم أنه ليس غريباً اتجاهك نحو التجريد فما أنجزته نظرياً مهد لك السبيل، أم أنك مضيت بالتجريد قبل التأسيس  الأكاديمي، هل يمكن التوضيح؟

كانت دراستي النظرية علم جمال الفن العربي الإسلامي في قسم الفلسفة في جامعة السوربون وفق منهج علم الجمال المقارن الذي أسسه المرحوم أيتن سوريو. وكانت الدراسة أكثر جدية أكاديمية من الموضوع الذي تطرحه، ولا علاقة له بالجانب التجريدي لأنه سليل قناعتي منذ البداية أن الموسيقى أقرب إلى اللوحة، ولو لم أكن مصوّراً لكنت موسيقياً. لقد قضيت عاماً كاملاً في دراسة المقامات الأفقية، وعاماً في دراسة الكونتروبوانت الذي أسسه جان سباستيان باخ. دراسات مخبرية وليست نظرية: سمعية صوتية- لحنية ، مقامات لونية. ثقافتي الموسيقية أضعاف مضاعفة عن ثقافتي الأدبية، لذا فأنا أكتب كما يقول الفنان جريد من المطبخ الداخلي التصوفي.


عموماً متى يقرر الفنان المضي في تنفيذ لوحات في إطار التجريد، بمعنى آخر هل ثمة ضرورة لاختمار التجربة الفنية؟

هذا خطأ شائع، فكل الفنانين يبدؤون من التجريد وينتهون إلى الإلماح أو التصريح، وفق التعريفي الدلالي. يبدو هنا التناقض بين فن التصوير وفن الكلمة في الشعر والأدب. إذ يبتدئ من التعريف القاموسي ثم يتوه في التجريد أو التيه الشعري. فالشجرة لدى المصوّر تبدأ من لمسة فرشاة تجريدية مبهمة وتزداد مع التفاصيل وضوحاً مشخّصاً، الشعر بالعكس يبتدئ من مفردة قاموسية مشخصة، ثم تتجرد لضرورات الشعر من إسارها الدلالي أو السيمولوجي. وهكذا.

تأثير المخطوطات المملوكية

أنجزت لوحات عدة خاصة بالفنانة أم كلثوم، أزعم أنك مزجت فيها التشخيص مع التجريد، هل كانت محاولة الإجابة على سؤالك ماذا بعد التشخيص والتجريد؟

أنا أعمل في اللوحة من شتى الجهات بتأثير رسوم المخطوطات خاصة المملوكية: فنون الفروسية والحرب. منذ عام 1958 أرسم السيدة أم كلثوم وعكسها، وإن مجرد قلب الشكل يوحي بالتجريد، ورفع الحدود المشار إليها، ثم إن استخدام المنظور العربي في المخطوطات المتعدد الوجود، والمتعدد مصادر الإضاءة يوحي أيضاً بالتجريد، كذلك التأثر بتراث عرائس خيال الظل وغيرها كالاختلاط بين التنزيه والتشبيه، مرجعه تراثي سواء أم كلثوم أو سواها. وحضور أم كلثوم والإنشاد الصوفي للسنباطي سببه عقيدة القرابة التشكيلية مع الموسيقى.   


اللون يختار نفسه

كيف يمكن لمشاهد لوحتك أن يتلقى سيطرة لون على آخر، ففي لوحات نجد الأحمر، وفي لوحات ثانية الأزرق، وفي ثالثة الأخضر، وهكذا، بما أن اللوحة ليست تجسيداً أدبياً لمضمون ما؟

أختار اللون المسيطر بعد أن يختاره هو نفسه نتيجة التجريب، فإذا صبّ الاختيار على الأزرق مثلاً يصبح المقصود هو اللون نفسه وليس ما يمثّله من بحر وسماء وعيون الغانية. تماماً كما يفعل الفنان إيف كلاين وسواه.

هل للنقد الفني العربي لأعمالكم كتشكيليين أي تأثير في تطوّر تجاربكم، أم أن النقد الناضج قليل وغير ذي تأثير فاعل؟

ليس هدف الدراسات الجمالية التأثير، وإنما التحليل وشهادة اختراق أسرار اللوحة المنجزة، وليس تدخلاً فيما سينجز، ففن التصوير حدسي وليس عقلياً مثل العلوم.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة أبوظبي أم کلثوم أکثر من

إقرأ أيضاً:

برينان جونسون بعد التتويج بالدوري الأوروبي: أسعد لحظة في حياتي الكروية.. وتوتنهام كسر العقدة

عبر نجم توتنهام، برينان جونسون، عن سعادته الغامرة عقب فوز فريقه بلقب الدوري الأوروبي، مؤكدًا أن هذا التتويج يمثل لحظة تاريخية للنادي وللجماهير التي طالما عانت من غياب البطولات.

وقال جونسون خلال تصريحات لشبكة "تي إن تي" البريطانية: «أنا سعيد جدًا في هذه اللحظة، الموسم لم يكن جيدًا إطلاقًا، لكننا كلاعبين لا نهتم بذلك الآن. توتنهام لم يفز بأي لقب منذ 17 عامًا، وهذا الإنجاز يعني لنا الكثير».

وأضاف:«جماهيرنا تتعرض دائمًا للانتقاد، ونحن أيضًا نُنتقد لعدم تحقيق البطولات، كنا بحاجة لتحقيق أول لقب، وأنا فخور وسعيد للغاية. منذ قدومي إلى هنا، كان يُقال: ‘توتنهام فريق جيد لكنه لا يحسم الأمور’، لكننا أثبتنا العكس اليوم».

وعن هدفه في المباراة النهائية، أوضح جونسون: «كنت أعلم أنني لمست الكرة قليلًا، لكنها لم تكن لمسة نظيفة. نظرت فرأيت الكرة تتسلل إلى الشباك، شعور لا يوصف».

وتابع عن اللحظات الأخيرة من المباراة: «في الدقائق الخمس الأخيرة لم أستطع المشاهدة، كنت أكرر سؤالي: 'كم تبقى؟'. وعندما تصدينا لتلك الركنية، قيل لي إن المباراة انتهت، وشعرت براحة لا توصف».

وانتقد جونسون وضع الفريق في الدوري قائلاً: «وجود توتنهام في المركز السابع عشر بالبريميرليج أمر غير مقبول، لكننا عوضنا ذلك بمشوار أوروبي مذهل. الجماهير كانت رائعة في كل المباريات، سواء داخل أو خارج أرضنا، وكان لهم التفوق على جماهير يونايتد في النهائي».

واختتم حديثه بالإشادة بالمدرب أنجي بوستيكوجلو: «المدرب قام بعمله على أكمل وجه، قال إنه سيفوز في موسمه الثاني وقد فعلها، إن كان هناك وقت مثالي لإلقاء الميكروفون، فهو الآن، لا أستطيع شكره بما يكفي على ثقته بنا، وهو يعرف جيدًا كيف يحفزنا».

مقالات مشابهة

  • ذوو التوحد.. أنامل ترسم الأمل في لوحات الهوية والانتماء
  • المطران إبراهيم إبراهيم: أسعد نكد رجل بحجم دولة وعد ووفى
  • الرجل الخفي الذي يقرب واشنطن من أبوظبي ويقود الصفقات التريليونية.. من هو؟
  • في معرض عين تحدّق بالتفاصيل لطلبة فلسطين: محاكاة لوحات جواد إبراهيم ومصطفى الحلاج
  • سفير المملكة في دمشق يلتقي وزير الخارجية السوري.. صور
  • "أبشر" توضح خطوات نقل لوحات بين مركبات المستفيد أو مالك آخر
  • القوى المسيحية.. لا بديل عن القانون الانتخابي الحالي
  • برينان جونسون بعد التتويج بالدوري الأوروبي: أسعد لحظة في حياتي الكروية.. وتوتنهام كسر العقدة
  • سد الوحدة والحراك الدبلوماسي الحالي
  • وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني في تغريدة عبر X: ما جرى في الثامن من ديسمبر هو إنجاز سوري بامتياز، جاء ثمرة لصمود شعب دفع ثمناً باهظاً في سبيل حريته وكرامته، رغم حجم الخذلان الذي تعرض له