التوبة والاستغفار.. هل تمحي الذنوب يوم القيامة؟.. يتساءل الكثيرون في قلق شديد عن عذاب يوم القيامة، هل يحاسب الإنسان على الذنوب بعد أن تاب يوم القيامة؟، وذلك بعد اختلاف بعض العلماء في حزم هذا الأمر.

اختلاف الفقهاء والعلماء في محاسبة الإنسان على الذنوب يوم القيامة بعد التوبة

وذكر أبو نعيم عن الأوزاعي عن هلال بن سعد قال: الله يغفر الذنوب، ولكن لا يمحوها من الصحيفة حتى يوقفه عليها يوم القيامة، وإن تاب منها، بينما قال المؤلف القرطبي أن السيئات تبدل بالتوبة حسنات، فلعل ذلك يكون بعد ما يوقفه عليها، قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، ثم قيل هذه الذنوب تاب منها.

بعد التوبة يحاسب الإنسان على الذنوب يوم القيامة؟لا تمحى الذنوب من صحائف الأعمال بتوبة

وقالت طائفة: لا تمحى الذنوب من صحائف الأعمال بتوبة ولا غيرها، بل لا بد أن يوقف عليها صاحبها ويقرأها يوم القيامة، وروي هذا القول أيضاً عن الحسن البصري، وبلال بن سعد الدمشقي قائلين: العبد يذنب، ثم يتوب، ويستغفر، يٌغفر له، ولكن لا يٌمحى من كتابه، دون أن يوقفه عليه الله، ثم يسأله عنه.

بعد التوبة يحاسب الإنسان على الذنوب يوم القيامة؟بعد التوبة والاستغفار يحاسب الإنسان على الذنوب يوم القيامة

أوضحت الدكتورة فتحية الحنفي، أستاذة الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر الشريف لـ «الأسبوع» إجابة سؤال الكثير عن ما «بعد التوبة والاستغفار، وهل يحاسب الإنسان على الذنوب يوم القيامة؟».

الأستاذة الدكتورة فتحية الحنفي أستاذ الفقه بالأزهرالحسنات يذهبن السيئات

وقالت الدكتورة فتحية الحنفي: إن الإيمان يزيد وينقص بقدر عمل المرء، فكلما فعلت شيء يقربني إلى الله سبحانه وتعالي، يزيد في الحسنات، ويذهبن السيئات، ولكن عندما يرتكب الإنسان صغائر وكبائر، فيجب أن نكفر عنهم من خلال التوبة والاستغفار.

بعد التوبة يحاسب الإنسان على الذنوب يوم القيامة؟لا يحاسب الإنسان يوم القيامة بعد التوبة النصوح

وأكدت أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف أن: لا يحاسب أو يعاقب الإنسان يوم القيامة بعد أن يتوب توبة نصوحه إلى الله سبحانه وتعالى، ولكن بشرط عدم العودة إلى المعصية مرة ثانية، ولكن عندما يتوب ويرجع الإنسان إلى الذنب مرة ثانية، في هذه الحالة التوبة غير مقبولة وحرام، ويحاسب يوم القيامة، وهذا أمر عقائدي، لا يختلف فيه الفقهاء.

بعد التوبة يحاسب الإنسان على الذنوب يوم القيامة؟قتل شخص تسعة وتسعين نفس ثم تاب فدخل الجنة

وأشارت الدكتورة فتحية أن الدليل على ذلك قصة الشخص، الذي قتل تسعة وتسعين نفس، وهو كان يذهب إلى التوبة، ثم وافته المنية، غفر الله له، ودخل الجنة، ولذلك فإن باب الاستغفار والتوبة إلى الله مفتوح دائما.

بعد التوبة يحاسب الإنسان على الذنوب يوم القيامة؟ايه الفرق بين التوبة والاستغفار

وكشفت أستاذة الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية الفرق بين الاستغفار والتوبة قائلة: الاستغفار نوع من أنواع الدعاء، ويجب الإكثار منه في الصباح والمساء، وقول «استغفر الله العظيم وأتوب إليه في كل وقت»، وهذا أجره عظيم عند الله، ولكن يجب أن ينطق بها القلب، ليس فقط اللسان، والشرط هنا النية الخالصة لله سبحانه وتعالى.

التوبة والاستغفار

وأضافت فتحية الحنفي أن التوبة، هي العزم إننا لا نعود إلى الذنب أو المعصية مرة ثانية اطلاقا، في قوله تعالى: «إلا الذين تابوا وأصلحوا»، لكي يتقبل الله التوبة، ولا يحاسب الإنسان عليها يوم القيامة.

علي جمعة، مفتي الجمهورية السابقهل التوبة النصوح تمحو الذنوب؟

يذكر أن أحد الأشخاص، سأل سابقاً الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء في برنامج «والله وأعلم» هل التوبة النصوح، تمحو الذنوب، وهل نحاسب على الذنوب، التي تبنا منها يوم القيامة؟.

الذنوب تٌغفر ولن توجد يوم القيامة بعد التوبة

وأجاب الدكتور علي جمعة على هذا السؤال قائلاً: الذنوب تٌغفر، وإذا غفرت، ومٌحيت، ولن توجد يوم القيامة، حتى لو تذكرها الإنسان، لن يجدها في صحائفه، والعبد لن يحاسب على الذنب، الذي تاب منه في الدنيا أبدًا طالما غفر الله له.

اقرأ أيضاًوزير الأوقاف: الاستغفار الحقيقي هو الذي يكون باللسان والقلب والجوارح معا

«التوبة والاستغفار » ندوة بالمسجد العمري الكبير ببلتاج في الغربية

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الدكتور علي جمعة التوبة الاستغفار المعاصي الذنوب التوبة والاستغفار

إقرأ أيضاً:

الوعي المزيف .. الوعي المخترق

ليس من قبيل المجاز أو الاستعارة أن نقول: إن الوعي الإنساني أصبح اليوم عرضة للاختراق، بل إن المجاز نفسه يبدو قاصرا أمام ما يجري من إعادة هندسة كاملة لإدراك الإنسان المعاصر، بعيدا عن أدوات السيطرة القديمة التي كانت تستدعي العنف، أو الخطاب الأيديولوجي المباشر، أو الرقابة الصلبة. نحن أمام نمط جديد من التوجيه الهادئ، الناعم، الذي لا يُرى، لكنه يُنجز مهمته بفعالية كاملة: يُطوِّق إدراكنا من الداخل، ويعيد تشكيل قناعاتنا، ويقودنا إلى خيارات نظنها حرة، بينما هي مسبقة التصميم ومشفرة في خوارزميات لا نعرف كيف تعمل.

لقد ولّى زمن الاحتجاج على الرقابة باعتبارها آلية قمع، وبدأ زمن جديد من الطواعية الاختيارية، حيث تُسلّم الذات بوعيها طواعية لمن يصمم واجهات الاستخدام. يكفي أن نلقي نظرة على كيفية تفاعلنا مع محركات البحث، ومنصات التواصل، وتطبيقات الترفيه، لنكتشف أننا نعيش داخل نظام تغذية راجع دائم، يُراكم عن كل منا قاعدة بيانات شخصية، ثم يُعيد تقديم العالم لنا مصفّى عبر خوارزميات «ذكية» تعرف مسبقا ما نريد، وتقرر بالنيابة عنا ما نقرأ، ومن نتابع، وما الذي يثيرنا، أو يغضبنا، أو يجعلنا نظن أننا أحرار.

بدأ هذا التحول منذ أن أصبحت البيانات هي العملة الأهم في الاقتصاد الجديد، وتحول الإنسان من ذات حرة إلى مورد قابل للقياس، والسلوك إلى منتج رقمي يتم تحليله واستثماره. لقد دخلنا حقبة تُبنى فيها السلطة على معرفة سلوك الإنسان أكثر مما يبنيه الإنسان على معرفة نفسه. والخطر هنا لا يكمن فقط في أننا نخضع للمراقبة واستراق السمع، بل في أن هذه المراقبة وهذا الاستراق لم يعد يُمارس بعين السلطة، بل يُمارس بالاقتراح، وبالإغراء، وبالتحكم في الانتباه، فلم تعد السلطة تُمارس كقوة قمعية كما شرح ميشيل فوكو في «المراقبة والمعاقبة»، بل كغواية رقمية تُعيد تشكيل الذات من الداخل بالإفراط في الانكشاف والشفافية لا بالقمع.

لكن لماذا نطلق على ذلك اسم «اختراق الوعي»؟ لأن ما كان يُعد سابقا مساحة داخلية للحرية، تُبنى عبر التجربة الشخصية، والقراءة، والحوار، والمراكمة النقدية، بات اليوم يُعاد إنتاجه من الخارج. نحن لا نقرأ لأننا اخترنا قراءة كتاب، بل لأن خوارزمية ما اقترحت علينا ذلك الكتاب بعد أن تعقبت سجل قراءتنا السابق. لا نشاهد مقطع فيديو لأنه يُهمنا، بل لأن نمط استهلاكنا يخبر النظام بأن هذا المقطع سيجعلنا نبقى أطول أمام الشاشة. نحن في الحقيقة لا نختار، بل يُختار لنا.

منصة مثل تيك توك، على سبيل المثال، لا تُظهر للمستخدم ما يريده فقط، بل ما تريد هي أن تُرينا إياه. وهذا هو قلب اللعبة: التنبؤ بالسلوك لم يعد كافيا؛ المطلوب الآن هو توجيه السلوك، وإعادة برمجة الحوافز، وتكييف الذوق، وتركيب استجابات نفسية واجتماعية جديدة. إنها ليست منصة ترفيه، بل مختبر سلوكي مفتوح.

ومع تراكم هذه التأثيرات، يتشكل نوع من «الوعي البديل»، أو ما يمكن تسميته بـ«وعي الخوارزمية»، وهو وعي سريع، وانفعالي، ولا يبدو أنه متصل بسياق، ولكنه ينتقل من حدث إلى آخر بلا عمق، ويستبدل التساؤل بالتفاعل، والحوار بالتصفّح، والرأي بالإعجاب أو عدمه. وهذا النمط من الوعي يخلق شعورا وهميا بالمعرفة، ويشكل رأيا عاما هشا، وقابلا للتهييج بسرعة، لكنه، أيضا، ضعيف القدرة على التحليل أو المقاومة.

ولعل الأخطر من ذلك أن هذا النمط من الوعي يعيد صياغة علاقتنا بأنفسنا. فالمستخدم حين يتماهى مع ما يُعرض عليه، يبدأ بتعديل خياراته، وسلوكه، وصورته أمام الآخرين، ليُناسب ما يطلبه النظام الخوارزمي، لا ما يُمليه عليه ضميره أو فهمه أو ذائقته. وهنا يُصبح الوعي مجرد واجهة استخدام، أو ما يشبه «بروفايلا» رقميا يُبنى ويُعاد تحديثه باستمرار، في حين تتراجع الذات الحقيقية إلى الهامش، وتتحول الذات الحقيقية إلى ذات هشة، ومأزومة لا تملك أدوات النقد أو حرية الاختيار، ولا التطور.

ومع ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، اتسعت رقعة هذا الاختراق. لم يعد الأمر متعلقا بما نُشاهد أو نُتابع، بل بما نقرأ ونكتب ونفكر. تولد أدوات الذكاء الاصطناعي نصوصا متقنة ولكنها خالية من المشاعر ومن التجربة التراكمية.

بهذا المعنى، فنحن نعيش في عالم ما بعد الإدراك حيث يُعاد تصميم الوعي البشري ليكون أكثر طواعية، وأقل مقاومة، وأشد التصاقا بالمحتوى الذي يثير ويُباع، لا ذلك الذي يُعلّم أو يُغيّر.

كيف يمكن مواجهة هذا الاختراق؟ البداية لا تكون برفض التكنولوجيا، فهذا وهم. بل تبدأ بفهم بنيتها، وآليات عملها، وأهدافها. علينا أن نُعيد طرح السؤال النقدي الأساسي: من يُنتج هذه الخوارزميات؟ ومن يملك بياناتنا؟ ومن يصمم ما نراه ونفكر فيه؟

الوعي لا يُحمى بالصراخ في وجه الشاشة، بل ببناء حصانة معرفية وفكرية تجعلنا نُدرك لحظة التوجيه، ونُقاومها بالمعرفة. القراءة العميقة، والحوار المفتوح، والتعليم النقدي، أدوات أساسية لبناء جيل لا يكون فقط مستهلكا للمحتوى، بل واعيا بأسباب وجوده وشروطه وحدوده. لن نستطيع إغلاق النوافذ الرقمية، لكن يمكننا أن نُحسن اختيار ما يدخل منها.

ولعل أكبر خطر يتهددنا اليوم ليس أن يتم اختراق وعينا، بل أن نعتاد على هذا الاختراق فلا نراه، فنستبدل الحرية بالراحة، والمعرفة بالترند، والعقل بالخوارزميات. وهذا بالضبط ما يجعل الوعي ساحة المعركة الأهم في هذا الزمن.

عاصم الشيدي كاتب ورئيس تحرير جريدة عمان

مقالات مشابهة

  • الكاتب الإنسان.. ما سر التعاطف الواسع مع صنع الله إبراهيم في مرضه؟
  • الوعي المزيف .. الوعي المخترق
  • دينا أبو الخير تكشف الحل السريع للتعامل مع الحسد
  • صمت العقل
  • أسامة الجندي: الإتقان في العمل عبادة.. والتقوى مفتاح التميز
  • أستاذ بالأزهر: الدعاء بزيادة الرزق يحتاج إلى سعي وعمل
  • هل الاستغفار يغفر الكبائر؟.. 19 حقيقة عن ذنوب تحرمك عفو الله
  • هل الأحلام المتكررة رؤى تتحقق؟.. 15 حقيقة لا يعرفها الكثيرون
  • الفراخ ليست للأضحية.. أستاذ الفقه المقارن: الفقهاء أجمعوا على ذبح الأنعام
  • قداس وحفل بمناسبة عيد القيامة داخل كنيسة الملاك في برايتون