هي فعلا غابة دولية
اليوم لم يعد هناك شك في أن العالم الذي نعيش فيه غابة دولية يقتل فيها القوي الضعيف ويسحق فيها المحتل أصحاب الحق والأرض.
رغم كل التآمر الدولي ورغم كل الخيانات فإن المحتل لم ينجح في كسر إرادة شعب فلسطين ولم ينجح في اجتثاث المقاومة ولن ينجح في ذلك.
أين القانون الدولي من مقتل أكثر من ستة آلاف طفل فلسطيني؟ أين الشرعية الدولية من سفك دماء الأبرياء من المدنيين واستعمال الأسلحة المحرمة دوليا؟
ألم تكن المذابح المفتوحة في غزة والتي شملت قصف الأحياء السكنية المكتظة بالسكان والمساجد والكنائس والمدارس والمستشفيات خرقا فاضحا للقانون الدولي؟
القانون الدولي صار جزءا من الجريمة فقد تحولت المنظمات الدولية المحمية بالدول العظمى المهيمنة على قرارها إلى حاجز يمنع أصحاب الحق من استرجاع حقوقهم.
* * *
بعد مرور أكثر من خمسة وخمسين يوما على إحدى أبشع المجازر المفتوحة عبر التاريخ خرجت بالأمس القريب دعوات دولية للتنديد بخطف سفينة تجارية ملك رجل أعمال صهيوني على سواحل اليمن!
فبقطع النظر عن خلفيات العملية ودوافعها وتوقيتها إلا أنها أثارت موجة من السخرية من جهة الحضور المفاجئ للقانون الدولي.
ألم تكن المذابح المفتوحة في غزة والتي شملت قصف الأحياء السكنية المكتظة بالسكان والمساجد والكنائس والمدارس وصولا إلى قصف المستشفيات خرقا فاضحا للقانون الدولي؟
أين القانون الدولي من مقتل أكثر من ستة آلاف طفل فلسطيني؟ أين الشرعية الدولية من سفك دماء الأبرياء من المدنيين واستعمال الأسلحة المحرمة دوليا؟
لا أحد ينتظر الإجابة طبعا لأن الجواب معلوم واضح. اليوم لم يعد هناك مجال للشك في أن العالم الذي نعيش فيه غابة دولية يقتل فيها القوي الضعيف ويسحق فيها المحتل أصحاب الحق والأرض.
بل الأخطر من ذلك أن القانون الدولي صار جزءا من الجريمة فقد تحولت المنظمات الدولية المحمية بالدول العظمى المهيمنة على قرارها إلى حاجز يمنع أصحاب الحق من استرجاع حقوقهم.
ليس الأمر جديدا فقد رأيناه سابقا في العراق التي تحولت إلى ساحة للموت والدمار بعد أن أعطت المنظمات الدولية الضوء الأخضر للغزاة فاحتلوا البلد وقتلوا الملايين من سكانه ونهبوا ثرواته. رأيناه في حرب إبادة البوسنة وفي حرب إبادة سوريا وفي كل حرب يكون الضحية فيها مسلما.. فكأن القانون الدولي قد صيغ ضد المسلمين وضد العرب بشكل أخص.
على الجبهة المقابلة ورغم كثرة عددهم وثرواتهم الهائلة لم ينجح العرب أو المسلمون في تكوين حد أدنى من النجاعة الدولية للمطالبة بحقوقهم أو حتى لإيقاف المذابح والمجازر في حق أطفالهم.
لكن رغم كل التآمر الدولي ورغم كل الخيانات فإن المحتل لم ينجح في كسر إرادة شعب فلسطين ولم ينجح في اجتثاث المقاومة ولن ينجح في ذلك.
*د. محمد هنيد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة السوربون، باريس
المصدر | الوطنالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: غزة فلسطين اليمن حرب إبادة القانون الدولي المنظمات الدولية القانون الدولی لم ینجح فی
إقرأ أيضاً:
خبراء فرنسيون: رفض دعوى سلطة بورتسودان ضد الإمارات استند على أسس صلبة من القانون الدولي
باريس - وام
في أعقاب قرار محكمة العدل الدولية الصادر في 5 مايو 2025، برفض الدعوى التي تقدمت بها سلطة بورتسودان ضد الإمارات العربية المتحدة، بزعم تورطها في «دعم إبادة جماعية» في إقليم دارفور، سلط خبراء فرنسيون الضوء على سلامة الموقف القانوني لدولة الإمارات، الذي استند على أسس صلبة من القانون الدولي، وتحديداً في ما يتعلق بتحفظها على المادة 9 من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.
وتُعد المادة 9 من اتفاقية منع الإبادة الجماعية (1948) هي المادة التي تمنح محكمة العدل الدولية الاختصاص في النظر في النزاعات بين الدول حول تفسير وتطبيق الاتفاقية. لكن دولة الإمارات، عند انضمامها إلى الاتفاقية، أبدت تحفظاً صريحاً على هذه المادة، مؤكدة أنها لا تقبل الاختصاص التلقائي لمحكمة العدل الدولية في النزاعات المتعلقة بالاتفاقية. وهذا التحفظ يعتبر مانعاً قانونياً لاتخاذ ذلك الإجراء، ما يفقد الدعوى أساسها القانوني وأركانها الشرعية. هذا التحفظ يعكس نهج الدولة في الحفاظ على سيادتها القضائية، مع التأكيد على التزامها الكامل بأهداف الاتفاقية في منع الإبادة الجماعية. ولم تكن دولة الإمارات استثناء في التحفظ على هذه المادة، فقد اتخذت 15 دولة موقفاً مماثلاً لأسباب تتعلق بالسيادة الوطنية. من بين هذه الدول: الولايات المتحدة والهند والفلبين والبحرين وسنغافورة وماليزيا.
وقد أكد العديد من الخبراء الفرنسيين أن هذا التحفظ يتماشى مع أحكام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (1969)، التي تسمح للدول بإبداء تحفظات على مواد معينة من الاتفاقيات الدولية، ما لم تكن هذه المواد تشكل جوهر الاتفاقية أو تعارض موضوعها وغرضها. ولأن المادة 9 ليست من المواد الجوهرية المرتبطة بالتجريم أو منع الجريمة نفسها، فإن التحفظ عليها لا يُعد باطلاً من الناحية القانونية.
وأشار الخبراء الفرنسيون إلى أن دولة الإمارات «اعتمدت مقاربة قانونية منضبطة»، وأن المحكمة لم تجد في ملف القوات المسلحة السودانية ما ينقض الحصانة التي يمنحها تحفظ المادة 9.
وقال جان بول لوبلان، أستاذ القانون الدولي في جامعة السوربون: «هذا القرار يثبت أن التحفظات القانونية التي تُبنى بشكل دقيق تكون فاعلة أمام المحاكم الدولية. دولة الإمارات كانت ملتزمة في تعاملها مع القانون الدولي منذ انضمامها للاتفاقية».
من جهتها، أكدت كلير دوما نائبة المركز الأوروبي للسلام وحل النزاعات ومقره باريس، وهي متخصصة في قضايا النزاعات الدولية، أن قرار المحكمة يشكل سابقة قانونية مهمة، ويكرّس مبدأ سيادة الدولة في ما يتعلق بالتحفظات القانونية المعترف بها دولياً، كما أنه يرسل رسالة للدول التي تسعى إلى استخدام القضاء الدولي كأداة سياسية، مفادها أن الإجراءات الشكلية والالتزام بالقانون هما مفتاح النجاح في هذا الصدد.
وأضافت:«هذه نتيجة طبيعية لدولة تفهم طبيعة النظام القانوني الدولي، وتضع أساساً دبلوماسياً وقانونياً لمواقفها.
واعتبرت نائبة رئيس المركز الأوروبي للسلام وحل النزاعات، أن قرار محكمة العدل الدولية برفض دعوى القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات يمثل «ليس فقط انتصاراً قانونياً لدولة الإمارات، بل أيضاً تثبيت لمبدأ احترام سيادة الدول ورفض توظيف القضاء الدولي كأداة ضغط سياسي».
وأضافت «من الواضح أن المحكمة أرادت أن تُرسل رسالة مفادها أن الادعاءات ذات الطابع السياسي، حتى وإن صيغت بلباس قانوني، يجب أن تستوفي المعايير الإجرائية والاختصاصية الصارمة المعمول بها دولياً. وقد نجحت دولة الإمارات في تفكيك الطابع القانوني المزعوم للدعوى، عبر تقديم ملف قوي يستند إلى تحفظها القانوني على المادة 9 من اتفاقية منع الإبادة الجماعية».
وأشارت إلى أن المحكمة، برفضها الدخول في جوهر الاتهامات، «عملياً برّأت دولة الإمارات من تهمة التدخل أو التورط في الشأن السوداني»، موضحة أن المحكمة «لم تجد في نص الدعوى ما يثبت خرقاً للالتزامات الدولية، لا في المضمون ولا في الشكل».
وشددت دوماً على أن هذا القرار «يعيد التوازن إلى منطق استخدام القضاء الدولي»، ويدفع نحو «عدم تسييس المحاكم الدولية، أو استغلالها لتصفية الحسابات الدبلوماسية أو الإعلامية».
وأكدت المتخصصة الفرنسية أن «الانتصار القانوني لدولة الإمارات في لاهاي يعزز صورتها كدولة تحترم الشرعية الدولية، وتدير سياساتها الخارجية ضمن أطر قانونية، حتى في وجه اتهامات ذات طابع سياسي وحقوقي معقد».
كما لفتت إلى أن هذا الانتصار سيمنح دولة الإمارات «مساحة أوسع للتحرك الدبلوماسي والإنساني في المنطقة، بعدما أكدت المحكمة عدم تورطها في دعم أي أعمال إبادة أو خرق للاتفاقيات الدولية»، وهو ما يعزز «موقع دولة الإمارات كلاعب دولي مسؤول، يحترم القانون».
وسلطت الضوء على أن هذا القرار يشكل سابقة قانونية مهمة، ويكرّس مبدأ سيادة الدولة في ما يتعلق بالتحفظات القانونية المعترف بها دولياً. كما أنه يرسل رسالة للدول التي تسعى إلى استخدام القضاء الدولي كأداة سياسية، مفادها أن الإجراءات الشكلية والالتزام بالقانون هما مفتاح النجاح في هذا المجال.