موقع 24:
2025-05-24@09:56:58 GMT

قرن من هنري كيسنجر

تاريخ النشر: 1st, December 2023 GMT

قرن من هنري كيسنجر

من الصعب أن تفتحَ صفحات الأحداث الكبرى من النصف الثاني للقرن العشرين من غير أن يكون لهنري كيسنجر مكانٌ بارزٌ في صناعتها أو التأثير فيها.

لم يكن هذا الألماني الأصل، اليهودي الديانة، الأمريكي الولاء حتى العظم، مجرد مستشار للأمن القومي أو وزير للخارجية، أو أحد أكبر الأكاديميين في حقل الدبلوماسية. كان كذلك صاحبَ رؤية لا يكمن فهم أدواره الدولية إلا من خلالها، يمكن تلخيصها بفرض النفوذ الأمريكي حول العالم ومواجهة القوى التي تعارض هذا النفوذ، بالدبلوماسية كخيار أفضل، وبالقوة حيث تعجز الدبلوماسية.


في عالمنا العربي، تحفظ الذاكرة دورَ هنري كيسنجر في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 ومفاوضات فك الاشتباك، على الجبهتين المصرية والسورية مع إسرائيل. التقط كيسنجر قراراً مهماً اتخذه الرئيس أنور السادات بعد توليه الحكمَ بطرد الخبراء السوفيات من مصر، وبعد ذلك إطلاق مقولتِه الشهيرة إن "99 في المائة من أوراق الحل في الشرق الأوسط هي في يد الولايات المتحدة». في كتاب لمارتن أنديك، السفير الأمريكي السابق في إسرائيل، عن كيسنجر بعنوان سيد اللعبة"، ينقل عنه قوله: "لو اتصل السادات هاتفياً بواشنطن وطلب أي شيء قبل طرد الخبراء من مصر لكان حصل على ما أراد، إلا أنه قدم هذا العمل الجليل لنا مجاناً".

وكان على كيسنجر أن ينتظر اندلاع حرب أكتوبر 1973 ليطلب منه السادات ما يريد، وهو اتفاق فك الاشتباك الأول في سيناء في يناير (كانون الثاني) 1974، ثم الاتفاق الثاني في سبتمبر (أيلول) 1975، وبينهما فك اشتباك على جبهة الجولان في مايو (أيار) 1974.
لم تكن دبلوماسية هنري كيسنجر أقلّ أهمية في الشرق الأوسط عما كانت في مناطق النزاع الأخرى التي كان للولايات المتحدة دور فيها أو تأثير عليها. ضَمِن في البداية إبعاد وليم روجرز، صاحب "مشروع روجرز" الشهير، عن وزارة الخارجية خلال الولاية الأولى لريتشارد نيكسون، فيما كان كيسنجر مستشار نيكسون للأمن القومي. السبب أنّ كيسنجر وجد أنّ مشروع روجرز يمنح الاتحاد السوفياتي ورقة أقوى في التفاوض بين إسرائيل، ومصر، في زمن عبد الناصر.

كان همّ كيسنجر الحصولَ على موطئ قدم أمريكي في المنطقة على حساب النفوذ السوفياتي في معظم "دول الطوق" العربي في ذلك الحين. والتقت رؤيته إلى ذلك مع رؤية السادات. وفي حرب أكتوبر 1973 وتنفيذاً لسياسة "نصف انتصار ونصف هزيمة"، أمن كيسنجر المساعدة لحكومة غولدا مائير والجيش الإسرائيلي لتجنّب الهزيمة أمام تقدم الجيشين المصري والسوري. ثم قدّم نفسه وسيطاً لحل النزاع من خلال لقاءات مكوكية قامَ بها مع الرئيسين السادات وحافظ الأسد.

ويعتقد كثيرٌ من المراقبين أن الدورَ الذي لعبه كيسنجر في تسويات ما بعد حرب أكتوبر هو الذي فتح الطريق أمام زيارة السادات للقدس، واتفاقية كامب ديفيد للسلام بين البلدين التي تمَّ التوصل إليها خلال ولاية جيمي كارتر.
كان كيسنجر حريصاً على حماية نفوذ أمريكا ومصالحها، لكنَّه لم ينكر في أي وقت مشاعره تجاه إرثِه اليهودي. ينقل المؤرخ نيل فيرغسون عن كيسنجر قوله: "من الصعب أن تكون جزءاً من شعب عانى ما عاناه اليهود على مدار ألف عام من دون أن يكون لديك إحساسٌ قوي بهويتك، وإحساس بالواجب تجاه عقيدتك اليهودية".
رافق كيسنجر المحطاتِ الكبرى من أحداث العالم بدءاً من منتصف القرن الماضي: من حرب فيتنام إلى القطيعة الأمريكية مع الصين، إلى الدور السوفياتي المتقدم في القارة الأفريقية، وسمحت قدراته الدبلوماسية بتحول تاريخي في كل منها.

لم يكن كيسنجر آيديولوجياً بل براغماتياً، ومن هنا كانت شعاراته التي لا تزال عناوينَ يعود إليها الدبلوماسيون: اعتماد نهج الخطوة خطوة لحل النزاعات، والدبلوماسية المكوكية، ومنح الخصم فرصة نصفِ نجاح بدل الهزيمة الكاملة.
بهذه السياسة تَمكن كيسنجر من إقناع ريتشارد نيكسون بفتح صفحة جديدة من العلاقات مع الصين. وكانت الدبلوماسية التي عُرفت بـ"دبلوماسية البينغ بونغ"، بعد دعوة وجهها ماو تسي تونغ إلى فريق أمريكي كان يشارك في مباراة لهذه اللعبة في اليابان في ربيع 1971، استغل كيسنجر فرصة توتر العلاقات الصينية السوفياتية في ذلك الوقت لفتح تلك الصفحة، التي عُدت أحدَ أهم إنجازات عهد ريتشارد نيكسون الذي قام بزيارته التاريخية لبكين ولقاء ماو في فبراير (شباط) 1972.

ولم يكن مفاجئاً أن تشيرَ القيادة الصينية في تغطيتها لوفاة كيسنجر إلى أنه كان صديقاً للشعب الصيني. كان دور كيسنجر في إحياء تلك العلاقات نتيجة قناعته بأن المواجهة الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية يجب أن تكون مع الاتحاد السوفياتي، وهي القناعة التي هيمنت على التوجه لإنهاء التدخل الأمريكي في فيتنام الذي كان قد تحول في مطلع السبعينات إلى مصدر اضطرابات في الشوارع الأمريكية، مع ازدياد الحملات الداخلية والدولية ضد هذا التدخل والآثار الكارثية التي كانت تخلفها الغارات الأمريكية على هانوي وشمال فيتنام.

كيسنجر، الذي لم يكن معنياً كثيراً بأرقام الضحايا وبالدعوات إلى السلام، وجدَ في ذلك القصف فرصة للضغط على الجنوبيين للموافقة على إنهاء الحرب، متعهداً بأن أي خرق سيواجَه بالقوة من واشنطن. غير أن هجوم قوات فيتنام الشمالية على سايغون في أبريل (نيسان) 1975 بعد عامين على انسحاب القوات الأمريكية لم يترك مجالا لأي زعم بالانتصار. ولا تزال صورة السفير الأمريكي مغادراً على طائرة هليكوبتر من سطح سفارة بلاده في سايغون عالقةً في الأذهان رمزاً للهزيمة الأمريكية في تلك الحرب، لكن كيسنجر ألقى اللوم في ذلك على الكونغرس لرفضه الاستمرار في تسليح قوات فيتنام الجنوبية.
ترك كيسنجر مقعدَه في وزارة الخارجية مع وصول كارتر إلى الرئاسة عام 1976، لكنه ظل مرجعاً لسياسيين ودبلوماسيين كثر. وحتى السنة الأخيرة من عمره المديد ظل متابعاً ومعلقاً على أحداث العالم بشغف وانشغال. غير أن رؤيته لحل النزاع العربي الإسرائيلي، لم تكن في أي وقت متوازنة أو عادلة. بل قامت على اعتماد الحلول الجزئية بدل الحل الشامل. وكان رأيه أن السَّلام سيتحقق عندما يستنفد العرب البدائل، ويعتادون وجود إسرائيل.
 

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة كيسنجر حرب أکتوبر فی ذلک لم یکن

إقرأ أيضاً:

فيتنام تصدر تعليمات بحجب تطبيق "تيليغرام" لعدم التعاون في قضايا "احتيال"

الاقتصاد نيوز - متابعة

أظهرت وثيقة للحكومة الفيتنامية اطلعت عليها رويترز، أن وزارة التكنولوجيا في البلاد أصدرت تعليمات لمقدمي خدمات الاتصالات بحجب تطبيق "تيليغرام" لعدم تعاونه في مكافحة ما يقال إنها جرائم يرتكبها مستخدموه.

وأمرت الوثيقة، وهي بتاريخ 21 مايو/أيار وموقعة من نائب رئيس قسم الاتصالات في وزارة التكنولوجيا، شركات الاتصالات باتخاذ إجراءات لحجب تيليغرام وإفادة الوزارة بهذه الإجراءات بحلول الثاني من يونيو/حزيران.

وطلبت الوزارة من مقدمي خدمات الاتصالات "تطبيق حلول وإجراءات لمنع أنشطة تيليغرام في فيتنام"، وفقًا لـ "رويترز".

وتفيد الوثيقة بأن الوزارة اتخذت هذه الخطوة بتوجيه من إدارة الأمن الإلكتروني في البلاد بعدما أشارت تقارير بلاغات الشرطة إلى أن 68% من القنوات والمجموعات في تيليغرام، البالغ عددها 9600 قناة ومجموعة في فيتنام، تنتهك القانون، وترتبط أبرز هذه الأنشطة غير القانونية بالاحتيال والاتجار بالمخدرات و"القضايا التي يشتبه في علاقتها بالإرهاب".

وأكد مسؤول في وزارة التكنولوجيا لرويترز صحة الوثيقة، مشيرا إلى أن هذه الخطوة تأتي في أعقاب عدم مشاركة تيليغرام بيانات المستخدمين مع الحكومة عندما طُلب ذلك في إطار التحقيقات الجنائية.

ولم ترد إدارة تيليغرام أو وزارة التكنولوجيا الفيتنامية بعد على طلبات للتعليق.

ولا يزال تيليغرام، الذي يتنافس عالميا مع تطبيقات التواصل الاجتماعي الأخرى مثل واتساب التابع لفيسبوك ووي تشات، متاحا في فيتنام حتى اليوم الجمعة.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام

مقالات مشابهة

  • وزارة الخارجية السودانية: ننفي المزاعم غير المؤسسة التي تضمنها بيان وزارة الخارجية الأمريكية
  • سفير فيتنام بالقاهرة: نقدر دور مصر بقيادة الرئيس السيسي في دعم السلام والاستقرار بالشرق الأوسط
  • وثيقة حكومية: فيتنام تأمر بحجب تليغرام
  • فيتنام تصدر تعليمات بحجب تطبيق "تيليغرام" لعدم التعاون في قضايا "احتيال"
  • جامعة مدينة السادات تنظم قافلة طبية بقرية سلامون قبلي
  • نائب وزير الخارجية يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نائبة وزير خارجية فيتنام
  • مجموعة ترامب تبني منتجعا للغولف بـ 1.5 مليار دولار في فيتنام
  • بعد 50 عامًا.. جدل حول صاحب صورة فتاة النابالم الأيقونية في فيتنام
  • جامعة السادات تشارك في افتتاح المرحلة الأولى من مدينة «مستقبل مصر» الصناعية بالضبعة
  • بت اقرب الان لقول المسؤولة الأمريكية التي قالت قبل أشهر ان السودان فاشل في عرض قضيته