يضطر الفلسطيني عمر عاشور إلى قيادة مركبته مسافة 90 كيلومتراً يومياً للذهاب والإياب من منزله إلى مكان عمله منذ نحو شهرين، وذلك بعد أن كانت تلك المسافة لا تتجاوز 20 كيلومتراً، وذلك بسبب عزل الجيش الإسرائيلي مدن الضفة الغربية عن قرارها وبلداتها وعن بعضها بعضاً.

ومع ذلك فإن عاشور يعد "محظوظاً" إن استطاع سلوك تلك المسافة بأمان وسهولة، فالحواجز العسكرية الإسرائيلية على مداخل مدينة الخليل تعوق الحركة، وتجعل منها مهمة في غاية الصعوبة.

ولذلك أصبح عاشور يلجأ إلى ركوب مركبتين للذهاب إلى عمله والعودة منه، على أن يضطر إلى المشي مسافة تتجاوز ألف متر للتنقل بين المركبتين.

ويلجأ عاشور كعشرات آلاف الفلسطينيين الآخرين في تلك المنطقة الواقعة جنوب محافظة الخليل، إلى استخدام العربات لنقل حاجاتهم اليومية. وقال لـ"اندبندنت عربية" خلال تنقله سيراً على الأقدام، "وضعنا اليوم مشابه لأيام انتفاضة الأقصى في بداية عام 2000".

ويعيش عمر عاشور في قرية زيف جنوب الخليل قرب مدينة يطا، ويعمل في مدينة الخليل، حيث يفصلهما طريق التفافي أقامته إسرائيل في نهاية تسعينيات القرن الماضي.

وأشار إلى أنه يركب مع شقيقه في سيارة الأخير حتى الباب الحديدي الواقع على مدخل الخليل، ثم يمشيان مئات الأمتار قبل أن يستقلا مركبة والدهما المتوقفة على الجانب الآخر الواقع في مدينة الخليل.

وفي حين يذهب عاشور إلى مكان عمله يومياً، فإن أبناءه يبقون في المنزل، ولا يرتادون مدرستهم، حيث تم اللجوء إلى التعلم من بعد، بسبب صعوبة وصول المدرسين إلى مقر عملهم.

كذلك يضطر عيسى رواشدة الذي يعيش في منزله في بلدة السموع جنوبي الخليل إلى البقاء عند جدته في مدينة الخليل تحاشياً للذهاب والإياب إلى بلدته، في رحلة تستغرق نحو أكثر من 100 كيلومتر، بعد أن كان تحتاج إلى 40 كيلومتراً.

ويفضل رواشدة عدم الرجوع إلى منزله في السموع تجنباً "للمعاناة، وإمكانية إغلاق البوابات الحديدية على مدخل الخليل في أية لحظة".

وأغلق الجيش الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مداخل محافظة الخليل التي يعيش فيها أكثر من 800 ألف فلسطيني، وأبقى على مدخل واحد في شمال مدينة الخليل، لكن ذلك المدخل يتعرض للإغلاق أحياناً، أو نصب الجيش الإسرائيلي حاجزاً عسكرياً عليه للتدقيق في هويات الفلسطينيين وتفتيش مركباتهم.

وتعد إجراءات الجيش الإسرائيلي في محافظة الخليل، وهي الأكبر في الضفة الغربية، نسخة لما يفعله في محافظات الضفة كافة، والتي أصبح التنقل بينها وحتى بين المدن وقراها في غاية الصعوبة.

وحتى التواصل بين مدن الضفة الغربية أصبح "رحلة من العذاب"، لا يعرف الفلسطينيون كم تستغرق بعد إغلاق المداخل الرئيسة للمدن، واضطرارهم إلى سلوك شوارع فرعية، فعلى مدخل محافظة بيت لحم الجنوبي وضع الجيش الإسرائيلي أبواباً حديدية يفتحها في ساعات النهار، ويغلقها مع حلول الليل.

وأدى ذلك بالفلسطينيين الراغبين بالتنقل بين محافظتي بيت لحم والخليل إلى سلوك شوارع ضيقة في داخل قرى فلسطينية، في رحلة لا تخلو من الأخطار بسبب تحركات المستوطنين والجيش الإسرائيلي.

ومع أن السلطات الإسرائيلية حولت الضفة الغربية إلى "مناطق معزولة" حتى قبل الحرب الأخيرة عبر إقامة 567 حاجزاً، لكن الوضع أصبح أكثر سوءاً حالياً.

 وقال المسؤول في معهد الأبحاث التطبيقية "أريج" سهيل خليلية إن "الجيش الإسرائيلي وضع 140 حاجزاً وعائقاً جديداً منذ السابع من أكتوبر الماضي بهدف عزل مداخل المدن والقرى والبلدات الفلسطينية ومنع التواصل في ما بينها".

وأوضح خليلية أن إسرائيل تعمل أيضاً على "تقييد حركة الفلسطينيين ومنعهم من استخدام الطرق الالتفافية التي باتت لاستخدام المستوطنين فقط".

وفي مدينة نابلس أغلق الجيش الإسرائيلي الطرق الواصلة بين وسط الضفة وشمالها، وأبقى على قرية عوريف ممراً وحيداً للتنقل بين رام الله ومحافظات الشمال.

مع أن السلطات الإسرائيلية حولت الضفة الغربية إلى "مناطق معزولة" حتى قبل الحرب الأخيرة عبر إقامة 567 حاجزاً، لكن الوضع أصبح أكثر سوءاً حالياً​​​​​​​ وأصبح "حاجز عورتا العسكري" منفذاً وحيداً للقرية مع محيطها الخارجي، وممراً لتنقل الفلسطينيين بين محافظات شمال الضفة الغربية ووسطها.

وجاء ذلك بعد إغلاق الجيش الإسرائيلي منذ نحو شهرين الطريق الواصل بين حاجزي حوارة وزعترة العسكريين ومنع المركبات الفلسطينية من المرور عبرهما.

ويبلغ طول الطرق الالتفافية التي شقتها إسرائيل منذ أكثر من 20 سنة في الضفة الغربية نحو ألف كيلومتر. وتهدف تلك الطرق وفق خليلية "إلى تسهيل حركة المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، والتحكم في حركة الفلسطينيين بين المدن الرئيسة".

وأشار خليلية إن "إسرائيل لم تكن تلجأ قبل تأسيس السلطة الفلسطينية في عام 1994 إلى إغلاق الطرق الرئيسة بالحواجز والسواتر والبوابات، لكنها كانت تفرض حظر التجول على المدن والقرى الفلسطينية".

ويربط شارع رقم 60 بين شمال الضفة الغربية ووسطها وجنوبها، ويخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، إذ يجري العمل منذ سنوات على توسيعه لخدمة المستوطنين المنتشرين في أرجاء الضفة.

وقال الباحث الميداني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في مدينة الخليل عماد أبو هواش إن "الجيش الإسرائيلي حول محافظة الخليل إلى جزر مفصولة، وضاعف عدد البوابات الحديدية والسواتر الترابية على مداخل بلدات المحافظة وقراها".

وأشار أبو هواش إلى أن "إسرائيل تحاصر 800 ألف فلسطيني يعيشون في المحافظة، بـ20 حاجزاً عسكرياً ثابتاً".

وأوضح أن "الجيش الإسرائيلي اعتاد إطلاق الرصاص على مركبات الفلسطينيين خلال محاولتها الدخول إلى مدينة يطا، واحتجازهم والاعتداء عليهم، ووضع التراب في محركات مركباتهم"، بحسب شهادات جمعها

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

التسوية الإسرائيلية خنجر آخر في خاصرة الضفة الغربية

رام الله- مجددا يستحدث الاحتلال الإسرائيلي خطوات سياسية باتجاه الضم الفعلي لأراضي الضفة الغربية والهيمنة على أغلب مساحتها، وهذه المرة من بوابة استئناف "تسوية الأراضي" التي بدأت في العهد الأردني، وتوقف مع احتلالها عام 1967.

وحذرت أوساط رسمية ومختصون فلسطينيون من تبعات مصادقة المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر الإسرائيلي، المعروف اختصارا باسم "الكابينت" -الأحد الماضي- على استئناف تسجيل ملكية الأراضي بالمنطقة "ج" من الضفة المحتلة، والتي تخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة وتشكل نحو 61% من مساحتها.

وقسمت اتفاقية أوسلو-2 عام 1995 أراضي الضفة إلى "أ" وتشكل 18% وتخضع للسيطرة الفلسطينية بالكامل، و"ب" وتشكل 21% وهي تخضع لسيطرة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية، والنسبة الباقية منطقة "ج" وتقع تحت سيطرة إسرائيلية.

وباستئناف تسجيل الأراضي، ستتولى "وحدة تسجيل الأراضي" -وهي إحدى دوائر الإدارة المدنية وذراع حكومة الاحتلال بالضفة للشؤون المدنية- عملية تسجيل ملكية الأراضي في مناطق "ج" وسط مخاوف من مسارعة المستوطنين لتسجيلها بأسمائهم.

الاحتلال يتعامل مع مناطق "أ" و"ب" فقط على أنها فلسطينية (الجزيرة) ماذا تعني التسوية؟

يقصد بـ"التسوية" اختصارا عملية تسجيل الأرض، وبشكل أوسع "تسوية جميع المسائل والاختلافات المتعلقة بأي حق تصرف أو حق تملك في الأرض والمياه أو حق منفعة فيها أو أية حقوق متعلقة بها وقابلة للتسجيل، وتتناول تسوية الأراضي والمياه جميع الأشخاص والهيئات والجمعيات الذين لهم حق التصرف أو حق التملك أو حق منفعة في الأرض والمياه سواء أكان هذا الحق معترفا به أو متنازعا فيه وذلك استنادا لقانون تسوية الأراضي والمياه رقم 40 لسنة 1952" وفق هيئة التسوية الفلسطينية.

إعلان

ووفق اتفاقية أوسلو تتولى السلطة الفلسطينية، عمليات التسوية في المناطق "أ" و "ب" دون المنطقة "ج" ويتم ذلك من خلال هيئة التسوية وسلطة الأراضي اللتين تشكلتا لاحقا وفق قوانين أصدرها رئيس السلطة الفلسطينية.

ووفق تقرير لسلطة الأراضي الفلسطينية فقد تم حتى عام 2023 تسجيل 58% من مجمل مساحة الضفة الغربية البالغة 5.7 ملايين دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع).

ويكمن الخطر في القرار الإسرائيلي -وفق مختصين- في إيقاف السلطة عن عمليات التسوية التي تجريها منذ سنوات بالمنطقة "ج" حيث أعلنت سلطات الاحتلال مرارا عدم اعترافها بها.

كما جاء القرار الأخير ليجبر الفلسطينيين على التواجه لدائرة خاصة تتبع الجيش الإسرائيلي في الضفة  للقيام بأعمال التسوية وحتى ترخيص المنازل، مما يترتب عليه هيمنة الاحتلال على المساحات الأوسع والتي لا يتمكن الفلسطينيون من توثيق ملكيتها مع أنها آلت إليهم بالميراث.

ونظر لغياب التسوية لسنوات طويلة، فإن مساحات واسعة من أراضي الضفة إما مسجلة بأسماء أشخاص توفوا ولهم مئات الورثة أو غير مسجلة أصلا.

الخارجية" تحذر من تبعات مصادقة الاحتلال على "تسوية الأراضي" على فرصة تطبيق حل الدولتين

The Ministry of Foreign Affairs warns of the consequences of the occupation's approval of the "land settlement" on the prospects of implementing the two-state solution. pic.twitter.com/c9XiNRuHYs

— State of Palestine – MFA ???????????????? (@pmofa) May 13, 2025

تحذير فلسطيني

وحذرت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية -في بيان وصل الجزيرة نت نسخة منه- من تبعات مصادقة الكابينت على فرصة تطبيق حل الدولتين، معتبرة المصادقة على استئناف تنفيذ التسوية "امتداداً لحرب الإبادة والتهجير ضد شعبنا، واستخفافاً متكرراً بالشرعية الدولية وقراراتها وبالإجماع الدولي الحاصل على حل الدولتين".

إعلان

وأضافت أن "عدم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية وتلك الداعية إلى وقف حرب الإبادة، يشجع الاحتلال على التمادي في جرائمه وانتهاكاته الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية".

ومن جانب آخر، اعتبر رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح -في بيان- استئناف عملية التسوية "خطوة خطيرة تهدف إلى ترسيخ الاستيطان غير القانوني وتوسيع السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية".

وأضاف أن الخطوة تأتي ضمن خطة وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش لـ"تهويد الأرض وطرد الفلسطينيين من قراهم وبلادهم لصالح إقامة مستوطنات رعوية".

ووفق تصريح رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان لإذاعة صوت فلسطين الرسمية فإن "أعمال التسوية الأردنية قبل 1967 شملت 34% من مجموع الأرضي في الضفة، وبقي أكثر من 60% غير منتهية".

وأشار إلى "سيادة فعلية للاحتلال على 70% من الـ60% التي لم تتم تسويتها، وذلك قبل صدور قرار الكابينت.

أعمال التسوية الإسرائيلية تستهدف المنطقة "ج" بالضفة (الجزيرة) إخضاع الأرض

من جهته، يقول مسؤول العمل الشعبي بهيئة الجدار عبد الله أبو رحمة -للجزيرة نت- إن قرار الكابينت "خطوة من سلسلة خطوات تصب في خانة فرض السيادة والسيطرة الكاملة على الأراضي، حيث إن 60% (المنطقة ج) من مساحة الضفة خاضعة فعلا لسيطرته ومهددة بأعمال التسوية والتسجيل لصالح الاستيطان".

وأضاف أبو رحمة أن سنوات الاحتلال شهدت سلسلة إجراءات وأوامر بمسميات مختلفة هدفها وضع اليد على الأراضي "في انتهاك صريح لكل القوانين الدولية والقانون الإنساني الدولي".

وقال إن عمليات التسوية تهدد بنزع ملكية فلسطينيين لأرضهم، مشيرا إلى أن كل سجلات الأراضي منذ عهد الانتداب البريطاني بيد الاحتلال الذي أوقف عمليات تسجيلها والتي بدأت في عهد الأردن (1948-1967).

إعلان

وقال إن المطلوب حاليا "تحرك فلسطيني دولي على الصعيدين القانوني والسياسي لمواجهة القرار وإحباطه" إضافة إلى الفعاليات الشعبية.

مناطق شاسعة وفارغة شرقي الضفة مصنفة "ج" مهددة بالتسجيل لجهات استيطانية (الجزيرة) محاولات قديمة جديدة

يقول خبير الأراضي والاستيطان حسن بريجية للجزيرة نت إن "موضوع التسوية ومحاولة تثبيت ملكيات الأراضي للإسرائيليين قديم جديد" حيث تم التصويت عليه بجميع القراءات في الكنيست وأوقفه المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية.

وأضاف أن ما جرى الأحد "التفاف على المستشار القضائي بنقله إلى المجلس الوزاري لأخذ الموافقة عليه، لكن ذلك يتطلب أيضا مجموعة إجراءات قانونية قبل أن يدخل حيز التنفيذ".

وأشار إلى أن مصادقة الكابينت تأتي ضمن صفقة لإرضاء وزير المالية المتطرف سموتريتش "لكن في النهاية أراضي 67 فلسطينية  تقع تحت الاحتلال الإسرائيلي، وهناك  فتوى من محكمة العدل الدولية بعدم شرعية الاستيطان ووجوب إنهاء  الاحتلال، إضافة إلى قرار مجلس الأمن رقم 2334 الذي يؤكد أن الاستيطان غير شرعي".

وفي 19 يوليو/تموز 2024 اعتبرت محكمة العدل الدولية أن استمرار وجود دولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة "غير قانوني" مضيفة أن للفلسطينيين "الحق في تقرير المصير" وأنه "يجب إخلاء المستوطنات الإسرائيلية القائمة على الأراضي المحتلة".

وفي ديسمبر/كانون الأول 2016، أصدر مجلس الأمن قراره رقم 2334، والذي ينص عدم شرعية  المستوطنات في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية.

وأشار خبير الأراضي والاستيطان إلى أهمية التحرك الفلسطيني لدى المحكمة الجنائية الدولية وتقديم شكوى ضد إسرائيل.

مقالات مشابهة

  • استشهاد أربعة فلسطينيين في قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلًا شمال الضفة الغربية
  • "الأوقاف" تعلن مواعيد سفر حجاج الضفة الغربية المغادرين براً
  • تقدير إسرائيلي: الطريق إلى الهدوء الأمني في الضفة الغربية لا زال طويلا
  • استهداف نيراني لمستوطنين في الضفة الغربية.. وأبو عبيدة يُعلق
  • استهداف مستوطنين في الضفة الغربية.. وأبو عبيدة يصف العملية بـالبطولية
  • أبو عبيدة يبارك عملية إطلاق النار البطولية في الضفة الغربية
  • إعلام عبري: إصابات في عملية إطلاق نار شمال الضفة الغربية
  • صورة: الجيش الإسرائيلي يصدر أوامر إخلاء جديدة في مدينة غزة
  • التسوية الإسرائيلية خنجر آخر في خاصرة الضفة الغربية
  • الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا بإخلاء 3 موانئ في اليمن