الحلول من الخارج والعراقيل في الداخل
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
الحلول من الخارج والعراقيل في الداخل
خالد فضل
صحيح من ناحية نفسية قد يمتعض الإنسان عندما يكتشف عجزه عن حل مشكلة ما واجهته في حياته حتى أتاه الحل من خارجه، ولذلك نجد كثير من الناس يختمون موافقتهم على حل ما بالقول ( والله قبلت الحاجة دي عشان تدخل فلان ده ) حتى في حالات الخلاف بين الأزواج في البيت الواحد ، تغلق أبواب التفاهم بين الطرفين لحين تدخل طرف ثالث يدير المفاتيح فتشرع الأبواب.
الحياة العامة وشؤون البلد كلها هي صورة مكبرة فقط من حياة أسرة أو أفراد في المجتمع , فما هي الدولة والوطن غير مجموع الناس الذين يقطنونه ؟.
من هذه الزاوية أتصور أنّه من المناسب لنا كسودانيين أن نفكر بعقلانية أكثر، وأن نطرح كافة الخيارات السلمية المتاحة لنعبر ببلادنا من مأزق الحروب وويلاتها، وبالتالي قد تكون الحلول المعقولة تأتي من الخارج بعد إنغلاق أبواب التفاهم الداخلي، علينا أن نتذكر دوما أنّ تاريخ بلادنا منذ بداية تشكل ملامح خريطته المكانية الحالية هو تاريخ الحلول الخارجية، وفي أجواء ظلت مواتية لهذه الحلول لجهة العجز عن إيجاد معادلة محلية أو من الداخل لمعالجة المآزق والمطبات والعراقيل الداخلية التي يتم نصبها من السودانيين أنفسهم.
لقد إرتبط تأريخ بداية ملامح الدولة الوطنية في السودان الحالي بالغزو التركي المصري في عشرينات القرن التاسع عشر، قبل ذلك التاريخ لم يعرف سكان الأراضي التي احتلتها لاحقا ما عرف بجمهورية السودان، لم يعرفوا سلطة مركزية بعاصمة واحدة، اسم تلك السلطة (حكومة السودان)، كانت هناك ممالك وسلطنات وعمد وشراتي ومشايخ يحوز كل منهم على مساحة أرض ويتسمى باسم معين، هنا سلطنة الفونج أو السلطنة الزرقاء في أواسط السودان الحالي وجنوبه الشرقي، هناك في كردفان سلطنة المسبعات، ثم في دارفور سلطنة الفور التي تتداخل مع سلطنة وداي، هناك على نهر النيل ثمّ مكوك للجعليين والشايقية والدناقلة، وفي معظم الأوقات كانت هناك نزاعات وتقاطعات بين هذه المسميات وتنازع على السيطرة والنفوذ والثروة والسلطة، أزال التدخل الخارجي هذه المسميات كلها ضربة لازب لصالح (حكومة السودان) وهذه كانت من بواكير خلق الأسطورة الراهنة عن السودان وطنّا !!.
شبّت الثورة المهدية وبالفعل وجد الإمام المهدي البنية التحتية للبلد قد تأسست، وأقصد بها وجود بلد يحمل مسمى السودان، وبه مجموعات من السكان يتقسمون على عشائر وقبائل، ويلتفون _أغلبهم_ حول مشايخ طرق دينية اسلامية اسمها الصوفية، في مناطق السودان الأوسط والشمالي والغربي والشرقي، فيما كان الجنوب وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق تسود في معظمها الروحانية الإفريقية المحلية وقليل من المسيحية، البنية التحتية للسودان ذات سمة تعددية إذن ومن أمشاج التأسيس إلى يوم الناس هذا .
فشلت الدولة المهدية بعد سيطرتها على الحكم في العاصمة السودانية وفرض نفوذها على معظم الأراضي الموروثة من الحكم الأجنبي (المصري /التركي) ولم تقدّم لشعث السودانيين الملتئم حديثا ما يقنعهم بجدوى الدولة الوطنية المستقلة الموحّدة، غلبت عليها الصبغة الدينية وفق التصور المهدوي، وسادت فيها الجهوية بتقريب أبناء الغرب دون سواهم , ومارست الديكتاتورية فلم يسمح برأي آخر أو تعددية سياسية أو فكرية، لهذا ومع العراقيل الداخلية المنصوبة أمام السودانيين كان التطلع لحلول الخارج حاضرا، وعبّر أحد شعراء منطقة البطانة عن ذلك بندائه المشهور،يا أبوي النقز يا الإنجليز ألفونا ؛ إنّه اليأس من الداخل المفضي طبيعيا للتطلع إلى الخارج وحلوله الموضوعية في معظم الأحوال !!.
ومنذ الإستقلال عن الإستعمار الثنائي في الغام 1956م ، لم يعني الإستقلال لكثير من السودانيين شيئا سوى استبدال قهر بقهر وظلم بظلم , ولهذا نشأت التمردات الكثيرة في أنحاء البلاد المختلفة، وظلّت أبواب الحلول الداخلية موصدة , والعراقيل الوطنية تنصب دوما، تارة باسم الإسلام ومرة باسم الوطنية، وظلّ التطلع لحلول الخارج هو السمة البارزة، وماذا يفعل الناس عندما توصد أمامهم أبواب بيوتهم , ماذا يفعل الزوجان عندما ينغلق بينهما التفاهم، بل ماذا تعني السيادة الوطنية عندما تُداس كرامة الناس بوساطة من يفترض يتشاركون معه الوطن وسيادته وروحه , المثالية قد لا تعني شيئا لمكروب ومجروح ومهان، إنّه يرجو الحل ولو من الخارج، فالخارج لا يضج بالأعداء كما يصوره الباطش الداخلي، الخارج في معظم الأوقات السودانية العصيبة كان هو طائرات الإغاثة وبرنامج الغذاء العالمي وشريات الحياة ، كان أديس أبابا ونيفاشا وأبوجا وأسمرا والدوحة والقاهرة وفرانكفورت وسويسرا وجوبا _مؤخر_ كان الخارج هو الإيقاد والإتحاد الإفريقي والأمم المتحدة واليوناميس واليوناميد واليونسفا والجي إم سي واليونسيف واليونسكو، هيلاسي لاسي وسمبويا وموسيفيني وكيباكي وخليفة بن حمد وابوسانجو وحسني مبارك والملك سلمان وآبي أحمد وسمبويا وزوليك وبايدن والرباعية والثلاثية والثنائية واليوناتمس وفولكر، الخارج يقدم المقترحات يسهل المفاوضات يجهز القاعات ويخرج الإحتفالات، ونحن هنا ننقض عهدا إثر عهد إتفاقا بعد إتفاق نتملص من الإلتزامات ومع ذلك نردح ليل صباح ب( السادة الوطنية) !!!!.
الوسومالحلول الخارج الداخل خالد فضل
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الحلول الخارج الداخل خالد فضل
إقرأ أيضاً:
مدبولي: أولوية قصوى لاستكمال منظومة الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة
تفقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مركز سيطرة الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة بديوان عام محافظة الغربية .
ويأتي ذلك في إطار متابعة تنفيذ خطة الدولة لإنشاء وتفعيل مراكز التحكم والسيطرة ضمن الشبكة الوطنية الموحدة للطوارئ والسلامة العامة، والتي تمثل أحد أهم مشروعات البنية التحتية التكنولوجية الداعمة لقدرات الدولة في التعامل مع الأزمات والكوارث والطوارئ.
وخلال تفقده للمركز، أكد رئيس الوزراء أن الدولة تولي أولوية قصوى لاستكمال منظومة الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة، التي تُعد نقلة نوعية في آليات الحوكمة وإدارة الدولة للأزمات، مشيرًا إلى أن إنشاء مراكز سيطرة إقليمية ومحلية في مختلف المحافظات يعكس التزام الحكومة برفع كفاءة إدارة الطوارئ في إطار رؤية متكاملة لتعزيز الأمن والسلامة العامة.
وأشار الدكتور مصطفى مدبولي، إلى أن المركز بمحافظة الغربية يُمثل نموذجًا متطورًا لما يجب أن تكون عليه مراكز إدارة الأزمات الحديثة، من حيث التجهيزات التكنولوجية، والهيكل التنظيمي، وآليات التشغيل، مؤكدًا أن هناك تكليفات واضحة بضمان التشغيل الكامل للمركز وتوفير التدريب اللازم للعناصر البشرية، بما يضمن استدامة الكفاءة التشغيلية.
من جانبه، أكد اللواء أشرف الجندي، محافظ الغربية، أن المركز يُعد أحد أهم المشروعات الاستراتيجية بالمحافظة، وأقيم في ضوء توجيهات القيادة السياسية بإنشاء منظومة موحدة لإدارة الطوارئ في جميع محافظات الجمهورية، مشيرًا إلى أن المركز مُجهز بأحدث الوسائل التكنولوجية التي تُتيح تلقي وتحليل البيانات ومراقبة الكاميرات وشبكات الاتصال اللحظية، إلى جانب جاهزية فرق العمل التي تم تدريبها وفقًا لأعلى المعايير، مؤكدًا أن المحافظة تعمل على الاستفادة الكاملة من قدرات المركز في دعم عملية اتخاذ القرار وضمان استمرارية العمل في الظروف الاستثنائية.
وأوضح اللواء أشرف الجندي، أن مركز السيطرة بمحافظة الغربية يُعد مركزًا إقليميًا ضمن نطاق الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة، ويغطي محافظات: الغربية، وكفر الشيخ، والمنوفية، والدقهلية، بما يضمن الربط اللحظي بين هذه المحافظات في حالات الطوارئ، ويُسهم في إدارة الموارد الميدانية والتنسيق بين الجهات المعنية من خلال منظومة موحدة مؤمنة.
وخلال الجولة، استمع رئيس الوزراء إلى عرض شامل من اللواء أحمد أنور، السكرتير العام لمحافظة الغربية، حول مكونات المركز وآليات التشغيل، الذي أوضح أنه تم إنشاء المركز وتزويده بأحدث تقنيات الاتصال والتحكم، بما يتيح تحقيق التنسيق الفوري بين كافة الأجهزة التنفيذية والأمنية والخدمية، وسرعة اتخاذ القرار في حالات الطوارئ، بما يسهم في احتواء الموقف وتقليل زمن الاستجابة وتعزيز كفاءة التعامل مع مختلف أنواع الأزمات.
وأضاف السكرتير العام أن المركز يضم عددًا من القاعات التشغيلية والفنية، تشمل القاعة الرئيسية لغرفة العمليات لمتابعة البلاغات والتنسيق اللحظي، وقاعة إدارة أزمات كبرى تضم ممثلين عن 16 جهة تنفيذية من المديريات والأحياء والمرافق العامة، وقاعة اجتماعات مخصصة لإدارة المواقف الطارئة والتخطيط الفوري، وغرفة تحكم إلكتروني مُجهزة بالكامل لمتابعة البيانات والكاميرات وشبكات الاتصال اللحظي.
كما عرض آليات التكامل بين المركز والمنظومة القومية الموحدة، وآليات الربط مع الجهات والأجهزة التنفيذية بالمحافظة، وهيئات الإسعاف، والحماية المدنية، وكافة قطاعات المرافق الحيوية، بما يسمح بإدارة الأزمات بطريقة متكاملة قائمة على التحليل اللحظي للموقف الميداني.